الراحل علي الوردي في ميزان: أمثال وأقوال.(١)

 عبد الرضا حمد جاسم

الراحل علي الوردي في ميزان: أمثال وأقوال.(١)

المثل كما أتصور هو كلمات مموسقة مركزة فيها تشبيه وايجاز وبلاغة وحكمة... سهل سريع الحفظ والانتشار يفهمه ويستقبله ويرسله الجميع بمختلف مستوياتهم ومواقعهم... ينشز حين التلاعب به او تغيير صياغته او لحنه او حالة اطلاقه...له موقع متميز في تراث الشعوب وهو نتاج انساني لاختصار حكايات وقصص وعِبَرْ كثيرة وطويلة فهو وليد تجارب وهو توثيق متناقل وهو مرجعاً للدارسين وبالذات الاجتماعيين فلكل مثل حكاية ورواية وتاريخ وجغرافية وفيها نَفَسْ اجتماعي عميق واكيد في كل واحد من تلك الامثال رأي حاسم ودقيق ومُرَّكَزْ. وكل مثل وليد تجربة صاغه بليغ لغة وفهم ادبي. وهو جزء من ثقافة المجتمع وارثه التاريخي.

للراحل الوردي له الذكر الطيب جولات وصولات مع الامثال بِحُكم طبيعة دراساته وكون الامثال جزء من الثقافة الاجتماعية وله بعض التفرد في ذلك بالذات في مكان وزمان استعمالها او طرحها وفي التلاعب في بعضها وتحريف البعض للاستفادة منه سواء عن سوء فهم وهو واقع او تحريف متعمد ربما لاستخدامه قسراً في غير محله في اسناد ما يريد فهو لا يلوي المثل الغير قابل لللي... انما يرخي أوتار الالة الموسيقية التي يستعملها في عزف المثل وكذلك يتلاعب في سلمه الموسيقي... ان الاستخدام غير السليم غير الحكيم للمثل يلغي من استند اليه وما سُند به... شخصيا اشعر ان الراحل الوردي لا يعرف كيف ومتى واين يستعمل بعض الامثال وانه تعمد تحريف بعضها.

اليكم بعضها كما وردت في كتب الراحل الوردي:

1ـ في كتاب خوارق اللاشعور/1952 ص52 كتب التالي: قيل في أحد الامثال الغربية: [غير معيشة الانسان يتغير بذلك تفكيره]. هنا عندما أراد الكلام عن العقل والأفكار.

وفي ص55 من كراسة الاخلاق/1958 كتب: وبهذا يصدق قول القائل: [غير معيشة المرء تتغير اخلاقه]. هنا عندما أراد الكلام عن الاخلاق فأعاد صياغة المثل ليستند اليه.

2ـ في كتاب مهزلة العقل البشري/1955 ص33 كتب: [من تمنطق فقد تزندق] وتفسيراً لهذا القول كتب: والانسان اذ يكسر تقليدا واحداً لا بد ان يأتيه يوم يكسر فيه كل التقاليد وهو بذلك استفاد من جهة وتضرر من جهات أخرى ومن هنا جاء القول القائل [من تمنطق فقد تزندق].

وفي ص42 من نفس الكتاب كتب التالي: ان الهندسة والحساب والفلك تؤدي اخر الامر الى التفلسف والتفلسف يؤدي بدوره الى الشك والتساؤل والقلق ولذا يمكن القول ان الانسان حين ابتكر المدنية دخل في ورطة لا يدري كيف يخرج منها [فمن شك بالله كفر. ومن تزندق تمنطق].

هناك من تمنطق تزندق وهنا من تزندق تمنطق!!!

3ـ ص39 من مهزلة العقل البشري/1955: [إن المتمدن إذا جاع سرق وإذا شبع فسق]! هنا المتمدن عندما تكلم الراحل الوردي عن المدنية وما يرافقها من شقاء كما قال.

وفي ص92 وعاظ السلاطين/1954 كتب التالي: ان الانسان يريد ان يأكل فاذا لم يجد ما يأكله اكل لحوم البشر اما إذا شبع واُترف وحفت به مظاهر النعيم فانه يتطلع آنذاك الى الفسوق والفجور يقال عن [الانسان انه إذا افتقر سرق وإذا اغتنى فسق]..... هنا الانسان بشكل عام.

وفي ص170 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/ 1965 كتب التالي: ان القبائل البدوية في الصحراء تحتقر الحضارة بشتى مظاهرها وقد جاء في أحد امثالهم قولهم:

[البدوي إذا تحضر فسد]. هنا البدوي عندما أراد ان يتكلم عن البدو والصحراء.

4 ـ مهزلة العقل البشري/1955 ص 40 كتب: شعار البدائيين: [القناعة كنز لا يفنى]. وهم لا يدخرون شيئاً لغدهم فهم يقولون كما يقول البدوي: (اصرف ما في اليد يأتيك ما في الغد)؟...المثل المعروف في العراق هو: [اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب]. أعتقد لم يُؤخذ معنى الغيب المؤثر في الواقع العراقي حيث هو أن الله هو الرزاق وهو عالم الغيب. اما الغد فهو غير صحيح كما اتصور لآن الغد ربما بعيد اما الغيب فربما بعد لحظات.

5ـ مهزلة العقل البشري/1955 ص94 كتب: [إذا اردت ان تطاع فمر بما يستطاع]. وفي ص8 وعاظ السلاطين/1954: [إذا اردت ان لا تطاع فمر بما لا يستطاع].

6ـ في ص 228 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب الوردي: [الْدَّين زرف] وعند توضيحه للقول كتب: [من الامثال الشائعة في الريف العراقي قولهم "الدين زرف" ولهذا تجد الديون تتراكم على الفلاح في أكثر الأحيان حتى إذا حل موعد الوفاء وجد نفسه عاجزاً عن الأداء وهو عندئذ يضطر الى إعادة تسجيل الدين عليه مع إضافة ربا جديد إليه أو هو يعمد الى الاستدانة من شخص آخر لكي يوفي دينه القديم وهذا هو ما يعبرون عنه في الريف أنه "يلبس كلاو بكلاو".أن الفلاح لا يلجأ الى بيع شيء من ممتلكاته لوفاء ديونه المتراكمة ولكنه عندما يضايقه المرابي او يطارده بوسائله المتنوعة يلجأ الى بيع بعض ابقاره او زوارقه او بنادقه او ما اشبه ليوفي به دينه كله او بعضه...الخ] انتهى

...وفي ص36 من كراسة الاخلاق/1958 يقول [الدين رزق]. وللتوضيح كتب التالي: [من الامثال الشائعة في الريف العراقي قولهم "الدين رزق" وأحسب في هذا القول إشارة الى انهم يستسهلون اخذ الدين ويستصعبون وفاءه فالدين رزق ساقه الله إليهم وهو قد أصبح ملكا لهم وليس من الهين عليهم ان يرجعوه من تلقاء أنفسهم وهم في الوقت ذاته يشعرون بالغبن حين يأكل أحد الناس ديناً لهم عليه] انتهى

المشكلة هنا في تفسير وتبرير المثل وبتحريف. والغريب ان الصيغة الثانية طرحها الوردي في محاضره في الجامعة الامريكية في بيروت وامام زملاء له وطلاب وباحثين ونشرته الجامعة في دورياتها في حزيران عام 1957...والصيغة الأولى تضمنه كتابه الأهم و الاوسع انتشاراً واقصد به دراسة في طبيعة المجتمع العراقي /1965

7ـ في ص296 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب التالي: هناك أمثال بدوية شائعة في الريف ولها أثرها في المدن أيضا وهي قولهم:

[أكل الرجال على قدر افعالها] ... لا اعتقد ان هناك مثل بهذه الركاكة فأصل المثل هو:’’ الرجال بأفعالها’’ [الرجال على قدر افعالها]

ويقول: وقولهم: [كل مثل السباع وقم قبل الرجال بساع] ...؟؟؟

وقولهم: [كل مثل الجمال وقم قبل الرجال] ...؟؟؟

8ـ في وعاظ السلاطين ص12: [أحدهم يحمل لحيته والاخر يشكو من وخزها].

المسموع هو: (واحد شايل لحيته والثاني متعاجز منها) او (واحد مطول لحيته والثاني متعاجز منها)

وردت هنا تحت قول الوردي: إني اكاد اجزم بان منطق الواعظ الافلاطوني هو منطق المترفين والظلمة فهم يشغلون الناس بهذا المنطق قائلين لهم: لقد ظلمتم انفسكم وبحثتم عن حتفكم بظلفكم وبهذا يستريح الظالم لاهيا بترفه وملذاته بينما يستغيب المظلوم ويطلب الغفران وهنا ينطبق المثل الدارج: "أحدهما يحمل لحيته والاخر يشكو من وخزها"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تعليق: لا اعتقد هناك علاقة بين المثل واستخدامه هنا!!!

9ـ مهزلة العقل البشري/ 1955ص38: لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا ايضاً لا يقلقون وقد يصح أن نقول: إن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان. (المتنبي: ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله...وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم).

تعليق: لكن كيف كان البشر لا يفكرون؟؟ من زرع ومن اختار الطعام ومن أشعل النار؟؟؟؟

10ـ ص117 دراسة في طبيعة المجتمع العراق/1965 تحت عنوان فرعي خداع الكريم كتب: جاء في أحد الامثال البدوية: [إن الكريم إذا خدعته انخدع]

الصحيح هو [إن الكريم إذا خادعته انخدع] ...

تعليق: احياناً وبدون ضرر تمرير الخديعة وقبولها من الكرم لذلك بيت الشعر قال: إن الكريم...هكذا اتصور

11ـ في ص81 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب التالي: جاء في بعض الأمثال البدوية قولهم’’ الحلال ما حل باليد’’ وقولهم ’’ الحق بالسيف والعاجز يريد شهود’’ وهناك أمثال أخرى بهذا المعنى وهي كلها تشير الى ان البدو يفهمون الملكية بخلاف ما يفهمها الحضر.

تعليق: ’’ الحلال ما حل باليد" ما حل باليد يعني كما افهم ما اُنتج باليد...نتيجة الجد والجهد والعمل فهو حلال على منتجه او صانعه.

أما "الحق بالسيف والعاجز يريد شهود" يعني الحكمة والدقة فالحق الواضح إذا لم يُعطى لأصحابه ولا يستطيع أحد الاعتراض او التشكيك والا يؤخذ/يُنتزع بسيف العدل وسيف الحق وسيف القانون وسيف الشخص...اما من يكون حقه ضائعاً كما يتصور وهو غير واضح او مشكوك فيه فيحتاج الى شهود ثقات لتوضيحه وتأكيده حتى يستحق ان يطالب به ويُعطى له. لو كان القول فقط "الحق بالسيف "لكان بالإمكان تفسيره ب" بقوة السيف" لكن دخول العاجز والشهود تلغي تفرد القوة او الغصب.

12ـ في ص 130 مهزلة العقل البشري/1955 كتب الراحل الوردي: هذا الانسان ذاته إذا حزن في وقت آخر كره أن يرى أحداً ضاحكاً فرحاً فهو يقول: (الضحك بلا سبب من قلة الادب)...اعتقد الموضوع لا يمر بجانب الحزن انما عدم الاهتمام/الاحترام... المعنى هنا ان للضحك أوقات ومناسبات فليس من المعقول ان يضحك الانسان في كل وقت وكل مقام.

13ـ في ص 12وعاظ السلاطين/1954 كتب: [أحدهم يحمل لحيته والاخر يشكو من وخزها].

المسموع /المتداول هو: (واحد شايل لحيته والثاني متعاجز منها) أو (واحد مطول لحيته والثاني متعاجز منها).

ورد هذا المثل هنا في قول الوردي: إني اكاد اجزم بان منطق الواعظ الافلاطوني هو منطق المترفين والظلمة فهم يشغلون الناس بهذا المنطق قائلين لهم: لقد ظلمتم انفسكم وبحثتم عن حتفكم بظلفكم وبهذا يستريح الظالم لاهيا بترفه وملذاته بينما يستغيب المظلوم ويطلب الغفران وهنا ينطبق المثل الدارج:" أحدهما يحمل لحيته والاخر يشكو من وخزها"؟؟؟؟

تعليق: اعتقد ان هذا ليس مكان مثل هذا المثل.

طبعاً هناك الكثير لمن يريد ان يبحث في كتب الراحل الدكتور علي الوردي له الذكر العطر الدائم والرحمة

يتبع لطفاً..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع