محمد الناصر المولهي/ تونس
لمَ لم تأت؟
دعوتك مرارا إلى غرفتي
لم يكن الوقت متأخّرا
هيّأت لذلك شظايا أحلامي المرتطمة بالسّقف
و كدّست جراحي على طاولة الخشب المائلة قليلا لكسر في ساقها
كسرت رقبتي الجوفاء
و هشّمت عيني على الجدار كبيضتين
طويت مخيّلتي و ألقيتها تحت الفراش
و انتظرتك
هيّأت لك حمولة ستة و عشرين سفينة من الأسئلة
مثلا: لمَ لم يُطبق على أبي ظلّ تلك الشجرة المقدّسة؟
لماذا ألقيت به إلى هذا الرّكن؟
لماذا أطلقت في أحشائه الشّهوة، وجعلته ينجب؟
(أبناؤه الآن ثعابين و ثعالب و حيتان و قتلة...و أشياء أخرى لم أكتشفها بعد)
هل أذنبت أنا الآخر، لأسقط و أتحلّل في حفرة ككيس قمامة؟
إلى أين ستأخذني بعد أن يقتادني جندُك إليك؟
أين هم الآن؟(ربّما أهيئ لهم نفسي)
هل يمكنني أن أحبّ امرأة أخرى هناك؟
لمَ لم تسقط الخطيئة بالتّقادم؟
الأرض قطعة فلين تطفو في بركتك العظيمة إلى أن تتفتت و تغرق،
أيُعقل أن تغرق و أنا لم أهيئ نفسي بعد، وأنا أنتظرك؟
هيّأت حمولة ستة و عشرين سفينة من الأسئلة..... لا أتذكّرها....
انتظرتك مرارا، حتّى ثقُلت أحشائي و سقطت، و لم تأت
سأنتظرك، ولن أتعلّم القفز، سأكسر ساقيّ كذلك و أدقّهما في الأرضيّة الرماديّة
سأتخلّص من فقاعات الضوء الشرسة، تلك العقارب المختبئة في الهواء الرّطب
سأدور حول جدراني ( المائلة أيضا)، سأصيب دماغي بالدوار
سأستلّ خيوطه المتشابكة ككرة صوف
و أثبّته بأمعائي على الباب المقفل...
هل أسدّ لك فُتحَتيْ أذنيّ بالإسمنت؟
يمكنني أن أستخرج لساني، ألفّه بمحرمة و أسدّ به حنجرتي المثقوبة
يمكنني أن أهرس الأوراق و السنوات و الأشياء الأخرى المبعثرة بأسناني
يمكنني أن أكنس أسناني الصفراء بكلتي يديّ المقطوعتين إلى الركن
أن أكوّم لك ما تبقى من هواء رطب و حارّ في الركن
ما رأيك؟
أعلم أنّك تصغي إلى طقطقة عظامي المتعرّقة
أعلم أنّك لن تأت
أعلم أنّ جنودك الجوّالة سيأتون نيابة عنك
سأسألهم قبل أن أرافقهم إليك : لم لم تأت؟ لم يكن الوقت متأخّرا
البدء
من أين تبدأ،العالم يبكي هو الآخر
العالم سردين فضيّ
أتُخجلُك الشّوارع الموبوءة أصلاً
أتُخجلك الخطى المغروسة في الرّيح..
لا تخفْ لست ذئبا آخر
أنت لا تعرف خيوط الدّم المرتعشة في الفجر
أنت كذلك تبكي
أعلم أنّك لن تبدأ
لكنّك مثل كلّ شيء تنتهي
الحمقى
الحمقى وحدهم يعبرون الليل
بلا عواء
بلا جياد حمراء تقفز داخلهم
بلا خيوط التأوّه الملتصقة على الجدران
بلا غليان الشهوة
بلا أعين تذهب بعيدا
الحمقى وحدهم يعبرون الليل هكذا
بلا سبب
و يحدثونك عن الألم
الصياد
إنّه ينتظرني
يطلق عينيه المسعورتين ككلبي صيد
قرون من البرق الذي يلعق الريح بلسانه الحادّ
قرون من الصراخ و الضوء المجروح
وهو يطحن فرائسه بمطرقة بيضاء
و يدق طبوله في ليل الأرامل و اليتامى و العذارى
إنه ينتظرني
قرون من الصخور و الفولاذ و البارود
قرون من الرمال الرمادية
و هو يشحذ يده المعقوفة
و يكسر الأرض على ركبته و يشعل النار
إنه الآن يطلق عينيه إلى قلبي
لكنني أنتظره
مشهد
تحت الظلال التي تثبّتها سيقان اللّوز في التّربة
على حجر مكتنز يطلق وجنتيه في التربة بين الظلال
على مسافة عشر خطوات من ذيل الماء الهادئ
ذيل الماء الذي يدغدغ بطن الواد المتعرّج،(إنهما كمان)
عند مزالج عرق الشمس،تلك البراعم المتكاسلة
أمام آخر حفنة ضباب عالقة بالضوء
خلف تلال تدفن أسرارها كالسلاحف
قُبالة جبل يتمٍسّك جذعه اليابس بالتربة
وسط موسيقى الأجنحة الصغيرة المنقوعة في الرذاذ
حِذو البئر الخجولة
حذو شجرة الكرم الواثقة و هي ترمي بأغصانها الملتوية منذ سنين
على مرأى من المواشي المتدافعة بصمت
على مرأى شبق الديك الذي يرفع عرفه نزقا
أمام المئذنة المطلّة من أعمدة القصب الطريّة
...هناك أجلس إلى الآن
هناك القرية
كم تبدو هادئة، لكنّها حزينة
هنالك من ينظر اليك
و أنت ترتّبُ جراحك
و تدفّئها بيديك
و أنت غريبٌ يحلُم بأروبا
بسعادة ثلجها الهادئ
بحاناتها القديمة
و مدافئها الحجريّة
و أنت تدفع أصابعك الوحيدة في الشّهوة
و أنت تظنّ طفولتك غزالا
أو نورسا
أو قطعة بحر تهتزّ في زُرقتها
و أنت تهيّئ نفسك للّيْل
تُشعل له عينيك المريضتيْن
و تخرّ على ركبتيْك
ثمّ تصغي إلى الله
و أنت تحمل رجليْك في صدرك
تحاول أن تغادر
تحاول أن تبحث عن شيء ما
تحاول أن تعود إلى حقل أو غرفة
و أنت تُسْقط غيمات في رأسك
و تحرّكها
ربما تسمع خشخشةً أو عواءًا
ربّما تصنع فيضانا بأسنان مندفعة
و أنت تتذكّر
و أنت حيوانٌ أعرَجُ يركضُ في الرّمال
و أنت تهذي أو تئنُّ
و تنصب فخاخك للأشياء و الأسماء و الأصوات الماهرة
و أنت كما أنت...
هنالك دائما من ينظُرُ إليْك
الگاردينيا: الأخ الشاعر/ محمد الناصر المولهي من تونس الخضراء ..
981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع