الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
زَها حديد... ملكة المنحنيات- الجزء الثاني
زَها حديد Zaha Hadid مهندسة معمارية عالمية شهيرة، عراقية الأصول موصلية الجذور، لها أسلوبها المُميز في العمارة، وقد انتشرت تصاميمها في أرجاء المعمورة، ونالت شهرة عالمية واسعة، كما حصدت جوائز عالمية.
بعد سطوع نجم زَها حديد، أخذ اسمها يتردد في وسائل الإعلام وعلى صفحات الشـبكة العالمية (الإنترنيت)؛ وبخاصة على الموقع المعروف (الحضارة). وأخذ اسمها يتردد في سماء العمارة في أرجاء المعمورة، وأخذت بلدان العالم من اليابان شرقا إلى الولايات المتحدة غربا تتسابق للحصول على تصاميمها المُميزة.
الجوائز والتكريمات:
لقد نالت زَها حديد جوائز عديدة وشهادات تقديرية كثيرة؛ لعل من أبرزها الجائزة النمساوية التي حصلت عليها في 13 كانون الأول سنة 2002، وهذه الجائزة تُقدم لأفضل المعماريين في العالم من الذين تُقدم أعمالهم وتصاميمهم المشيدة إسهامات مهمة للمعمار العالمي. ووفق هذه الجائزة عُدَّت زَها حديد في حينها (أفضل معمارية في العالم).
وكانت هذه الجائزة قد أنشأتها أسرة بريتزكر النمساوية سنة 1979، وقد مُنحت لأول مرة في تاريخها لامرأة هي زَها حديد. وتتألف الجائزة من ميدالية من البرونز ومبلغا من المال يصل إلى مائة ألف دولار. ومما جاء في شهادة تحكيم الجائزة: ( إن الطريق الذي سارت فيه زَها حديد للحصول على الاعتراف الدولي بها كمتخصصة في التصميم المعماري، كان بمثابة الكفاح البطولي).
لقد وصفت إحدى الصحف الإيطالية زَها حديد الحائزة على الجائزة النمساوية بأنها ذات ذكاء خارق، وأنها من أكبر فنانات عصرنا الراهن. وبعد تألق زَها حديد في مجال التصميم المعماري وانتشار شهرتها، استضافتها جامعات عديدة في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كانت زَها حديد أول امرأة تفوز بجائزة المعهد الملكي البريطاني للعمارة اعترافا منه بعملها. كما فازت حديد بجائزة ستيرلينج، وهي أعرق الجوائز البريطانية في مجال الهندسة المعمارية، حيث صممت حوض السباحة الأولمبي في لندن الذي يتمتع بسطح شبيه بموجة.
كما منحت الملكة إِلِيزَابِيث الثَّانِية (1926-2022م) زَها حديد لقب فارسKNIGHT تقديرا لمكانتها المرموقة وانجازاتها في التصاميم المعمارية. وبهذا تكون زَها حديد أول عراقية تحصل على هذا اللقب الرفيع الذي منحته الملكة إِلِيزَابِيث الثَّانِية بمناسبة عيد ميلادها الرسمي.
أسلوبها في العمارة:
لقد تأثرت زَها حديد تأثرًا كبيرًا بأعمال المعماري البرازيلي وأحد أكبر مهندسي القرن العشرين أوسكار نيمايير (1907-2012)، وخاصة إحساسه بالمساحة، وقد ألهمتها وشجَّعتها أعماله على إبداع أسلوبها الخاص، مقتديه ببحثه على الانسيابية في كل الأشكال.
لقد لعبت زَها حديد دورًا فعالًا في تغيير مفهوم العمارة في العالم، وأسهمت في خلق عالم أفضل عبر تصاميمها الراقية للأبنية، وقد عدت تصاميمها فريدة من نوعها، وكأنها تنتمي إلى عالمِ الخيال في كوكب آخر.
لقد اشتهرت زَها حديد بتصميماتها المُعَبِّرَة التي تتسم بانسيابية من نقاط منظور متعددة، وتُعتَبَر أحد روَّاد فن العمارة المُعاصِرة. كما اشتهرت عالميًا بتصميماتها المُبتكرة ذات النمط التجريبي، وقد كانت العقل المُبْدِع وراء تصميم مركز لندن للرياضات البحرية في دورة الألعاب الأولمبية عام 2012، ومتحف إيلي وإيديث للفن المُعاصِر Eli and Edythe Broad Art Museum في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى العديد من الإبداعات المعمارية الأخرى.
لقد تبنّت زَها حديد (المدرسة التفكيكية أو التهديمية)، التي تهتم بالنمط والأسلوب الحديث في التصميم، وتنزع إلى تحطيم الفروق بين الرسم والنحت، وإعادة صياغتهما في بوتقة معمارية، بالاعتماد على آخر التقنيات الحديثة في هندسة المواد، ما يسمح بخلق أشكال، حيث كان من المستحيل في السابق الاعتماد على صلابتها الإنشائية، وقدرتها على تحمّل الأثقال المعمارية.
لقد ظهر اتجاه المدرسة التفكيكية في العام 1971، ويُعد من أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في القرن العشرين. ويدعو هذا الاتجاه بصفة عامة إلى هدم كل أسس الهندسة الإقليدية، المنسوبة إلى عالِم الرياضيات اليوناني إقليدس والمُلقب (أبي الهندسة)، من خلال تفكيك المنشآت إلى أجزاء. ورغم الاختلاف والتناقض القائم بين رواد هذا الاتجاه، إلا أنهم يتفقون في أمر جوهري وهو الاختلاف عن كل ما هو مألوف وتقليدي.
والمدرسة (التفكيكية أو التهديمية)، وهو اتجاه هندسي ينطوي على تعقيد عالٍ وهندسة غير منتظمة. وعلى ما يبدو فإن هذه المدرسة قد تأثرت بالهندسة الحديثة في علم الرياضيات والمعروفة بالهندسة الكسورية Fractal Geometry (الكسوريات Fractals) والتي ابتكرها الرياضي الفرنسي – الأمريكي ماندلبروت Mandelbrot ) 1924- 2010).
ومن خلال المدرسة التفكيكية أطلقت زَها حديد لخيالها العنان، ووضعت تصميماتها في خطوط حرة مائعة، لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية، واستخدمت سبائك مطوّرة من الحديد تتميز بالمتانة الشديدة، وفي نفس الوقت القدرة على كسر الفراغ بمبانٍ تبدو للعيان وكأنها أعمال نحتية بارعة، ذات طابع مميز، وبصمة لا تتكرر.
لقد نفذت زَها حديد 950 مشروعًا في 44 دولة. وتميزت أعمالها بالخيال، حيث إنها تضع تصميماتها في خطوط حرة سائبة لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية. كما تميزت أيضًا بالمتانة، حيث كانت تستخدم الحديد في تصاميمها بحيث يتحمل درجات كبيرة من أحمال الشد والضغط، مما مكَّنها من تنفيذ تشكيلات حرة وجريئة.
كما تميزت زَها حديد أيضًا بأعمالها المعمارية ذات الكمونية في الطاقة، إضافة إلى عراقة أعمالها وأصالتها، حيث الديناميكية العالية.
لقد كانت زَها حديد ترى أن تصاميمها تتفاعل مع المدينة وتمنح الناس مكانًا يتواصلون فيه، حيث قالت أن المتابعين لأعمالي يعرفون أن خلق أماكن عامة يمكن للناس استعمالها بحرية، كما تسمح للمدينة بأن تنساب بطريقة سلسة وسهلة.
إن ما ميَّز تصاميم زَها حديد أنها اتخذت اتجاهًا معماريًا واضحًا يتكئ على خلفية فنية وفلسفية، لذلك فكانت تجنح لما هو تخييلي وتجريدي.
وفقًا لتصنيف جينكز لعمارة التفكيك، فإن أعمال زَها حديد تقع ضمن الاتجاه البنائي الحديث، وقد ارتبط هذا الاتجاه أيضا بأعمال المهندس الهولندي ريم كولهاس Rem Koolhaas. وتتلخص رؤيتهم في أنها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة وتتمتع بالانسيابية والتفكيك في تحدي الجاذبية الأرضية من خلال الإصرار على الأسقف والكمرات الطائرة، مع التأكيد على ديناميكية التشكيل، حتى أنه أُطلق على أعمال زَها حديد اسم (التجريد الديناميكي).
كما أن الخيال والمثالية هو ما يُميز تصميمات زَها حديد، والتي يدعي البعض أنها غير قابلة للتنفيذ، حيث أن أبنيتها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة، ويؤكد بعض النقاد أن هذه التصميمات تطغى عليها حالة من الصرامة.
لقد فنَّدت زَها حديد عمليًا اتهامات بعض النقاد بأنها مهندسة قرطاس، أي يصعب تنفيذ تصميماتها، بعد اكتمال تشييد متحف العلوم في فولفسبيوج شمال ألمانيا، الذي اُفتتح في نوفمبر 2005، والذي يؤكد على أن مقولة مهندسة قرطاس ليس إلا إدعاءًا كاذبًا من معماريين يعيشون مع الماضي؛ لأن كل الذي وضعته على شاشة حاسوبها استطاع الآخرون تنفيذه، كما أورد موقع الشرقية.
لقد قال أحد النقاد عنها: "جميع تصميماتها في حركة سائبة لا تحددها خطوط عمودية أو أفقية، أنها ليست عمارة المرأة؛ فهي فنانة مرهفة، تُقدم ما تشعر به من تأثير التطور التقني والفني في جميع اتجاهاته في عالم أصبح قرية صغيرة".
وقال الناقد المعماري أندرياس روبي عن إبداعاتها وتصاميمها: "إن مشاريع زَها حديد تُشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مباني تظهر وكأنها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زَها إلى مرحلة التنفيذ؛ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تُعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة".
كما وصفها شريكها باترك شوماخر بأنها كانت: "صرخة فيما قدمته، منذ عقدين من الزمن، من أعمال في مجالي الرسم أو العمارة".
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
https://www.youtube.com/watch?v=_NBLMhOkgR8
1547 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع