المرونة العقلية والجمود الذهني

                                                

                      فارس حامد عبد الكريم*

المرونة العقلية والجمود الذهني

تعد المرونة العقلية للفرد من أهم عوامل تطور وتقدم البشرية، ومن شواهد ذلك ان أفراداً معدودين غيروا مجرى التاريخ والبشرية باكتشافاتهم أو بأختراعاتهم الإبداعية، وهكذا كان ذوي العقول المرنة الملهمين دوماً لأفكار جديدة.

بينما كان الجمود الذهني ولازال، المرتبط دوماً بثوابت لاتقبل الجدل والتغيير، سبباً مهماً في تعميق الآلام والمآسي التي عانت منها البشرية وحقائق التاريخ القريب والبعيد تؤكد ذلك.

ويكاد أن لايخلو معطى من معطيات الحياة من تأثير المرونة العقلية أو الجمود الذهني، فهما حاضران فيالإقتصاد والسياسية والتعليم والدين والمساءل الشرعية وفي جميع العلاقات الإجتماعية.

معنى:

تُعرف المرونة العقلية؛ بأنها قدرة المرء على توليد العديد من الأفكار الفريدة الجديدة وغير التقليدية وتقبل الأفكارالجديدة ووجهات النظر المتعددة بما يُلائم المواقف المتغيرة المختلفة والطارئة التي يواجهها والتأقلم معها.

وهذا يعني ان للمرونة العقلية جانبين احدهما أن يکون لدى الفرد السلاسة والليونة فى أفکاره وقدرته علىالإنتاجالذاتي للأفكار الجديدة المتنوعة غير المتوقعة والإنتقال من فكرة الى اخرى دون التقيد بأطار محدد.

اما الجانب الآخر للمرونة فيتمثل بالقدرة على تلقي الأفكار الجديدة من الآخرين واستيعابها والتعامل معها حسب ظروفالزمان والمكان.

ويلتحظ الباحثين في هذا المجال أن للمرونة العقلية مظهرين هما؛ المرونة التكيفية والمرونة التلقائية

أولاً- المرونة التكيفية؛ وتعني قدرة الفرد على تغيير طريقة تفكيره في مواجهة المشكلات وإيجاد الحلول الملائمة لها.

ثانياً- المرونة التلقائية؛ وتعني قدرة الفرد على الانتقال من فكرة إلى أخرى عند مواجهة مشكلة ما بشكل تلقائي دون التقيد بإطار معين في التفكير.

ومن مظاهر المرونة العقلية عند الشخص القدرة على إدراك مختلف العلاقات والفوارق الدقيقة بين الوقائع المختلفة.

ويظهر الشخص ذو العقلية المرنة انماطاً عقلية متنوعة اثناء النشاط الإبتكاري، ولديه نشاط عقلي تأملي مجرد ومهارة حل المشكلات والتفكير الإبداعي.

ويعي صاحب الذهن المرن انه افكاره تواجه عالماً متغيراً مما لايجعل من اراءه ومعتقداته قطعية ولذلك فهو يحترم وجهات نظر الآخرين ويتناولها بالدرس والتحليل وقد يتبناها ان وجد انها تمثل الحقيقة، تاركاً الجدل العقيم والرغبة في التسلط والجمود الفكري.

والمرونة العقلية والفكرية من الصفات والمهارات التي يجب علينا تعلمها وتعليمها لأبنائنا بالتدريب عليها، فهي تنمو بالاستعداد دائماً لتقبل كل الأفكار ومحاولة الخروج عن المألوف منها لإيجاد أفكار جديدة.

 

والمرونة هي نقيض لمفهوم الجمود الذهني الذي يعني تبني أنماط ذهنية محددة مسبقاً وثابتة أو غير قابلة للتغيير حسب ما تستدعي الحاجة.

ويعد الجمود الفكري آفة خطيرة تضرب خاصرة المجتمع وتطيح به الى مهاوي التخلف والركود والخمول، ولاشك فيانه مانع تاريخي عتيد للتطور، واذا كان الجمود الفكري لايقبل بل يعارض الأفكار المتطورة والمستحدثة بكل قوة فأنه يتوافق بشكل غريب مع الخرافات والأساطير

ولاشك ان جموداً فكرياً ضرب العراق والعراقيين في فترات احتلال وغزو دامت لقرون، منذ سقوط الدولة العباسية المدوي، ما انفكت تذبح العراقيين بدم بارد، ورغم ان تأسيس الدولة العراقية الحديثة (1921) قد شهد تحركاً واسعاً لبناء مجتمع عراقي حديث انتج في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي حركة ثقافية وادبية وفنية متطورة قياساً لظروفالزمان والمكان، وبرز اطباء ومهندسون ومحامون ادباء وفنانون وشعراء وسياسيون على مستوى عال من المرونة العقلية، إلا هذاالظهور الحر للعقل العراقي المبدع لم يستطع مقاومة الجمود الفكري الراسخ في العقل الإجتماعي المتوارث جيلاً أثر جيل، بل دخل في صراع فكري مرير تداخلت فيه السياسة مع الدين مما افضى الى اوضاع سياسية وفكرية شاذة سيطرت على الساحة الإجتماعية والسياسية لعقود من الصراعات والحروب وأطبقت على الثقافة والفن لتعيدنا من الناحية الرمزية الى العصر الحجري او قل الى عصر العقل المتحجر.

الحل:

تعزى ظاهرة الجمود الفكري الى عدة اسباب، منها؛

- الانظمة الدكتاتورية التي تخنق الثقافة والمثقفين وتحاول ان تتلخص منهم بشتى الطرق.

النظام الإجتماعي المغلق لأسباب قبلية او دينية او سيطرة الخرافات والأساطير على عقول الناس.
النظم التعليمية التربوية البائسة التي لايحمل القائمين عليها حرصاً وطنياً او انهم بذاتهم مرضى بأمراضالقبلية والعشائرية ويعانون من بذاتهم من الجمود الفكري. مما يستوجب إعادة النظر في المناهج الدراسية وإثراؤهابمهارات التفكير الإبداعي وتبني طرائق تدريس حديثة تساعد على تنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب لبناء جيل استثنائي يتميز بالمرونة العقلية والفكرية التي تمنحه القدرة على مواجهة المشكلات والأزمات الصعبة بمرونة وتلقائية.
عدم الإهتمام بالبحوث والدراسات التي تساعد على تنوير الشعب وخلق ثقافة عامة مرنة، ففي العراق تبقى اطاريحالماجستير والدكتوراه اسيرة المكتبات حتى يعلوها الغبار ، ولا يمسحه عنها سوى باحث آخر يقتبس منها مايحتاجه ليعيدها الى الرف وتتكرر نفس المأساة مع اطروحته.
الحلول

لاشك ان معالجة الأسباب هو الطريق الصحيح لحل أية مشكلة إجتماعية، ولكن تبقى الديمقراطية الحقة التي تسيرقدماً بإرادة الشعب الحقيقية دون معوقات وتدخلات هي الأرض الخصبة لنمو الإبداع والحرية الفكرية التي تعطي الأمل بالتغيير الجذري لواقع اجتماعي لايزال يعيش في بعض جوانبه في القرون الوسطى.

*استاذ جامعي - النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الإتحادية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1056 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع