أحمد العبدالله
قصة صدّام حسين مع قيادي بعثي مخادع!!
الكذب والمداهنة والتملّق والتلوّن, من أقبح الصفات التي تصيب البشر, وخصوصاً إذا كان صاحبها يتبوّأ مسؤولية أو منصبا مهما. وهذه الصفات لصيقة بالإنسان الضعيف والانتهازي, ليبلغ بها مصلحة ذاتية دنيوية تافهة. وقد قال النبي الكريم محمّد(صلى الله عليه وسلم)؛[أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر]. وعادة ما تتفشّى هذه الصفات الذميمة, في الأنظمة الدكتاتورية, حيث تشيع أجواء الرهبة والخوف, ولا تصيخ للرأي الذي يخالف ما تعتقده, والذي تراه هو الحق المبين, وعداه هو الباطل المشين. وكما قال فرعون لقومه لما استخّفهم فأطاعوه؛((مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ))!!.
وفيما يتعلق ببلدنا العراق, فقد شهد(سوق الكذب)رواجاً أو كساداّ خلال فترات مختلفة, وباختلاف الأنظمة والحكام الذين تعاقبوا عليه, وبلغ ذروته في الفترة ما بين 1990-2003, حيث تبارى الكثيرون, لكيل المديح الكاذب وإعطاء العهود والوعود, والقسم بأغلظ الأيمان عليها, من كبار المسؤولين في الحزب والدولة, وقادة عسكريون, وشيوخ عشائر, وعلماء دين, وغيرهم, وكأنهم في مزاد مفتوح, ونسوا أو تناسوا, قوله تعالى؛((كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)).
ففي اجتماع(مجلس قيادة الثورة), الذي عُقد عشيّة غزو الكويت وترتب عليه اتخاذ أخطر قرار في تاريخ دولة العراق الحديث, عرض الرئيس صدام حسين موضوع اجتياح الكويت للنقاش, فتبارى المسؤولون الخمسة أو الستة(الكبار)الحاضرون في الثناء عليه, وتشجيع الرئيس وحثّه على المضي قدماً فيه, دون حساب لعواقبه الكارثية. وكان الصوت(الشاذ)الوحيد, هو صوت طارق عزيز, الذي قال؛ إن احتلال الكويت يعني مواجهة مع أمريكا. فاستخفَّ بهذا القول اثنان من الحاضرين*, وقالا: أمريكا ؟!, أين تقع أمريكا ؟, نحن لا نعرفها, دلّنا عليها لو سمحت!!. فعقّب صدام حسين, قائلاً؛ فكّروا مليّاً, فقد تتعرّضون للضرب حتى بالقنابل الذرية, فهل أنتم مستعدون لذلك؟, فأجاب الجميع تقريباً؛(عد عيناك سيدي)!!. وبعد سبعة أشهر من الاجتماع المذكور, قرّر المجتمعون أنفسهم, التراجع وبـ(الإجماع)!!عن عودة(الفرع الى الأصل).
إن هذه القرارات الارتجالية والمتسرعة, والتي تُتّخذ من قبل حفنة من الأشخاص,(أغلبهم)غير مؤهّلين, والتي لا تزال تداعياتها الكارثية تترى وعلى شكل متوالية هندسية وباضطراد, وكل تلك القرارات بـ(الإجماع), وكأن أعضاء القيادة تلاميذ صغار في مدرسة ابتدائية!!. وبعد أن رأوا تلك الحشود الضخمة التي لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية, داخلهم الخوف والتوجس من كارثة تحيق بالعراق وتلوح في الأفق القريب, ولكنهم أصرّوا على الخطيئة, ولم يعملوا بقاعدة؛(دفع الضرر الأكثر بضرر أقل), وصمّوا آذانهم عن كل النصائح الداعية للانسحاب من الكويت قبل وقوع الكارثة الكبرى.
وفي حديث مسجّل للرئيس صدام حسين في سنة 1991, تم نشره من قبل الأمريكان بعد الاحتلال يتحدث فيه عن أحد أعضاء القيادة(الكبار), دون أن يسمّيه, والذي جاءه(معاتباً), لأنه بموافقته على وقف إطلاق النار, قد(حَرَمه)ورفاقه من (شرف قتال الأمريكان)!!. ولكن الرئيس في سنة 2003, لم يحرم هذا(الرفيق المخادع) من ذلك الشرف, والذين جاءوا هذه المرّة إلى عقر دارنا واحتلوا بلادنا, ولم يكتفوا بالقتال عند حدوده, كالمرّة السابقة.
وعندما ذهب الرئيس صدام حسين إلى(البرلمان)يوم 7-8-1990, ليستمزج رأيهم بموضوع ضمِّ الكويت, وقال لأعضائه؛ ناقشوا القرار واعلمونا برأيكم لاحقاً. فوقف على الفور رئيس البرلمان؛ سعدي مهدي صالح, صارخاً؛(الشعب لا يُستشار بقضية عودة الفرع الى الأصل)!!, ثم هتف؛ نعم..نعم, للقائد صدام حسين, فردّد الحاضرون ما قاله, وكأنهم في درس النشيد في روضة للأطفال!!. ومرَّ القرار بـ(الإجماع)أيضا من قبل ممثلي الشعب, أو من يُفترض أن يكونوا كذلك, دون أي مناقشة أو تصويت. وبعد حين, اتخذ البرلمان بأعضائه ورئيسه أنفسهم, قراراً مضاداً, بانفصال(الأصل عن الفرع )!!هذه المرة.
والأغرب من كل ذلك, إن الرئيس صدام حسين بعدما رأى حصاده المرّ لسياساته الخاطئة السابقة, وإن الشعب الذي كان يهتف له بالملايين في شوارع ومدن العراق, صارت(ملايين) منه تصفّق للـ(انتفاضة الشغبانية) التي أطلقتها إيران وحثالاتها, ودمّرت وخرّبت وأحرقت ما لم يستطع العدوان الأطلسي من فعله. وإن رهانه على الجماهير العربية التي ستتحرك لـ(إزالة عروش الحكام العرب الخونة)!!, كلُّ ذلك لم يحصل. فخسرنا الكويت ودُمّر العراق, واستمرت السياسات الخاطئة نفسها, وبالوجوه نفسها تقريباً على مدى السنوات الـ12 العجاف, حتى تم احتلال العراق في ظل(قيادة النكبة), كما وصفها علي حسن المجيد, والتي كان هو أحدها. وانتهى حكم صدام حسين, ومعه كانت نهاية العراق القوي المقتدر, بتلك الطريقة المأساوية الأليمة, وتسلّطت علينا ضباع الأرض, وأدّى ذلك الى ما أدّى إليه, ونحن نعيش الأن فصله الأخير, وقد لا يكون آخرها.
..................................
* لم ينشر الأمريكان محضر هذا الاجتماع كما فعلوا مع غيره, لغاية في أنفسهم. وبذلك لا يمكننا التثبت؛ من هما العضوان؟, ولكنني أرجّح إنهما؛ طه الجزراوي وعلي حسن المجيد.
2868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع