د.أكرم عبدالرزاق المشهداني
من أساتذتي الأجلاء عبدالأمير العكيلي يرحمه الله(*) علم من أعلام القانون والقضاء
رحم الله أستاذنا الفاضل/ عبدالأمير العكيلي إنتقل إلى جوار ربّه عام 2010 بعد عمر حافل قضاه في البحث والتدريس والقضاء وخدمة طلاب العلم والقضاء في العراق والوطن العربي، حيث تخرجت أجيال من رجال القانون والقضاء على يديه الكريمتين، وتربت على علمه وخصاله الحميدة.
وفي وفاته يرحمه الله، خسارة لاتعوض للعراق وللأمة، فهو مرجع قانوني وقضائي وخدم العدالة وسوح العلم القانوني خدمة خالصة مخلصة، وترك مؤلفات قيّمة من بعده يستزيد منها طلبة القانون والقضاء ولا يجدون عنها بديلاً.
ولد الأستاذ عبدالأمير (أبو سامي) ببغداد الكاظمية عام 1920 والتحق بعد اكماله الدراسة الثانوية بكلية الحقوق وتخرّج منها عام 1943. ثم إلتحق بجامعة فؤاد الاول في القاهرة لينال منها دبلوم القانون الجنائي. والاستاذ العكيلي هو من بنو عقيل الذين يلقبون بالعقيلي و(العكيلي) وهي قبيلة مضرية نزارية عدنانية النسب جزأ من قبائل العرب ألأقحاح.
مارس الأستاذ/ العكيلي المحاماة لفترة قصيرة، ثم عين مدرسا ً في كلية الحقوق بجامعة بغداد، ثم عيّن نائباًً للمدعي العام سنة 1950 ثم حاكما ً مُقررا ً في محكمة التمييز ، ليعين عام 1960 رئيسا ً للإدعاء العام. وكان قبلها قد عين بالمرسوم الجمهوري ذي الرقم 127 الصادر بعد أيام من ثورة 14 تموز 1958، عضوا ً في الهيئة الاستشارية لرئيس الوزراء المرحوم عبد الكريم قاسم واختير عضوا ً دائماً للهيئة الاستشارية القانونية الاسيوية الافريقية ومثل العراق في الكثير من المؤتمرات القانونية الدولية
نشر الكثير من البحوث القانونية في الدوريات القانونية ولديه العديد من المؤلفات القانونية طبع منها:
·محاضرات في العقوبة 1948.
·محاضرات في التحقيق الجنائي عام 1949
·كتاب شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي وتعديلاته الذي طبع عام 1949
·كتاب شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي، التحري وجمع الأدلة
·كتاب شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي، المحاكمة والطعن عام 1970
·كتاب الدعوى العامة والدعوى المدنية عام 1971
·كتاب النظام القانوني للادعاء العام في العراق والدول العربية عام 1999 بالإشتراك مع د. ضاري خليل محمود.
منح لقب استاذ متمرس في جامعة بغداد وكان يحاضر في المعهد القضائي وفي كلية الحقوق التابعة لجامعة النهرين، إضافة لإشرافه على العشرات من الرسائل الجامعية وشارك في مناقشات الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه كما مارس التدريس في كلية الشرطة فترة من الزمن. سيبقى إسم أستاذنا الجليل عبدالأمير العكيلي خالداً في أروقة القضاء وجامعاتنا من خلال ماقدمه للعلم .
يروي السيد/ عبدالرزاق الصافي أنه كان واحداً من المتهمين بالتظاهر يوم 27/كانون الثاني/1952 إحياءً لذكرى وثبة كانون الثاني 1948 التي اسقطت وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث بين العراق وبريطانيا . انتهت المرافعة واصدر القاضي المذكور حكمه بالافراج عن جميع المتهمين لعدم توفر الادلة، وذلك تحت ضغط الرأي العام ودفاع محامي المتهمين من لجنة معاونة العدالة الذي القاه عامر عبد الله. وعند الانتهاء من تلاوة قرار المحكمة هتف عبدالرزاق يومها :" تعيش ذكرى وثبة كانون المجيدة شوكة في أعين الاستعمار والرجعية ". الامر الذي اعتبره القاضي برهان الدين الكيلاني إهانة للمحكمة ! وإخلالاً بالتعهد الذي فُرض عليَّ قبل سنتين بحكم منه بعدم القيام بأي عمل يُخل بالامن العام لمدة خمس سنوات. ولذا حكم عليًّ بضرورة تنفيذ الحكم الذي سبق واصدره قبل سنتين بالسجن أحد عشر شهراً مع وقف التنفيذ. واُودعتُ السجن على اثر ذلك. وكانت وقائع الجلسة التي حكمني بها بإختصار هي التالية : شهد الشهود باني هتفت الهتاف المذكور. وكان ممثل الادعاء العام في الدعوى طيب الذكر الاستاذ عبد الامير العكيلي نائب المدعي العام يومذاك الذي سأل الشهود عن الوقت الذي حصل فيه الهتاف هل كان أثناء نطق القاضي بالحكم أم بعده، فأجمع الشهود ان ذلك كان بعد انتهاء القاضي من تلاوة الحكم. ولذا قال القاضي العكيلي في مطالعته : ((مادام الهتاف قد حصل بعد تلاوة قرار المحكمة فلم يعد للمحكة وجود، وبالتالي لا وجود لإهانة)).
علاقتي بالأستاذ العكيلي:
علاقتي بالأستاذ المرحوم عبدالامير العكيلي تعود الى اواسط خمسينات القرن الماضي، حيث كان جاراً لي في منطقة العطيفية الأولى، وكان بيته من البيوت الكبيرة المشهودة على شارع كورنيش العطيفية ويطل على شارعين، و كان يزوره في داره كبار الشخصيات العراقية والعربية.
من خلال صداقتي مع اولاده كل من المرحوم سامي (قاضي توفي في اواخر التسعينات اثر مرض عضال) والمرحوم عادل وصديقي العزيز رياض (ابو زيد) وشقيقيهما صباح و سعد. كان المرحوم العكيلي متواضعا محبا للناس يساعد الفقراء ولا يعرف التكبر، بيته مفتوح لطلبة العلم يساعدهم من مكتبته الغنية. تخرج على يديه العشرات من الدكاترة لكنه لم يكن يحمل سوى شهادة الدبلوم العالي، لكن علمه وثروته العلمية وخبرته ومؤلفاته الثمينة تعادل اكبر من عشرات الدكتوراه. من خلاىل صداقتي مع اولاده وبالاخص منهم رياض، كان يعرف عني كل شئ، وكان يعرف هوايتي المبكرة للصحافة والمجلات التي كنت اخطها باليد، وكان ممن يقراونها حيث يوصلها رياض الى والده وكان يشجعني كثيرا على التاليف والمطالعة والاستزادة من العلوم والمعارف. وبسبب كونه مستشارا قانونيا لدى مكتب رئيس الوزراء ورئيسا للادعاء العام، تعرضت داره لهجوم الغوغاء صبيحة 8 شباط 1963، وكان قد ترك الدار يومها فما كان من هؤلاء الا سرقة طيوره التي يربيها في حديقته. لم يكن الاستاذ العكيلي يحب السياسة وغير منتم الى اي حزب او جماعة كان محبا للعراق وللعلم، منكبا على التاليف والتدريس ومناقشة اطاريح الدراسات العليا في القانون وكتبه مراجع لاغنى عنها لكل دارس للقانون.
ومن ذكرياتي معه اشتراكي معه في لجنة قانونية بوزارة العدل أواسط التسعينات، ضمت العديد من رجال القانون والاطباء لوضع قانون خاص للصحة العقلية واستمر عمل اللجنة حوالي السنتين، واتممنا وضع مسودة القانون ولا ندري اين حل الوضع بهذا القانون؟
رحم الله استاذنا الجليل عبدالامير العكيلي وجزاه عنا وعن العراق وعن الامة خير الجزاء لما قدمه من تراث علمي معرفي في مجال القانون عامة وفي مجال الاجراءات الجنائية خاصة.
ملاحظة:للأسف الشديد لم تتوفر لدّي صورة حالياً للاستاذ الفاضل عبدالأمير العكيلي واتمنى ممن يمتلك صورة للفقيد ان يزودنا بها(*)
كان بيته على كورنيش العطيفية قريبا من جسر الصرافية الحديدي
970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع