المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
خير خلف لخير سلف
بعد أعادة تشكيل وزارة الداخلية العراقية في نهاية عام 2003 وعلى ضوء الهيكلية الجديدة التي وضعت من قبل الخبراء من دول التحالف والولايات المتحدة الامريكية بعد احتلال العراق ونهاية نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين وما تبع ذلك من تلاشي كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية التابعة لذلك النظام من الوجود.
باشرت وظيفتي الجديدة بعد صدور الامر الديواني من مجلس الوزراء في شهر كانون الثاني من عام 2004 على ملاك وزارة الداخلية وكان الامر يتضمن تعيين سبعة ضباط من حاملي الرتب الكبيرة بمنصب (وكيل مساعد) وكانت درجة وظيفية أعلى من المدير العام وأقل من وكيل وزير ومهمتنا الاشراف على عمل دوائر الشرطة في جميع المحافظات العراقية المرتبطة بوكالة الوزارة لشؤون الشرطة حيث كان الامر الديواني يتضمن: -
1- اللواء علي غالب خضر وكيل مساعد لشؤون المحافظات (الموصل، صلاح الدين، الأنبار، كركوك)
2- اللواء آيدن خالد قادر وكيل مساعد لشؤون محافظة بغداد
3- اللواء حسن علي مالي وكيل مساعد لشؤون محافظة واسط
4- اللواء محي الدين محمد يونس وكيل مساعد لشؤون محافظات إقليم كردستان
5- اللواء جعفر عبد الرسول وكيل مساعد لشؤون محافظتي النجف وكربلاء
6- اللواء سعد عدنان عبد الكريم وكيل مساعد لشؤون محافظتي بابل والديوانية
7- اللواء عبد الخضر مهدي وكيل مساعد لشؤون المحافظات البصرة، ميسان، ذي قار
كاتب المقال وعلى يمينه زياد
جرت تعديلات وتغييرات على هذه المناصب خلال الفترات اللاحقة، وهنا لابد ان أشير الى كون أدارة وزارة الداخلية شأنها شأن الوزارات الأخرى كانت تحت اشراف المستشارين الأمريكان بشكل أساسي ودول التحالف الأخرى والتي قامت بصياغة هيكل تنظيمي جديد للوزارة على ضوء ما كان معمولاً به في الولايات المتحدة الأمريكية ألا ان النهج الجديد للعمل وفق هذا الهيكل لم يكن ملائماً ومتعارضاً مع صيغة العمل التي جرى الاعتماد عليها منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 لذلك تم التخلي عن بعض هذه الصيغ في العمل تدريجياً والعودة الى الصيغ والهيكلية السابقة وكان من شأن ذلك ألغاء مناصب الوكلاء المساعدين لاحقاً والتي باشرت العمل فيها وهنا لابد ان اتطرق بأنني ومع بداية ممارستي لمهام عملي حتم علي اختيار أفراد حماياتي وسواقي بسبب الظروف الأمنية الخطيرة التي كانت سائدة في ذلك الوقت في العراق بشكل عام وبغداد بشكل خاص وقد راعيت نفس النهج المتبع من قبل الحكومة العراقية الجديدة المشكلة وفق نظام المحاصصة الطائفية والعرقية عند اختياري لهم فكان :-
1- قتيبة عربي سني
2- موفق عربي شيعي
3- وليد مسيحي
4- أنور عربي شيعي
5- محمد كردي سني
6- عمران كردي شيعي
7- زياد كردي سني
8- أسامة عربي سني
9- احمد عربي سني
من اليسار قتيبة ثم اسو ثم أنور
بعد سقوط النظام استمرت حالة الفوضى الأمنية وخاصة في العاصمة بغداد ولفترات طويلة وبوادر هذه الفوضى ماثلة للعيان وخاصة في مجال حركة العجلات وانعدام نظام المرور وعدم التزام سواق السيارات الخاصة والعمومية بضوابط السير وتجاوزهم على حقوق بعضهم البعض وكان شيئاً مألوفاً السير بعكس الاتجاه او المرور فوق رصيف الشارع وعدم الانصياع لأوامر وارشادات رجال المرور او الأشارات الضوئية التي كانت بالكاد تعمل لعطلها او عدم توفر الطاقة الكهربائية في كل الأوقات ما يهمنا من الحديث عن أوضاع العاصمة بغداد في سنة 2005 هو أن أذكر من انني كنت داخل سيارة الصالون العائدة لدائرتي والتي كان يقودها السائق (قتيبة) وعند وصولنا وبشق الانفس الى ساحة عقبة بن نافع وتوقفنا نتيجة الزحام تقدم نحونا رجل مسن يطلب العون والمساعدة بعد أن امطرنا بالعديد من كلمات الدعاء والشكوى من حاله وعلى اثر ذلك طلبت من (زياد) أن يساعده فاخرج ورقة نقدية من فئة الالف دينار واعطاها اياه والذي انصرف شاكراً وبعد ان حدد هدفا اخر لتسوله متجهاً صوبه، على كل حال تحركنا ببطئ الى ان وصلنا الى ساحة المسبح القريبة وعند توقفنا فيها تقدم متسول آخر ماداً يده ويردد كلمات الاستعطاف والتوسل من اجل مساعدته فما كان من حمايتي (زياد) الا أن ينهره صائحاً بوجهه ((امشي لك هسه بذيج الفلكة دفعنا)) كلمات زياد جعلتني استغرق في الضحك وأقول له زياد دفعنة ضريبة لو رسم بذيج الفلكة ابني انطي وساعدة ومن الجدير بالذكر من انني وحماياتي كنا نرتدي الملابس المدنية عند خروجنا من الدائرة بسبب سوء الأوضاع الأمنية السائدة في ذلك الوقت كما وكنت متفق معهم في عدم مناداتي بكلمة (سيدي) انما استعمال كلمة (عمي) او (حجي).
من اليسار قتيبة ثم المرحوم النقيب ديار ومن ثم كاتب المقال
وهنا أرى من الضروري ان اتحدث عن التسول وبكافة اشكاله وطرقه وفوائده المادية على القائمين به ليس في العراق انما في جميع انحاء العالم وبهذه المناسبة اود الحديث على أن السلطات العراقية وفي جميع أنظمة الحكم كانت تمنع وتكافح هذه الظاهرة التي منعت بموجب القانون العراقي ألا أن اشد الإجراءات في هذا المجال كان في زمن وزير الداخلية (سمير الشيخلي)،
سمير الشيخلي وزير الداخلية العراقي الاسبق
حيث كان يؤكد على محاربة هذه الظاهرة وهي كما هو الحال من ظاهرة البغاء باقية مع وجود البشر على هذه الأرض ولا يمكن القضاء عليها وحدثتا الوزير في احدى الاجتماعات من انه تم ضبط أحد الأشخاص متسولاً في محافظة ميسان وعند التحقيق معه تبين من انه كان معلماً في احدى مدارس محافظة البصرة وعند انتهاء الدوام الرسمي في كل يوم يسافر الى محافظة ميسان ليمارس التسول فيها لساعات متأخرة من الليل وانه طلب من مدير شرطة المحافظة تهديد هذا المعلم بأقصى العقوبات والإجراءات اذا لم يترك هذا التصرف الذي لا يليق به وبمركزه الاجتماعي وكان رد المعلم المتسول لمدير الشرطة (( قل للسيد الوزير سأقدم استقالتي من مهنة التعليم غداً حيث ان ما احصل عليه من مردود مالي من وظيفتي لا تعني شيئاً بالنسبة لما احصل عليه من التسول)) وقبل أن أترككم لابد من ان اقص عليكم حكاية طريفة أخرى فعندما كنت اتجول مع عدد من حماياتي في شارع (52) وشاهدت عربة بائع سمك فتقدمت نحوه وبعد السلام استفسرت منه عن سعر الكيلو غرام الواحد من السمك فأجابني: سبعة آلاف دينار ...
أخي ليش هيجي غالي؟!
اجابني: عمي مو غالي هذا سعره
وهنا تدخل حمايتي (آسو) قائلاً له وبحدة: ليش بسبعة آلاف ..اشدعوة هو انت جايبة من الشط .
على كل حال اشترينا سمكتين وتم شويها في داخل الشقة التي كنت اسكنها وكانت تقع مقابل مطعم الفنجان ونحن نتندر من كلام أسو عن السمك والذي لم نكن نعلم من أي شط مصدره، قضيت عدة سنين مع المذكورين تربطنا أواصر المحبة والاخلاص منذ بداية عام 2004 ولغاية منتصف عام 2014 حيث تمت احالتي على التقاعد لبلوغي السن القانونية واستمرت علاقتي ومحبتي مع الجميع ليومنا هذا، ومن الجدير بالذكر من انه ومع بداية إعادة تشكيل الوزارات ومباشرة كوادرها في الدوام من موظفيها القدامى بالإضافة الى التعيينات الجديدة وعلى ضوء ترشيحات الأحزاب السياسية التي كانت معادية للنظام السابق وجاءت وتسيدت المشهد السياسي الجديد وكان للمكون الكردي حصة من الوظائف في كافة الوزارات ومنها وزارة الداخلية حيث كان عددنا يربو على عشرة ضباط ضمن وكالات الوزارة الخمسة ويأتي في المقدمة من هذه المناصب وكيل الوزارة لشؤون الاستخبارات.
سقوط نظام (صدام حسين) في بداية عام 2003 كان من تداعياته بروز واقع الشعب العراقي المتعدد الطوائف والأعراق الى العيان حيث المكونات الرئيسية الثلاث من الشيعة والسنة والكرد وكان وضع هذه المكونات يختلف من حيث القوة والنفوذ في بداية التغير حيث كان المكون الكردي هو الأكثر تنظيماً من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب قرارات الولايات المتحدة الامريكية ودول التحالف في فرض الحماية الدولية على أغلب المناطق الكردية في المحافظات الثلاث (أربيل، السليمانية، دهوك) في عام 1991 بعد خسارة العراق للحرب معها وإخراج الجيش العراقي من الكويت بالقوة وما نتج من ذلك من انتفاضات شعبية شاملة لأغلب المحافظات العراقية ضد النظام العراقي والذي استجمع قواه في هجمة شرسة على الجماهير المنتفضة والهروب الجماعي للشعب الكردي الى إيران وتركيا وقرار مجلس الامن في تحديد خط العرض 36 ومنع النظام العراقي في تجاوزه وبقاء المنطقة بمنأى عن نفوذه وسلطته لغاية سقوطه في عام 2003 ومع سقوطه ضعف نفوذ المكون السني الذي كان مسيطراً على المفاصل الرئيسية والأساسية لنظام الحكم في العراق اما المكون الشيعي فلم يكن بعد قد نظم صفوفه وكانت قياداته تنقصها الخبرة في تلك المرحلة في النواحي المختلفة لإدارة الدولة وتمكنت تدريجياً الالمام بهذه الجوانب وتسيدت الموقف السياسي والاقتصادي في الوقت الحالي مع انحسار نفوذ المكون الكردي في العاصمة بغداد واقتصاره على المناصب السياسية على ضوء حصة هذا المكون ضمن التوافقات السياسية وكانت حصة الكرد منصب رئيس الجمهورية بصلاحيات رمزية وعدد قليل من الوزراء واستطيع القول من تلاشي وغياب العنصر الكردي في كافة دوائر الدولة المركزية في بغداد بشكل عام ووزارة الداخلية بشكل خاص هو السمة البارزة في الوقت الحاضر وفاتني أن أذكر من أنه مع الغاء مناصب الوكلاء المساعدين للمحافظات حيث تم توزيع الباقين منهم على مناصب أخرى ولم يبق أي منهم في الوظيفة في الوقت الحالي بسبب احالتهم على التقاعد.
واخيراً ولكي يكون محتوى ما كتبت متطابقاً مع عنوان المقال أقول مع بداية الحرب في عام 2003 استبشر معظم الشعب العراقي من اعلان الأهداف من قبل الولايات المتحدة الامريكية والدول المتحالفة معها في تحرير العراق وخلاص شعبه من سيطرة السلطة الديكتاتورية الحاكمة المتمثلة في حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة رئيسه (صدام حسين).
لقد كانت فترة الحكم من عام 1968 ولغاية بدايات عام 2003 من اسوء الفترات التي مرت بالعراق منذ تأسيس هذه الدولة في عام 1921 وعلى الخصوص الفترة التي استلم فيها (صدام حسين) الموقع الأول للدولة في عام 1979 وازاحته للرئيس احمد حسن البكر حيث تميزت بالخراب والتخلف والماسي والحروب الداخلية ومع دول الجوار وتداعياتها الالاف من الضحايا والخسائر البشرية بالإضافة الى الخسائر المادية التي لا يمكن حصرها لجسامتها.
الوضع الجديد بعد سقوط النظام السابق أصاب مختلف فئات هذا الشعب بخيبة أمل فضيعة حيث استشرى الفساد في كافة مفاصل الدولة وانعدم الاستقرار والامن واحتكار السلطة ومغانمها من قبل فئات معدودة وسوء توزيع الثروة الوطنية وبقاء الكثير من شرائح هذا الشعب تحت خط الفقر والحاجة واستمرار الكثيرين من شبابه في محاولة الهجرة من العراق الى الدول الاوربية وبروز ظاهرة تمجيد نظام الحكم السابق بقيادة (صدام حسين) واعتباره الأفضل من نواحي كثيرة في حين اننا نرى هذا الواقع هو امتداد للواقع السيء في ظل النظام السابق وخير تقييم للنظامين يجب ان يتم بمقارنتهما من خلال اختيار الدول التي تتمتع بنظام دستوري ديموقراطي حقيقي.
بهذا أكون قد انهيت الحديث عن بدايات إعادة تشكيل وزارة الداخلية العراقية بعد سقوط نظام (صدام حسين) عسى ان يكون قد راق لكم واعجبكم واترككم في حفظ الله ورعايته.
757 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع