د.ضرغام الدباغ
التعلم عبر التجربة
كثيرة هي الأمثال التي يتداولها الناس تلك التي تدل على فهم بسيط لموضوعات عميقة والتي يستحق فعلا أن ينتبه الناس لمغازيها العملية وليس قبولها على أساس الطرفة. واللبيب الذي يفهم من الإشارة، سيدرك بسرعة أن وراء هذا المثل أو المقولة، حكمة وعبرة كامنة، والأمر ليس للفكاهة بقدر ما هي للاستفادة من تجربة تختصرها كلمات صيغت من معاناة كانت لها نتائجها.
وفهم هذه الأمثال وقياسها السياسي هو ما يجعلنا استعراض هذه الأمثال مع شرح بسيط لها، ونشجع القراء على استنباط مفاهيم وأبعاد لها,
1ـــ مد رجليك على قدر لحافك: هي مقولة تدعوك لتفهم الواقع الموضوعي وعدم المبالغة بتقدير قواك مما سيجنبك ربما نتائج كارثية. والاقتصاد ويدعوك إلى استخدام عقلاني الاحتياطيات والقوة.
2ـــ بيع وأضحك وعد الدخل وأبجي : وهو مثل بغدادي مشهور، ذكي وعميق، ينصح أن لا تفرح بالنجاح الظاهري، فالخسارة التامة / القاتلة قد تكون كامنة في زاوية لم تجدها أنظارك، فتش جيداً عن نقاط ضعفك، قبل أن تعتقد أن المسائل المعروضة قد حسمت.
3ـــ جوز معدود بجراب مشدود : مثل يرمز إلى محدودية قدراتك، فأنتبه فهي إن كانت لا تزيد، أي غير قابلة للزيادة، فقواك في تضاءل، وقم بجرد مستودع قدراتك وأختبر تلك القدرات في ساحة العمل وتأكد من القدرة الحركية لها. واقتصد بما في حوزتك.
4ـــ حسابات الحقل هي غير حسابات البيدر: عليك أن تعلم نظرية يعرفها الفلاحون، أنك حين تجري حساباً نظرياً لحصاد قطعة أرض، فلنفترض أنك تجد أنها 10 أطنان مثلاً، ولكنك حين تحصد فعلاً، ستجد أم الحاصل الواقعي اقل من النظري قليلا أو كثيراً وهنا تكمن الحذاقة وحسن تقدير الموقف وحسابات النتائج النهائية، إذ عليك اعتماد النتائج النهائية، والقائد المحنك الذي وراء ظهره حصادات كثيرة، يستطيع أن يقدر أن المساحة المعروضة أمامه تقدر ب 100 طن، ولكن المحصول الحقيقي سوف لن يتجاوز800 / 850 طن
5ـــ الحجي عند لبس الحذيان : هذا مثل شائع يدور بين من يمارسون أي لعبة، أو مباراة، فمن يجتاحه الفرح في جولات اللعب الأولى عليه أن يتريث، فأنتبه ولا تسترخي فالنتائج الحقيقية هي في ختام الجولة الأخيرة. وليس هناك نتائج قبل أن تنتهي المباراة ويفض الاجتماع.
6ـــ لا يستعملون رؤوسهم للتفكير، بل للتهريج : هذا قول يردده الفقير إلى الله ضرغام الدباغ، فكل البشر وجميع أصناف الحيوانات لها رؤوس، لكن شتان ما بين رأس يفكر بدقة ورأس لا يعرف سوى التهريج. وهنا يتعين التميز بين رأس في عقل مدبر مفكر، وبين من يستخدم عقله للتهريج ليس إلا .....! وعليك أن تتبع أفضل السبل لاستخدام قواك العقلية وتطويرها.
7ـــ لا يعرف الجوع إلا من يكابده : خير وصف لهذه المثل، هو ما حدث أثناء الثورة الفرنسية، حين تساءلت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، لماذا الجموع غاضبة وثائرة، فقيل لها أنهم غاضبون بسبب فقدان الخبز، فقالت ولماذا الغضب فليأكلوا الكعك (الكيك). وفي هذا مثال صارخ لمن لا يعرف الجوع، ولا يعرف معنى أن يجد المرء نفسه وأطفاله وهم لا يجدون ما يسد رمقهم. فعلى السياسي أن لا يكون بعيداً عما يدور في أعماق الطبقات المسحوقة لكي يتجنب موقفاً يجهل مفرداته .
8ــ لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلى من يعانيها : وهذا مثل يدعوك إلى تفهم وتقبل واحترام مشاعر وحاجات الآخرين، فهناك متطلبات قد لا تفهمها لأنك لم تمر بمثلها، والمثل يدعوك إلى تقبل حاجات ومتطلبات الآخرين واحترامها.
9ــ من يأكل العصي ليس كمن يعدها : هذا مثل يدعوك على أن تضع نفسك في موضع المقابل، إن كان خصمك، أو إن كنت في موقع المراقب، وأن تتوقع ردود أفعال لم تضعها في حساباتك.
10ـــ كثير من العرق في التدريب، قليل من الدماء في المعركة : هذا مثل معروف في الخدمة العسكرية وفي فلسفة التدريب، والتدريب الراقي. وهو مؤكد من خلال التجربة، ففي مواجهة بين فوج / كتيبة مدربة تدريبا جيداً وراقياً، وبين قطعة مماثلة في العدد والعدة، ولكنها أقل تدريباً، فالنتائج ستكون لصالح القطعة المدربة بالتأكيد، وينبغي أن تدخل هذه القاعدة المعرفية في قناعات كافة العسكريين من ضباط وضباط صف وجنود. وأن الأقل تدريباً هو المعرض للقتل على الأرجح. ولقد حضرت مرة حادثة أن تقدم نقيب بعدم منحه شهادة التخرج من دورة عسكرية هامة لأنه لا يمتلك نفس قدرات خصمه المقابل في الجبهة، فهو سيقتل بالتأكيد وتتعرض وحدثه لإصابات مميتة. وهذا شعور عال بالمسؤولية. وفعلاً كوفئ الضابط على عرضه هذا.
1934 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع