سناء الجاك
يا لسحر هذا الغرب الإمبريالي!!
لا يوفر اليائسون وسيلة للهروب من بلدانهم المنكوبة باتجاه القارة الأوروبية عبر هجرة غير شرعية تؤمن لصاحبها فرصة الحياة الكريمة، ولو بدأت مغامراتهم بالارتهان لتجار البشر ودفع جنى العمر لهم، على أمل الوصول إلى مخيمات لجوء قاسية ظروفها، ومن ثم الحصول على جنسية بلد الهجرة وتأمين مستقبل آمن موجع نتيجة إقتلاع المهاجر نفسه من جذوره وعاداته وعائلته.
ولعل حكاية المرأة العراقية التي عثر عليها جثة هامدة، أمس الأحد، عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، تحمل الخبر اليقين عن الاستماتة في الهروب من بلدان، غالبا ما يندد قادتها ومن خلفهم جماهيرهم المؤيدة، بالإمبرالية الطاغية على سياسات الدول المرغوبة للهجرة غير الشرعية.
ولعل روح هذه المرأة تصلي حتى تحتضن دولة الهروب الأطفال العراقيين الثلاثة الذين وجدوا قربها وتراوح أعمارهم بين 5 و7 سنوات على قيد الحياة، وتؤمن لهم الحياة الكريمة والآمنة التي دفعت ثمنها حياتها.
وبالتأكيد، لن تتوقف الهجرة غير الشرعية من العراق بعد قرار وزارة التربية والتعليم العراقية إدراج مادة حقوق الإنسان في المناهج الدراسية، من الصف الخامس الابتدائي وما فوق، لأن مثل هذا القرار لا يؤت ثماره ما دام كل ما يرتبط بالدولة ومؤسساتها يقيِّدها لتبقى بعيدة كل البعد عن عدالة إنسانية واجتماعية وسط فساد وطائفية قاتلة واحتلال غير معلن، على الرغم من الجهود التي يبذلها رأس الدولة للحد مما تتعرض له دولته باللين والدبلوماسية والحكمة مع تجنب المواجهة المباشرة.
وكما في العراق، كذلك في سورية، إذ تحولت الحدود التركية حلم السوريين للعبور إلى أوروبا. وبحسب إحصاءات "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قتل ما لا يقل عن 26 مدنياً بينهم امرأة وستة أطفال دون سن 18، منذ بداية العام الجاري 2021، لترتفع الحصيلة إلى نحو 500 مدني لقوا حتفهم منذ ربيع 2011 خلال 10 أعوام.
هذا بالإضافة إلى البحر الأبيض المتوسط الذي يبتلع بدوره ما تيسر من جثث الهاربين ما بين لبنان وتركيا بإتجاه اليونان.
وقبل شهرين، قال الهلال الأحمر التونسي لرويترز، إن 17 مهاجرا بنغاليا على الأقل غرقوا، وهم يحاولون عبور البحر المتوسط، عند تحطم قارب قبالة تونس كان يحمل مهاجرين من سوريا ومصر والسودان وإريتريا ومالي وبنغلادش من ليبيا إلى إيطاليا، بينما أنقذ خفر السواحل أكثر من 380.
وكان قد سجل وصول أكثر من 13 ألف مهاجرا من مختلف الجنسيات إلى السواحل الإيطالية في النصف الأول من العام الحالي.
وهذه الأرقام تشير بوضوح إلى أنه لو أتيحت فرص الهرب نحو هذا الغرب الكافر والإمبريالي، لغالبية مواطني بلدان الصمود والتصدي والبطولات والإنتصارات، لما ترددوا.
ذلك أن الجوع والفقر والقمع والاعتقالات والإعدامات أكثر كفرا بما لا يحتمل من دول تحترم الإنسان، لتبقى تجاوزاتها مهما بلغت قسوتها، نسمة عليلة بالمقارنة مع الجرائم الموصوفة ضد الإنسانية التي ترتكبها أنظمة متآمرة على بلدانها، لا شغل لها إلا بث الكراهية والحقد لتؤجج حروبا لا تحصد في النهاية إلا المواطنين، في حين تؤمن هذه الأنظمة استمراريتها وتبقي جميع من يقبعون تحت نفوذها وسيطرتها معتقلين في سجن كبير يصعب حتى التنفس فيه.
والمضحك/المبكي أن هذه الأنظمة تهدد الدول الإمبرالية بفتح مجال الهجرة غير الشرعية لليائسين وتلمِّح إلى ميولهم المتطرفة المفترضة بفعل إرهاب الممارس عليهم، لتبتزها في سبيل السكوت عنها ومنحها المزيد من النفوذ مقابل تشديد قبضتها على هؤلاء اليائسين لمنهم من الهروب.
وبالطبع لا تهتم هذه الأنظمة بما يقدمه الغرب الإمبريالي والكافر من ارتفاع لأجور العمال وارتفاع المستوى المعيشي في الدول الجاذبة للمهاجرين، ووجود خدمات اجتماعية وصحية أفضل في الدول الجاذبة مقارنة ببلد الفرد الأصلي. هذا عدا أجواء الحرية المفقودة في البلد الأصلي، وثمنها غالبا ما يكون إما الاعتقال أو الاغتيال.
من جهته، يتعامى المجتمع الدولي عن الأسباب الفعلية للهروب باتجاهه. وعوضا عن العمل للمساهمة لإلغائها في تلك الدول، تنصب جهوده على بناء حواجز أمنية على الحدود البرية والبحرية، ومراقبتها بشكل أشدّ صرامة، لمنع دخول المهاجرين بشكلٍ غير قانوني. وغالبا ما تعمد الدول الجاذبة للهجرة إلى توقيف المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يحملون وثائق رسمية وحجزهم بانتظار إعادة ترحيلهم إلى بلادهم الأصلية. فهي تفضل الهجرة القانونية التي تفيد اقتصادها ولا تهدد أمانها الاجتماعي.
أما عن العمل لتأمين أدنى مقومات العيش الكريم في الدول التي تشهد هجرات جماعية غير شرعية، فهو ما ليس على الأجندة. ربما لأنه يتضارب مع أجندات إقليمية ودولية ترتبط بالمصالح التجارية وخرائط النفوذ والصراعات المرافقة له التي تطغى على حقوق الإنسان.
ولا يعيق تقاطع المصالح الدولية والإقليمية على إمتداد الكرة الأرضية حلم الوصول إلى هذا الغرب الساحر، ليصح العكس ويبقى البحر وقواربه التي يتوازى فيها الموت مع سبل النجاة، وكذلك البر وحدوده ومجاهله، مسرح حكايات عن أهوال يتعرض لها مغامرون حاضرون ليدفعوا عمرهم ثمنا، شرط مغادرة الحجيم الذي يتربص بهم في أوطانهم إلى سحر هذا الغرب الإمبريالي ونعيمه.
898 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع