الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
عائلة شيت خطّاب - الجزء الأول
عائلة شيت خطّاب هم من آل الخطّاب؛ وهم؛ كما ذكر المؤرخ أزهر العبيدي؛ أبناء خطّاب بن أحمد بن محمد من آل التكاي، وترجع أصولهم إلى عشيرة المحامدة التي تصل جذورها الى قبيلة الدليم؛ العشيرة العراقية العريقة.
بعض المصادر تذكر أن نسب هذه العائلة الكريمة يتصل بسيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، في حين أن مصادر أخرى تذكر أن القائد محمود شيت خطّاب قد أكد بخط يده نسبه قائلا إنه (دليمي من المحامدة ومن فخد ألبو عزام). كما أكدت ابنته الدكتورة (آمنة محمود شيت خطّاب) ذلك، وقد حقق ذلك وأكده أساتذة مختصون منهم الدكتور أحمد سليمان المحمدي والدكتور حسين الدليمي.
والجدير بالذكر أن هذا النسب هو أيضا نسب المُلا عثمان الموصلِيّ (1854-1923م) والذي هو أيضا (دليمي من المحامدة ومن فخد ألبو عزام) حسب شجرة العائلة المتوفرة لدينا. ويرجع هذا النسب الكريم إلى الفارس العربي عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي (601-642م)، والذي ذكره الشاعر أبو تمام في شجاعته وقوة إقدامه في الحرب فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم... في حلم أحنف في ذكاء إياسِ
المعلوم أيضا أن عائلة شيت خطّاب سكنت منطقة (باب البيض) المجاورة تماما لمنطقة سكن المُلا عثمان الموصلِيّ (باب الجديد) في الناحية الجنوبية من أيمن الموصل. وهاتان المنطقتان المتجاورتان من الأحياء العريقة في مدينة الموصل القديمة.
وشيت خطّاب شخصية من أسرة دينية كانت تشتغل بتجارة الخيول، وكان من علماء الموصل. وقد درس الفقه والتفسير على يد كبار العلماء، وكان من المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين في الموصل.
وكان شيت خطّاب شخصية وطنية معروفة في المجتمع الموصلي في النصف الأول من القرن العشرين، وكان هو وكل من حسن العُثمان وحمدي جلميران وجمال المفتي وقاسم الديوه جي وهاشم حمو القدّو وجودت المفتي وهاشم الحاج يونس من المؤسسين لحزب الاخاء في الموصل عام ١٩٣٤.
تزوج شيت خطّاب من امرأة قيسية كانت وحيدة لأهلها، وهي ابنة الشيخ مصطفى خليل قره مصطفى، وكان من علماء الموصل المشهورين بعلمهم وورعهم، وقد رُزق منها بأربعة أولاد وخمس بنات.
أولاد شيت خطّاب هم: المؤرخ اللواء الركن محمود شيت خطّاب، والقاضي ضياء شيت خطّاب، والفريق علي إحسان شيت خطّاب مدير الحسابات العسكرية في وزارة الدفاع، والعميد عبد الرحمن شيت خطّاب مدير حسابات الفرقة الرابعة في الموصل. وقد خدمت هذه الذرّية الطيبة العراق والأمة العربية في مجالات شتى، وتركوا آثارا طيبة تناقلتها الأجيال من بعدهم.
اللواء الركن محمود شيت خطّاب (1919 –1998م):
هو وزير عراقي سابق وقائد عسكري ومؤرخ وكاتب. درس العسكرية في العراق وبريطانيا، وشارك في حرب فلسطين عام 1948م، وتقلّد مناصب وزارية عدة، وشارك في عضوية لجان عربية وإسلامية عديدة، وله العديد من المؤلفات العسكرية واللغوية والفكرية.
ولد محمود شيت خطّاب في الموصل في العام 1919، وشاء الله أن يولد شقيقه ضياء في السنة التالية 1920، فكفلته جدته لأمه والتي كانت وحيده لأهلها بعد أن استأثر أخوه ضياء بحنان أمه.
عاش محمود في كنف الجدّة المتديّنة، ونشأ في بيت علم ودين يقرأ فيه القرآن الكريم صباح مساء، وكان لجدّته الدور الأكبر في تربيته الإسلامية، حيث كانت تصحبه إلى المسجد لصلاة المغرب، وتبقى معه حتى تصلي العشاء ثم تعود به إلى البيت.
وكان بيت والده يضم مكتبة عامرة بالمصادر المطبوعة والمخطوطة، وقد قرأ محمود القرآن الكريم على يدي أحد المشايخ، ودرس علوم التفسير والحديث والفقه.
التحق محمود بالمدرسة الابتدائية في السنة الثامنة من عمره، وواصل تعليمه فيها حتى أكمل المراحل الثلاث: الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وقد أدى فريضة الحج عام 1935 حين كان في الصف الثالث المتوسط وله من العمر خمسة عشر عاما.
لقد استمرت رعاية جدته له إلى أن توفاها الله وعمره ستة عشر عاماً. وقد كتب محمود في رثاء جدته:
أجهدتِ نفسكِ فاستريحي قليلا ... قد كان عبئكِ في الحياة ثقيلا
نزلتْ عليكِ مصائب الدنيا ولو ... نزلتْ على جبل لخرَّ مهيلا
وجد القنوط إلى الرجال سبيله ... وإليك لم يجد القنوط سبيلا
ولرب فرد في سمو فعاله ... وعلوه خلقا يعادل جيلا
لقد كان محمود يصحب والده إلى مجالس الحيّ، وكان والده يُكلفه بقراءة أحد كتب التاريخ على الحضور، ومعظمهم من أهل العلم واللغة، فتأثر بذلك تأثرا كبيرا وكان ذلك سبباً من أسباب حرص محمود على إتقان القراءة، وعشقه للتاريخ، وانصرافه للكتابة فيه.
وبعد أن أكمل محمود تعليمه الثانوي، انتقل إلى بغداد وبدأ بالتعرُّف على معالمها لأول مرة. وفي العام 1937م كان اسمه على رأس من أُعْلِن قبولهم كطلاب في الكلية العسكرية لتبدأ رحلته المشهودة في السلك العسكري.
التحق محمود شيت خطّاب بالكلية العسكرية ببغداد وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ في سلاح الفرسان. شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941م ضد الإنكليز وجُرح فيها، وتخرج من كلية الأركان وهو برتبة نقيب عام 1947.
اُرسل محمود شيت خطّاب في دورة إلى بريطانيا لمدة سنتين، وحصل على شهادة عليا من كلية الضباط الاقدمين في إنكلترا عام 1955، فتم ترفيعه إلى رتبة لواء أركان حرب. وقد شهد أربعاً وعشرين دورة تدريبية عسكرية في العراق وشمال أفريقيا وإنكلترا، ومنها دورات الفروسية والأسلحة والتعبئة والضباط الأقدمين.
لقد تفاعل محمود شيت خطّاب مع عالم العسكرية وتمييز فيه، وحصل على العديد من الشهادات ودخل دورات تدريبية. فقد دخل 24 دورة تدريبية داخل العراق وخارجه، كما حصل على أربعة شهادات:
- الليسانس من الكلية العسكرية العراقية عام 1938م.
- الماجستير من كلية الأركان والقيادة عام 1948م.
- شهادة دراسات عسكرية عليا من كلية الضباط القدمين العراقية 1954م.
- دبلوم دراسات عليا من بريطانيا 1955م.
لقد خطَّ محمود شيت خطّاب لنفسه طريق الاستقامة، ولم تحيده مختلف الظروف المحيطة به عن النهج القويم. فكان رجلا يُضرب به المَثَل بأخلاقياته وأمانته وحسن سيرته. كما كان داعية يدعو إلى مكارم الأخلاق، ونموذجا فريدا في تعامله مع الآخرين. وبذلك فقد استطاع الاستحواذ على ثقة قادته وجنوده، وتسنم مناصب عسكرية لا يحلم بها أحد من زملائه في الرتبة والقِدم.
لقد شارك محمود شيت خطّاب في حرب فلسطين عام 1948. وبقي مع الجيش العراقي في (جنين) أكثر من سنة. وتولى مسؤولية النظام والأمن في مدينة الموصل ورفض الأوامر التي صدرت له بضرب المتظاهرين المناصرين لمصر إبان العدوان الثلاثي عام 1956.
اُعتقل أيام عبد الكريم قاسم ودخل السجن بعد ثورة الشوّاف في الموصل عام 1959، وناله تعذيب شديد وأصابته كسور كثيرة، وبقي في السجن حتى العام 1961.
لقد تولى محمود شيت خطّاب مناصب وزارية، وعين وزيراً للمواصلات بعد ثورة تموز 1968. وكان وقتها في مصر رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية. وقد تفرغ كلياً لبحوثه ودراساته وللتدريس في الجامعات العسكرية العربية على الرغم من أنه عرضت عليه عدة مناصب رفيعة.
وعمل في سلك التدريس في الكليات العسكرية في العراق ومصر، وزار دولة الكويت أواخر سنة 1969م وألقى سلسلة من المحاضرات هناك.
لقد أثنى المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب "الحرب بين العرب وإسرائيل" على محمود شيت خطّاب ووصفه بأنه أكبر عقل استراتيجي في العالم العربي؛ لكن لا يوجد من يستفيد منه. فقد كان من فراسة القائد محمود شيت خطّاب ودقة دراسته أنه حدد اليوم الذي تعتزم فيه إسرائيل أن تضرب ضربتها؛ وهو يوم 5 حزيران 1967م، ونشر هذا التوقع في جريدة "العرب" الصادرة في بغداء يوم 1 حزيران 1967م، ولكن أين السامع وأين المستفيد؟!
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع