علي محمد فخرو*
شعار سابع فى المشروع النهضوى العربى
أما وأن العالم يواجه الآن أزمة كبرى تطال القيم الإنسانية والأخلاقية، وحتى الدينية، فإن الحاجة ملحة لأخذ ذلك بعين الاعتبار فى الحياة العربية أيضا. ذلك أن موضوع القيم، كمعيار ضرورى مرجعى حاكم للفكر والممارسات فى الحياة العصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التكنولوجية وغيرها، قد أصبح الشغل الشاغل للكثير من الأوساط والمؤسسات والأشخاص فى كل بقاع العالم.
يعيش العالم الآن خلافات حادة حول أى القيم التى يجب أن تكون لها الأولية، وحول موضوعية مدى استعمالها كمعايير حاكمة، وحول مرجعيات تلك القيم التاريخية والحاضرة، كل ذلك يشابه المناقشات والخلافات الحادة التى عاشها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حول الفلسفات والأيديولوجيات التى يجب أن تحكم العالم.
من هنا أهمية أن نطرح كعرب على أنفسنا العديد من الأسئلة التى تمسنا مباشرة بالنسبة لهذا الموضوع.
فأولا، هناك المشروع النهضوى العربى الذى يطرح شعارات الوحدة العربية، والاستقلال الوطنى والقومى، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والتجديد الحضارى. فهل يجب أن يضاف إلى شعاراته الستة تلك شعار سابع مستقل يتعلق بالقيم الإنسانية والأخلاقية التى يجب أن تكون معيارا يحكم فكر وممارسات تلك الشعارات الست؟
ذلك أن إدخال هذا الموضوع فى المشروع النهضوى سيجعل ممارسته فى كل ما يمس الحياة العربية حاجة وجودية تجعله متواجدا فى كل نضال من أجل أى هدف مجتمعى جماهيرى تطرحه القوى المدنية العربية.
وثانيا، هل شعار القيم، كمعيار ضرورى حاكم، يجب أن يكون جزءا أساسيا من عملية التثقيف السياسى للشابات وللشباب العربى؟ تماما كما كنا فى الماضى نعتبر شعار الوحدة العربية هو الذى يحكم تبنى أو عدم تبنى بقية الشعارات الأخرى، على أساس أن كل ما يقرب من الوحدة العربية هو الشعار المقبول وأن ما يبعد عن الوحدة العربية هو المرفوض.
وفى هذه الحالة أى القيم ندخلها فى الحياة الجمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية وأى القيم نتركها للقرار الفردى، لأنها فى الأساس تخص الفرد ولا تمس الجماعة؟
نطرح تلك الأسئلة، وغيرها كثير، بعد أن أصبح موضوع القيم مطروحا فى كل مساحة من النشاطات الإنسانية. لقد أصبح مطروحا بقوة فى الحياة السياسية وعلى الأخص بالنسبة لأهميته فى تعديل مسار الأنظمة الديمقراطية، ومطروحا بقوة فى الحياة الاقتصادية بعد أن تبينت نقاط الضعف الكثيرة فى الفكر النيوليبرالى الرأسمالى العولمى، ومطروحا بقوة فى الحياة الاجتماعية بعد أن تصدعت أسس العائلة وعلاقاتها فى المجتمعات الحديثة، ومطروحا بقوة فى الحياة الجنسية بأشكال لا تعد ولا تحصى بحيث تهدد مفاهيم الطبيعة والعلاقات الإنسانية التى عرفها الإنسان عبر القرون الطويلة السحيقة من تاريخه، ومطروحا بقوة فى الكثير من جوانب الساحتين العلمية التجريبية والتكنولوجية ذات القدرات الهائلة فى التأثير على الإنسان، وأخيرا مطروحة فى ساحات الأسس والممارسات التى تقوم عليها العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة. وبالطبع فإن هذا الموضوع برمته فى قلب ساحة الديانات جميعها بصور متفاوتة.
لا توجد فترة تاريخية أخرى شهدت مثل هذا الزخم فى طرح موضوع القيم كما هو الحال فى عصرنا الحالى.
ولذلك فمن حق شبابنا وشاباتنا أن يكون هذا الموضوع جزءا لا يتجزأ من تثقيفهم فى البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع، وأن يكون جزءا من الميزان الذى يقيسون به كل نشاطات الحياة، حاضرا ومستقبلا.
*مفكر عربى من البحرين
1443 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع