الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
تاريخ استعمال الخيوط في العمليات الجراحية
أولاً : تاريخ استعمال الخيوط في العمليات الجراحية عند الأمم السابقة :
(( يرجع تاريخ استعمال الخيوط في الجراحة إلى نحو 3000 سنة قبل الميلاد في مصر ، وأقدم خيوط الجراحة التي عرفت في الموميات المصرية منذ 1100 سنة قبل الميلاد .
وإن أول وصف تفصيلي لخيوط الجروح ومواد خيوط الجراحة استخدمت فيها كان بواسطة حكماء الهنود – مثل الطبيب سوشروتا وغيره - كانت قد كتبت منذ نحو 500 سنة قبل الميلاد . ولقد وصف ابو الطب الإغريقي تقنيات بدائية لخيوط الجراحة كما فعل ذلك الرومان المتأخرون . ))
ثانياً : تاريخ استعمال الخيوط في العمليات الجراحية عند الأطباء العرب والمسلمين :
1 - الخيوط المستخرجة من أمعاء الحيوانات : يحكى عن ابو بكر محمد بن زكريا الرازي
( المتوفى سنة 925 م ) أنه كان يمتلك مجموعة من القرود، وبعض الآلات الموسيقية التي يستخدمها أحيانا في العلاج. وذات يوم، فوجئ بأن قردا أكل أوتار الآلات الموسيقية- وكانت مصنوعة من أمعاء الحيوانات- فقام الرازي ووضع القرد في قفص، وأخذ يراقبه ويفحصه كل يوم، فتأكد أن أمعاء القرد هضمت الأوتار.وحينئذ، توصل إلي فكرة خطيرة؛ حيث قام بإجراء عملية جراحية في بطن القرد، واستعمل في خياطة الأمعاء خيوطا مصنوعة من أمعاء الحيوانات، بينما استخدم خيوطا من الحرير في خياطة الجلد الخارجي. وبعد فترة من الزمن، فتح الجرح مرة أخري، فوجد أن تجربته نجحت، وأن خيوط الجراحة الداخلية قد هضمتها أنسجة جسم القرد، وعادت أمعاؤه إلي طبيعتها. وقد كان لهذا الاكتشاف أثر كبير في الجراحة؛ حيث أصبحت خياطة أي عضو داخل الجسم تتم بأمان .
ويقول أبو القاسم خلف الزهراوي المتوفى 1013م (( وقد يمكن أن يخاط المعاء أيضاً بالخيط الرقيق الذي يسل من مصران الحيوان اللاصق به بعد أن يدخل في إبرة وهو أن يؤخذ طرف هذا الخيط من المصران فيسلت نعماً ثم يربط في طرفه خيط كتان رقيق مفتول ثم يدخل ذلك الخيط في الإبرة وفيه خيط المصران فيخاط به المعاء ثم يرد إلى الجوف ))
2– النمل وخياطة الجروح عند الأطباء العرب والمسلمين :إن هذه الطريقة كانت معروفة في البلاد العربية ، حيث يقول أبو القاسم خلف الزهراوي ( المتوفى 1013 م ) في كتابه التصريف (( وقد ذكر بعض أهل التجربة أنه متى عرض في المعاء جرح وكان صغيراً فينبغي أن يخاط على هذه الصفة وهو أن يؤخذ النمل الكبار الرؤوس ثم تجمع شفتا الجرح ثم توضع نملة منها وهي مفتوحة الفم على شفتي الجرح ، فإذا قبضت عليه وشدت فمها قطع رأسها فإنه يلصق ولا ينحل ، ثم توضع نملة أخرى بقرب الأولى ولا تزال تفعل ذلك بعدة نمل على قدر الجرح ثم ترده وتخيط الجرح فإن تلك الرؤوس تبقى لاصقة في المعاء حتى يغرى المعاء ويبرأ ولا تحدث بالعليل آفة ))
ويقول أبو الفرج إبن القف الكركي ( المتوفى 1286م ) في كتابه العمدة في الجراحة عن ذالك (( وإن وقعت الجراحة في المعاء ، فإن كان ذلك في المعاء الدقاق فلا مطمع في إلتحامه ، وإن كان في المعاء الغلاظ وكان نافذاً كبيراً فلا تطمع أيضاً في إلتحامه ، وإن كان غير نافذ أو كان ضيقاً فقد يرجى إلتحامه – والطريق في تدبيره أن يخيط بخيط إبريسم كما ذكرنا ، أو يؤخذ النمل الكبار ويفتح أفواهها ويلقم شفتي الجرح وتقص رؤوسها هكذا إلى آخر الجرح ثم يرد المعاء إلى موضعه ويخيط الجوف ويداوى بما ذكرنا ))
ثالثاً: تاريخ استعمال الخيوط في العمليات الجراحية في الطب الحديث :
1 – تعقيم خيوط الجراحة :لقد أدخل الجرّاح الانجليزي "جوزيف ليستر" (1827-1912) تغيرا عظيما في تقنية خيوط الجراحة (كما في الجراحة نفسها) عندما اعتمد التعقيم النمطي (الروتيني) لكل خيوط الجراحة. فقد حاول أولا إجراء التعقيم خلال ستينات القرن الثامن عشر بتعقيم خيوط جراحة أمعاء القط بالفينول (الفينيك)، ثم تلاها بمحاولة التعقيم بالكروم في العقدين التاليين. وقد تم إحراز النجاح في الحصول على خيوط أمعاء القط المعقمة أخيرا في سنة 1906 بمعاملتها بالأيودين (اليود). وفي خمسينات القرن العشرين تلا ذلك عمليات التعقيم بالإشعاع لخيوط أمعاء القط . ولكن في الحقيقة قد حرّمت خيوط الأمعاء في أوروبا واليابان بسبب اعتبارات مرض جنون البقر أو حتى جنون القطط !
2 – الخيوط الجراحية الصناعية : لقد حدثت القفزة التالية في القرن العشرين. فقد قادت الصناعات الكيميائية إلى إنتاج أول خيوط جراحية اصطناعية في أوائل ثلاثينات القرن العشرين وهي على نوعين :
أ - خيوط جراحية اصطناعية قابلة للامتصاص : وكانت أولى هذه الأنواع مبنية على كحول البولي فينايل في عام 1931، وهو مادة بلاستيكية. وقد تم تطوير البولي استر في خمسينات القرن العشرين . وقد اكتشف حامض البولي جليكوليك في ستينات القرن العشرين وتم استخدامه في سبعينات القرن في صناعة خيوط الجراحة. اليوم تصنّع أغلب خيوط الجراحة من ألياف البولي مر الاصطناعية. والحرير .
وتتضمن الخيوط القابلة للامتصاص الخيوط الأصلية مثل أمعاء القطط وكذلك الخيوط الاصطناعية المصنعة من حامض البولي جليكوليك وحامض البولي لاكتيك ومادة البولي داى أوكسينون ومادة الكابرولاكتون.
وتستعمل تلك الخيوط الجراحية القابلة للامتصاص مع المرضى الذين لا يستطيعون العودة إلى المستشفى لإزالة خيوط الجراحة ، أو تستعمل في الأنسجة في داخل الجسم.
ب - خيوط الجراحة غير القابلة للامتصاص : تصنّع من نوع مخصوص من الحرير أو من البولي بروبايلين الاصطناعي ومن البولي استر أو النايلون. والأسلاك غير القابلة للصدأ تستخدم عادة في جراحات العظام، وتستخدم في خياطات الصدر في جراحات القلب أو خياطة جروح الجلد - حيث يمكن إزالتها بعد أسابيع قليلة.
وتصنّع خيوط الجراحة بحيث يتراوح سمكها من سمك رقم1 إلى سمك رقم 6. ويعتبر رقم 1 هو أقلها سمكا ورقم 4 يشابه في قطره أو سمكه خيوط مضارب التنس! والتقنيات الصناعية التي بدأت من خيوط بسمك خيوط الآلات الموسيقية . وبعد تحسين التقنيات أضيف السمك رقم صفر (#0) إلى أقطار خيوط الجراحة ، ثم أضيف الأدقّ والأدق .
وتصنّع مخايط (ابر) الجراحة بكافة أشكالها لتتناسب مع كل أحجام الخيوط الجراحية.
- عبد الباري ، الدكتور محمد هاشم : متى تفك السلك ، الشبكة العنكبوتية ( موقع بيت عطاء الخير ) .
- الزهراوي ، ابو القاسم خلف غبن العباس : التصريف لمن عجز عن التأليف ، إصدار معهد ويلكم – لندن 1973 ، ص ص551 .
- المصدر نفسه ص 551.
- الكركي ، أبي الفرج إبن القف : كتاب العمدة في الجراحة ، دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن ، الطبعة الأول ، ج 2 ، ص 107 .
776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع