د. علي محمد فخرو
متى سيواجه العالم أخطار التلفون المحمول؟
منذ منتصف القرن الماضي اتضح بصورة علمية مؤكدة وجود علاقة سببية بين التدخين وبين سرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين وغيرها من العلل الجسدية، وبدأ الأطباء والمجلات الطبية الموثوقة والكثير من وزارات الصحة يحذرون من عادة التدخين ويطالبون بوضع قيود على شراء السجائر وغيرها من بضائع التبغ الأخرى وعلى أماكن التدخين العامة.
لكن شركات السجائر العملاقة بالغة الثراء والنفوذ الاجتماعي والاقتصادي أنكرت وجود تلك العلاقة، ثم شنت حملة كاذبة، من خلال شراء بعض مراكز البحوث الطبية وبعض الأسماء الكبيرة في عالم الطب، ومن خلال حملات اعلانات تستعمل كل أنواع الاغراءات الجسدية والنفسية والمكانة الاجتماعية لاقناع المليارات بصدق ما تقول وبأن كل ما تدعيه مبني على حقائق وأبحاث علمية موثقة.
ولم يبدأ العالم باتخاذ خطوات عملية لحصر بيع السجائر ولاقناع الناس بخطورة عادة التدخين، وبفضح كذب وادعاءات شركات السجائر، الا بعد أن عانى ومات الملايين عبر العالم كله.
اليوم تعود نفس التمثيلية، على نفس المسرح، بنفس الممثلين، وبنفس الضحايا. لم يتغير سوى العنوان: بدلاً من عنوان التبغ يواجه العالم عنوان التلفون الخلوي المتنقل.
تشير مراكز البحوث ويكتب علماء النفس عن تأثيرات جانبية لاستعمال ذلك التلفون، خصوصاً استعماله من قبل الأطفال الصغار والشباب اليافعين. وتمتد تلك التأثيرات لتشمل قائمة طويلة من مثل آلام الرقبة والتهاب مفاصل الأصابع، وامكانية الاضرار بحاسة السمع، وامكانية قلة النوم بسبب تأثير ضوء الهاتف على المواد التي تساعد الانسان على النوم، ومن امكانية أن تؤدي الاشعاعات التي تفرزها الهواتف الى الاصابة بشتى الأمراض الجسدية بما فيها مرض السرطان عند البعض، وامكانية التعود على الاستعمال الدائم الذي لا ينقطع طيلة النهار مما قد يؤدي الى حالة الادمان على استعمال الهاتف، ومن امكانية أن تحمل الهواتف بعض الجراثيم من مثل جرثومة «الاي كولاي» القادرة على التسبب في التهابات الجلد، ومن توتير وتبريد العلاقات الأسرية بسبب قلة التواصل المباشر فيما بين أفرادها وانشغال الكل بشتى استعمالات الهواتف الذكية، ومن تأثير اشعاعات الهواتف على العين وعدم وضوح الرؤية، ومن الاضطرابات في التركيز مما يؤدي الى مشاكل في التعلم والاستيعاب، وتعريض بعض الأطفال لاشكالات أخلاقية ووقوعهم تحت تأثيرات بعض الجهات الاجرامية وخصوصاً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وأحياناً ظهور أعراض الاكتئاب والتوترات النفسية وشتى المشاعر المتضاربة التي قد تؤدي الى الانتحار.
انها قائمة طويلة تزداد كبراً وتنوعاً مع مرور الوقت ومع ظهور أنواع جديدة من التلفونات.
وهكذا، فبدلاً من أن يصبح التلفون الجوال وسيلة للتواصل والتفاهم والتفاعل الانساني الحضاري فيما بين البشر، كما أراده مخترعه مارتن كوبر في عام 1973، أصبح مرشحاً ليكون أحد اشكاليات المستقبل الكبرى.
لا يسمح المجال لذكر بعض الاجراءات العائلية والمجتمعية التي يمكن أن تقلل من حدة تلك التأثيرات الجانبية التي ذكرنا، ولنطرح السؤال التالي: لقد لعبت منظمة الصحة العالمية دوراً كبيراً في توعية العالم وتجييشه لاتخاذ خطوات كثيرة لمحاربة عادة التدخين ولكشف خطأ ادعاءات شركات صناعة التبغ، فلماذا لا تقوم مؤسسات من مثل اليونيسيف، المسؤولة عن الطفولة، واليونسكو، المسؤولة عن التعليم والاعلام والثقافة، بجعل موضوع أخطار التلفون الخلوي والكبيوتر المحمول وتفرعاتهما التكنولوجية على الأطفال والشباب جزءاً من مسؤولياتهما، مناقشة وأبحاثاً وتجييشاً وتحفيزاً للحكومات ومتابعة دائمة للموضوع ووضعاً لضوابط البيع والاستعمال ووقوفاً في وجه من لا يهمهم الا الربح على حساب الضحايا؟
أم هل سنتردد وننتظر كالعادة حتى يصاب الملايين من أطفالنا وشبابنا بشتى العاهات والاضطرابات السلوكية قبل أن نتعلم من دروس استعمالات وصناعة وتجارة التبغ؟
957 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع