الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
عائلة شيت خطّاب - الجزء الخامس
لقد كان القاضي ضياء شيت خطّاب قامة علمية كبيرة في القضاء، وكان يتمتع بسمعة طيبة وخبرة متميزة في هذا المجال. كما كان معروفا على مستوى العراق والدول العربية، وله مؤلفات وبحوث عديدة في هذا المجال. وقد تميَّز هذا القاضي بالعدل والنزاهة والإخلاص في عمله، وكان خير قاضٍ في المهام التي كُلف بها.
وكان ضياء شيت خطّاب أستاذا متميزا لطلبة القضاء، وكان يعطي الدروس المُستنبطة من واقع الحياة عند تدريسه طلبته. كما كان يساعد طلبته ويعيرهم الكتب من مكتبته الخاصة التي في بيته والتي تضم العديد من الكتب والمؤلفات القانونية والأدبية. وكانت الجامعة العربية تستدعيه لإلقاء محاضرات على طلبة الدراسات العليا خارج العراق.
لقد كان من أهم مصادر القضاء الذي اعتمد عليها القاضي ضياء شيت خطّاب تحرير مجلة للإمام محمد حسين كاشف الغطاء النجفي (1833-1954 م)، وهو من أعلام المسلمين ومنابع العلم والأدب.
ومن مصادره الأخرى كتاب (أدب القاضي) لأبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (974-1058 م) أكبر القضاة أواخر الدولة العباسية، و (الملل والنحل) لأبو الفتح الشهرستاني (1086-1153م) و (أعلام الموقعين) لابن قيم الجوزية (1292-1350م).
قالوا فيه:
لقد تحدث القاضي فتحي الجواري عن القاضي ضياء شيت خطّاب في كتابه (سدنة العدالة: أعلام القضاء العراقي) قائلا: "لقد امتد نشاط القاضي ضياء شيت خطّاب إلى مصر ليحاضر في معهد الدراسات العربية العالية التابعة لجامعة الدول العربية، حيث القى محاضرات في ذلك المعهد عام ١٩٦٨ م بموضوع (التنظيم القضائي في العراق)، فضلا عن محاضرات في قانون المرافعات المدنية سنة ١٩٧٠ م، فضلا عن محاضرات في (نظرية الدعوى) عام ١٩٧٥ مع محاضرات أخرى في الأسلوب القضائي".
ويضيف القاضي فتحي الجواري قائلا: "لقد كان الفقيه ضياء شيت خطّاب يرى في آيات الله والأحاديث الشريفة صورة مُثلى لإرجاع الحق إلى أهله، فعمل بها وجعل العدل متمثلا بإيصال كل ذي حق إلى حقه. وكان متأثراً برسالة سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في القضاء؛ وهي رسالته الشهيرة إلى أبي موسى الأشعري، والتي كانت وما زالت منهجاً كاملا في القضاء العادل.. كما قرأ (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوجد نصوصا عدة تدعو إلى الحكم بالعدل، ومن بينها نص كان الإمام علي عليه السلام قد أرسله إلى واليه على مصر (مالك الاشتر النخعي) رضي الله عنه ليعدل به في القضاء، وقد استفاد منه القاضي ضياء شيت خطّاب كثيرا.
يقول الإمام علي (عليه السلام) في عهده (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك بما لا تضيق به الأمور ولا تحكمه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق متى عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون قضاة أوقفهم في الشبهات وأخذهم بالحجج).
لقد استغرق ضياء شيت خطّاب في هذا الميراث جهده وطاقته سنينا طوالا حتى تبين له أن عملية القضاة هي قياس منطقي مقدمته الكبرى هي النص التشريعي الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة أو الاجتهاد.
وهناك نص آخر للإمام علي (عليه السلام) يرى من خلاله القاضي ضياء شيت خطّاب الاجتهاد، حيث يقول النص (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قاضيا وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء، فقال بأن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع كلام الآخر كما سمعت كلام الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء..). قال فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد".
ويستنتج الفقيه القاضي ضياء شيت خطّاب من هذا النص أن حرية الدفاع تعني: (قرع الحجة بالحجة، ودفاع كل من المتخاصمين عن حقه، لذلك لا يجوز للقاضي أن يقضي على غائب).
نهاية خدمته ووفاته:
على الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمها القاضي ضياء شيت خطّاب لبلده ولأمته، إلا أن هناك ظاهرة تتكرر باستمرار في بلدنا وفي شتى المجالات ولمختلف الأجيال؛ وهي ظاهرة (عدم الوفاء للمخلصين وللمبدعين).
فعلى الرغم من العطاء المُميز للقاضي ضياء شيت خطّاب، فلم يحصل على تمديد لخدمته عند انتهاء مدته القانونية بسبب عدم حيوده عن الطريق القويم والذي يُرضي الله وضميره.
وفي يوم الاثنين 18 جماد الأولى 1433ه الموافق 9 نيسان 2012م توفي شيخ القُضاة ضياء شيت خطّاب عن عمر يناهز الثانية والتسعين بعد صراع مع المرض، وقد دُفن في مقبرة الكرخ في بغداد بجوار شقيقه القائد محمود شيت خطّاب ومع شقيقتهما. وقد أقيمت ثلاثة مجالس عزاء على روحه الطاهرة في بغداد والموصل والأردن.
يقول القاضي رعد جاسم محمد صالح العباس: "لقد أحدث رحيل ضياء شيت خطّاب فجوة كبيرة في جسد القضاء العراقي، حيث كان الفقيد عمودا أساسيا من أعمدة القضاء العراقي وركنا من أركانه، وركيزة أساسية من ركائز الفكر القضائي الذي طالما أغناه".
ويضيف القاضي رعد جاسم محمد صالح العباس: " لقد كانت حياة ضياء شيت خطّاب القضائية عبارة عن (رهبنة) كلها دقة ونقاء، عاش زاهدا عفيفا يمتلك ذاكرة عظيمة قل نظيرها. شغل منصب رئيس محكمة تمييز العراق، وكان عضوا في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وعضو المجمع العلمي العراقي".
تكريمه:
لقد كرَّمت جامعة بغداد القاضي ضياء شيت خطّاب بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسها، حيث كان ضياء شيت أحد الخريجين المتميزين الذين تخرجوا منها، فضلا عما قدمه من خدمات جليلة للقانون طوال حياته. كما منحه قسم القانون في كلية القانون والسياسية في جامعة بغداد شهادة تقديرية.
وفي العام 2001 نال ضياء شيت خطّاب جائزة بيت الحكمة في الدراسات القانونية والقضائية، وقد أصدر بيت الحكمة سلسلة تعريفية بالسير الذاتية لكل واحد من الفائزين بجائزته، وتم تكليف الأستاذ حميد المطبعي للكتابة عنه بكتابه الموسوم "ضياء شيت خطّاب الفقيه القاضي"، ومما جاء فيه:
"كان ضياء شيت إذا حكم فحُكمه على ضوء استقامته الدينية ومثله العليا في الحياة، وهي من نتاج أهله وتقاليده الصحيحة، إذ جعل القرآن الكريم دستوراً أولاً في قضائه. والقضاء في عرفه هو الحكم بالحق، ففصل في الخصومات وأنهى منازعات وأزال ظلما ووضع الحق في موضعه. ثم حكم على هدي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها الحديث الشريف: (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ)، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم)".
ومن باب الوفاء للقاضي ضياء شيت خطّاب فقد تمت تسمية قاعة في كلية القانون/ جامعة الفلوجة باسمه.
رحم الله القاضي ضياء شيت خطّاب واسكنه فسيح جناته على ما قدم لبلده وأمته من سيرة عطرة وأثرا طيبا تتناقله الأجيال.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب: 23).
https://www.youtube.com/watch?v=BwmtnkDwtag
1105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع