علي المسعود
التاريخ لا يرحم أبداً، سلمان رشدي" يهزم نظام الملالي بإيران"
ربما لم تثير رواية بريطانية الجدل فى المنطقة العربية والعالم الإسلامى، مثلما أثارت رواية "آيات شيطانية" للروائى البريطانى من أصل هندي سلمان رشدى، بعدما أصدر قائد الثورة الإسلامية الشيعية فى إيران، ومؤسس دولتها الإسلامية، الخمينى في الرابع عشر من فبراير (شباط) 1989 فتوى بإهدار دم صاحبها بحجة أنها تحمل إساءة للنبى محمد وللمسلمين . وأضاف الخميني، الذي كان يبلغ من العمر 89 عاما آنذاك وتوفي بعد أربعة أشهر فقط من إصداره الفتوى، أن أي شخص يقتل أثناء محاولته تنفيذ عقوبة الإعدام بحق رشدي سيعد "شهيدا" ومصيره الجنّة. وتم تحديد مكافأة قدرها 2,8 مليون دولار لمن يقتل الكاتب "وكأنها تحيات إسلامية في عيد الحب" ـ وتدور أحداث الرواية بين لندن في عهد رئيسة الوزراء السابقة المحافظة مارغريت تاتشر ومكة ـ وتروي قصة الهنديين جبريل وصلاح الدين اللذين انفجرت طائرتهما المخطوفة فوق بحر المانش ـ ويظهر بطلا الرواية مجددا على شاطئ في بريطانيا حيث يخالطان المهاجرين في لندن فيما تتوالى فصول الأحداث بتسلسل سريالي يعكس أسلوب رشدي في الفانتازيا ،انطلق المهاجرون المسلمون من شبه القارة الهندية الذين كان رشدي ينشط أدبياً واجتماعياً من أجلهم، انطلقوا إلى شوارع لندن وبرمنغهام يحرقون كتبه ويطالبون برأسه وهم في قمة الغضب. وجراء ذلك عاش الروائي جحيماً مستمراً، التهديدات تنزل عليه من كل الجهات، الشرطة تحرسه وتراقبه حتى في سريره ومطبخه، سلمان رشدي، المولود في بومباي بالهند، قد حصل على الجنسية البريطانية عام 1964، وإثر صدور الفتوى أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر أن الدولة لن تسمح بأي اعتداءات على مواطنيها. لا أحد يستطيع اليوم أن يتخيل كيف كانت "المرأة الحديدية" هدفاً لكراهية الفنانين والمثقفين اليساريين، غير أن تاتشر كانت تدافع في تلك الحالة، التي مثلت اختباراً لها، عن مبادئ حرية الفن وحرية التعبير عن الرأي. كان رشدي يعتبر نفسه حتى ذلك الوقت مثقفاً يسارياً نقدياً وخصماً للدولة والحكومة، وبعد مرور أحدى وثلاثون عاما هذه الفتوى التي أثرت على الكاتب البريطانى الذى تعرض للمطاردة من المتطرفين وهدد بالقتل أكثر من مرة، إلا أنها حققت مبيعات عالية جدا ، بل وجعلت تلك الفتوى الرواية سالفة الذكر من الروايات الأكثر طلبا فى العقود الثلاثة الماضية. أما الطامة الكبرى فكانت في "الخدمة" التي أدتها فتوى الخميني لرواية رشدي وأدبه بشكل عام: انتقلت أعداد قرائه من خانة عشرت الألوف إلى خانة عشرات الملايين، وهو ما شكر رشدي الخميني عليه دائماً وحتى بعدما رحل هذا الأخير واختفت فتواه وبقي الهندي البريطاني يكتب ويبيع ما طاب له ، هذه الأحداث التراجيدية ألقت بظلالها على "آيات شيطانية" . الرواية الرابعة لسلمان رشدي كانت قد حصلت جائزة "وايت بريد لأفضل رواية في العام"، كما وصلت إلى القائمة النهائية لجائزة "بوكر" المهمة. ولكن، بعد صدور الفتوى كان منح الرواية جوائز أدبية أخرى يعني تهديداً خطيراً لكل من يشارك في التكريم. ولهذا السبب لم يلتفت أحد بحق إلى الأهمية الأدبية لهذا العمل الفني المركب الذي ظُلم ودخل غياهب النسيان. ويرى الكاتب والمفكر الجزائرى، أمين الزاوى، أنه حين أطلق الخميني على أمواج إذاعة طهران فتواه، كان ذلك في الرابع عشر من فبراير (شباط) العام 1989، ضد الروائي البريطاني ذي الأصول الهندية سلمان رشدي مطالباً برأسه، لم يكن يتصوّر ما يحدث الآن، إذ القراء يلتحمون بنصوص الروائي والشعب الإيراني الباحث عن الحرية ينفصل عن الأفكار المحنطة التي تريد العودة بالمواطنة الإيرانية إلى زمن التعصب الشوفيني ، حين أصدر الخميني فتواه مطالباً بإهدار دم الروائي سلمان رشدي على خلفية صدور رواية (آيات شيطانية) 1988، كان ذلك في عز تألق نجم "الخميني" الذي صنعه الغرب بدقة، إذ بهذه الفتوى أملى على "الجميع" قراءة خاصة للرواية التي أُوِّلَتْ من قِبل المتدينين المتطرفين، واعتبروها استهزاءً بالنص القرآني وبشخصية الرسول محمد، وأخرجوها من حيزها الفني، ولكي يعطي لنفسه حجماً من خلال إثارة "غوغاء الدين" ضد الروائي ورصد لـ"قطف رأسه" قيمةً ماليةً كبيرةً ". على خلاف عديد من المنتقدين للإسلام الذين باسم الحرية وحقوق الإنسان يرفضون الإسلام كليةً ويودون لو استطاعوا منعه تماماً، كإن رشدي لا يصدر أحكاماً عامة مطلقة بل على العكس ، إنه لا يكل من التحذير من المساواة بين المسلمين الأتقياء والإسلامويين المتطرفين. عندما سئُل ذات مرة عما إذا كان الاستعداد لارتكاب العنف هو جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي، أجاب شارحاً أن القرآن لا يتضمن دعوات إلى العنف أكثر أو أقل من الكتب المقدسة للأديان الأخرى . لقد انتقد الكاتب البريطاني المولود في بومباي بشكل منتظم العنف الذي يستخدمه الجيش الهندي في مواجهة مسلمي كشمير. وعندما أعلن ف. س. نايبول علانية أن الغزو الإسلامي في القرن الحادي عشر قد دمر الثقافة الهندية ، تداخل رشدي معه في النقاش وأعطى للحائز على جائزة نوبل درساً لا يُنسى . هذا هو الجانب الأكثر إثارة للدهشة في قضية سلمان رشدي. إن مؤلف "الآيات الشيطانية لم يدع نفسه فريسة لأهواء دنيئة رغم كل ما تعرض له من أحداث صادمة، واستطاع أن يحتفظ باستقلالية أحكامه النقدية. ولهذا ظل سلمان رشدي بعد الفتوى على ما كان عليه قبلها، رجلاً حراً. بدأ رشدي بالخروج تدريجيا من حياة التخفي في 1991 لكن مترجمه الياباني قتل في تموز/يوليو من العام ذاته وبعد أيام، تعرض مترجمه الإيطالي للطعن قبل أن يتعرض ناشره النروجي لإطلاق نار بعد عامين ، رغم أنه لم يتضح إن كانت الهجمات استجابة لفتوى الخميني . وعام 1993، أحرق متظاهرون إسلاميون فندقا في سيواس بوسط تركيا حيث كان الكاتب عزيز نيسين - الذي سعى لترجمة الرواية إلى اللغة التركية - موجودا. ونجا الكاتب لكن 37 شخصا لقوا حتفهم. وفي 1998، طمأنت حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي بريطانيا إلى أن الجمهورية الإسلامية لن تطبق الفتوى. لكن خليفة الخميني، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أعلن في 2005 أنه لا يزال يعتقد أن رشدي مرتد يتيح الإسلام قتله. وأعرب كثير من المسلمين عن غضبهم إثر منح الملكة إليزابيث الثانية في 2007 لقب "فارس" لرشدي للخدمات التي قدمها في مجال الأدب . واتهمت إيران بريطانيا بـ"كراهية الإسلام"، مؤكدة أن الفتوى لا تزال قائمة بينما خرجت تظاهرات واسعة خصوصا في باكستان. وبحلول تلك الفترة، كان رشدي يعيش بشكل منفتح نسبيا في نيويورك التي انتقل إليها في أواخر التسعينات وحيث تدور أحداث رواياته الأخيرة. وبعدما عاش لسنوات في الظل ، تحوّل إلى شخصية بارزة بينما يراه كثيرون في الغرب بطلا مدافعا عن حرية التعبير ، غير أن الأزمة العالمية التي أثارتها رواية رشدي آنذاك، قبل 32عاماً، فقد أظهرت على نحو درامي السلطة التي يتمتع بها الأدب ، حين انتصر الراي الحر على العقل المنحجر والمتخلف للخميني وورثته .
علي المسعود
المملكة المتحدة
2249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع