العرب والروس في التاريخ الحديث

                                                    

                         د. ضرغام الدباغ

    

دراسات ـ إعلام ـ معلومات

العدد : 299
التاريخ : / 2022


العرب والروس في التاريخ الحديث

مقدمة في العلاقات العربية /الروسية في التاريخ الحديث

فلنبدأ منذ فجر التحرر العربي بعد الحرب العالمية الأولى ... رغم أن العلاقات العربية الروسية أقدم من ذلك بكثير، ويمكننا بسهولة أن نجد آثار عربية في المتاحف الروسية، تتمثل بالكتب باللغة العربية، ونقود، وملابس، وسيوف ورماح. وحين نبدأ بعد الحرب العالمية الأولى، ذلك أن الدول الغربية كانت قد اتفقت على معاهدة / مؤامرة بين الثلاث دول العظمى الأوربية بريطانيا، فرنسا، روسيا أطلق عليها اتفاقية سايكس بيكو سازنوف، بموجبها سيجري تقاسم الشرق الأوسط، ولربما كانت هذه المعاهدة ستبقى أبد الدهر طي الكتمان، لو لم يفضحها وزير الخارجية السوفيتي تروتسكي..
اتفاقية سايكس بيكو سازانوف عام 1916، كانت تفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. وحين وقف وزير الخارجية السوفيتي ليون تروتسكي أمام الصحفيين يلوح بوثائق الاتفاقية ويعلن انسحاب الاتحاد السوفيتي منها مندداً بمؤامرات تقسيم الشعوب، وأن الاتحاد السوفيتي يندد بالسياسات الاستعمارية وفقا للمصالح الاستعمارية كموقف مبدأي ثابت سيحدد أبعاد السياسة السوفيتية لاحقاً.
وحين تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية - الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون.

مؤتمر شعوب الشرق كعلامة كبيرة في نضال الشرق للتحرر من الاستعمار والعبودية. وتواصلت المواقف السوفيتية المساندة لحركات التحرر العربي، مثل خلالها مؤتمر شعوب الشرق في باكو 1920 علامة بارزة في هذه العلاقة المتصاعدة، وإذا كانت المرحلة ما بعد الحربين العالميتين اتسمت بشكل رئيسي على التنافس الاستعماري التوسعي بين الدول الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا) وبين دولتين تطالبان بحصصهما في الوليمة الاستعمارية (تقسيم الشعوب والأمم والثروات الطبيعية).

يوم السابع عشر من/ تموز / في مؤتمر بوتسدام 1945، كانت اللحظة الكبيرة قد اقتربت، وقصر سيسيلينهوف يستولي في هذه اللحظة على اهتمام الرأي العام الدولي. وقد طوّقه المصوّرون الفوتوغرافيون ومصوّروا السينما. الصحفيون لم يكن مسموح لهم بالتواجد، وكانت القوى العظمى الثلاثة قد اتّفقت فيما بينها بما يخصّ البلاغات والمقابلات الصحفية.

تقدّم باقتراح أن يقدم البرنامج المقترح للعمل من قبل تشرشل، ثم من ستالين، ومن قبله شخصياً، أن تُقدم كلها لوزراء الخارجية، وهؤلاء سيقومون بتنظيم جدول أعمال لكل يوم من أيام المؤتمر. تشرشل قدّم مشكلة بولونيا والتي برأيه عاجلة للبحث، وستالين تقدم بهذه النقاط للبحث اليوم : تقسيم الأسطول الألماني، الإصلاح والتعويضات، والمسألة البولونية، ومسألة المحادثات حول المحميات الألمانية، المناطق تحت الحماية الدولية (المناطق التي كانت تحت نظام الانتداب في عهد عصبة الأمم) (Unuted Nation trust territories)، قضية فرانكو أسبانيا، قضية طنجة، وقضية سورية ولبنان. (1)

للمرة الأولى نسمع أن مسألة سوريا ولبنان (وكانتا تحت الانتداب الفرنسي بإدارة حكومة فيشي الموالية لألمانيا الهتلرية) قد أثيرت في مؤتمر بوتسدام.، والأطراف الغربية كانت قد اتفقت على عدم إثارة موضوعة سوريا ولبنان في مؤتمر بوتسدام، وأن تنتقل بصفة آلية إلى السلطات الفرنسية التي تسلمت مقاليد الإدارة والحكم في بباريس. ولكن الوفد السوفيتي أثر الموضوع بقوة واستحصل على حق استقلالها.

وفي مطلع الخمسينات دارت محادثات كثيفة بين حكومات دول المنطقة والمسؤولين الأمريكان الذين كانوا يجيبون بلدان المنطقة بزيارات مكوكية، والأهداف الأمريكية / الغربية كانت موضوعياً، تتناقض مع مصالح شعوب المنطقة السياسية والاقتصادية والوطنية بصفة عامة، وتقديراً لهذه المعطيات، أوفدت الولايات المتحدة وزير خارجيتها جون فوستر دلاس عام 1953 إلى الشرق الأوسط لتحقيق المهمات التالية:
• العمل على خطط جديدة من أجل كسب الشرق الأوسط إلى مواقع نفوذها.
• إزاحة بقايا نفوذ بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط بحجة حماية استقلالها.
• خلق الفرص لشركاتها وأنشطتها المالية وتوسيع أعمالها.
• إيجاد تصور إمبريالي يعمل على تنظيم النزاع بين الدول العربية وإسرائيل.

وفي مطلع الخمسينات كانت هناك عناصر لها انعكاساتها على السياسة الخارجية الأمريكية وعلى حركات التحرر الوطنية والقومية. وكانت الحرب الكورية قد انتهت على غير ما ترغب به الولايات المتحدة والمعسكر الغربي، وتمكن الاتحاد السوفيتي من كسر الاحتكار الذري، وتقوية نفوذه في السياسة الدولية، وكانت هذه عناصر مساعدة لقوى التحرر في الشرق الأوسط في نضالها ضد الإمبريالية، وتصب في طاحونة مجهوداتها. وقد عبر وزير الخارجية دلاس عن مخاوفه قائلاً " على العرب أن يدركوا أن عدوهم الحقيقي هو الشيوعية الدولية " .

وحاولت الولايات المتحدة أن تروج لسياستها الشرق أوسطية من خلال حلف بغداد وصولاً إلى سياسة دفاعية يدعى بالدفاع عن النطاق الشمالي، ولم يكن حلف بغداد سوى حلقة في سلسلة تحالفات عسكرية محلية ودولية كقواعد ضد الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، كما أنه بنفس الوقت وسيلة لدعم الأنظمة الرجعية ولقمع حركات التحرر الوطنية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بذلت مساعيها ومجهوداتها إلا أنها لم تستطع أن تقنع الحكومات الوطنية والقومية بأن الاتحاد السوفيتي هو عدوها الرئيسي، وبهذا المعنى أجاب الرئيس عبد الناصر وزير الخارجية الأمريكية بوضوح: " في هذه المنطقة ليس لدينا سوى أعداء أثنين: إسرائيل التي تخوض الحرب ضدنا، وبريطانيا التي تحتل أجزاء عربية، أما الروس فلم نراهم هنا ".

كانت القيادة المصرية في الخمسينات، تواجه خيارا استراتيجيا حاسماً، فإما أن تكون ثورة تحدث تغيرات في الواقع السياسي والاجتماعي / الاقتصادي المصري، فالمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة عرض عليها تحالفا عسكرياً، ولكنه أمتنع عن تزويدها بأبسط الأسلحة، وحين طلبت مصر قرضا لمساعدتها في بناء السد عالي الضروري لإنتاج الكهرباء كفقرة أساسية في لأي عملية تنمية، رفضت الولايات المتحدة الطلب المصري، وحين تقدمت مصر بالطلب لصندوق النقد الدولي، رفض البنك الدولي بدفع من مصر ... ماذا يعني هذا : لا تبدوا السد، لا تنتجوا الكهرباء، بمعنى صريح لا صناعة ولا تنمية، ولكن قفوا ضد الاتحاد السوفيتي ...

وفي الصراع العربي الاسرائيلي، في هذا الملف يجد الباحثون أن الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، كان متفاعلاً مع القضية الفلسطينية، بدرجة توازي تفاعل بعض الدول العربية. فالاتحاد السوفيتي كان له موقفه المشهود بإيقاف العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الإسرائيلي) على مصر بإنذار بولغانين لدول العدوان، ثم قيامه بتعويض جيش مصر بخسائرها كاملة بدون عوض(مجاناً) أما في عدوان عام 1967، قام الاتحاد السوفيتي بقطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، وأعاد تسليح مصر كاملاً مجاناً، ووقوفه في المحافل الدولية لجانب القضايا العربية. فمنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، بلغ عدد مرات استعمال حق النقض 293 مرة. استخدمه الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا 143 مرة، والولايات المتحدة 83 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة، بينما استخدمته الصين 16 مرة. ومعظم المرات التي استخدم فيها السوفيت / الروس لحق الفيتو كان لصالح القضايا العربية.

العراقيون والعرب لم يلمسوا ولم يواجهوا طلقة واحدة من روسيا والصين، فلماذا ينبغي أن يتقبلوا مزاعم من قتلهم وشردهم ..؟ بل أن السلاح الذي دافعوا فيه عن أنفسهم، كان روسياً، وروسا كانت من توقف قدر الإمكان القرارات الجائرة في مجلس الأمن. الروس لم يسيؤا لنا بمقدار شعرة ... مع ذلك نحن كمحللون، علينا التعامل مع الحقائق المجردة، وأن نقدم لقراءنا مواد تستحق القراءة وتساهم بخلق وعي للناس، وما أراه في الإعلام الغربي من انحدار يشابه إعلام الدول النامية .. وللأسف الإعلام الغربي فقد الكثير من مصداقيته.

لماذا نقف ضد الاتحاد السوفيتي، واليوم روسيا ..؟ هل نقف ضد من ساعدنا في التنمية، وساعدنا في العمل السياسي، وساعدنا في حماية أوطاننا، وعقد اتفاقيات صداقة وتعاون مع حكوماتنا الوطنية، تدرب ألاف الفنيين والخبراء في الاتحاد السوفيتي في كافة المجالات ... حتى الفنية وحقول الرياضة.

الغريب في قضية اوكرانيا أن المحللين السياسيين منهم والعسكريين يكتبون وفق أحكام الهوى ما عدا القليل النادر، مرة أو اثنان شاهدت محللين أمريكيين يتحدثون بصراحة أصابت مشاهديهم ومستمعيهم بالصدمة. وفي أولى أيام التحرك العسكري الروسي، شاهدت منظراً جرى تصويره برداءة (كاميرا هواة)، وكأن الجنود يفتحون خزان مركبة مدرعة، منها أستنتج المحلل العبقري أن الجيش الروسي في وضع سيئ والدبابات تتعطل وينفذ منها الوقود، وتحاول تعبئتها من السيارات المارة، وما إلى ذلك من الحديث الذي لا يصلح ..! لأن خزان الدبابة يتسع بين 950 ــ 1100 لتر من الوقود. ويتحدثون عن المستنقعات وكأن الروس لا يعرفون أوكرانيا وقد فوجئوا بها، ويتجاهلون أن التكنولوجيا الحديثة توفر عجلات بمختلف الأحجام لها قدرة خرافية قياسا إلى عجلات الحرب العالمية الثانية. ثم أن الروس هم اختاروا الموسم فهذه كلها ليست بالنسبة لهم ليست مفاجأت.. بعد هذا، من له الحق بتعين من هو الديكتاتوري أو..لا هذا كلام سياسة وفي الشرح يطول ويعرض ولا ينتهي.. الأمريكان كل من ليس معهم فهو " غير ديمقراطي، لا يفهم بحقوق الإنسان، ولا بحقوق المراة ...فإما أن تشرع قانوناً يشرع المثلية أو أنت غير ديمقراطي ..

الروس أمام حالة فريدة، فالأوكرانيون شعب روسي وهذا توصيفهم في كتب التاريخ والموسوعات. " روس كييف " ونصف قادة الاتحاد السوفيتي كانوا أوكران. ولكن الغرب يشتغل من زمن بعيد على القومية الاوكرانية ولأسباب عديدة نجحوا في خلق فئة مهووسة تحمل شعارات نازية، وفاشية، والأجهزة الاستخبارية نجحت في خلق الأجواء المعادية من أجل أن تكون أوكرانيا فخاً / محرقة للروس سياسيا وعسكريا واقتصادياً، والضحية الأكبر هي اوكرانيا والشعب الأوكراني، مع علمهم التام أن الروس لن يتركوا اوكرانيا لقمة سائغة لهم .. فهذه معركة تعادل الحرب الوطنية العظمى، وهم مستعدون لدفع تكاليف المعركة بشريا ومالياً، أما قوات قديروف الشيشانية فهي رمزية بالطبع.

الغرب والإعلام الغربي يعرف ويعترف أن العنصريين الأوكران قتلوا نحو 150 ألف شخص من أصول روسية في صمت تام وتجاهل من الإعلام والسياسيون الغربيون، وللعلم الناس في أوربا واعتقد في العالم لم يعودوا سذجاً يتجرعون الأوهام الغربية والادعاء بكون الروس قتلة ومجرمون، ودماء العراق وافغانستان وليبيا لم تجف بعد وملايين من العراقيين والسوريين والفلسطينيين مهجرين يعانون ألام فضيعة وجور وظلم تاريخي بسبب سياسة الغرب وتخيلاته الجنونية .. فلسطين ينبغي أن تكن هكذا، العراق يجب أن يكون كما نريد، ليبيا سفيرتنا هناك تدير الأمور بل وأكثر .. الإسلام نفسه يجب أن يكون بطريقة نرضى عنها .. وحتى القومية العربية يجب أن تكون كذا، ولا تكون كيت وكأنهم الرب الذي خلق البشر .. هل هناك جور وظلم أكثر من هذا ويفوق حتى عهود الاستعمار السوداء بعشرات المرات ...! هل بوسع الأمريكان أن يقدموا إحصائية بعدد الشعوب التي أعندوا عليها ..؟

العرب اليوم يدركون طابع العلاقات الدولية المعاصرة، إنها باختصار شديد .. الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، والمنافع المتبادلة وعليهم اليوم تطبيق هذه القواعد الدولية القائمة على العلاقات المتكافئة، وليس سفراء هم يمثلون المندوب السامي للدول الاستعمارية، وزراء خارجية يريدون فرض إرادتهم سطوتهم ومصالحهم، مع تجاهل تام أو شبه تام لمصالحنا .. هل هذه علاقة تستحق أن نحافظ على أهدابها ... ولماذا ..؟

المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية سيكون لها طابعها المميز .. الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، والمنافع المتبادلة،

أين الخطأ في أن ترعى مصالحي كما أرعى مصالحك، وأن تحترم بلادنا كما تريدنا أن نحترمك .. وأن أبحث عن منفعتي في العلاقة معك .. هذه هي العدالة وأسس التعامل بالمثل، من أجل علاقات دولية مفيدة للإنسانية، تتطلع لها شعوب العالم في مرحلة ما بعد ألازمة الاوكرانية.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

656 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع