بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
علينا ان نعترف ان مؤسسة الكنيسة الكلدانية قد اعتراها بعض مظاهر الضعف والهوان في العقد المنصرم ،
وكان ذلك نتيجة طبيعية لحالات العنف الدموي الذي خيم على الشارع العراقي ، وكانت مظاهر العنف وعمليات الأرهاب والأبتزاز والتشريد والتهديد تطال الكنيسة وأبناء شعبها الكلداني وكل المسيحيين في المدن العراقية لاسيما الموصل والبصرة وبغداد ، فحينما كان يشرد ابناء هذا الشعب من بيوتهم وتصلهم التهديدات وعمليات الخطف والأبتزاز ، كانت في الوقت ذاته تفجر الكنائس بمصليها وقساوستها وكانت عمليات الخطف والأبتزاز والأغتيال تطال رجال الدين المسيحيين ، لتصل في ذروتها الى عملية اختطاف المطران الجليل فرج رحو في 29 شباط 2008 واغتياله حيث عثر على جثته الطاهرة في في يوم 31 آذار 2008 ، إن هذه الأوضاع المأساوية ومسائل اخرى اشتركت في تشريد الشعب الكلداني وإجباره على الهجرة القسرية ,الى تفريغ الكنائس من مصليها والى تشريد رجال الدين منها ، هكذا بقيت الأعداد القليلة وكان في مقدمة هؤلاء البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل دلي الذي ربط مصيره مع ابناء شعبه الكلداني ومع بقية المسيحيين وهم في محنتهم الشديدة .
وفي هذه الظروف العسيرة كانت ثمة عامل حاسم آخر يساهم في إضعاف مؤسسة الكنيسة تنظيمياً وهيكلياً ، حيث كانت تنهال المساعدات للأبرشيات من المجلس الشعبي دون ان تراعى هرمية التنظيم لمؤسسة الكنيسة وضرورة ان تصل تلك الأموال الى المركز ومنها توزع للابرشيات حسب الحاجة ، فتولدت مصطلحات غريبة من قِبل مطارنة الشمال ومطارنة الجنوب ومطارنة الخارج ...
وهنا لست متأكداً هل ان كل ابرشية لها صلاحيات واسعة تصل الى درجة الإدارة الذاتية وفي استقلالية التصرف بالأموال اما ثمة ميزانية مركزية يتولى صرفها وتوزيعها المركز اي مقر البطيريكية في بغداد وفق اسس وضابط معينة ؟
المهم كل هذه العوامل عملت على ضعف وهوان الكنيسة الكلدانية وأضحت بمثابة الجسم المريض الذي تفتك به الأمراض دون ان يستطيع مقاومتها في ظروف تعذر العثور على الأدوية الناجعة ، فتركت الكلدانية الكلدانية تعاني من ذلك الضعف الى جانب ما تعرض له شعبها الكلداني وبقية مسيحيي العراق من ظلم وعنف وإرهاب ..
اليوم ..
اليوم ما اجمله تشرق الشمس وتنير الدروب وتتصافى القلوب في محبة المسيح ،
فيلتئم شمل المطارنة الأجلاء والآباء الكهنة في العاصمة العراقية بغداد ، باستثناء من لم تسمح ظروفهم بالمجئ ، فكان السينودس المنعقد في الفترة 05 ـ 11 من شهر حزيران الجاري وتوصل الى نتائج مهمه في مشواره الطويل وترشح بعض التوصيات والمقررات في البيان الختامي ( طالع الرابط اسفل المقال ) .
لقد ورد في البيان الختامي في الفقرة اولاً :
( .. خلال إعادة هيكلية تنظيم البطريركية والأبرشيات والرهبانيات والمؤسسات الكنسية باحترام القوانين الكنسية. لقد كان هذا السينودس فرصةً مميزة للقاءاتٍ مهمة خصوصاً وأن انعقاده جاء بعد خمسة أشهر من انتخاب البطريرك الجديد. ورأى الآباء الأساقفة أن الكنيسة الكلدانية بتنوّع أعضائها أينما وجدت في الوطن وفي الشرق أم في بلاد الشتات، تمثل جسداً واحداً .. ) انتهى الأقتباس .
وكما اوردت في بداية المثال التقسيم القسري الجغرافي الذي طال مؤسسة الكنيسة فإن هذه النقطة تعالج تلك الحالة فهي كنيسة واحدة وجسد واحد وكل عضو في ذلك الجسد الكنسي يعمل على وحدتها وقوتها وتطورها ويعينها لتقوم بواجبها الكنسي اللاهوتي والأنساني في المجتمع ، وأين ما كانت في الشمال او الجنوب او في دول الشتات إنها كنيسة واحدة وجسد واحد يضمن ديمومتها القلب النابض ، ويضبط مسيرتها الفكر الديني المسيحي الواحد والكنيسة المقدسة الواحدة الجامعة .
وفي الفقرة ثانياً نقرأ :
( .. وذلك بوضع آليات حوار وتواصل لكي لا تتبعثر قوانا خصوصًا وأننا في تناقص مستمر. كما أنهم أكدوا على رغبتهم في فتح حوار صريح وشجاع مع كنيسة المشرق الآشورية لاسترجاع وحدة كنيسة المشرق ومكانتها وهيبتها ومجدها. ) انتهى ...
إنها توجهات وحدوية نبيلة لإعادة لحمة كنيسة المشرق كخطوة اولى لأعادة مجدها التليد عبر التاريخ ومداخلتنا على هذه الفقرة هي : ان تتوفر منظومة الوسطية الذهبية ، فالوحدة تتحقق حينما يتوفر الأستعداد لدى جميع اطراف المعادلة :
ـ كنيسة المشرق الآشورية .
ـ الكنيسة الشرقية القديمة . اضافة الى الكنيسة الكلدانية المنفتحة على الجميع .
وذلك بأن يخطو كل منهم خطوة نحو الطرف الآخر وفي نهاية المطاف يلتقي الجميع في الحلقة الوسطية الذهبية الجميلة ، وهذه الحالة تتطلب من جميع اطراف المعادلة يتطلب التضحية ونكران الذات ، وفي جانب الأخوة الأثوريون هنالك إشكالية أخرى حيث هي منقسمة على نفسها الى كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة ، وفي نفس المربع ثمة اشكالية المطران مار باوي سورو والكهنة والعلمانيين من الأخوة الآثوريين الذين معه . إنها حقاً مهمة عسيرة ، ولكنها ليست مستحيلة التحقيق ان تصافت القلوب وهيمنت الثقة المتبادلة وإن كان التوجه نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات لكي يصار الى تذليل الصعوبات الجمة .
وفي الفقرة ثالثاً نقرأ :
( .. وأيد آباء السينودس هذه الخطوات من أجل استقرار بلدنا وتنعمه بسلام عادل وشامل، فنعيش تحت ظلِ نعمة الرب وكان مسك الختام عشاء المحبة الذي دعا إليه غبطته بمناسبة انعقاد السينودس الكلداني، مساء الأثنين 10/6/2013 في فندق الرشيد، وقد اشترك فيه المسؤولون الحكوميون والكتل السياسية وعلماء الدين وروؤساء الطوائف المسيحية وجاء اللقاء حقا لقاء مصالحة. ) انتهى ..
ونرفق هذه الفقرة مع الفقرة ثامناً التي ورد فيها :
(يؤكد الآباء أن ما جاء في رسالة غبطة البطريرك بخصوص العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم لغتنا وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، لكن لا يمكن لأفراد الأكليروس بجميع درجاتهم الانخراط فيها أو التحول إلى دعاة لها. على أعضاء الاكليروس الالتزام الكامل بدعوتهم الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تفريق. ) انتهى الأقتباس .
وفي الفقرتين نلاحظ على ارض الواقع في الفقرة ثالثاً هنالك ممارسة سياسية بحتة ، بدعوة رجال الدولة الى الجلوس سوية بغية تقريب وجهات النظر وحلحلة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق ، وهنا نقول ان المصلحة الوطنية العليا تدعو البطريرك الى التدخل في الوقت المناسب لوقف عمليات العنف المجتمعي وسفك الدماء ومطلوب منه الوقوف مع شعبه الكلداني ومع المسيحيين عموماً في حالة تعرضهم لمخاطر التطهير العرقي او العلميات الأرهابية ، وحسناً فعل المطارنة الأجلاء بدعم غبطة البطريرك مار لويس الأول روفائيل ساكو في جهوده الوطنية لجمع القادة حول مائدة محبة .
وفي كل الأحوال فإن الكنيسة حينما يكون لها هذه الموقف الإيجابي الشجاع من هموم العراقيين عامة ، فلا بد ان يكون لها نفس الموقف وأكثر من حقوق وهموم شعبها الكلداني ، فالكنيسة الكاثوليكية الكلدانية وشعبها الكلداني في سفينة واحدة تمخر عباب اليم ، ومصير جميعم منوط في سلامة هذه السفينة وبلوغها بر الأمان .
فثمة ظروف إنسانية وكارثية قاهرة تجبر اي انسان على ركوب موجة السياسية لأنقاذ قوم من الكارثة . وبعد ذلك كل يذهب الى حال سبيله إن كان الواجب الكنسي اللاهوتي أو كان العمل العلماني الأقتصادي او السياسي او القومي والتاريخ الكنسي زاخر بمثل تلك المواقف القومية والسياسية الشجاعة .
في الفقرة رابعاً ورد :
(رفع الآباء الأساقفة المجتمعون رسالة بواسطة سيادة السفير البابوي إلى قداسة البابا فرنسيس مؤكدين له محبتهم وتقديرهم لمواقفه المشجعة على الانفتاح والتقارب بين الناس، وأكدوا على أهمية انتماء الكنيسة الكلدانية إلى الكنيسة الكاثوليكية.) . انتهى
أنه تأكيد لثبات موقف الكنيسة الكلدانية من الكنيسة الكاثوليكية وعلى ديمومة هذه العلاقة الروحية والتنظيمية .
وفي الفقرة خامساً ورد :
( تداول الآباء أوضاع الأبرشية البطريركية في بغداد وتنظيم الدائرة البطريركية وأيضاً الدوائر الأسقفية وخصوصاً الدوائر المالية حسب نظم حسابية دقيقة وشفافة.. ) انتهى الأقتباس .
وهذه الفقرة تغريني ان اقول كان من الضروري حضور بعض العلمانينن من الملمين بالشأن السياسي والأقتصادي والمالي لربما كان لهؤلاء افكار تصب في مصلحة الكنيسة لاسيما في الجانب المالي الذي يحتاج لادارته خبرة وممارسة وتخصص .
قرأت في النقطة سادساً هذه الفقرة :
(.. وضمان عيش كريم لهم. وناقشوا موضوع انتقال بعض الكهنة من أبرشية إلى أخرى من دون موافقة مطرانهم مما يؤدي إلى ضعف في الخدمة الكهنوتية. ودعوا كل الأبرشيات إلى عدم قبول أي كاهنٍ من دون رخصةِ مطرانه... ) .انتهى الأقتباس
انها خطوة سليمة ومهمة لضمان انسيابية العمل الكنسي في الأبرشيات إذ ينبغي ان يكون التنقل وفق ضوابط كنسية وما تمليه المصلحة العامة التي من اجلها انخرط ذلك الكاهن او الراهب وتطوع في ذلك السلك .
لكن ثمة قضية مهمة لم اقرأ لها خبراً يخص نفس الموضوع وهو انتقال الكهنة والرهبان ، من الكنيسة الكلدانية الى الكنيسة الآشورية ، وقد يكون هذا الكاهن مطروداً من كنيسته لأسباب وجيهة ، ثم نلاحظ ان هذا الكاهن يأخذ موقعه وأفضل منه في الكنيسة الاشورية ، فإن كان لنا جذور كنسية واحدة وكان لنا لغة واحدة وطقس كنسي واحد وهي كنيسة واحدة ، فكيف يطرد من كنيسة لمخالفته القوانين الكنيسة ، ثم لا يلبث ان يجد له موقعاً في الكنيسة الأشورية افضل مما كان له في كنيسته الكلدانية ؟ وهذه الحالة شملت باعتقادي 10 كهنة ، فهنا سيكون الألتزام قليلاً بأوامر الكنيسة الكلدانية فكل من لا تناسبه تلك الأوامر فمكانه محجوز في الكنيسة الأخرى التي ربما تفوق امتيازاتها ومغرياتها عن الكنيسة الكلدانية ، لا سيما في مسألة الحالة الأجتماعية للكهنة في الكنيسة الآثورية .
ومن المؤكد ان هذه الحالة قد نوقشت في اجتماعت السينودس لكن لم يكن إشارة اليها في البيان الختامي الذي ايضاً خلا من التطرق الى مشكلة المطران الجليل مار باوي سورو .
في الفقرة سابعاً نقرأ :
(.. وطلب الآباء تأسيس لجنة مكونة من إكليروس وعلمانيين لدراسة شاملة ووافية عن هذا الموضوع من خلال جمع معلومات لوضع الأسس الاقتصادية والاجتماعية ... ) انتهى
حقاً ان مسألة الهجرة هي مشكلة مستعصية وينبغي ان تتظافر جهود الأفراد والمؤسسات ، فهي مشكلة شائكة لها جذور وأسباب اقتصادية وسياسية ودينية وامنية ، فهي مشكلة معقدة وتتطلب حلول مستفيضة مستقبلية ، وإلا أن استمرت الهجرة بهذه الوتيرة سوف يكون العقد القادم عقد خلو العراق من المسيحيين ومن المكونات الدينية غير الإسلامية الأخرى .
وفي نفس النقطة سابعاً قرأت هذه الفقرة :
( تفتخر كنيستنا بهويتها الكلدانية بأنها تعود بتاريخها إلى زمن الرسل، إلى توما وأدي وماري، هؤلاء الذين جاءوا من بعيد ليشهدوا للمسيح ويحملوا بواسطتنا البشرى إلى أقطار العالم البعيد حتى الهند والتبت والصين .. ) انتهى
في الحقيقة انها أشارة جديرة بالأهتمام التي تشير الى هويتنا الكلدانية ، وبرأيي المتواضع كان ايضاً من الضروري الإشارة الى حقوق الشعب الكلداني السياسية والمالية حيث انه المكون الوحيد الذي لا يتمتع بحصته من الثروة الوطنية وهذا اجحاف بحق الشعب الكلداني وكان يترتب على السينودس الموقر ان يكون له إشارة الى حقوق شعبه في عموم العراق وفي اقليم كوردستان .
تحيتنا ومحبتنا لغبطة البطريرك مار لويس الأول روفائيل ساكو الكلي الطوبى ، والأساقفة الأجلاء والأباء الروحانيين الكرام والأخوات الراهبات ، نتمنى لهم جميعاً ومع شعبهم الكلداني وكل مسحيي العراق المظلومين ، نتمنى ان نشهد الأنفراج والأمن والأستقرار في الحالة العراقية ليعود المسلم والمسيحي والمندائي الصابئى والأيزيدي والكاكائي والشبكي والعربي والكردي والتركماني والأرمني والآشوري والسرياني وكل إنسان عراقي ان يتمتع بنعمة الأستقرار والمواطنة المدنية الآمنة في ظل مجتمع عراقي يسوده التسامح والتعايش والتعاون والمحبة .
د. حبيب تومي / اوسلو في 12 / 06 / 2013
793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع