مهمة التعليم الجامعى المزدوجة

                                           

                     د.علي محمد فخرو*

مهمة التعليم الجامعى المزدوجة

يموج عالم اليوم كله بمراجعات كبرى معمقة وجريئة للكثير من الأفكار والممارسات والسلوكيات التى تبين أن بها نواقص وعللا. ولعل الأزمات المالية والاقتصادية، وانتشار مختلف الأوبئة محليا وعالميا، وصعود حركات وشخصيات شعبوية جاهلة نرجسية غير متزنة، وازدياد المخاطر والفواجع البيئية قد ساهمت إلى حد كبير فى ظهور تلك المراجعات على مستوى العالم كله.

هناك الآن مراجعة نقدية لكل منطلقات الحداثة، خصوصا بالنسبة للنظام الليبرالى الديموقراطى فى الحياة السياسية. هناك مراجعة للنظام النيوليبرالى الرأسمالى العولمى وخصوصا تطبيقاته فى عوالم المال والاقتصاد. هناك مراجعة كبرى لكل جوانب الموضوع البيئى الطبيعى والعمرانى البشرى. هناك أسئلة كبرى تطرح بشأن الأخطار الهائلة فى حقل التواصلات الإلكترونية والاجتماعية المتعلقة بالأخلاق والذوق العام والقيم الإنسانية الكبرى. وبالطبع تشمل المراجعة كل ما تقترحه موجات ما بعد الحداثة من أفكار جديدة وسلوكيات مجنونة وقيم غير أخلاقية وأحلام فردانية ضارة بالتماسكات المجتمعية وسلامتها.
كل ذلك يطرح فى الحال السؤال المفصلى الآتى: هل أن مؤسسات المجتمع المختلفة، وعلى الأخص مؤسسات التعليم العالى الجامعى، تعد الشباب والشابات، جيل المستقبل الغامض الملىء بالمفاجآت، تعدهم للتعامل مع تلك المراجعات بفهم عقلانى متزن، وبقدرة تحليلية نقدية موضوعية، وبتمسك بالمرجعيات القيمية والأخلاقية كموازين ضابطة لكل تلك المراجعات؟
فى اعتقادى أن الغالبية الساحقة من الجامعات، وعلى الأخص فى الأرض التى تهمنا، الوطن العربى كله، منشغلة إلى حدود الهوس بتهيئة تلامذتها التعليمية والتدريبية المهنية لكى يكونوا صالحين للقيام بوظائفهم بكفاءة ومرونة متغيرة ومتناغمة مع ضرورات وإملاءات الأسواق ومؤسسات الإنتاج، بينما تهمل الجانب المتعلق بتهيئة طلابها بثقافة جادة ومتنوعة ليتخرجوا كمثقفين قادرين، ليس فقط بالاندماج فى عالم العمل بكفاءة، وإنما قادرين أيضا، وبنفس الكفاءة، على فهم ونقد المراجعات الكبرى التى ذكرناها، بل والالتزام الأخلاقى والضميرى بالنضال من أجل مراجعات عميقة لصالح المجتمعات والشعوب، وليس لصالح أقليات الاستغلال والهيمنة والظلم واللاأخلاق فى هذا العالم، وعلى الأخص فى وطننا العربى الكبير.
موضوع تخريج قوى عاملة ومهنية جيدة بكفاءة عالمية، ولكن ذات ثقافة وطنية وقومية ملتزمة بقضايا الأمة بالنضال من أجل مواجهة كل النواقص والأخطار والمؤامرات فى تلك القضايا، يجب أن يكون موضوع الساعة وموضوع الأولوية القصوى فى تخطيط التعليم الجامعى. أوضاع عالمنا المليئة بالأخطار والتعقيدات والمؤامرات تقتضى إعطاء أهمية كبرى للجانب الثقافى الإنسانى فى تكوين طلبة الجامعات.
بدون ذلك سنظل نخرج ما يشبه الروبوتات القادرة على الاندماج الكفء فى العمل والمهن، ولكن غير القادرين على تعديل أى مسار خاطئ فى تلك الأعمال والمهن.
هذه الحاجة، لجعل التعليم جامعا للجانبين فى الإنسان العربى الخريج، القدرة المهنية العلمية الممتازة والثقافة الوطنية والقومية والإنسانية الملتزمة المناضلة غير الانتهازية، أصبحت حاجة أساسية وجودية فى مجتمعات عربية تتعرض هويتها العروبية لأبشع وأخطر المؤامرات الخارجية والداخلية من أجل تمزيقها وإبقائها فى عوالم التمزق والضياع والتخلف.
*مفكر عربى من البحرين

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع