شيء من التحليل النفسي " الحلم"

                                                       

                        د. اسعد شريف الامارة*


شيء من التحليل النفسي " الحلم"

الرغبات تبقي على الأحلام
جاك لاكان
الحلم هو سلسلة من الهلاوس والتخييلات التي تحدث لنا أثناء النوم، كما تراها موسوعة علم النفس والتحليل النفسي ويعد الحلم من الحيل الأساسية التي تلجأ إليها النفس البشرية لإشباع رغباتها ودوافعها خاصة تلك التي يكون إشباعها صعبًا أو مستحيلًا في عالم الواقع( فرج طه) ويضيف (حسين عبد القادر) الحلم واقعًا نفسيًا لنشاط إنساني فلم يكن من الغريب أن يتصدى التحليل النفسي للتعرف على أبعاده ومكنوناته الدينامية ووظيفته.
هل أحلامنا هي شخصياتنا؟ هل أحلامنا وهي مفتاح الاضطرابات العصابية "النفسية"، وهي من مكنونات أنفسنا؟ هل فعلا الحلم هو الطريق الملكي "الذهبي" إلى اللاشعور كما يقول مؤسس التحليل النفسي " سيجموند فرويد" وهو تحقيق مقنع عن رغبة مكبوتة؟ من هنا يكون مدخلنا إلى عالم الأسرار وخبايا النفس وعناوينها اللامنتهية، لا سيما ان للحلم لغة خاصة ورموز عديدة لها دلالاتها ويؤكد المشتغلين بالتحليل النفسي أن لغة الحلم هي اللاشعور استنادًا إلى كلام "كانط" قوله "ساحة الفكر المظلمة التي لا قياس لها" وهو مدخل قوي للنزول نحو الاعماق وهو المصطلح الذي أسسه التحليل النفسي مثل مصطلحات غريبة اخرى لم يألفها الناس سابقًا وإلى اليوم، الأنا ، الانا الأعلى، اللبيدو، اللاشعور"اللاوعي" الكبت وميكانيزمات "آليات" الدفاع الاخرى، التنفيس "التفريغ الانفعالي" ثم الحلم، ويقول "لايتس" مسلمته من الفاعلية النفسية غير الشعورية ويقول" يونغ" عن الحلم واللاشعور تأكيدًا لذلك ما حققه "جانيت" و "فلورونوي" و "فرويد" في هذا الميدان.
ويبقى تساؤلنا هل الحلم تاليف منظم؟ هل الحلم تأليف مدرك؟ هل لغة الحلم هي لغتنا ونحن في حالة الوعي؟ ماذا يرى سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي ومن بعده تلامذته والمعاصرين في ما يحتويه الحلم؟ كيف يرى "جاك لاكان" فيلسوف التحليل النفسي وعمقه في الرؤية والتفسير وإيجاد المعنى؟ إنها رحلة في النفس الإنسانية من الداخل بالعمق حينما يبدأها فرويد بقوله" أن الحلم عملية ذات معنى يمكن إدراجها في سياق خبراتنا النفسية" فرويد، تفسير الاحلام ، ص505 " ويضيف "فرويد" في كتابه الموجز في التحليل النفسي بأن الحلم لغة مصورة أشبه بالكتابة المصرية القديمة. ويقول "جاك لاكان" الرغبات تبقي على الأحلام، ويضيف "لاكان" نحلم بأننا نختلط مع ما نعممه من استقراء extrapoler بوساطة ما نملكه من لغةٍ ( لاكان، عن الحلم)
يقول العلامة "مصطفى زيور" نقلًا عن افلاطون في كتابه" الجمهورية" إن بعض الأهواء والرغبات تتسم بالزيغ، واكبر الظن أنها موجودة فينا بالفطرة ولكنها تقمع بفضل القوانين والميل إلى الخير، وقد ينجح العقل لدى البعض في ضبطها فيخفت صوتها، ولكنها تظل لدى البعض الآخر قوية كثيرة، وأعني بهذه الرغبات تلك التي تستيقظ أثناء النوم عندما يهج ذلك الجزء العاقل من النفس الذي يضبط الجزء الآخر فتوثب الجزء الحيواني الهمجي فيهز النوم وينطلق باحثًا عن إشباع شهواته وكأنه أطرح كل حياء وحذر، وجملة القول إنه لا يحجم إذ ذاك عن أي جنون أو إسفاف.
يقول" مصطفى زيور" الحلم الرغبة مكبوتة في صورة مقنعة، والحلم نشاط للإنسان النائم يستعين به "الأنا" الذي ينشد النوم في خفض الحوافز التي تميل إلى إيقاظ النائم كما يقول" دانييل لاجاش" ويضيف أيضا أن الفكر في الحلم ليس له تركيب الفكر في حالة اليقظة.
الحلم باعتباره اشباعًا متوهمًا وهلوسيًا للرغبة، وأكثر من ذلك كله مضمون هذه الرغبة وبنيانها اللغوي في صورة اللدنة ببلاغتها ونحوها وصرفها وما إليهم بتكثيفها ونقلها وصياغتها الثانوية ورموزها وطابعها المسرحي، الامر الذي يقود في صيغته الاجتمالية إلى المحتوى الكامن وراء الرغبة التي تتضمن دلالات ليبيديه بالمعنى التحليلي النفسي( حسين عبد القادر)
يرى "كارل يونغ" الطبيب السويسري والمحلل النفسي الذي كان من مؤسسي أو لنقل ممن تأثر بافكار "سيجموند فرويد" في بداية التحليل النفسي ومن ثم انفصل عنه ليؤسس إتجاه خاص به في التحليل النفسي سمي بعلم النفس التحليلي حيث يرى أن الاحلام تكشف كشفًا مطردًا لا يخطئ عن المحتويات الخافية "اللاشعورية" التي تشكل العوامل المسببة في العصاب، والاحلام التي تكشف لنا عن هذه العوامل هي الأحلام الأولية في الأعم الأغلب، ويقصد "يونغ" بالأحلام الأولية هي التي يرويها المريض عند بدء المعالجة، وهو يفرق بين الاحلام والاحلام الاولية. وعمل "كارل غوستاف يونغ" بعد إنفصاله عن حركة التحليل النفسي وأنشأ اتجاهه الخاص بالجانب النظري وكذلك في العلاج النفسي التحليلي فيرى: ان إحدى خصائص الأحلام التي يجب أن تأخذ المحل الأول في كل بحث يتناول تطبيق الأحلام في معالجة العصاب، فالحلم يعطينا بصورة واضحة عن الحالة الذاتية أو الشخصية، بينما يرفض العقل الواعي أن يعترف بوجود هذه الحالة، أو لا يعترف بها إلا مكرهًا. ويرى "يونغ" أن الحلم لغة الخافية "اللاشعور- اللاوعي" تخصيصًا. ( الخافية عند يونغ هي اللاشعور- اللاوعي في إتجاهات التحليل النفسي الاخرى)
يطرح "يونغ" فكرة ربما يتفق بها مع "جاك لاكان" وهي قوله: أن المرضى الذين يجيدون لغة الطبيب الفنية أو النظرية ليسوا بالقليلين، وأن هؤلاء إنما يفعلون ذلك حتى في احلامهم، ويرى "لاكان" أن المريض له تفكيره ومعرفته الحقه بما يدور مع المحلل النفسي الذي يقوم بتحليله فالعلاقة علاقة طرح وطرح مضاد.
ويضيف "يونغ" ما من لغة لا يمكن التعسف في استعمالها، وإنه لمن الصعب أن ندرك مقدار ما ننخدع باعتساف الأفكار حتى ليبدو الأمر كما لو أن للخافية "اللاشعور- اللاوعي" طريقها في خنق "الطبيب – المعالج بالتحليل النفسي" بأحاييل نظريته.
ويرى "يونغ" في رؤيته عن الاحلام حريٌ بنا أن نقول إننا نتعامل مع شيء أشبه بنص لا نستطيع فهمه، لا لأن له واجهة بل لأننا لا نستطيع قراءته قبل أن ننفذ إلى ما وراء هذا النص، ويجب علينا أن نتعلم القراءة. ومن هنا كان التحديث في التحليل النفسي لكي يتحول إلى العمق والذي قاد هذا التحديث هو "جاك لاكان" حينما سبر أغوار الإنسان بلغته التي يتحدث بها في العلن وفي الخفاء، أعني الحلم، من جهة وهي من جهة أخرى أداة المحلل النفسي وكذلك الشخص الذي يطلب التحليل النفسي لتحقيق الشفاء. ويقول في ذلك "علي وطفه" ففي أعماق النفس الإنسانية تضرب الكلمة جذورها عند "لاكان" ومن هنا يترتب على الباحث أن ينقب في أعماق النفس الإنسانية باحثًا عن اسرار اللغة راصدًا لقانونية الكلمة التي تتوغل في باطن النفس وفي رحاب مكنوناتها اللاشعورية. ويؤكد "جاك لاكان" في مقابلة في العام( 1966 ) بان " العلم الذي يبحث في اللاشعور هو بالتأكيد علم اللسانيات، فاللاشعور- اللاوعي يتكون كلغة ويتجلى في مظاهرها ، ويؤكد أيضا "لاكان" بان ما تكشفه تجربة التحليل النفسي هو بنية اللغة بكاملها. ونحن نتفق مع "لاكان" بان اللغة هي المفتاح لسبر أغوار النفس الإنسانية ولغة الحلم هي اللاشعور، وهو الطريق لمعرفة الأعماق ويضيف "وطفه" نقلًا عن "لاكان" قوله فالكلمة هي الوسيط الوحيد من اجل التوغل داخل النفس الإنسانية، وبما أن " لاكان" يعترف لفرويد بفضل اكتشافاته للعلم والإنسانية، كما يعترف بعبقرية منهجه في سبر أغوار النفس الإنسانية مشيرًا بهذا إلى دور الكلمة في مجال التحليل كما يقول ( علي وطفه) ويقودنا هذا التأكيد مرة اخرى للعودة إلى "سيجموند فرويد" حينما يذكر في محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي ص 188، وهو يتحدث عن أسلوب من اساليب إخراج الحلم وهو ليس عملا سهلا فقوله: أن المحسوس لكلمات مجردة، ولتلك الأجزاء من الكلام التي تعبر عن علاقات بين الأفكار، كالأدوات وحروف العطف وغيرها، وستلجأون إلى اصطناع شتى الحيل فتعملون مثلا على نقل النص الأصلي للمقال، إلى صيغ لفظية أخرى، قد لا تكون مألوفة كالأولى لكنها تؤلف من عناصر دون النص تجريدًا حتى تكون أكثر طواعية للتصوير، ولعل في هذا ما يذكركم بان أغلب الكلمات المجردة كانت عيانية أصلًا، ثم فقدت مدلولاتها الأصلية( فرويد ، ص 188)
وهناك رأي لبعض ممن أشتغلوا في التحليل النفسي وعمقه ومنهم ( ميللر وريشارد وكذلك جالوب) ومستمدة هذه الفكرة من فكرة "فرويد" أن الحلم هو لغز مصور لا تنتمي عناصره لبعضها البعض، والطريقة الوحيدة لفهم اللغز هو تفسيره، وهو اعتبار كل عنصر من عناصره على حدا، وبالمثل يرون النص اللاكاني لغز مصور في تقطعه وتجزئته إلى عناصر متمايزة ولا يستطيع المرء أن يتابع المناقشة ، ولكن إذا نظر إلى كل عنصر من عناصرها على حدا، فالكثير سيمكن فهمه، وعادة بأن كل جملة تفيض من الجملة التي تسبقها وتسلم الراية إلى التي تليها تتحطم بإزاء النص الشبيه باللغز المصور اللاكاني، وعندما نتناول كل جملة على جملة على حدا فإن الكثير منها سيفهم، والبعض الذي سيظل مستغلقًا على الفهم سيكون ذات قيمة مع ذلك تمامًا كتفسير الحلم الذي تبقى بعض عناصره قيمة وإن ظلت غاضة ( من محاضرات رابطة الفضاء الفرويدي الدولي، محمد درويش)
ويمكننا القول بناء على رؤية "لاكان" في نظريته من خلال صيغ تشكلات اللاشعور والاعراض المرضية والهفوات وكذلك الحلم الذي نحن بصدد البحث فيه بوصفها صيغًا تحمل دلالات عميقة وتعبر عن حدود رغبات الإنسان وحاجاته. ويبين "لاكان" في اشارة مقتضبة إلى الصيغة التي يتبلور من خلالها الحلم إلى أن مادة الحلم الباطنية تحدد محتواه الظاهري في أبسط تفاصيله تقريبًا ولا يستشف أي تفصيل من هذه التفاصيل من فكرة باطنية معزولة، وإنما يُستشف من أفكار متعددة يجري اقتراضها من مستودع مشترك وبذلك فإن دلالة الحلم تبرز من خلال جدل الظاهر والباطن بحيث تشمل كل مرحلة سابقاتها ضمن توليف أوسع( لومير، ص 91).
يقول "جاك لاكان" أن الطابع الاساس لأحلام العقاب يبدو لي كالتالي: إن ما ينتجها ليس هو رغبة لاشعورية واردة من المكبوت، وإنما هو رغبة مناقضة يتم تحقيقها عكس هذا المكبوت، فرغبة العقاب هذه وإن كانت لاشعورية، أو قبشعورية بكل تدقيق فهي في حوزة الانا( لاكان، ص 75)
وخلاصة القول بأن الحلم إذن نوع من الإخراج المسرحي تتشخص فيه أهواؤنا فترتوي بعد ظمأ، وتلبس من الأقنعه ما يخفي حقيقتها وتصطنع من اللغة أساليب الإعجاز والإستعارة والكناية( زيور، ص 330)
* استاذ في علم النفس

المصادر
- زيور، مصطفى( 1986) في النفس، دار النهضة، بيروت.
- فرويد، سيجموند ( 1978) محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، ترجمة أحمد عزت راجح ، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
- طه و عبد القادر وآخرون، فرج وحسين( 1993) موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، دار سعاد الصباح، الكويت.
- لاكان، جاك ( 2017) الذهانات " الكتاب الثالث من السيمنار 1955- 1956) ترجمة عبد الهادي الفقير، دار التنوير للطباعة والنشر، تونس، بيروت، القاهرة.
- لاكان، جاك ( 2020) الرغبة بالموت، الحلم والاستيقاظ، مداخلة للمحلل النفسي جاك لاكان، ترجمة وليم العوطه منشور في موقع حكمة https://hekmah.org/

- لومير، أنيكا( 2006) استعمال لاكان للمعطيات اللسانية ( في) اللغة الخيالي والرمزي ، سلسلة بيت الحكمة إشراف مصطفى المسناوي، منشورات الاختلاف، الجزائر.

- وطفه، علي اسعد( 2020) البنية اللاشعورية للغة عند جاك لاكان منشور في
https://altanweeri.net

- يونغ، ك. غ ( 1997) علم النفس التحليلي، ترجمة نهاد خياط، دار الحوار للنشر، اللاذقية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1458 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع