د. اسعد الامارة
فلسفة التدين والسلوك اليومي؟؟!!
الدين إنساني النزعة كما هو متعارف عليه، أي دين كان، الدين السماوي له كتاب منزل به تعاليمه ومنهجه، أو دين وضعي دنيوي مثل الكونفوشية والهندوسية والبوذية والزرادشتيه وغيرها من الفلسفات التي تحولت إلى دين آمن به ملايين الناس في الكرة الأرضية، هؤلاء الناس لهم عقل آمن وتم مصادرته إذا تطرف أو سَلم أمره لمن يقلده أو يتبعه، أو يمكن أن نطلق عليه سلوك القطيع، وهو سلوك جمعي ، أعني مصادرة العقل الجمعي، من المتعذر على وجه التقريب أن لا تثير قراءة هذه السطور مساس لدى البعض من التابعين الذي سلموا أمرهم واستسلموا ، لأن الدين أي دين يدعو للعقل وتشغيله، للتفكير والتفكر، للأخلاق ويؤكد على الشعور بالأثم حينما يقوم المؤمن بفعل شيء مخالف لدينه، مثلما يشتط غضبًا حينما يستهدف نبيه "النبي" أو المقدس – مرجعه الديني ، أو مذهبه أو دينه أو معتقده، أو يمس في مركزية إيمانه وهو الاعتقاد، لذا فعلماء النفس الإجتماعي يقولون أن التأثير على الرأي سهل جدًا، وتغيير الإتجاه يمكن أن يتغير ، إلا أن المعتقد من الصعب تغييره أو زحزحة الإيمان بما يعتقد الفرد، والكثير من الشواهد ظلت شاخصة بقتل الالاف من المسيحيين المؤمنين في بداية ظهور المسيحية وكانوا كبش الفداء لإيمانهم بما يعتقدون، وكذلك الحال مع اليهود المتمسكين بعقيدتهم والذين رفضوا زيف السياسة والتجارة وحب الاستيلاء وكره الشعوب ودمجها مع المعتقد اليهودي، والأمر سيان ولا يقل أهمية عند المسلمين ممن استشهدوا في سبيل معتقدهم الديني والمذهب وراحوا ضحايا التصفيات الدينية في بلداننا العربية بالذات. إذن الدين معتقد يرتبط بالله أو بالفلسفة التي يؤمن بها الفرد ، والموت في سبيله هو شهادة تستحق التضحية، وحتى لدى الهندوس المتزمتين، أو البوذيين أو غيرهم من الديانات الأخرى، أما التدين فهو شيء آخر، فهو سلوك يظهره الفرد .
أن ما يهمنا في هذا الطرح هو التدين والسلوك ، والسلوك في علم النفس هو نشاط الإنسان في تفاعله مع بيئته وعناصرها تعديلا لها حتى تصبح أكثر ملائمة له، أو تكيفًا ذاتيًا معها حتى يحقق لنفسه أكبر قدر من التوافق معها، هذا ما اوردته موسوعة علم النفس والتحليل النفسي "فرج طه وآخرون". أما الدين في رأي "جيمس فرايزر" هو عبارة عن إسترضاء أو إستمالة قوى تفوق الإنسان يعتقد أنها توجه وتتحكم بسير أمور الطبيعة والحياة البشرية. ويطرح "فرايزر" في كتابه الغصن الذهبي يتشكل الدين من عنصرين هما: العنصر النظري وهو الإيمان بالقوى العليا، والعنصر العملي وهو محاولة إرضاء تلك القوى، ويضيف"فرايزر" من الواضح أن الأول يأتي أولا لوجوب الإيمان بوجود الكائن الإلهي قبل محاولة استرضائه، ويبقى الإيمان محض نظرية مالم يؤد إلى الممارسة المتساوقة معه، وهو السلوك بمعنى أدق.
لهذا السبب كان الدين والتدين مرتبط بالسلوك ارتباطًا وثيقًا، لا تدين بدون سلوك ، ولكن يمكن أن يكون السلوك بلا دين، وهو ما يؤمن فيه البعض من فلسفات أخرى وأحزاب سياسية قدمت لشعوبها الرفاهية والعدالة والمساواة بدون دين، ويكون الرابط بينهما هو ما يصدر عن فاعله من سلوك مثل الخدمة وتقديم التوجيه، وهو يعكس ما يؤمن به الفرد. إذن السلوك المؤثر يكون جذاب للعقل البشري وشكلًا دافعًا قويا للبحث عن تحقيق المصلحة الذاتية لدى الفرد الذي يقدم التوجيه، أو ربما وظيفة أمتهنها البعض مقابل ثمن مادي "راتب شهري مثلا".
نجح التدين من خلال السلوك التلاعب بالنفس الإنسانية وقوة التأثير على العقل من خلال العاطفة وإخضاع أحداث الحياة للقانون الإلهي الوهمي غير الواقعي وبقوة تأثير شخصية البعض وهناك العديد من الأدلة عبر التاريخ، فالبعض من تقمص شخصية المتدين الورع التقي في بعض الأديان واصبح المقرب للسلطان أو الملك، أو القيصر ولنا دليل في ذلك دخول الشخصية الدينية المؤثرة في بلاد القيصر الروسي وفعل ما لا يمكن تصديقه بكل سلاسة وتقبل وخضوع مع نساء القياصرة وهي شخصية "راسبوتين" أو البعض ممن تقمص شخصية رجل الدين ووصل لمآربه السياسية بأسم الدين.
إذا كان الدين والسياسة صنوان لا يفترقان، فالتدين والتجارة والكسب غير المشروع أيضا صنوان لا يفترقان ولنا في ذلك أدلة عبر التاريخ، فمن وصلوا للسلطة بأسم الدين هم كثر، ومن كسب أمولا تحت واجهة التدين وغطاء الدين هم كثر أيضا، من حقنا أن نتسائل عن علاقة السياسة بالدين وسلوك التدين ، والكسب غير المشروع بغطاء التدين، وهنا لابد أن تتلون نظرتنا هذه بلون الفكرة التي نحملها عن طبيعة الدين والتدين نفسه، وهنا ايضا علينا جميعا أن نحدد مفهوم التدين قبل أن نتابع البحث في علاقته بالسياسة وقوة تأثير السلوك بالإقناع الديني، والتجارة تحت غطاء التدين، والتعامل بتحقيق أرباح غير مشروعة بهذا الغطاء، أو ممارسة أفعال يندى لها الجبين بغطاء التدين ويقول طبيب النفس "الدكتور محمد شعلان" في كتابه تصوف للبيع قوله أنا أعلم كيف تشوه الناس في دينهم أفواجا.
من علامات سلوك التدين الملفوف بغطاء الدين هو الشفقة التي يظهرها بعض المتدينين وهي كما يراها التحليل النفسي أن هذه الشفقة قد تكون رد فعل لما تنطوي عليه النفس من القسوة، وإن هذا السلوك الرحيم لم يكن إلا انتصارًا على نزعات المتدين إلى القسوة والعنف، ويضيف علماء التحليل النفسي أن سلوك التدين هو سلوك نفسي ينشأ أولا وقبل كل شيء من بواعث نفسية لا علاقة لها في الأصل بالعقيدة الدينية، هذا السلوك الذي يظهره المتدين لو أن صاحبه لم يكن متدينًا واختار العسكرية أو السلطة الأمنية لأقترن سلوكه بسلوك الضابط الدموي، أو سلوك رجل الأمن القاسي المجرم، فإذن التدين يتكأ على الدين في سلوكه، والضابط العدواني يستند على مهنته في القسوة، والمعلم يستند في تعامله العنيف مع طلابه وفي الحقيقة أن سلوك المعلم هو سلوك التربوي المتزن الذي يترك الأثر، كما هو صاحب الدين أيا كان دينه، ويبدو ذلك من سلوكه وميله إلى اللاعنف والتسامح والمسالمة. يرى العلامة" مصطفى زيور" استاذ التحليل النفسي أن التدين الوسواسي قد يكون رد فعل لميول عنيفه نحو التمرد على سلطان الدين، وبصفة عامة على السلطان أيًا كان نوعه، ونقول أن سلوك اللف والدوران والتحايل لدى المتدين هو تمرد على سلطان الدين أساسًا. ونذكر بهذا الصدد قصة واقعية تحمل معنى سيكولوجيا عميقا، ذهب رجلان للصلاة في الجامع، فلما أنتهيا منها جلسا يدعوان الله فقال الأول: اللهم أهدني الصراط المستقيم، اللهم قوي إيماني ، أما الثاني فقد أنطلق قائلا: اللهم سهل عليَ أتمام صفقة المئة مليون دولار مع الوزير الاسلامي الفلاني لكي احصل على حصتي عشرة ملايين دولار كوسيط وأخرج بها، فأغضب ذلك الرجل الأول وصاح به كيف تجسر يا رجل وتنطق بهذا المال الحرام في دعائك ، فأجابه الثاني في هدوء: هون عليك يا صاحبي أنت ينقصك الإيمان فتطلب من الله أن يقوي إيمانك، أما أنا فلا ينقصني الإيمان وإنما ينقصني المال وتنقصني الصفقة بعشرة ملايين دولار مهما كانت حلال أم حرام. أذن السلوك الذي يخفي خلفه دافع هو الأساس والمحرك نحو تحقيق الهدف، ولكن بعدة أغطية منها غطاء التدين، او غطاء التجارة، أو غطاء التهريب، أو غطاء بيع وترويج المخدرات، او غطاء الغش وخداع الناس، أو غطاء بناء المساجد والحسينيات، أو الكنائس والأديرة قديمًا، أو بناء المراقد والاضرحة الوهمية المقدسة والاسترزاق منها، أو بناء المستشفيات ذات الطابع الديني، أو الكليات والمؤسسات العلمية ذات التمويل الديني، أو الاستثمارات بكل أنواعها لتحقيق الأرباح بالملايين من الدولارات تحت مسمى المؤسسات الدينية وممارسة سلوك التدين لتحقيق المآرب أيًا كانت حتى وإن كانت البارات والملاهي ومواخير بيع الجنس والصفقات المشبوهة بأخذ الحصة من الادوية المستوردة، أو أجهزة المستشفيات الحكومية المستوردة، أو أدوية سرطانات الأطفال، أو تصدير النساء للرقص في دول غنية والمنفذ رجل الدين بسلوكه المتدين.
أن فلسفة التدين وسلوكه وجدت مظاهره في سلوك الورع والتقى والشفقة والعطف والمسالمة الخادعة أغلى ثمنًا وأثمن لحمًا من الخداع بأسم الدين وتحت سلوك التدين، ويرى "وولف" أن التدين قد يكون ملجأ للشخص من ضغوط الحياة، كما أنه يساعد الفرد على تنمية وعيه بإمكاناته النفسية، ووجد " جيمس ويلس" أن العلاقة بين التدين والحالة النفسية يمكن تفسيرها من خلال متغيرين وسيطين هما التخفيف من أحداث الحياة المثيرة للشفقه، والتنظيم الذاتي لعمليات التفكير، أو ما يطلق عليه ضبط المراقبة المعرفية ( Metacognitive Control ) ويربط بعض علماء النفس بوجود علاقة مباشرة بين السلوك وردود الافعال اليومية، ويمكننا القول أن السلوك تفكير ملموس تحول من غير المعلن وغير الملموس إلى فعل واقعي ولكن أخذ طابع السلوك الديني، والمعروف أن السلوك الديني لا يميل إلى العقلانية في معظم الأحيان بسبب الاستثارة التي يبديها بعض المتدينين السطحيين والذين يتسمون بالتعصب أو اللاعقلانية، وسمة الإندفاع هي الغالبة عليهم وفي الاحرى ممن تمت مصادرة عقولهم ونشاهد ذلك لدى هؤلاء ممن يفجر نفسه بين حشد من الناس، أو بين عمال ينتظرون دورهم في العمل، أو سوق شعبي، هذا بعض من سلوك التدين الذي نقصده في هذه المقالة المعرفية حينما ربطنا بين التدين كفلسفة ونهج وسلوك يومي في التعامل وإقامة علاقات بين الناس، وبين الدين كمنهج سام وفلسفة.
ترى الدراسات النفسية التي تتناول السلوك الإنساني بمختلف أنواعه منها سلوك المسالمة واللاعنف كسمة وليس كحالة، وسلوك العطف والشفقة وهو ما يطلق عليه ضمن القيم الإجتماعية كسمة وليس كحالة ويكون صاحبها وجيه في مجتمعه، وسيط لفعل الخير في كل الأوقات مكانيًا وزمانيًا، وكذلك سلوك المهنة حيث يلتزم بها صاحبها رغم بلوغه سن التقاعد فهو ما زالت ملامحه تدل على مهنته والتزامه بالضبط الوظيفي المهني، وكذلك صاحب سلوك الابداع في الشعر والفن والجمال حيث تغلب عليه هذه السمات من لمساته الفنية والابداع، إلا صاحب سلوك التدين السطحي المغشوش حيث يرى أن الفرصة مؤاتية في كل لحظة، ويحاول أن ينقض على فريسته من البسطاء المؤمنين بالدين فهو يكون بليغ في الكلام والحديث والاقناع، له قدرة أن يسلب من الإنسان البسيط ما بجيبه من نقود ولو كانت قليلة لقوت يومه ولأولاده تحت أي مبرر ديني جزء من زكاة متبقيه عليه ربما تشكل عليه ذنب لا يغفره رب العباد في الآخرة ويكون سبب من عدم دخولك إلى الجنة، يقنع عائلة الفقيد ويأخذ بعض من ميراث الأيتام تحت مبرر ديني وهمي ، أنه سلوك التدين الذي يترجم فهم جزء معين للمعتقد الديني وهو متورط بشكل أو بآخر بالدين وبإسمه لا سيما أن معظم المجتمعات العربية والاسلامية التي يغلب عليها احترام الدين تنظر إلى المتدين في الغالب نظرة احترام وتقدير لأن عامة الناس يرون في المتدين الإنسان الأقرب إلى الله، وإن المتدين يمثل القدوة والصدق والاستقامة والله أعلم والحكم للقارئ الكريم.
2995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع