محمد صالح البدراني
بيت التراث الموصلي وملحمة كالكامش
شكر لمنظمة گوتة
في الموصل وفي البيت الثقافي الموصلي الصرح العتيد كانت ندوة لها معان وعبر، الموصل حيث وجدت نسخة ملحمة كالكامش الكاملة، "الملحمة" كما وصفتها مريم المختصة بالتاريخ القديم أو "أسطورة" كما وصفها الأستاذ موفق ودكتور عمار، في مداخلات غيرت توجه الندوة والخلاصات التي طرحها المحاضر ليكون كالكامش كنموذج بناء لمدينة مدمرة! وحقيقة أسطورة كالكامش الملحمية الدموية انه لم يك نموذجا للبناء بل نموذجا للملوك الطغاة كما أوضحها المتداخلون والمتداخلات، وهو طرح وتركيز مثير خصوصا من محاضر يحكي لمثقفين منقولات تاريخية من ثقافة بلادهم.
قصة اوتنابشتيم مشابهة لقصة نوح ع لكن لا نرى استعارتها من اتونابشتم في التوراة أو غير التوراة فهكذا هي الأساطير الشعرية تخلط الحدث بالخيال لتنتج لوحة فنية أكثر من كونها وثيقة تاريخية أو علمية.
لا يمكن تجاوز تاريخا حقيقيا وتجربة تاريخية مسجلة بلغة واضحة للاستفادة منها والذهاب إلى أساطير تستدعي الاستبداد البدائي للاقتداء بها كهوية، صحيح أن استنهاض الفكر الإسلامي أعاقه التشبه به من طغاة وشذاذ آفاق أو ممن حملوه اسما لا فعلا وهم يجهلونه، لكن هذا لا يعني أننا أمام فشل الإسلام كمنظومة فكرية تقود ثقافة المجتمع، لذا فمن المنطقي أن منظمة گوتة في العراق المسماة على اسم الشاعر والفيلسوف گوتة قامت بحكم اهتمامها بالشعر والأدب بتقديم كالكامش كنموذج بحكم اختصاصها وليس بعمق الحالة كدراسة لحل جاد.
الشكر واجب للمنظمة التي نبهت عمليا إلى الحاجة لبنية فكرية في مجتمع عريق كمجتمعنا كان عنوان نهضته دوما ملامح الفكر لكننا لا نظن انه ينهض بتجميل الاساطير، والشكر موصول لمديرتها وضيفها أيضا الدكتور مارتن بوختر من هارفارد، الذي شكر المتداخلين لاستفادته من طرحهم ولقدرته على قبول الصواب وتصحيح طرحه ليكون بغايته التمييز بين ملحمة كالكامش وشعر هيرموس، وهذ الحقيقة بفضل المتداخلين ممن لم احظ على أسمائهم جميعا لكنهم كانوا معبرين عن نفس الموصل المطمئنة وكونها الفنار للسفن التائهة في بحر الحياة رغم أنها الآن محض جزرة في بحر الظلمات.
البنية الفكرية
إننا فعلا بحاجة إلى بنية تحتية وصرح فكري تقام عليه نهضة الموصل التي تعاق نهضتها وهذا حديث النخب والصحافة بشكل تفصيلي يومي لا يسعف ولا يثبت أو ينفى أو يجد طريقا إلى الصلاح، لكن الحاجة هذه ينبغي أن تتوجه إلى حقيقة الفكر والهوية للامة وان تستعيد مقومات ثقافة البوتقة التي تنصهر خلالها النشاطات الفكرية لتكون سبيكة عنوانها اسم البلد وليس المكونات ولا الألوان ولا الأسماء ولا التميز بحق أو باطل.
المدنية والأخلاق
الحداثة قامت على قيم ليست منصفة وبالتالي لا تعتبر أخلاقية وفق التعريف الاصطلاحي للأخلاق أنها مكارم وفضائل، بل قامت على تبرير الوسائل سياسة وعلى النفعية سلوكا، وبالتالي كان كل امر مباح من احتلال إلى تفكيك المجتمعات قيميا وليس بغاية بنائها على قواعد معينة محددة وإنما التفكيك فقط، وأما البناء فهو شكلي مظهري سوق استهلاكي وان الح على الإنتاج فبخطوط إنتاج ممكن أن يقطع عنها الخام فتتوقف لتصبح أطلالا، لذا سيكون مفيدا التلاقح الثقافي بين المجتمعات المتعددة حول العالم للوصول إلى مسار بناء مشترك يصحح ويدعم الجهد البشري في حراك التطور المدني المتسارع بإبداع في التقنيات والوسائل.
الجهاز المعرفي
مجتمعنا له جهاز معرفي يحتاج إلى امتلاء بالحقيقة بل فهم حقيقي والفهم هو من سيخرج الجهاز المعرفي الرائد للنهضة ليس المدنية فحسب فتلك التنمية التي يعيق نجاحها غياب الاستقرار، وإنما بالقيمة الإنسانية التي لا نجدها اليوم والعالم يغلي كمؤشر لمرجل بلا صمام، كما الحياة المبعثرة والمهانة اليوم بفوضى الخلل المعرفي والإعجاب بالراي السطحي الذي يجمع الذباب الضال.
أسلوب التعاون الثقافي:
التعاون الثقافي وفي خضم الفوضى الحاصلة أو التي في طريقها للفوضى عالميا وسبقتها محليا ضروري جدا، فالإنسان منظومة عقلية بغض النظر عن كل التصنيفات العرقية والفكرية والديانات وغيرها، هذه المنظومة العقلية هي التي تمتحن في التكليف وليس ما يقال ضمن الشائع في المنقول عن المتصديين للأديان ومنهجهم في الحفاظ على الرعوية الذي يثير التعصب فتتغلب الغرائز على المنظومة العقلية لتكون فاسدة مفسدة بلبوس الصلاح.
نحن الآدمية حيث وجدت يجب أن نعيد النظر بكم الأجهزة المعرفية والانطباعات المنبثقة عن عقد كالدونية أو التفوق على حد سواء أو الكراهية المتعايشة معنا والتي نقلت عبر العصور في الغرب الأوربي خصوصا دون أن تخضع للمراجعة والتمحيص لغياب الحاجة للسؤال، كما نقل لنا الجهاز المعرفي آليات وأجهزة التعلم والتحليل الدقيقة غير الصالحة لفهم القرآن ومثانيه فبالتالي هو اليوم غريبا بين أهله المتدينين بالغريزة غالبا وليس بالفهم الحقيقي وإنما من يتحقق منهم ويفهم فهو يفهم من خلال قواعد الضبط في الجهاز المعرفي المنقول عبر العصور فينتج الانعزال والانكفاء أو التطرف والسفه وجهل قيمة الإنسان لتعارض الطرح مع الواقع فلا يجد حامله ما يسير به حياته أو يمكن أن يكون إلا شخصين احدهما العابد والأخر المتعامل مع الواقع والناس وما رأيناه وعشناه من سوء الحال والفهم والتطرف والتصرف يغني عن التفصيل بالمقال.
وما الغريب إلا الذي يمشي بين الناس وهم لا يعرفونه أو يظنون انه شخص آخر حتى ولو كانوا أهله وطال بينهم زمن الفراق.
954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع