د. محمد صالح المسفر
(1) لا جدال عندي بان الاستاذ عبد الباري عطوان ‘رئيس تحرير القدس العربي سابقا’ يعتبر من ابرز الصحافيين العرب ان لم يكن ابرزهم. انه قامة لم تنثن رغم المحن. انه صاحب مواقف مشرفة على مستوى الاعلام العربي، لم يساوم على مواقفه على الرغم من مغريات الحياة.
لم اجده في صالونات الحكام العرب او مجالس الامراء كغيره من كتاب الصحف المهاجرة، لم اقرأ له مقالا مادحا او قادحا لاي نظام عربي قط. قرأت له مقالات نقدية لسياسات بعض الحكام العرب، سمعت معظم حواراته المتلفزة عربية واجنبية كان عف اللسان في نقده للحكام العرب لكنه غير مهادن في نقده لسياسات بعض القادة العرب. اشتدت عليه حملة اعلامية ظالمة ابان حرب الخليج الثانية لا لسبب جوهري الا لانه كان ضد التواجد الاجنبي في بلاد العرب وضد تدمير العراق وحصار شعبه. اعلم انه تلقى عددا من الدعوات لزيارة بغداد ابان حرب العراقية الايرانية، وبعد الحرب الخليجية الثانية وقبل احتلال العراق ولم يزره ليس ترفعا عن زيارة عاصمة الرشيد الا انه يحسب خطاه، وفي الوقت الذي يمتنع السيد عطوان عن زيارة بغداد كان ارباب اعلام الازمات من الصحافيين العرب يتوافدون على بغداد من المربد الى القصر الرئاسي وعواصم خليجية اخرى من اجل الكسب.
كان موقفه من الحرب العراقية الايرانية واضحا في مقالاته التي يمكن الرجوع اليها. بعض اهل الخليج سيطر عليهم اعلام الازمات وراحوا يناصبون العداء لعطوان لانه لم ينضم الى ‘جحافل الغزوة الاعلامية’على كل صاحب رأي فيما يجري في الخليج العربي من حشود وحروب واطماع اجنبية.
السيد عطوان لم يكن لعانا ولا رداحا كغيره كان محللا لسير الاحداث وتصاعدها منبها الى نتائج وخيمة ستحل بالعرب ان لم يدركوا مخاطر ما يفعلون، وكانت الواقعة الكبرى التي نبه عطوان لمخاطرها مبكرا هي احتلال العراق والحبل على الجرار، ونبه الى مخاطر ما جرى في ليبيا وما يجري في سورية ليس دفعا عن انظمة تلك الدول فهي عنده مدانة من قبل ان يدينها بعض الزعماء العرب، لكنه مطالبا بتعريب القضايا والمواجهات بدلا من القوى الاخرى وهذا رأي يحتمل الصواب والخطأ لكنه لا يستوجب التصدي والعداء.
عطوان كان اول من حذر من ثورة شعبية ضد نظم حاكمة بعينها متهمة بالفساد والتبعية والدكتاتورية كان اول من تنبه الى ان الشعب العربي مسلوب الكرامة سيثور يوما لاسترداد كرامته ورفض كل انواع القهر والاذلال تحت اي ذريعة كاانت، وادعو كل الباحثين عن مواقف الرجل العودة الى مقالات الاستاذ عطوان وخاصة بعد ‘احراق البوعزيزي نفسه’ في تونس احتجاجا على هدر كرامة الاحرار.
( 2 )
حوصرت ‘القدس العربي’ من كل الانظمة العربية ومنع رئيس تحريرها الاستاذ عبد الباري من دخول عواصم عربية عديدة كما حوصرت محطة الجزيرة واغلقت مكاتبها واعتقل مراسليها من تلك الانظمة فلا اعلانات تجارية في القدس ولا مدد الا حفنة من الاشتراكات تكاد لا تروي ظمأ المحتاج وليس عندها ميزانية للاستكتاب كغيرها من الصحف العربية المهاجرة كل كتابها متطوعون الا هيئة التحرير ارتضوا لانفسهم باقل المرتبات والامتيازات وعلى الرغم من ذلك استمرت رغم المعاناة لانها اي ‘القدس العربي’ صاحبة رسالة وصاحبة موقف .
اخر القول: تنحي عملاق الصحافة العربية عبد الباري عطوان عن قيادة ‘القدس العربي’، واتمنى ان نراه في منبر اخر ليكمل المسيرة الوطنية .
971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع