بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - النبيل والفاتنة /الجزء الاول
فكرة هذه القصة مأخوذة من المسرحية العالمية (پگميليون) لجورج برنارد شو والتي مثلت عام 1913. لكنها باحداث واشخاص جدد وبنكهة جديدة لسنة 2021.
دخلت الخادمة على سيدتها الليدي الكساندرا لتعلمها بقدوم ابنها الوحيد اللورد بيتر فاخبرتها بان ينتظرها في الصالة الزجاجية الصيفية بحديقة القصر. رجعت الخادمة الى اللورد بيتر لتبلغه فخرج ينتظر والدته هناك حتى دخلت عليه بعد ربع ساعة وقالت،
الكساندرا : ما هذا الشرف العظيم يا بيتر؟ كيف تذكرت ان لديك ام تزورها بعد ذلك الغياب الطويل؟
بيتر : سامحيني يا امي، لقد كنت منشغلاً باعمالي المتراكمة. ماذا اعمل، فانا وحدي في ادارة مصالحنا واستثماراتنا وفكري مشوش كثيراً بعد وفاة زوجتي پينالوپي رحمها الله. انت تعلمين انها كانت ترفع الحمل عني لانها تولت رئاسة مجلس الادارة قبل موتها. والآن انا الهث بجميع الاتجاهات.
الكساندرا : پينالوپي توفت منذ اكثر من سنة الآن وهذه حجة غير مقبولة ابداً. هل ستبقى تبكي وتنحب على موتها طوال سنين عمرك؟ الحياة يجب ان تستمر وهي للاحياء لا للاموات. الآن يجدر بك ان تفكر في العثور على زوجة جديدة تحمل اسم عائلتنا (هادلي) وتنجب لك اطفالاً يرثوك بعد رحيلك. المرحومة پينالوپي كانت عاقر ولم تتمكن من ان تمنحك ولياً للعهد.
بيتر : انا لا افكر في الزواج بالوقت الحالي لان ذلك سابقٌ لاوانه. اريد ان استجمع نفسي اولاً ثم افكر بالامور الثانوية فيما بعد.
الكساندرا : زواجك من امرأة جديدة يجب ان يكون من اولوياتك يا بيتر فعمرك الآن 32 سنة وقريباً ستدركك الشيخوخة بحيث لن تتمكن من الانجاب بعدها.
بيتر : اطمئني يا امي، هذا يحصل فقط للنساء عندما يبلغن سن اليأس. المهم الآن، انا جئتك لامر يخص العمل. اريد توقيعك على مشروع مصانع تعليب لحوم الابقار الذي سيُصَدّر الى دول اوروبا وبعض دول العالم. لقد وقع عليه جميع اعضاء مجلس الادارة الا انت. وبما ان لديك حصة 22 % لذا يجب عليك التوقيع عليه فوراً كي نباشر بالاجرائات القانونية ونحاول التعاقد مع مصنعين للآلاة.
الكساندرا : اها... إذاً انت لم تأتي لزيارة امك بل لانك تريد توقيعي اليس كذلك؟
بيتر : يا امي كفاك تذمراً ولا تعكري مزاجي اكثر مما هو عليه. توقيعك اليوم في غاية الاهمية، ومجلس الادار ينتظره حتى تتم الاجرائات لان خروج بريطانيا من السوق الاوروبية (بركست) عقّد الامور كثيراً وسيتحتم علينا الحصول على موافقتهم قبل المباشرة بكل شيء.
الكساندرا : حسناً، كما تشاء، اعطني الاوراق وسوف اوقعها.
اخرج ملفاً من حقيبته وسلمه لامه فوقعته واعادته اليه. وضع الملف بداخل الحقيبة وقال،
بيتر : الآن يجب علي ان ارجع الى مقر الشركة فالاجتماع سينعقد بعد ساعة من الآن. وداعاً يا امي.
استدار نحو الباب ليخرج فنادته ثانية وقالت،
الكساندرا : لا تنسى ما قلته لك يا بيتر.
بيتر : ماذا تقصدين يا امي؟
الكساندرا : اقصد عن الزوجة الجديدة.
بيتر : حسناً، حسناً سافكر بالامر لا تقلقي.
الكساندرا : لا تقل سافكر بل قل سافعل وكفاك تفكيراً.
بيتر : حسناً يا امي اعدك بذلك.
خرج من الصالة الصيفية وتوجه الى سيارته الليموزين ففتح له سائقها الباب، قال،
بيتر : الى مقر الشركة بسرعة كبيرة يا مارتن.
انطلقت السيارة باتجاه الخط السريع (M4) وصار السائق يقودها بسرعة 110 كم/ساعة سأله،
بيتر : الا تستطيع ان تزيد من السرعة يا مارتن؟ لا اريد ان اتأخر على الاجتماع.
مارتن : انا اقود السيارة باقصى سرعة قانونية سيدي. إذا تجاوزتها فسوف يحررون لنا غرامة.
بيتر : غرامة السير سوف تكلفنا اقل بكثير من الخسارة المالية لو تأخرنا عن الاجتماع.
مارتن : ولكننا سنتأخر اكثر لو اوقفتنا سيارة شرطة فسوف يطرحون علينا الكثير من الاسئلة ويمطروننا بالنصائح عن السلامة وما الى ذلك. اعتقد من الارجح ان لا نتعدى السرعة القانونية.
بيتر : حسناً. اتمنى ان نصل بالوقت المحدد فالاجتماع سيبدأ بعد 50 دقيقة.
مارتن : سنصل للشركة بالوقت المناسب لا تقلق سيدي.
وصلت السيارة 15 دقائق بعد موعد الاجتماع فدخل بيتر مسرعاً وقال، "عذراً يا سادة، لقد وصلت للتو من وندزور وقد حصلت على توقيع الليدي الكساندرا. بامكاننا ان نبدأ باجرائات المشروع".
لكن اعضاء المجلس كانوا متجهمين وقالوا له ان مندوب الشركة الالمانية الذي جاء ليقدم عرضه لم ينتظره وخرج الى الفندق وهو غاضب من تأخره. بالمساء عاد بيتر الى قصره وتوجه مباشرة الى مكتبه كي يخبئ العقود واوراق المشروع في خزانته الحديدة. بعدها جلس على المكتب وفتح حاسوبه المتنقل كي يحرر رسالة الى المسؤول المالي في الإتحاد الأوربي فدخل عليه رئيس الخدم واعلن وصول صديقه ستيفن. ابلغ رئيس خدمه ان يدخل صديقه الى صالة الضيوف ويقدم له الضيافة حتى يلتحق به بعد قليل. جلس ستيفن على الاريكة فقدم له رئيس الخدم القهوة حسب طلبه ثم دخل اللورد بيتر وقال،
بيتر : عزيزي ستيفن كيف حالك؟ لماذا لم اراك في قاعة الاجتماعات اليوم؟
ستيفن : انت تعلم انني لست عضواً بالمجلس واحضره دائماً بصيغة مراقب. وقد خرجت فور خروج الالماني.
بيتر : لكن الاجتماع كان مهماً جداً وكان عليك ان تهدئ من روع الالماني كي ينتظرني.
ستيفن : لقد حاولت كثيراً معه لكنه كان مصراً على المغادرة وقال انه شعر بالاهانة لانك لم تحضر الاجتماع.
بيتر : كنت في بيت الوالدة لاحصل على توقيعها والعودة الى لندن، لكن الطريق طويل كما تعلم وانت تعرف اكتظاظ السير اليس كذلك؟
ستيفن : اجل الطريق طويل. لكن لا بأس سنحاول اقناعه فيما بعد. وإن فشلنا فلا زال امامنا مندوب مصانع پريميرو پروجيتو البرتغالية.
بيتر : وماذا تعمل هذه الايام، فقد كنا نلتقي كثيراً خارج نطاق العمل؟
ستيفن : لقد كنت منشغلاً بتنظيم الاحتفال السنوي لجمعية الرفق بالحيوان.
بيتر : انت تركز كثيراً على الحيوان يا ستيفن. لماذا لا تحاول مساعدة الانسان فهو اجدر بالعطف والمساعدة.
ستيفن : الانسان لا يستحق المساعدة ابداً. فالارستقراطي الذي يأتي من جذور نبيلة، يبقى انساناً شريفاً سوياً وغير قابل للفساد او ارتكاب الشرور والمعاصي. اما الذي من طبقة الرعاع فبامكانك ان تبقيه محبوساً بالسجون لانه لا يستحق الحياة.
بيتر : سامحني يا صديقي لاني اخالفك الرأي. الانسان إذا ما مر بظروف بهيجة فانه يصبح انساناً صالحاً سوياً لا يعمل سوى الخير بغض النظر عن خلفيته وجذوره الذليلة او النبيلة. واذا مر النبيل بظروف قاهرة فانه سيتوجه الى اعمال الشر حاله حال اي انسان آخر. انها ديناميكية الحياة والصراع من اجل البقاء.
ستيفن : نحن امام طريق مسدود الآن، فكلمتي ضد كلمتك يا بيتر. انا اتمسك برأيي وعلى ما يبدو فانت متمسكٌ برأيك الرومنطيقي المثالي.
بيتر : سوف اثبت لك يوماً انني على حق.
ستيفن : دعنا نغير الموضوع، هل ستحضر حفلة عيد ميلاد جلالة الامير ݘارلز؟
بيتر : اجل، انت تعلم انني لا احب الذهاب الى تلك الحفلات لكنني اجد نفسي مضطراً لها لان المجتمع يجبرني على المشاركة بمثل هذه المناسبات التي لا معنى لها.
ستيفن : لا معنى لها بنظرك انت لكنها مهمة جداً لاعمالك وتجارتك. فسمعتك هي التي تجعل من عملك يسير بشكل سلس وجيد وارباحك بالعام الماضي وصلت الى 18 مليون جنيه اليس كذلك؟
بيتر : بل كانت 17.8 لكن ليس ذلك هو المغزى. المغزى اننا صرنا عبيداً للتقاليد والاعراف البالية. انظر الى مراسيم عزاء زوجتي المرحومة پينالوپي بالعام الماضي. فقد صرفت عليها ما يزيد من ½ مليون جنيه. وكل الذين حضروا الجنازة كانوا يؤدون واجب الحظور فقط لا حزناً على المسكينة پينالوپي. مع انها توفت وعمرها 30 سنة. لم يتركها القاتل المجهول اللعين بحالها فسرق شبابها وجمالها من اجل عقد حقير لا يزيد قيمته عن 30000 جنيه.
ستيفن : ماذا نعمل؟ هذه هي ضريبة المجتمعات الراقية. لكنني ارجع واقول ان الانسان الذي يحمل دماً نبيلاً سيمتنع عن ارتكاب الاخطاء والشرور بحكم جيناته الرفيعة.
بيتر : كفاك ثرثرة يا صديقي. ما رأيك ان تصاحبني الى متجر هارودز غداً كي نقتني هدية لجلالته من هناك؟
ستيفن : فكرة رائعة وانا كذلك اريد شراء بعض الخافيار الاصلي من هناك.
باليوم التالي وقفت سيارة الليموزين السوداء من نوع بنتلي ملسان امام متجر هارودز وهبط منها السائق ففتح الباب لينزل منها اللورد بيتر هادلي وبصحبته صديقه المقرب ستيفن تايلور. دخلا المتجر من الباب الشرقي عبر البوابة الدائرية وسارا بالمحل قليلاً ثم وقفا امام احدى اكشاك العطور. فالتقط بيتر عطراً وتحدث مع البائعة يطلب منها تجريب ذلك العطر. رشت البائعة العطر على بطاقة تجريبية بيضاء وعرضتها على اللورد فاخذها من يدها وشمها ثم قال،
بيتر : يا الهي، انه رائع. ما اسم هذا العطر؟
البائعة : انه يدعى زرجوف سيدي.
نظر الى صاحبه وقال،
بيتر : جربه يا ستيفن واعطني رأيك.
ستيفن : اجل انه عطر زكي.
بيتر : اريد منه ثلاثة يا آنسة.
البائعة : ولكنه اغلى عطر لدينا بالمتجر، فالزجاجة الواحدة ثمنها 500 جنيه استرليني.
نهرها ستيفن وقال بحدة،
ستيفن : ما هذا الكلام يا انسة؟ اتقصدين ان صديقي اللورد هادلي غير قادر على شراء هذا العطر؟
البائعة : انا آس... آس... آسفة سيدي، لم يكن ذلك قصدي. كنت اقصد هل اضعهما بفاتورة واحدة ام بثلاث فواتير؟
ابتسم بيتر ابتسامة خجولة وقال،
بيتر : اجابة دبلوماسية رائعة وسرعة بديهة مثيرة للاعجاب يا آنسة. نعم سيدتي لقد غيرت رأيي، اريد خمسة قوارير بدلاً من ثلاثة وكلها بفاتورة واحدة.
بدأ العرق يتصبب من جبينها وهي تضع خمس زجاجات عطور بالكيس فسلمها بطاقة ائتمان اميريكان اكسبريس ذهبية. اعطته الكيس الورقي والفاتورة. التقط بيتر الفاتورة وواصل تجواله في المتجر حامل كيس العطور بيده وراح يتفحص قسم اربطة العنق بينما ذهب صديقه ستيفن الى قسم الملابس الداخلية بالجهة البعيدة من الطابق الاول. طلب بيتر من البائع ان يريه أربطة عنق حريرية بلون بنفسجي فسحب واحدة وقدمها لبيتر. وضع بيتر الكيس الذي يحتوي قناني العطور الخمسة على الارض وراح يتفحص ربطة العنق الحريرية ثم نظر للاعلى كي يختار ربطةً عنق آخرى الا ان فتاة جميلة بشعر داكن طويل ترتدي بدلة رياضية سوداء اللون سرقت كيس العطور من الارض وهربت باتجاه الباب الرئيسي. صرخ البائع محذراً،
البائع : سيدي انتبه، تلك اللصة سرقت كيس مشترياتك.
ركض بيتر ورائها حتى وصل الباب الرئيسي للمتجر فخرجت منه ليتبعها حارس المتجر وبعده اللورد بيتر وسط اجراس الانذار التي صارت تدوي بالمتجر. بقيت اللصة تجري في الشوارع والازقة الضيقة يتبعها حارس المتجر وخلفه بيتر حتى تعب الحارس وخرت قواه فتوقف عن الجري كي يلتقط انفاسه الا ان بيتر استمر بالركض ورائها وناداها من بعيد قائلاً،
بيتر : سوف لن تتمكني من الهرب فانا احمل بطولة الماراثون بالركض الطويل وسوف لن اتوقف حتى امسك بك.
لكن الفتاة لم تبالي بكلام بيتر وبقيت تركض وتركض حتى بدأ التعب يدب بارجلها. شعرت انها وصلت الى اقصى حدود طاقتها ولازال ذلك اللعين يتابعها وهو على ما يبدو صادقاً في كلامه فهو لن يتوقف ابداً ولا يبدو عليه التعب. كلما نظرت خلفها وجدته مستمراً في الركض وكأنه يستمتع بجولة هرولة بالهواء الطلق. لم تتمكن من المواصلة حتى توقفت وركعت من التعب فادركها وقال،
بيتر : لماذا توقفت؟ هل تريدين ان ترتاحي قليلاً ثم نواصل المطاردة؟
اللصة : كلا، هذا يكفي لقد امسكت بي. هنيئاً لك ايها السافل انت الفائز. من اجل بضع جنيهات سلبت طاقتي وجعلتني الهث. خذ كيسك اللعين وتهنى به.
بيتر : بضعة جنيهات؟ اتعلمين كم ثمن الاشياء التي سرقتيها؟ برأيك، كم تعتقدين ثمنها؟ هيا اخبريني.
اللصة : وكم ستكون؟ 20، 30، 50 جنيه؟
بيتر : بل هي 2500 جنيه يا معتوهة.
اللصة : اللعنة، اللعنة، 2500 جنيه؟ إذاً كان لديك الحق في اللحاق بي، انا غبية. لم اكن اعلم انني اسرق من بطل الماراثون. خذ بضاعتك ودعني اسير بحالي.
بيتر : أتعتقدين ان الامر سينتهي هنا بهذه السهولة؟ تسرقين البضاعة واستردها منك ثم يذهب كل واحد منا الى منزله كي يستمتع بنوم هانئ؟
اللصة : انا ليس لدي منزل يا غبي. انا انام على قارعة الطريق.
بيتر : ما اسمكِ؟
اللصة : اسمي هايز، وهو مختصر لهايزيل اصدقائي المقربين يسمونني الجرذان.
بيتر : تشرفت بمعرفتك يا جرذان اقصد يا هايز. اخبريني إذاً لماذا لا تسكنين بمنزل؟ الا تعجبك العيشة بالمنازل؟
هايزل : لانني فقيرة ولا املك ثمن الايجار. لكن الاغنياء الذين من امثالك لا يحسون بمشاعرنا. فانت تصرف 2500 جنيه على عطر بائس ترشه على وجهك فيتبخر ويطير بينما نعاني نحن ونخاطر بانفسنا كي نحضى برغيف خبز يسد رمقنا.
بيتر : ولماذا لا تعملين؟ ما الذي يمنعك؟
هايزل : لانني لا املك اوراق تثبت شخصيتي والعمل يتطلب ذلك.
بيتر : انه حقاً امر محزن. كم يبلغ عمركِ؟
هايزل : عمري 25 سنة.
بيتر : تبدين اصغر من ذلك بكثير. من المؤسف انكِ تمارسين الجريمة بهذا العمر.
هايزل : هل هذا يعني بانك ستتركني لاذهب بحالي؟
بيتر : كلا، انا ساسلمك للشرطة فانت ارتكبت جرماً وعليك ان تدفعي الثمن. هل هذه اول مرة ستدخلين بها السجن؟
هايزل : اجل.
بيتر : اعطني كيسي لو سمحتِ.
هايزل : ارجو ان تستمتع زوجتك بهذا العطر الغالي. تفضل خذه.
بيتر : بما انك بلا سكن فمكانك الأمثل هو السجن.
هايزل : على الاقل ساجد ما أكله هناك ولا اضطر لان اتسابق مع بطل بريطانيا الذي تسبب في اجاعتي من وهن الركض.
بهذه الاثناء بلغهم حارس المتجر ومعه شرطيان. القو القبض على اللصة وقبل ان يدخلوها بشاحنة الشرطة قال لبيتر،
الشرطي : سيدي، عليك ان تأتي معنا الى مركز شرطة كنزنغتون لنسجل اقوالك ضد الجانية.
بيتر : سارجع الى سيارتي وسالحق بكم فيما بعد.
وقف ستيفن امام بوابة متجر هارودز يترقب صاحبه كي يرجع، حتى بان له بيتر مبتسماً يحمل بيده كيس العطور. فرح كثيراً وقال،
ستيفن : لقد رجعت الى قسم الاربطة فاخبروني بما حصل وقالوا انك ركضت خلف السارقة كي تسترد عطورك. هل امسكتَ بها؟
بيتر : اجل وسلمتها للشرطة. لقد اخذوها الى مركز شرطة كنزنغتون. الآن يجب عليّ ان اذهب الى هناك واقدم اقوالي.
ستيفن : ربما ارادت ان تسرقك لتأكل.
بيتر : اجل يا صاحبي، هؤلاء المساكين لا يملكون لقمة العيش فيضطرون الى السرقة.
ستيفن : ارأيت يا بيتر؟ انه بالضبط كما اخبرتك سابقاً. فلو كانت من دم نبيل لما سرقتك حتى لو جاعت.
بيتر : على العموم، انا ذاهب الى مركز الشرطة، هل ستأتي معي؟
ستيفن : كلا، يجب عليّ ان ارجع للمتجر فاشتري الخافيار، امي تحبه وطلبت مني ان اشتريه باي ثمن.
بيتر : ستجد الخافيار بآخر قسم الاغذية على اليمين بالطابق الارضي. ولكن انتبه فهم يضعون الخافيار الروسي بجانب الخافيار الايراني.
ستيفن : ساشتري الايراني طبعاً وارجع بسيارة اجرة، لا تقلق من اجلي. اذهب انت الى مركز الشرطة وزج بتلك اللقيطة السجن.
بيتر : حسناً وداعاً يا صديقي.
ركب بيتر سيارته وقال لسائقه،
بيتر : يجب علي الادلاء باقوالي في مركز شرطة كنزنغتون اتعرفه؟
مارتن : اجل سيدي، عشرة دقائق فقط ونصل الى هناك.
دخل بيتر الى مركز الشرطة وتحدث مع الشرطية التي تقف بالاستعلامات اخبرها بانه جاء ليدلي بشهادته فطلبت منه الجلوس والانتظار على احدى الكراسي حتى ينادون اسمه. جلس على الكرسي وراح يفكر بالحديث الذي دار بينه وبين اللصة وما قالته عن سرقتها بسبب الجوع. راوده فضول عن ماضيها والاسباب التي دفعتها كي تسرق بدلاً من العمل. كان بامكانها ان تكون... تكون... تكون... بائعة حليب مثلاً او سكرتيرة. لا ليس سكرتيرة لان ذلك يتطلب تعليماً خاصاً وتلك الفتاة المسكينة لم تكن قد حصلت على تعليماً يؤهلها كي تعمل باي وظيفة محترمة. حسناً كان بامكانها ان تعمل كعاملة بمصنع او بوابة لفندق. مهلاً، مهلاً، جميع البوابين الذين اعرفهم بالفنادق هم من الرجال. على العموم، ماذا يهمني فيها؟ ساقدم افادتي وارجع الى منزلي لاسلم العطور الى خادمتي كي تغلف واحداً منها حتى استطيع ان اقدمه لجلالة الامير ݘارلز بعيد ميلاده. يا ترى هل سيفتح هديتي ام انه قد يتبرع بها لخادمه؟ فجأة سمع احد رجال الشرطة ينادي "السيد بيتر هادلي". وقف وقال، "انا بيتر هادلي". قال له الشرطي، "اتبعني لو سمحت". سار بيتر وراء الشرطي من ممر الى ممر ومن قاعة لاخرى حتى جائوا الى باب فتحه ودخل فدخل بيتر ورائه ليجد اللصة جالسة على كرسي حديدي مكبلة اليدين تنظر الى الارض. رفعت رأسها لحظة دخول بيتر والتقت الاعين. فشعر بذنب كبير لانه كان السبب في حبسها. سمع شرطي التحقيق يسأله،
شرطي التحقيق : اعطني اسمك وسنك لغرض تدوينه بصورة رسمية.
بيتر : اللورد بيتر فردريك هادلي. العمر 32 سنة.
شرطي التحقيق : عملك؟
بيتر : المدير التنفيذي لشركة (الرحمة) لانتاج وتصدير لحوم الابقار.
علقت هايزل وقالت، "يعمل بشركة الرحمة، وهو انسان خالي من الرحمة".
تأثر بيتر بتلك الكلمات وشعر وكأنها نار تحرق جسده. لكن الشرطي وبخها وامرها بان تبقى صامتة وان لا تتكلم حتى توجه لها الاسئلة. ادارت هايزل رأسها بعيداً. فسأل الشرطي،
شرطي التحقيق : هل سرقت منك المتهمة اي شيء؟
انتصب بيتر من مقعده وقال للشرطي،
بيتر : هل بامكاني التحدث اليك على حدة خارج هذه الغرفة؟
شرطي التحقيق : يُقفَل المحضر مؤقتاً لحين رجوعنا لغرفة التحقيق.
وقف ودعى بيتر كي يخرج معه الى الخارج فسأله،
بيتر : ماذا سيقع للفتاة إذا ادليت بشهادتي؟
شرطي التحقيق : إذا تأكدنا من اقوالك وشهادة الشاهد الثاني فسوف توجه لها تهمة السرقة وستحال الى النائب العام.
بيتر : ومن هو الشاهد الثاني؟
شرطي التحقيق : انه موظف الامن الذي شاهد الجانية على شاشاة المراقبة بداخل المتجر.
بيتر : ماذا لو تنازلت عن حقي في القضية؟
شرطي التحقيق : يبقى حق المتجر هارودز سيدي.
بيتر : ماذا لو تنازل المتجر عن حقه؟
شرطي التحقيق : ستمنح المتهمة اطلاق سراح مشروط؟
بيتر : مشروط بماذا؟
شرطي التحقيق : مشروط بالتحاق المتهمة بدورة تأهيلية كي تتجنب تكرار حادثة من هذا القبيل. وسيكون عواقبها وخيمة.
بيتر : لماذا؟
شرطي التحقيق : لان المتهمة ستعتبر صاحبة سوابق بالمرة القادمة حتى لو انها لم تكن قد ادينت بالجريمة.
بيتر : حسناً دعنا نرجع الى غرفة التحقيق لنواصل الاستجواب.
رجع بيتر مع الشرطي الى الغرفة وبدأ التسجيل من جديد قال الشرطي، "نواصل التحقيق في الساعة 16.43"
شرطي التحقيق : يا سيد بيتر فردريك هادلي، هل سرقت منك المتهمة اي شيء؟
بيتر : كلا انها لم تسرق شيئاً وانا متنازلٌ عن القضية.
ادارت هايز رأسها وفتحت فمها بتعجب كبير ثم نظرت الى بيتر وكأنها تريد ان تقول "لماذا تنازلت عن حقك؟" لكنها لم تنطق بكلمة واحدة.
شرطي التحقيق : هذا من حقك طبعاً. يغلق التحقيق الآن بانتظار مواصلته حين يحضر الشاهد الثاني.
خرج بيتر من غرفة التحقيق وتوجه الى خارج مركز الشرطة، ركب سيارته وقال للسائق،
بيتر : يا مارتن، خذني الى متجر هارودز باقصى سرعة.
سارت السيارة بشوارع كنزنغتون حتى وصلت الى منطقة نايتس بريدج فاوقف السائق سيارته ونزل بيتر منها ليدخل المتجر ثم سأل احدى الموظفات هناك عن مكتب السيد شفيلد مدير المتجر فادلته الى الطابق الاول. طرق الباب فسمع الاذن ودخل. نظر المدير الى بيتر وقال،
المدير : اهلاً وسهلاً حضرة اللورد هادلي، انه لشرف عظيم كي استضيفك بمكتبي. كيف استطيع خدمتك؟
بيتر : اعتقد بانك تعلم بحادثة السرقة بالمتجر اليوم اليس كذلك؟
المدير : نعم سيدي وسأذهب بصحبة موظف الامان حينما يدلي بشهادته واؤكد لك ان حادثة من هذا القبيل سوف لن تتكرر ثانية بمتجرنا.
بيتر : بالحقيقة اريد منك معروفاً يا سيد شفيلد. ارجو ان لا تخيب ظني.
المدير : يالتأكيد سيدي هذا من واجبي كي اخدم افضل وارفع زبون لدينا بالمتجر.
بيتر : اريد منك ان تقنع موظف الامن حتى يسحب شهادته.
المدير : لكننا سيدي لدينا سياسة مقاضاة اللصوص الذين يسرقون من متجرنا باي ثمن.
بيتر : اللصة لم تسرق من متجركم شيئاً. البضاعة التي سرقتها كانت مني انا شخصياً لانني سبق وان دفعت ثمنها واستلمت الفاتورة.
المدير : لكن السرقة وقعت بداخل متجرنا.
بيتر : هذا طلب خاص مني يا سيد شفيلد. وانا متأكد من ان جلالة الملكة ستؤيدني على ما اقول.
لما سمع كلمة "جلالة الملكة" ارتعب وعلم ان الامر اعلى منه وانه يجب ان لا يبدي عناداً قد يكون السبب في خسارة وظيفته. لذا اردف قائلاً،
المدير : بما ان الامر كذلك فانا ساطلب من الموظف كي يسحب شهادته.
بيتر : دعنا نذهب الآن فوراً وننفذ ذلك.
طلب المدير بجهاز الاتصال الداخلي ان يُستَدعى موظف الامن. دخل الموظف فقرب منه المدير وتحدث معه بصوت خافت ثم عاد الى بيتر وقال، "انه مستعد لسحب شهادته الآن"
خرج بيتر وبصحبته مدير المتجر السيد شفيلد ومعهم موظف الامن. ركبوا سيارة بيتر لتأخذهم الى مركز الشرطة. دخل المدير وموظف الامن الى غرفة التحقيق وبقي بيتر بالخارج ينتظر النتيجة. بعد ربع ساعة خرجا وتوجها الى بيتر قال،
المدير : لقد فعلنا مثلما طلبت منا سيادتك وسحبنا شهادتنا.
بيتر : هذا صنيع سوف لن انساه لك يا سيد شفيلد. سيرجعكم سائقي الى المتجر ثانية.
التفت بيتر الى السائق وقال،
بيتر : خذ السيدان الى هارودز ثم ارجع الى عندي ثانية.
خرجوا من مركز الشرطة وبقي بيتر بالداخل ينتظر. جلس هناك لفترة ساعة كاملة حتى رأى شرطي التحقيق يسير فركض نحوه وقال،
بيتر : متى ستخرجون المتهمة حضرة الشرطي؟
الشرطي : عندما نحصل على تعهد من جهة ما كي يعاد تأهيلها.
بيتر : وهل ينفع تعهدي انا؟
الشرطي : بالتأكيد سيدي.
بيتر : إذاً، أرني الاوراق وسأوقع عليها.
دخل الى المكتب ثم عاد بعد دقائق حاملاً حزمة من الاوراق واعطاها لبيتر فوقع عليها واعادها للشرطي. وبعد قليل خرج الشرطي ومعه هايزل مكبلة بالاصفاد. وقف امام بيتر وفتح الاصفاد عنها ليتحدث معها قال،
الشرطي : يجب عليكِ ان تمتثلي لاوامر هذا السيد الطيب الذي تعهد بالقيام بتأهيلك على مسؤوليته لذلك فانت حرة طليقة ولكن حريتك مشروطة.
لم تعلق على ما قاله الشرطي مجرد سارت خلف بيتر وهمّا بالخروج من المخفر. اتجه بيتر نحو سيارته تتبعه هايزل وقبل ان يدخل السيارة سحبته من يده وقالت،
هايزل : هاي، انت، توقف هنا، اين ستأخذني؟
بيتر : اركبي السيارة وساشرح لك كل شيء.
ركبت السيارة فقال بيتر، "قود السيارة الى منزلي يا مارتن". سارت السيارة بشوارع لندن المكتظة،
هايزل : والآن قل لي، لماذا كفلتني؟ ولماذا اخرجتني من السجن؟ هل تريد ان تنتقم مني بطريقتك الشريرة؟
بيتر : ابداً، يبدو انك تعودت على عالم الشر ليتهيأ لك ان جميع الناس اشرار. هدفي هو ان احاول تقديم شيء ايجابي للمجتمع فقد لمست فيك الخير واريد ان اخرجه من مكمنه.
هايزل : او ربما عَجِبتُكَ واردت ان تحاول الاعتداء عليّ. فانا اعرف صنفك الذكوري الخسيس.
بيتر : أرأيت ما اعنيه؟ انت افترضت ان نواياي سيئة وكل ما اريده هو الاعتداء عليك مع انك تعلمين جيداً انني رجل ثري وبامكاني ان استأجر 10 سيدات من اجمل الفتيات كي اقضي معهن اوقات سعيدة.
هايزل : لماذا فعلتها إذاً؟
بيتر : لقد اخبرتك للتو يا هايز، انا اردت ان اقدم لك المساعدة لانني اعتقد ان خلف ذلك اللسان السليط وتلك العيون الشريرة تكمن فتاة لطيفة بامكانها ان تكون سيدة مجتمع.
هايزل : كفاك ثرثرة. انت تعلم انني متشردة فقيرة وقد قضيت جل عمري في الشوارع واليوم تحتجزني اسيرة عندك كي تتفاخر امام اقرانك لتكون المنقذ المخلص كما خلص شمشون الجبار والملك داود شعب اسرائيل وحماهم بقوته وجبروته. لكنك لا تعلم انني ساعود للشوارع متى ما تركتني وفكيت اسري.
بيتر : انت غلطانة إن اعتقدتِ انك اسيرة.
نظر بيتر الى سائقه وقال،
بيتر : اوقف السيارة يا مارتن.
فوقفت السيارة.
بيتر : تفضلي يا هايز، بامكانك العودة للشارع الآن إن اردت. لقد انقذتك من الحبس. انت تريدين العودة للشارع ولا ترغبين الاصلاح. هيا اخرجي.
هايزل : هل تمزح معي؟ هل ستتركني هكذا دون مقابل؟ ام لديك خطة ثانية؟
بيتر : لا خطة ثانية ولا ثالثة. اخرجي من سيارتي هيا، لقد اخطأت في ظني واعتقدت انني استطيع ان اخرج الخير الذي يكمن بداخلك.
فتحت هايز باب السيارة وهمت بالخروج فامسك بيدها وقال،
هايزل : خذي بطاقتي الشخصية التي عليها عنواني وجميع هواتفي الثابتة والمحمولة. بامكانك الاتصال بي إذا غيرت رأيك. فالعرض سيبقى قائماً.
اخذت البطاقة منه، خرجت من السيارة واختفت وسط الزحام. قال بيتر لسائقه، "الى البيت يا مارتن".
مارتن : يبدو انك اخطأت في تقديراتك هذه المرة سيدي. أولئك الناس لا ينصلحون ابداً لانهم خلقوا للجريمة ويبقون يتسكعون في الازقة.
بيتر : الله لا يخلق انساناً كي يكون مجرماً بل الانسان هو وحده يختار الخير او الشر يا مارتن. انها ستعود انا متأكد من كلامي.
مارتن : كلا يا سيدي، انها لن تعود ابداً لقد استغلت طيبتك وكرمك كي تفلت من العدالة وسترجع للسرقة فورما تضع ساقها على الشارع لان الجوع يدفع الانسان على ارتكاب كل المعاصي.
1319 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع