الأسباب الأربعة وراء تجديد الفكر الإسلامى

                                               

                        علي محمد فخرو

الأسباب الأربعة وراء تجديد الفكر الإسلامى

فى مؤتمر عن العنف والتطرف الدينى حضرته أخيرا أجمع كل المتحدثين على أن لتلك الظاهرة خلفية فكرية وفقهية دينية تكونت عبر التاريخ وتجذرت، ولازالت معنا فى الحاضر فى أشكال وتعبيرات جديدة.

من هنا الأهمية القصوى لضرورة محاولات التجديد فى الفكر والفقه الدينى اللذين يمثلان جهدا إنسانيا متواصلا لقراءة وفهم وتطبيق النصوص الدينية المقدسة عبر العصور.
بالنسبة لنا، نحن العرب، تكمن أهمية تجديد الفكر والفقه الإسلامى فى أربعة أسباب وأهداف. فأولا ضرورة أن يعى ويقتنع شباب وشابات الأمة بأن التراث الفكرى والفقهى الإسلامى كان حصيلة فكر وجهد مجموعة من المجتهدين عبر العصور، منهم الفقهاء ومنهم المفكرون والفلاسفة المتكلمون. ولذلك ارتبط هذا الاجتهاد بحاجات أناس ومجتمعات وظروف ذلك العصر ومحدودية علوم الإنسان المعرفية السائدة آنذاك.
كان جهدا مشكورا ورائعا وضروريا، ولكنه كأى جهد بشرى، كان قابلا عبر تعاقب الأزمنة للاختراق والدس والإضافات المشوهة من جهة أخرى. ولذلك فالتجديد لا يتحدث إطلاقا عن تجديد النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية الثابتة المؤكدة، وإنما عن الفهم البشرى لتلك النصوص والأحاديث، ومحاولات التطبيق فى الواقع، والاستجابات لمتغيرات الظروف الإنسانية.

إيقاظ وعى شباب وشابات الأمة للفروق فيما بين مقدس وغير مقدس، وضرورة التجديد الدائم للأخير، هو الهدف الأول من وراء عملية التجديد التى نتحدث عنها.
السبب الثانى لأهمية التجديد هو أن الحديث عن التجديد الثقافى والحضارى العربى، كما يرد دائما فى مداولات ومشاريع النهوض العربى، لا يمكن أن ينجح ويتحقق فى الواقع إلا إذا رافقه بتواز تام تجديد الفقه والفكر والخطاب الإسلامى. ذلك أن التراث الفكرى والفقهى الإسلامى يمثل العمود الفقرى وروح الثقافة العربية، وعلى الأخص الثقافة الجماهيرية السائدة والمهيمنة فى المجتمعات العربية.

أما السبب الثالث فهو لوجود إشكاليات ذاتية، خلقت الكثير منها الظروف السياسية والمماحكات المذهبية عبر التاريخ العربى، وخلقت البعض الآخر حاجات العصور العربية الحديثة وتحديات التخلف العربى الشامل. وكمثال على تلك الإشكاليات التى تحتاج لمناقشة ونقد، تم تجاوز، موضوع الشريعة الإسلامية التى نصت عليها غالبية الدساتير العربية الساحقة كمصدر للتشريع: فهما وقراءة جديدة للنصوص القرآنية ومقاصدها، وإضافات لمكوناتها التى تقتضيها التغيرات الهائلة فى حياة المسلمين الحديثة، ومراجعة للجمود أو التزمت الذى فرضه البعض عليها، إلخ... أو مثال تطبيق الحدود من حيث المتطلبات المجتمعية التى يجب أن تتوافر قبل تطبيقها، ومدى التناغم والتضاد مع إعلانات حقوقية عالمية.. أو مثال التماثل أو التباعد فيما بين مفهوم الشورى الإسلامى ومفاهيم الديموقراطية المختلفة... أو مثال الحوارات الضرورية فيما بين المذاهب، وخاصة مذهبى السنة والشيعة... والقائمة تطول وتتعقد إذا لم تعالج.

أما السبب الرابع، البالغ الأهمية أيضا، فهو أن هناك حاجة لفكر وفقه إسلامى قادر وصالح لأن يكون أحد المراجع العالمية التى يحتكم إليها، وعلى الأخص على المستويين الأخلاقى والقيمى الإنسانى، للإجابة عن تساؤلات العصر الكبرى التى طرحتها على الأخص الحضارة الغربية المهيمنة عولميا. فشعار التقدم الذى نادت به أوروبا منذ عصور الأنوار لا يزال ينتظر من يجيب عن التساؤل الآتى بشأنه: التقدم إلى ماذا، ولأية أهداف، وبأية وسائل مقبولة؟ وشعار الحرية الذى نادت به الحداثة لا يزال ينتظر من يجيب عن ألف سؤال بشأنها: تعريفا وأنواعا ومحددات وتوازنات مع شعارات أخرى. والأسئلة التى تطرحها التطورات العلمية والتكنولوجية تطرح أسئلة الجوانب القيمية والأخلاقية التى يجب أن تحكم استعمال تلك التطورات.

من هنا الأهمية القصوى لمشاركة العرب والمسلمين بقية العالم فى تقديم حلول لمشاكل العصر من خلال امتلاكهم لفكر وفقه نشط وحيوى ومرن وقادر على التعامل مع العصر والحكم على مستجداته وهلوساته وجنونه، ومنع انزلاقه إلى الهاوية الحضارية المأسوية.

تلك أربعة أسباب لدخولنا فى عملية تجديد للفكر وللفقه الإسلامى، وكل واحد منها كاف للإسراع باتخاذ القرار الصحيح قبل فوات الأوان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع