هل الوردي عالم اجتماع (٣)

                                                     

                         عبد الرضا حمد جاسم


هل الوردي عالم اجتماع (٣) هل درس الوردي المجتمع العراقي وكيف؟

يتبع ما قبله لطفاً

في ص19 من كتاب/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 ولبيان كيفية "دراسته للمجتمع العراقي"...كتب الراحل الوردي التالي:[اعتمدت في تأليف هذا الكتاب والكتب التالية على مراجع شتى يمكن تصنيفها على المنوال التالي:

1ـ الكتب والمقالات والنشرات وهذه توافر منها في الآونة الأخيرة عدد لا يستهان به واود ان أخص بالذكر تلك الرسائل العلمية التي قدمها أصحابها لنيل شهادة الدكتوراه وقد طبع بعضها ككتاب الدكتور فاضل الجمالي وكتاب الدكتور متي عقراوي وكتاب الدكتور شاكر سليم وكتاب الدكتور محمد سلمان حسن وغيرها وهي كلها تبحث في المجتمع العراقي على وجه من الوجوه.

مناقشة: يقول الراحل الوردي انه اعتمد في تأليف هذا الكتاب ويقصد دراسة في طبيعة المجتمع العراقي /1965 على كتب ومنشورات ونشرات توفرت في الفترة الأخيرة...لا اعرف ماذا يقصد الراحل الوردي بالفترة الأخيرة وهذه الكتب و الاطاريح كانت قد صدرت قبل ان ينشر الوردي اول كراسة لهو عام 1951 بسنوات عديدة، اين كان منها حين نشر كتبه الأخرى التي أصدرها من عام 1951 الى عام 1959.

اجد من الواجب ان ابين للقارئ الكريم شيء عن آراء الوردي حول الكُتّاب و الكُتب و الكتابة عن المجتمع العراقي حيث كتب في ص7 من كراسة شخصية الفرد العراقي /1951 التالي:[لقد حاول كثير من الباحثين، عراقيين وأجانب ان يكتشفوا خصائص هذا المجتمع وقد جاء كل منهم برأي في هذا السبيل لقد حاولوا كالأطباء ان يكتشفوا داء هذا المريض ولكنهم مع الأسف لم يكونوا متفقين على الطريقة التي يفحصون بها اعراض الداء لقد كانوا ادباء او مؤرخين او سواحا او مستشرقين لكن القليل منهم من حاول ان يدرس الداء على ضوء علم النفس او علم الاجتماع او علم الحضارة لقد كانوا كمن يحاول فحص مريض وهو لا يعرف من علم الطب شيء] انتهى

ثم كتب في ص8 من نفس الكراسة التالي: [أن هذه المحاضرة رغم ما فيها من نقص بارز في الناحية العلمية...الخ] الى ان يصل ليقول: [ولقد كابدت في سبيل اعدادها آلاماً لا يستهان بها اذ لم أجد في طريقي الذي حاولت السير فيه علامة ترشدني وكأني بذلك اشق طريقاً جديدا لم تطأه قدم من قبل] انتهى

عند تدقيق هاتين العبارتين نجد التالي:

اولاً: ان الراحل جزم ان المجتمع العراقي مريض ...ولا اعرف عن أي مجتمع عراقي تكلم الراحل الوردي وعن أي مرض ذلك الذي عجز الادباء والمؤرخين والمستشرقين والسواح وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الحضارة عن تشخيصه؟ اشعر ان الراحل الوردي ارادَ ومنذ عام 1951 ان يقول انه الوحيد الذي استطاع فك "طلاسم" مرض هذا ال "مجتمع" وكل ذلك كما أتصور لأن من أشار اليهم لم يشيروا الى ابن خلدون وصراع البداوة والحضارة.

ثانياً: في المقطع الثاني أعلاه يقول انه كابد آلاماً لأنه لم يجد في طريقه علامة ترشده...ولا اعرف كيف لم يجد في كل ما كتبه الأساتذة الذين اشار إليهم أي علامة ترشده... اعتقد هنا ان الراحل الوردي يؤكد على انه كان يبحث عمن يشير الى ابن خلدون وصراع البداوة والحضارة.

ثالثاً: ان تلك المكابدة وتلك الآلام كانت في سبيل كتابة محاضرة أدبية على أساس الاسترسال الفكري وتوارد الخواطر كما ذكر الوردي. محاضرة ما زادت كلماتها عن العشرة الاف كلمة ربما لا تحتاج وفق وصف الراحل الى أكثر من ساعة او ساعتين "مع استكان شاي" .

على كل حال، اعود للكتب التي اعتمد عليها الراحل في تأليف هذا الكتاب والتي توافرت في "الآونة الأخيرة" كما قال و من تدقيق ذلك نخلص الى ان هذه الكتب كانت موجودة قبل أكثر من عقد من الزمان من اصدار الوردي كتابه هذا "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" وبعضها استشهد به في إعداده لكراسته الصغيرة /شخصية الفرد العراقي كما ورد في هامش ص62منها...ثم وحسب قوله فهناك العديد من درسوا المجتمع العراقي قبله " [لقد حاول كثير من الباحثين، عراقيين وأجانب ان يكتشفوا خصائص هذا المجتمع وقد جاء كل منهم برأي في هذا السبيل...الخ]" فكيف توفرة في الآونة الأخيرة؟ كما ان كل من الأساتذة د. فاضل الجمالي ود. متي عقراوي ود. محمد سلمان حسن لهم جميعاً الذكر الطيب ليسوا بعلماء اجتماع أي انهم من "أولئك الأطباء"...فكيف استعان بهم الراحل في دراسته هذه وهم ليسوا من اهل الاختصاص؟ كيف له اذن ان يشكك أو شكك بما وصل اليه أولئك "الأطباء" من مؤرخين وسواح وادباء ومستشرقين. العجيب ان الكثير مما ورد في كتابه هذا يحمل إشارات على استعانة الراحل الوردي بكثير من أولئك الأطباء عرباً و "فرنج".

لفت انتباهي اعتماد الراحل الوردي على كتابات معاصريه من العراقيين عن منطقة او بلد او جغرافية أو مجتمع ولد فيها/فيه وعاش وتحرك وتدرج في سُلَمْ الحياة والعمل ولم يكلف نفسه إعطائها/ه حقها /حقه حين هَمَّ بالكتابة عنها/عنه وعن من عاش ويعيش فيها وعليها...كيف عرف الوردي ان ما ورد في كتب هؤلاء الأساتذة كان صحيحاً؟

وكذلك اعتمد على كتب ترجمها معاصريه مثل: المعدان او سكان الاهوار/ولفرد ثيسيغر/ترجمة باقر الدجيلي ص168...ودائرة الاستخبارات البريطانية/تقرير سري عن العشائر والسياسة/ترجمة عبد الجليل طاهر...وهو "الراحل الوردي" المفروض أنه متمكن من اللغة الإنكليزية التي اعتقد ان الترجمات التي اطلع عليها هي منها و المفروض انه يعرف الترجمة و مشاكلها و تأثير فهم المترجم فيها... واعتمد على باحثين أجانب مثل ما كتب في ص167 من /كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي حيث نقل لنا عن هنريفيلد :(وقد أطلق الباحث هنريفيلد على هذه المنطقة" ويقصد البصرة" اسم "البقعة غير القبلية" وفي ص163 نورنوالد /الانسكلوبيديا نقل لنا "عن الصراع الثقافي عندما يحتك البدو بالزراع في أي منطقة في العالم"...واعتمد على مستشرقين انتقدهم لأنهم نظروا الى الثقافة البدوية بعيون ثقافتهم.

الحقيقة استغرب جداً كيف لم يكلف الراحل الوردي نفسه بعض الجهد والقلق لتأييد "بحوثه" و"آراءه" و "استنتاجاته" و "استعاراته" من خلال معايشة ميدانية لبعض القبائل البدوية/الريفية او زيارة المدن العراقية البعيدة عن بغداد وبالذات المدن المتميزة اجتماعياً مثل البصرة وكركوك والموصل حتى ولو بشكل متباعد ومعايشة الناس فيها ولو لبعض السويعات ليلمس ويستنتج وكان ذلك واستمر ممكنناً بالنسبة له و هو المُقْدِمْ بحماسة متميزة على دراسة مجتمع يعرفه معقداً؟...ان استغرابي هذا لا يعني أني الوم الدكتور الوردي على استعاراته او اهتمامه بتلك الكتب والتراجم لكن أقول انه القائل عنهم او بعضهم التالي:[" لقد حاولوا كالأطباء ان يكتشفوا داء هذا المريض ولكنهم مع الأسف لم يكونوا متفقين على الطريقة التي يفحصون بها اعراض الداء لقد كانوا ادباء او مؤرخين او سواحا او مستشرقين لكن القليل منهم من حاول ان يدرس الداء على ضوء علم النفس او علم الاجتماع او علم الحضارة لقد كانوا كمن يحاول فحص مريض وهو لا يعرف من علم الطب شيء"].

من هذا كان على الراحل الوردي كما أتصور ان يقوم بدراسة مجتمعه بنفسه.

ثم يقول: كُتب ونشرات ومقالات توافر منها في الآونة الأخيرة! لم يخبرنا ماذا يعني ب "في الآونة الأخيرة؟ علما ان ما أشار اليها لم تكن سوى اطاريح/ رسائل علمية لنيل شهادة الدكتوراه. اي انها وجهات نظر اخرين تعرضت وتتعرض وستتعرض للتفنيد والنقد والاستفسار.

لو ندقق ما طرحة الوردي في كتابه هذا نجد ان اغلب/كل ماذكره من تلك المصادر عبارات او مقاطع لا تُدعمْ فرضياته عن المجتمع العراقي. اليكم تلك الاستعارات/ الاقتباسات:

1 ـ نقل لنا عن الدكتور فاضل الجمالي كما ورد في ص62/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي:(ان تركيب الثقافة البدوية يتأثر بطبيعة بيئته الجغرافية) !!!

لا اعرف هل في ذلك شيء جديد... اليس هذا حال تركيب الثقافة الجبلية وتركيب ثقافة ابن الهور وابن السهل.

وفي ص78 نقل التالي :(في البادية الان قبيلة مجهولة النسب تسمى "صلبة" ويقال انها من بقايا الصليبيين فهي قبيلة محتقرة جداً في البادية، لا تغزو ولا تُغْزى ويأنف البدو من قتالها او الاعتداء عليها.الخ). لا اعرف كيف تأقلمت هذه القبيلة مع الصحراء وهي القادمة من غيرها/ صليبية؟

2 ـ من الدكتور متي عقراوي نقل لنا في ص166 التالي: (...ما يجدر ذكره ان الجغرافيين القدماء كانوا إذا ذكروا العراق عنوا به هذه المنطقة و ربما الحقوا بها بعض الأطراف القريبة منها أحياناً و قد اعتادوا ان يميزوا منطقة "الجزيرة" عن العراق و يعدونها قطراً قائماً بذاته) ... [ملاحظة هنا يتكلم عن المنطقة الرسوبية...انتبهوا لطفاً الى الفائدة التي جناها الوردي مما ورد في هذه الاستعارة من قبيل "عنو به" و"ربما الحقوا "وعدوها قطراً...الخ"] و قد اشرتُ الى ذلك سابقاً و وفق هذه العبارة اعتبر الراحل هذه المنطقة هي التي أعطت العراق طابعه الاجتماعي.

3 ـ ونقل بعض الأمور الصغيرة الهامشية عن الدكتور شاكر سليم كما ورد في ص175 عن "عملية الكتبة" في الريف العراقي...

ملاحظة: استغرب او استغربت من عدم تطرق الراحل الوردي لكتابات الدكتور عبد الفتاح إبراهيم عبد الفتاح المدرس الذي سبق الوردي في الكتابة عن المجتمع العرقي بعقدين من الزمان تقريباً و الذي يعتبره البعض رائد علم الاجتماع في العراق وكذلك عدم الإشارة الى طروحات الدكتور حنا بطاطو الذي حل في العراق في اوج نشاطات الوردي الكتابية/الطباعية؟؟؟؟

وكتب الراحل الوردي في ص137/فصل 5/العراق في العهد العثماني التالي: [بعد ان درسنا في الفصول السابقة طبيعة البداوة وصراعها مع الحضارة في الوطن العربي بوجه عام نتحول الى دراسة المجتمع العراقي لنرى مبلغ تأثير البداوة ونمط صراعها مع الحضارة فيه] انتهى

وكتب في ص22 تحت عنوان فرعي: المجتمع العراقي والعربي: [هناك انتقاد ثان جابهني به نقاد اخرون ففي رأيهم اننا يجب ان ندرس المجتمع العربي أولا اما المجتمع العراقي فهو ليس سوى جزء من المجتمع العربي الأكبر وهم يقولون ان الكل أولى بالدراسة من الجزء. إني اخالفهم في هذا الراي مخالفة كبيرة اود ان اسالهم هنا: كيف يمكن دراسة المجتمع الكبير من غير دراسة الأجزاء الصغيرة منه كل على حده...الخ] انتهى

انتبهوا لطفاً الى التناقض بين القولين/ المقطعين بخصوص دراسة المجتمع العربي.

انا مع الراحل الوردي في ذلك لكن استغرب ان يصرف من كتابه هذا، الثلث في الكتابة عن موضوع هو خالفه مخالفة كبيرة؟؟؟

لقد كابد الآلام التي لا يستهان بها عندما كتب كراسته الشهيرة/الصغيرة التي لا تعادل ربما الخمس من صفحات هذا الثلث البالغة (110) صفحة. فكم حجم معاناته في انجاز هذه الصفحات؟!!!!

و الغريب ان الوردي كتب عن المجتمع العراقي المتكون من أجزاء كثيرة(قوميات، اديان، طوائف، تضاريس (جبال وسهول ووديان و صحراء واهوار وانهار وغيرها)

لكن اغرب استعارات الراحل الوردي من تلك الكتب التي "توفرت في الآونة الأخيرة" هو ما نقله لنا عن الدكتور محمد سلمان حسن وهذه قد تكون قصة بدأت " مهد لها الراحل" في نهاية ص137 تحت عنوان فرعي هو:(البداوة في العهد العثماني) كتب التالي: [ان القبائل البدوية التي لا تزال تعيش في طور البداوة الخاصة هي اليوم قليلة جدا لا تكاد تتجاوز نسبتها (2%)من مجموع السكان ولكننا لو رجعنا الى الوراء، الى ما قبل مائة سنة تقريبا لوجدنا هاتيك القبائل كثيرة جدا حيث كانت نسبتها تبلغ 35%من مجموع السكان وهذا امر يشير الى مبلغ تغلغل البداوة في العراق في ذلك العهد] انتهى

أقول:

1 ـ لا اعرف ما معنى "قبائل بدوية لا تزال تعيش طور البداوة الخاصة"؟؟.

2 ـ لا اعرف من اين اتى لنا الراحل بنسبة البدو 2%و35% "حتى هذه اللحظة"؟

هنا الراحل الوردي حتى يتسلسل في طرحه عن البدو ذكر نسبة ال 35% دون ان يشير الى مصدرها ايضاً وهو يعرف مصدرها والسبب كما اظن حتى لا يسأله أحد السؤال المفروض والمتوقع التالي الذي هو: اشرتم الى مصدر نسبة 35% فما هو مصدر ال 2%؟

لكنه يأتي في السطر الاول من ص139 ليذكر مصدر ال 35%... وبشكل يفرز علامة استفهام حين ذكر التالي في السطر الخامس من نهاية ص138 وتحت عنوان فرعي: [بحث قيم] كتب التالي: [للدكتور محمد سلمان حسن بحث قيم ينفعنا كثيراً في هذا الموضوع. وقد نشر معهد الإحصاء في جامعة اوكسفورد هذا البحث في احدى نشراته الدورية

Buiietin of the oxford university Institute of statistics .vol.20.no.4.1958

وكان من النتائج التي توصل اليها الدكتور حسن في بحثه هو: ان عدد سكان العراق كان عام 1867 لا يتجاوز المليون وربع إلا قليلاً اما فئات السكان الثلاثة فكانت نسبهم من مجموع السكان كما يلي:

القبائل البدوية 35%

القبائل الريفية 41%

اهل المدن 24%

ان هذا يدل دلالة واضحة على مبلغ ما كان المجتمع العراقي من مد بدوي وجزر حضري فالبداوة تتمثل في القبائل البدوية والريفية وهي تؤلف 76% من مجموع السكان أي ثلاثة ارباع السكان تقريباً اما الحضارة فتتمثل في اهل المدن الذين يؤلفون الربع الباقي] انتهى

أقول: هذه الأرقام من بحث الدكتور محمد سلمان حسن أشار الوردي الى انه اخذها من مجلة الثقافة الجديدة /عدد12 /السنة 7 /شهرت1و2/عام 1959 كما ورد في هامش الصفحة وهذه دلالة على انه لم يطلع على أصل بحث الدكتور باللغة الانكَليزية وما إشارته الى نشرة جامعة اوكسفورد الا "للتفخيم" وهذا من تلك سابقتها في عدم الإشارة الى مصدره عن 35%!!! انا من حقي ان اضع علامات التعجب هذه تشكيكاً بنية الراحل الوردي لأني توقفت عليها ولم أجد ما يبررها...كان عليه بكل بساطة ان يشير الى مصدر ال 35% منذ اول ذكره لها وكان عليه عندما أراد التوسع ان يقول مثلاً: منقول من الثقافة الجديدة عدد.../لسنة...البحث منشور في دورية اوكسفورد لسنة...).

كيف فكر الراحل الوردي باعتمادها دون تحليل وتدقيق؟

كيف تم حساب عدد السكان عام 1867 وكيف تم ضبط عدد/نسبة افراد القبائل البدوية التي بتلك الدقة والتي ربما لليوم لم تتمكن مؤسسات الإحصاء ضبط ذلك وتأكيده؟.

كان على الوردي ان يضع مع كل رقم كلمة: (تقريباً) لأنها أرقام غير دقيقة ولا يمكن ان تكون دقيقة حتى في ظروف هذه الأيام فكيف لعام 1867. وهنا اشكك بنتائج الدكتور محمد سلمان حيث كان عليه ان يقول بين 30 الى40% ولا يحددها ب35% و يقول عن بقية الأرقام نفس الشيء.

أعتقد أن الراحل اخذ هذه الدراسة وفرح بها لمجرد ان جامعة أكسفورد نشرتها حسب طرح مجلة الثقافة الجديدة. ان هذا النشر لا يعني ان الجامعة تؤكد صحتها. لكنها دراسة طرحها صاحبها قابلة للنقاش. واليوم ربما لو نسأل أكسفورد عن عدد سكان العراق عام 1867 سيكون الجواب كما اعتقد هو: ان هناك بحث منشور، وتذكر اسم الباحث وعنوان البحث وتاريخ نشرها له واين.

[ملاحظة: من الويكيبيديا: عدد سكان العراق عام (1920) تقريباً (2.849) مليون. وعام (1947) (4.564) مليون ولم يتم احتساب عدد القبائل الرُحل "البدو" حيث كان يقدر عددهم (170) ألف نسمة]... يعني بعد السنة التي أشار اليها بحث الدكتور محمد سلمان حسن بثمانية عقود (1867 الى 1947) لم تتمكن السلطات المختصة ومن أعانها من احتساب عدد البدو وتحديد نسبتهم والراحل الوردي المفروض يعرف ذلك... فكيف تمكنوا من تحديد نسبتهم عام 1867 ب 35%؟ أما عدد سكان العراق عام (1965) أي عام صدور كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي فكان (8.261) مليون نسمة] انتهى

وللعلم ان الراحل الوردي وفي ص 172 من نفس الكتاب كتب التالي: [نحن نعرف ان سكان العراق عند الفتح الإسلامي كانوا يبلغون عدة ملايين وقد يبالغ بعض المؤرخين فيقول انهم كانوا يناهزون ثلاثين مليونا وهؤلاء السكان هم بقايا السومريين والأكديين والعموريين والكلدانيين والكاشيين والفرس وغيرهم وقد أطلق عليهم اسم ال "نبط" فأين ذهب هؤلاء النبط؟ وكيف اختفت انسابهم واصولهم القديمة؟] انتهى

لا اعرف كيف كان الراحل الوردي يعلم ان عدد سكان العراق كانوا يبلغون عدة ملايين؟ عن أي عراق يتكلم ومن احصى ذلك العدد؟

لم يخبرنا الوردي هل تفضل بدراسة موضوع : أين ذهب هؤلاء "النبط"؟ هذا الموضوع رغم أهميته لم يحرك عند الراحل الوردي شيء ليدرسه سوى "أين اختفت انسابهم". لماذا؟ الجواب لأن الراحل الوردي هنا أراد ان يقول اوقال ان القبائل البدوية فرضت نفسها على واقع "العراق" الاجتماعي وأن هؤلاء "النبط" ذابوا فيها طوعا "عملية الكتبة" "أخذها من الدكتور شاكر سليم" وهو هنا يريد وأراد ان يشير الى ما استخلصه حول تداخل الانساب وتأثير ذلك على الصراع "البداوة والحضارة" وربما هناك من قد يفكر بأن الراحل أراد ان يقول أن العراق الحضاري من خلال سكانه ال"نبط" انتهى ولا دور لهم في "المجتمع العراقي" وهذا منافي للواقع كما أتصور وحتى يعفي نفسه من دراستهم او الإشارة اليهم والى تأثيرهم على العلاقات الاجتماعية في العراق. فتاه الراحل مما أفقده أهم حالة وأساس هنا وهو البحث عن كيفية اختفاء هذه الملايين على مدى 14قرن هي والزيادة الطبيعية في عدد السكان وتأثير ذلك على المجتمع العراقي.

لم يؤشَّرْ أن عدد سكان العالم او المنطقة قد انخفض بهذا المقدار وتلك النسبة (من 30 مليون الى مليون تقريباً) حوالي أكثر من 90% " اليكم من الويكيبيديا: [قبل 1000 عام عاش على الأرض من 250 الى 350 مليون فرد وتقدر الأمم المتحدة التعداد في ذلك الحين بنحو (310) مليون نسمة]. وهنا اسأل الراحل الوردي: اين اختفى هذا العدد الهائل (30 مليون) ليصل الى مليون وربع في عام 1867 أي اختفاء ما يقارب ال (29) مليون عراقي "دون حساب الزيادة السنوية "بعد الفتح الإسلامي؟ أي حرب إبادة تمت هنا في العراق على أيدي الفاتح المسلم؟ كيف تم ذلك؟ ولما كان سكان العراق بهذه المسميات من اين اتى العرب وكيف أصبح العراق الذي ليس فيه عرب عربياً وكيف تمكن بعض العراقيين من تفهم العربية والابداع فيها خلال فترة قصيرة؟ هل بتأثير تسلل البدو اليه؟؟؟؟

لماذا التركيز على هذا الموضوع؟ الجواب ببساطة هو: اعتقادي ان الذي مر على تلك البقعة التي صارت تسمى العراق منذ الفتح الإسلامي هو الذي أثر ويؤثر في الثقافة الاجتماعية واعتقد ايضاً لا يمكن لمن يريد ان يدرس هذا المجتمع ان يغفل تلك المرحلة المهمة في تاريخ العراق والمنطقة عموماً وأقصد هنا "اختفاء كذا مليون نسمة من سكان العراق الأصليين/الحضارة" وللبداوة تأثير لا يزيد عن تأثير الاقوام الاخرى الذين غزوا العراق او تسللوا اليه وعاشوا فيه مع استمرار تأثير "النبط".

2ـ تقارير الطلاب: فقد كنت اطلبها من الطلاب في موضوع المجتمع العراقي كل عام فتراكم عندي منها على توالي الأعوام عدد كبير، لا أنكر ان بعض هذه التقارير كان تافهاً وليس فيه قيمة علمية كبيرة ولكن البعض منها وهو قليل طبعاً يحتوي على ملاحظات واستقراءات اجتماعية نافعة. لقد اتاحت لي هذه التقارير على أي حال أن أزداد تبصراً في المجتمع العراقي عاما بعد عام فالطلاب يأتون الى الجامعة من شتى انحاء العراق القريبة والبعيدة ومنهم من جاء من البلاد العربية المختلفة. فكانت تقاريرهم عن تقاليد مناطقهم وقيمها الاجتماعية تنَّور الذهن قليلا او كثيرا ...الخ]انتهى

...........................

بهذا المقطع(2) اعلاه ابدأ الجزء التالي لطفاً

عبد الرضا حمد جاسم

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1216 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع