موفق نيسكو
الفرق بين اللغة الآرامية أو السريانية، والأكدية بلهجتي بابل وآشور ج٢
بعد اكتشاف اللغة الأكدية من قِبل علماء الآثار أصبح لها متخصصون ولغويون بها وألَّفوا قواميس وكتباً، واختصاصيو ولغويو اللغة الأكدية يختلفون عن لغويي ومؤلفي اللغة السريانية الآرامية وهم كثيرون ومعروفون، أمَّا اختصاصيو ولغويو ومؤلفو قواميس اللغة الأكدية فمنهم: شارل فوسي، تيرو دانجان، ماجي روتن، ريننية لابات، الأب شيل، فون تسودون وغيرهم، وقواميسها هي قاموس ديليش، بتسولد، ماس- أرنولت، وباسم ميخائيل جبّور، وعلي ياسين الجبوري، وعامر سليمان، والمعجم البابلي السومري للأب دايميل، وغيرهم.
بعدها أُلِّفت عدة كتب وقواميس وقواعد للغة الأكدية، أو قواميس لشرح القاموس المذكور أو تكملته أو شرحه مع لغة كالإنكليزية والعربية، وكلها باسم قاموس أكدي، وتقول إنها لغة بابل وآشور، مثل:
يقولون فيها: اللغة الأكدية بلهجتيها الجغرافيتين (البابلية- الآشورية)، هي لغة سامية مكتوبة بالخط المسماري، وهي اللغة الأم لبابل وآشور.
واللغة الأكدية وإن كانت سامية، لكنها مرتبطة ومقترنة بشكل كبير باللغة السومرية وليس بالسريانية الآرامية بإجماع كل المتخصصين واللغويين كما سنرى، فاللغة السومرية ليست سامية، وهناك من يَعدَّها هندو- أوربية، وثاني، صينية، وثالث، مغولية..إلخ (لن نتوسع في اللغة السومرية لأنها ليست موضوعنا، وهدفنا أن نبين أن اللغة الأكدية بلهجيتها البابلية- الآشورية مرتبطة وقريبة من السومرية غير السامية، لا بالآرامية السريانية، وللمزيد عن السومريين وأصلهم ولغتهم، راجع: أحمد سوسة، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين، وطه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ومحمد بيومي أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم كلية الآداب جامعة الإسكندرية، تاريخ العراق القديم، ومؤلفات أستاذ السومريات فاضل عبد الواحد، وديورانت، قصة الحضارة، وغيرهم).
وقد سادت اللغة الأكدية العراق القديم وانتشرت إلى بلاد العيلاميين والحثيين ووصلت إلى مصر، وفي القرن الثامن قبل الميلاد اضمحلت الأكدية بلهجة آشور وأصبحت لغة عسكرية خاصة بالحكام لأن الآرامية غزت دولة آشور وأصبح الوجود الآرامي في آشور كثيفاً، أمَّا في بابل فبقيت الأكدية مستعملة إلى عهد الدولة الكلدانية، وكانت لغة الشعب واللغة الرسمية للدولة، لكن عائلة نبوخذ نصر فقط كانت تجيد الآرامية لأنها عائلة آرامية، وبعد عهد الدولة الكلدانية اكتسحت الآرامية البلاط البابلي منذ عهد درايوس الأول الفارسي (521-486 ق.م.)، وقد اكتسحت آشور وبابل لسهولتها لفظاً وتصريفاً..إلخ.
إن اللغة الآرامية سهلة وحروفها هجائية وقليلة 22 حرفاً، وتكتب على الجلود والبردي، أمَّا الأكدية فليست لها حروف هجائية محددة، بل علامات مسمارية مقتبسة من السومريين تكتب على الطين، فمثلاً تستطيع أن تكتب أي كلمة ملفوظة وبصوتها باللغة الآرامية وحروفها، مثل كلمة خبز، بينما لا تستطيع ذلك بالأكدية، لأن نفس العلامة التي تدل على حرف الخاء في كلمة خبز، تدل على حرفٍ آخر كالصاد أو الميم في كلمة أخرى، فحروف اللغة الأكدية لا يمكن كتابتها إملائياً، فهي رموز تدل على أشياء معينة، وليس نطق صوتي لاسم شيء معين، أي ليس للحرف قيمة صوتية ولا يُعبِّر عن لفظ الكلمة، بل عن كتابة أشياء، وأغلب الكتابات يشير الحرف الأول منها إلى الشيء نفسه وليس لاسم الشيء، فمثلاً الحرف الأول لكلمة ملك ليس ميماً بل علامة تشير إلى أنه ملك، فالأكدية مقطعية صورية تُحفظ الكلمة بهيئتها وصورتها، وليس بالضرورة أن تكون الصورة نفسها تُعبر عن المعنى الحقيقي، فليس المقطع الصوري لكلمة إنسان، يعني إنساناً، بل قد يعني فكرة أو عمل ذلك الإنسان، وكلمة الرجل ممكن أن تُقرأ، مشى، وقف، نقل، وقلب الحيوان المشَّبه بخصية الخروف، لا يعني خروفاً، بل فأل أو حلم الملك، وجمع كلمتي خبز وفم المستقلتان تُكوِّن كلمة، أَكَلَ، أمَّا جمع كلمتي فم وماء فتعني، شَربَ، وببساطة هي لغة حفظ الصورة لتدل على معنى معين، وأغلب الأحيان لا تدل على كل المعنى، بل على نصف المعنى تقريباً، فهي لغة فكرية تكهنية استدلالية، لا لفظية أو تعبيرية، وحتى عندما تحولت حروف الكتابة الصورية لتشمل بعض المقاطع الصوتية، لم تتحول إلى حروف هجائية صوتية، بل بقيت على أساس المقاطع الصورية الصوتية إلى الأخير، وبعض العلامات احتفظت بشكلها التصوري الذي كانت تمثله في الأصل، والعلامات والحروف المسمارية تختلف من منطقة لأخرى، ومن زمن لآخر، ومن أسلوب ومفهوم الكاتب لآخر، إن كان مفهوماً أدبياً أو دينياً أو فلكياً، وكانت الألفاظ والمعاني مزدوجة أو أكثر، لذلك حتى علماء الآثار اضطروا لوضع علامات معينة من عندهم لكي يميزوا نطق وصوت الكلمة، وحتى إن كان الرسم والعلامة لكلمة معينة ثابتاً في عدة مناطق، لكن قراءتها ولفظها تختلفان، وكمثال تقريبي، حروف وعلامة كلمة طماطم ستُقرأ وتلفظ طماطم في المنطقة التي اسمها طماطم، أمَّا في المنطقة التي اسمها بندورة، فستُقرأ وتلفظ بندورة مباشرةً، أمَّا حروف العلة فتكاد تكون صامتة أو خرساء (للمزيد عن الأكدية وخصائصها وفروقها انظر: عالم الآشوريات، جان بوتيرو، بلاد الرافدين، الكتابة- العقل- الآلهة، ترجمة الأب ألبير أبونا، مراجعة أستاذ قسم الآثار د. وليد الجادر، بغداد 1990م. خاصةً من البداية إلى ص129. و د. سامي سعيد الأحمد، المدخل إلى اللغات الجزرية. وليو أوينهام، بلاد ما بين النهرين، ص61-74، 291-320، الذي يفرد ملحقاً بمصادر اللغة الأكدية وتاريخها، ص463-468. وسبتينو موسكاني، الحضارات السامية القديمة، ص64-65. والسير ليونارد وولي، وادي الرافدين مهد الحضارة، تعريب أحمد عبد الباقي المفتش في وزارة المعارف، بغداد 1948م، ص31. وعضو المجمع العلمي العراقي، د. عامر سليمان، اللغة الأكدية (البابلية الآشورية)، وعالم الآثار إدورد كييرا (1885-1933م)، كتبوا على الطين، رقم الطين البابلية تتحدث اليوم، ترجمة د. محمد حسين الأمين، بغداد 1964م. و د. علي ياسين الجبوري، قاموس اللغة الأكدية العربية، والأستاذ الفرنسي رينيه لابات، قاموس العلامات المسمارية، 1948م، ترجمة نخبة من أساتذة التاريخ والآثار في المجمع العلمي العراقي. وفيليب حتي، خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى، ج1 ص46-47. وول ديورانت، قصة الحضارة، ج2 ص237. وغيرهم).
ورموز الأكدية تقريباً 570، وتعتمد كتابتها على عدد المقاطع وعلامتها التي تصل إلى 8000، وكحد أدنى على الكاتب أن يستعمل من 1000-2000 مقطع لكي يكون كاتباً في شؤون الحياة التي لا تحتاج إلى مصطلحات خاصة، فالطب والكيمياء والهندسة والسحر الفنون، وغيرها، رموزها قليلة لا يكثر وردوها في اللغة العامة (حسن ظاظا، الساميون ولغاتهم، ص27. ولغوياً يُدرج ظاظا تاريخ الآشوريين والبابليين القدماء إلى نهاية الدولة الكلدانية أي عهد نبوخذ نصر داخل، ضمن اللغة الأكدية، ص25-45).
واللغة الآرامية تكتب من اليمين إلى اليسار، أمَّا المسمارية الأكدية فتكتب بالعكس (د. رمزي البعلبكي، الجامعة الأمريكية، الكتابة العربية السامية، دراسات في تاريخ الكتابة وأصولها عند الساميين، ص30 ، 47).
والخط البابلي الذي استعمله الأكديون لم يشتمل على كثير من حروف التضخيم والتفخيم كالطاء والضاد والظاء وحروف الحلق كالخاء والعين والغاء والهاء السامية، ونتيجة لاستعمال البابليين والآشوريين الخط السومري تأثر نطقهم وفقدوا النطق السامي الصحيح بمرور الزمن.
أمَّا الألفاظ التي وصلت من الأكدية فقليلة ولا يمكن للباحث أن يستخلص الصحيح منها لأنها خليط من ألفاظ سومرية وليس بالمستطاع تمييز السامي عن السومري بعد أن اندمج الكل في بعضه وأصبح لغة واحدة (ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، ص8، 39).
استمدت الأكدية بعض الإشارات السومرية مثل كلمة ملك التي تُلفظ (لوكال) في السومرية، لكنها تُلفظ (سادرو) في الأكدية، وكانت اللغة السومرية تمثل علامات ومقاطع، ولا تمثل معنى الكلمة، بل معنى خاصاً بها، كما لو رسمت صورة نملة BEC، وبعدها صورة ورقة شجر LEAF، وهاتان الصورتان تستعملان لكتابة كلمة BEIEF، ومعناها اعتقاد أو ظن، ومنذ منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد استعمل نظام الكتابة السومرية في اللغة الأكدية، لذلك فالنص الأكدي هو مزيج من العلامات، منها هو معاني كلمات ومنها معاني مقاطع، وكل منها يختلف معناه بحسب النص والحقبة الزمنية، ومعظم النصوص في الآثار الآشورية المكتشفة هي بابلية (هاري ساغز، عظمة آشور، ص406-407. وللتفصيل أكثر انظر، ص425). يتبع الجزء الثالث.
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/48651-2021-04-15-06-18-05.html
3017 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع