ماذا لو كان أبو الفتوح رئيساً؟

                                         

                             علي الظفيري

ما يجري في مصر اليوم أعادني بالذاكرة إلى ما قبل عام تقريبا، يوم شهدت مصر أول انتخابات رئاسية في تاريخها، وكان السؤال الدارج في كل مكان:

من تؤيد أو تتمنى أن يفوز في هذه الانتخابات؟ وقد كان لكل عربي صوت في تلك الفترة، في المجالس والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي، يعود هذا إلى أهمية ومركزية مصر في حياتنا العربية، إضافة لكونها الانتخابات الأولى التي تجري بشكل حر وشفاف ومباشر من الشعب في بلد عربي كبير، سبقتها بالطبع عملية انتخاب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي من قبل المجلس الوطني التأسيسي، لكن الأمر في مصر مختلف ارتباطا بدور ومكانة وتأثير مصر في المحيط العربي والدولي.
       كنت معجبا بالدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، تاريخ الرجل وخطابه وشجاعته لافتة جدا، إضافة لكونه قد تجرأ على الخروج من عباءة جماعة الإخوان المسلمين لأسباب أوافقه عليها، وكنت التقيته مع مجموعة من الأصدقاء قبل الانتخابات وتحدثنا مطولا عن موقفه ورؤيته لمستقبل مصر، لكن السبب الرئيسي الذي دفعني حينها لتأييده هو استقلاليته، وأنا أنتمي لتيار عربي واسع غير مقيد بانتماء حزبي واضح، لا على الصعيد الفكري أو التنظيمي، تيار كل ما يتمناه قيام أنظمة ديمقراطية عادلة وقادرة على إدارة مجتمعاتها بالشكل السليم، وأبوالفتوح –قياسا على غيره- وابتعاده عن جماعة الإخوان المسلمين يقترب من هذه الصورة، تاريخ الرجل وكفاءته وصورته المصرية أعطتني انطباعا جيدا عنه، إيمانه بالديمقراطية ومحافظته كانت الأقرب لما يمكن أن يشبه رئيسا لمصر في تلك المرحلة الدقيقة من عمرها.
الميل لأبوالفتوح يومها لم يكن تعصبا له، أو انحيازا مسبقا غير قابل للتدقيق والمراجعة، هو ارتياح لهذه الشخصية وفقا للمعطيات الظاهرة أولا، وراجع لمسألة أخرى أكثر أهمية ومرتبطة بشكل وثيق بالنتائج التي وصلناها اليوم مع الرئيس مرسي. أسقطت ثورة 25 يناير الرئيس مبارك، لكنها لم تسقط نظامه بالكامل، وما بقي من هذا النظام مجموعات مصالح ونفوذ كبيرة لم تستوعب ما جرى في أيام معدودة، وكان واضحا أنها ستقاتل دفاعا عما تراكم لديها -بشكل مباشر أو غير مباشر- من امتيازات تحققت في عهد النظام السابق، وكان واضحا لدي تماما أن هذه الممانعة ستعيق عملية التحول الديمقراطي. في المقابل كان أمامنا جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وهي الجماعة التي تلقت الضربات الكبيرة على مدى عقود من حكم الأنظمة السابقة، والجماعة الأكثر تنظيما وجاهزية لملء الفراغ، وفي مقابل ممانعة القوى القديمة أمام إتمام عملية التحول الديمقراطي، ستمارس الجماعة الدور نفسه لكن بصورة أخرى، ستنهمك بشغل الحيز الفارغ والتمدد دون وعي للتعويض، وظهرت لنا لغة التمكين والنهضة والحق الطبيعي في تولي المسؤولية وغير ذلك، ولا أعيب عليها ذلك كحق طبيعي، لكنه جرى بشكل مبكر وسريع جدا دون أن يكتمل بناء أركان النظام الديمقراطي، أي أنها استعجلت قطف ثمار الديمقراطية قبل بنائها، وكان هذا كفيلا ببناء الحواجز أمام عملية التحول، مشاركة مع ما تبقى من النظام القديم.
تصورت حينها -ويبدو هذا مثاليا اليوم- لو أن رئيسا من خارج القوى الرئيسية المتصارعة قد حكم مصر، وانشغل بأمرين مهمين له وللبلد، الإسراع بعملية التحول الديمقراطي كطريق وحيد لكسب الشرعية، ومحاولة تعزيز رصيده الشعبي في هذا الاتجاه في مقابل القوى المنافسة له، والتي تتمتع بشعبية ونفوذ كبيرين، لربما كان هذا مفيدا للجميع، للإخوان المسلمين وبقايا النظام القديم والقوى الثورية والشعبية التي تختصر عملية التحول الديمقراطي واستقرار البلد كل مطالبها، ولما وقعت جماعة الإخوان المسلمين في خطيئة تحمل المسؤولية وحدها والتعرض لضربات النظام القديم والخبير في توجيه الضربات، ولما وجدت هذه القوى القديمة فرصة في الحشد والتعبئة والتحريض نتيجة استفراد الإخوان في السلطة وارتكابهم للأخطاء واحدا تلو الآخر.
لم يحدث هذا الأمر كما تمنيت، وتمنى كثيرون مثلي كما أظن، وكأن الأخطاء الجسيمة واجبة الحدوث حتى نتعلم جميعا منها، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطن المصري نتيجة ارتكابها، وتدفعه الأمة برمتها جراء تخبط النخبة السياسية المصرية في إدارة شؤون بلادها، مع خالص الأمنيات أن تكون هذه آخر الأخطاء الكبيرة التي ترتكب في حق مصر وفي حقنا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع