د يسر الغريسي حجازي
01.09.2022
إكسير الصداقة
"الصداقة فضيلة سماوية، تعلم الانسان حب المشاركة، وتؤهله على اكتساب الاخلاق الحميدة. إن لم يخبرك صديق أنك مخطئ، ان لم يكون معك في أوقات الألم والمرض، وان كان يتحدث عنك، فهو صديق مزيف ويمكنه تسميم حياتك. الصديق الحقيقي، هو بمثابة سند. انه مستقيم، وصادق، وصريح. إن لم تكن لديه هذه الفضائل الثلاثة، سوف يزيدنا من التوتر وخيبات الامل. الصديق يعني: الرفيق الوفي، ويمكن
أن يكون هذا شريكك في الحياة، او احدا أبنائك، او أحد اخواتك، اوصديق الطفولة".
من منا لم يختبر خيبات الأمل في صداقاته؟ ماذا تعني الصداقة ولماذا نحتاجها؟ ان مصطلح الصداقة من أصل يوناني، ومشتق من كلمة "فيليا" التي تعني جميع العلاقات الاجتماعية الوثيقة. يأتي مصطلح الصداقة للدلالة على الشعور بالعاطفة والرفقة، بما في ذلك الحب، والأسرة، والروابط السياسية. إنه شعور بالتعاطف بشرط أن يكون متبادلاً، ويستند فقط إلى شهادة المودة والود والإحسان. وفقًا لأرسطو، تعتبر الأخلاق في العلاقات الودية أساسية لتحقيق الرضا والسعادة. وذلك، بوجود أصدقاء موثوق بهم ومخلصين لنا. ويذهب أرسطو إلى أبعد من ذلك ليقول إن الهدف من العثور على أصدقاء، هو البحث عن سعادة غير المشروطة.
"اخلاقيات نيكومان" (أرسطو، 2013)، و في كتابه المحدث
يتحدث أرسطو إلى ابنه ليشرح له أهمية السلوك في العلاقات مع الأصدقاء، وأن السلوك هي التي تحدد الأفعال. في اليونان القديمة،
كانت دفاتر الفلسفة تتحدث عن حب الحكمة والمعرفة. والأخلاق، هي فلسفة تصوغ مفهوم العالم، والحياة، والتفكير. يجب أن يكون الحوار بين الأصدقاء واضحًا، ويجب أن تكون الكلمات منطقية وفعالة للأصدقاء الذين يتحدثون معًا.
إذا كانت هناك مشكلة خلاف بين صديقين، فهذا يعني أن الاتصال يحتوي على رسالة مؤذية من المرسل إلى المتلقي. بعد قولي هذا، هناك دائمًا سبب لتمييز المعنى الخفي في المحادثة. هذا يعني أيضًا أن هناك تفسيرًا للحجج، والذي يمكن أن تكون مقنعًة أو محرجًة لصديق قد يشعر بعدم الارتياح. ترشدنا الطبيعة البشرية نحو سلوك اجتماعي وعاطفي، مما يسمح لنا بالعيش في مجموعة ومشاركة الأحزان والأفراح معًا.
إن تعاطفنا مع الآخرين على وجه التحديد، هو الذي يساهم في كسب أصدقاء. فالأصدقاء يهتمون بنا ويقدمون لنا آذانهم المستمعة، ونصائحهم ولا يفصحون بأي حال من الأحوال عن أسرارنا.
أثبت البحث العلمي أن البشر، لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة إلا إذا كانوا في مجموعة وأن الرفقة أمر حيوي للتقدم في الحياة. ومع ذلك، يمكن أن تكون الصداقة سامة وحاقدة. هناك عدة أسباب، ومنها الرغبة في الهيمنة على الراي الاخر، وهذا يعني عدم القبول للآراء المختلفة، والعناد يؤدي الي الانفعال واللفظ الضار الموجه للصديق.
ويأتي الغرور التصرف المتعجرف إزاء الصديق، وهذا سبب لانهيار علاقة الصداقة. اعتمادًا على سياق نمو الطفل وقواعد بيئته، قد يكبر الطفل ويفقد السيطرة على عواطفه، ويسترشد بغريزة لئيمة لإهانة صديقه، أو إذلاله، أو إيذائه، حتى لو كان صديقًا عزيزًا. وذلك يأتي من مشكلة التفوق على الاخرين، والتمسك بالراي الشخصي حتى لو كان غير منطقي. هناك سببين لهذا السلوك: الغيرة، والرغبة في أن نكون الأفضل على الإطلاق بأي ثمن، حتى لو تسممت علاقة الصداقة،
بسبب ان الغطرسة والشك الذي نعبر عنه بشأن قدرات الاخرين يمكن
أن يجعل منا اشخاص خبثاء. هناك أيضًا احتمال كبير أن يرفض المجتمع تلك التصرفات، ان كانت في البيت، مع الأصدقاء او في العمل.
فيما يلي بعض النظريات لفهم كيفية عمل دماغ الإنسان: على سبيل المثال، يشرح البروفيسور جون ديوي (1896) من جامعة شيكاغو في مفهوم "قوس الانعكاس" في علم النفس، والمنبهات الحسية، والوصلات المركزية، والاستجابات الحركية والوظيفية. كل العوامل تعمل في الداخل في ان واحد لكل الاحداث الملموسة، وهي التي تحدد القوس الانعكاسي. ومع ذلك، فإن نظرية السلوك الذي يخطط له، بمثابة نظرية الفعل المنطقي (1980)، هي مفهوم للتنبؤ بنيّة الفرد لأداء سلوك في وقت ومكان محددين. تهدف النظرية إلى شرح جميع السلوكيات، التي يمتلك الاشخاص فيها القدرة على ممارسة ضبط النفس.
بينما ظهرت نظرية السلوك المخطط له حسب أجزن (1985، 1991، 2005) في مجال علم النفس الاجتماعي، كوسيلة للتنبؤ بالسلوك البشري. يعتمد مبدأ هذه النظرية على اتخاذ قرار منطقي، حيث يكون السلوك نتيجة نية الانخراط فيه. من وجهة نظر بيولوجية عصبية، تحدد العواطف الأفكار المتعلقة بأنشطة معينة لمناطق الدماغ والتي تدير وتحفز السلوك البشري. كما أن الأنشطة، تحدد معنى ما يحدث من حولنا. على سبيل المثال، نشعر بالذنب عندما يتعارض سلوكنا مع الضمير، ونشعر بالخجل عندما يتم الكشف عن خدعنا لأصدقائنا. إن عواطفنا في الواقع، هي رد فعل نفسي وجسدي عندما نواجه موقفًا مشينا. المشاعر هي في الواقع، نتيجة التوتر، أو خيبة الأمل، أو الغضب. تأتي العاطفة أسرع من الشعور والتفكير، وهو ما يفسر ردود أفعالنا المنعكسة عندما نشعر بالإهانة.
هناك علاقات ودية حقيقية، عندما تكون الصداقة بنية على الاحترام المتبادل، حتى لو لم نشارك دائمًا نفس الآراء. والاحترام والثقة هما أساسيان في الصداقة المخلصة. وفي الصداقة أيضا، الكثير من التسامح والتفاهم، والحديث الصريح، والاعتذار لتصويب الاخطاء. بدون الصراحة والصدق، ستضعف الصداقة ولن تكون قادرة على الصمود، إذا لم نخبر الصديق بالحقيقة. وبالتالي، تعزز الصداقة القيم والكياسة، وكما قال أرسطو جيدًا: "الصداقة الفاضلة ممتعة ومربحة ".
2559 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع