القس لوسيان جميل
حول طرح عز الدين عناية
ان ما اراه حول طرح السيد عز الدين عناية من ان الغرب المسيحي متكاتف مع السياسيين في اظهار الكنيسة متناغمة مع السياسيين من خلال اظهار المسلمين كمعتدين على مسيحيي الشرق، يمكن ان يكون مصيبا من وجهة نظر معينة، حيث تبدو الأمور هكذا كما يرى السيد عناية من وجهة نظر متشنجة لا تبصر الحقيقة من جميع جوانبها ولا تأخذ بما يسمى مراعاة ظرف الزمان، فيحصل ما يسمى مخالفة زمنية Anachronisme وهي مخالفة حضارية ايضا، لأن الزمن هو سيرورة والحضارة ايضا سيرورة مرتبطة بالزمن. هذا، وفي حين ان ملاحظة سيرورة الزمن تحتاج الرجوع الى حركة الشمس، تكون مسيرة الزمن الحضارية واضحة ومتاحة لكل من له عيون تبصر وآذان تسمع وعقل ومشاعر بهما يفهم الانسان هذه المسيرة ويعرفها حق المعرفة. فنحن البشر نلاحظ مسيرة حياة الانسان البيولوجية والذهنية من الولادة وحتى الشيخوخة والموت. نعرف ذلك بالملاحظة الاعتيادية او ما يسمى البداهة. اي نعرف ذلك من بعض العلامات الجسدية والهنية. كما نعرف ان علاقة مسيرة الزمن بالمسيرة الحضارية هي علاقة تماثلية Analogue مما يعني ان السيد عناية ينظر الى الأشياء كما يراها هو، كاملة وغير مجزأة، ويحكم على القضية برؤية بانورامية، Vue Panoramique لا تحترم التفاصيل والاختلافات التي تحدث مع تغيير الزمن والحضارة، مع ان الشيطان هو في التفاصيل، كما يقول الفرنسيون. اما السيد موفق نيسكو الأرشيفي حتى العظم والمتبحر في علمه هذا، فهو ايضا مصيب فيما ذهب اليه، بسبب مقدرته على اكتشاف الأخطاء والمغالطات التي يدعي من خلالها ان السيد عناية قد ارتكبها، ولاسيما فيما يخص الأمكنة والأسماء التي جاء اسمها في كلمة السيد عناية.
+ اما القس لوسيان جميل فله وجهة نظر اخرى تختلف جوهريا عن وجهة نظر السيدين عناية ونيسكو. فالقس لوسيان يتبنى ما يسمى التاريخ الحضاري Histoire Culturelle . اما التاريخ الحضاري هذا فيختلف عن التاريخ الأرشيفي لكنه يماثله، اي انه يشبهه من جهة ويختلف عنه من جهة اُخرى. فالتاريخان لهما صفاتهما الخاصة بهما. علما ان التاريخ الحضاري هو تاريخ ايضا، كما هو فلسفة انسانية ثابتة تحكم على الأمور بحسب قاعدة واحدة وثابتة سواء كانت هذه الأمور تخص الشعوب البدائية، ام كانت تخص الشعوب التي تبنت فكرة الاله الواحد الحضارية، ام كانت هي الشعوب والأفراد المسيحية في القرون الوسطى، ام في القرون المعاصرة حيث بدأت العلمية والعلمانية تسود، وسواء كان الحكم على الجماعات الغربية العقيدانية ام كان الحكم على كنيسة المشرق، في اي وقت من اوقاتها الحضارية المتعددة. او كان الحكم على فئة واحدة من كنيسة المشرق وعن حالاتها، او كان الحكم على شخص واحد او عدة اشخاص متحابين او مختلفين. فالحكم هنا يكون طبعا مختلفا بحسب المعطيات الأرشيفية، لكن قاعدة الحكم تبقى واحدة وثابتة.
+ وعليه، و بالمعنى اعلاه اقدم للقراء الكرام ما يسمى " الرومانسية " او القصة Roman . فالرومانسية تعني ان المشاهد يشاهد القصة او التمثيلية لكنه من خلال ما يشاهده او يقرأه يصل الى المعنى الذي يريد الممثل او قارئ اي نص رومانسي ان يقدمه للمشاهدين، لكي يستطيع ان يقيم الأداء والاسلوب الانشائي لأي نص، كما يقيم المعنى الذي يصله من خلال مشاهدته او قراءته. فالرمانسية هي الطريقة المثلى لقراءة كتبنا المقدسة بعهديها القديم والجديد، ورسائل مار بولس وغيرها، وايجاد معاني اسرارنا: معانيها الحقيقية العظيمة، ومعانيها الضايعة في زمننا وفي زمن ما قبلنا خاصة. كما من خلال الرومانسية نفهم معنى الحاننا، القديمة منها والجديدة، والسريانية منها والعربية وحتى الغربية بلغات الغرب المختلفة. ونفهم جودة هذه الأسرار، مع العلم ان كلمة الأسرار هنا لا تعني الأحاجي والأمور الغامضة، لكنها تعني العلامات وحركات الرتبة الدينية المقدسة، بأنواعها المختلفة باللغة الفرنسية تسمى الأسرار Sacrement وهي قريبة جدا من اللغة اللاتينية، وتعني المعاني المقدسة. فمن خلال الأسرار او العلامات والحركات المقدسة والتي هي موجودة في المسيحية، وهي موجودة في الاسلام ايضا، وفي ديانات اخرى، نفهم ما تريد الرتبة ان تقدمه لنا من معاني، كل رتبة بمعانيها العامة والخاصة. هنا يبقى على المسؤول عن الرتبة والمعلم المختص بالنصوص الأدبية واللاهوتية مثلا، ان يُفهموا المتلقي تفاصيل معاني النصوص المقدسة والعادية. اما كاتب اللحن الذي يرافق عادة مثل هذه الأسرار فيجب ان يكون متمكنا من عمله الموسيقي والانشادي حتى يستطيع اللحن ان يخدم النص والحركات الخاصة بالأسرار. هذا مع اخذنا بالحسبان مؤلف اللحن والمنشد والمستمع.
واذن، بهذا المقياس ننظر الى كتبنا المقدسة ايضا، ونحكم عليها الحكم الصحيح، وبهذا المقياس الرومانسي العلمي يجب ان ننظر ايضا الى حياة كنيسة الغرب وحياة كنيستنا المشرقية الأن في زمننا المعاصر، وفي الزمن القادم المستقبلي، وفي اي زمن مضى، ولا نحكم على حياة الكنيسة في الشرق والغرب بحكم عقائدي وآيديولوجي واحد وثابت لا يتغير، ويخلط الحابل بالنابل ويخلط شباط بآذار، كما يقول مثل سرياني.
اما الذي يحدث فان المؤرخ الحضاري لابد وان يلاحظ الحالات الحضارية التي تطرأ بشكل اكيد على كل موجود Être اي الموجود بذاته، وليس العرض الموجود بغيره ( اللون موجود في قماش او في حائط الخ مثلا). فالشجرة مثلا موجود قائم بذاته، وهذا الموجود هو الذي نبصره مباشرة، اما معنى هذا الموجود فهو ماهيته، اي ما يعرّفه، فنقول اولا هذه شجرة: اي ان ماهيتها هي انها شجرة، بغض النظر عن عمرها وعن طولها وحجمها. اي ان هذه الشجرة، ليست نبتة بسيطة عشبية. ثم نعود الى تفاصيل هذه الشجرة فنقول مثلا هذه شجرة تفاح او شجرة برتقال او هي شجرة غير مثمرة . فماهية الشجرة هي ان تكون نبتة لها ساق واغصان واوراق.
اما الآن، لكي نفهم هذه الفلسفة،نلجأ الى امثلة حية في مجتمعاتنا العربية القديمة، اي الى الشعوب العربية القديمة التي كانت تسمى من قبل الغربيين الشعوب السامية، في حين ان تسميتها الحقيقية هي الشعوب العربية، ويعني ذلك شعوب غرب ( عرب ) نهرالفرات والبحر الأبيض المتوسط. علما ان نقطة الغين غ غير موجودة في اللغة الارامية. فمصطلح العروبة هنا ليس مصطلحا قوميا وانما هو مصطلح للعرق يتكلم عن نشأة الانسان من حيوان تطور حتى اصبح قابلا لأن يكتسب عقلا بالتدريج التطوري ايضا. هذا رأي العلم وليس رأيي. لكني تبنيته لأنه حقيقة علمية. العلماء كانوا قد سموه الآنسان الراشد Homo sapiens ثم يبدو ان ال Neanderthal قد اختلط بالانسان الراشد، بحوالي الخمس، كما قرأت ذلك يوما على صفحة ياهو.
من ناحية اخرى فان امثلتي لا ابدؤها من بداية تكوين الحياة، بل من الشعوب السامية العربية التي كانت موجودة في الأصل داخل الجزيرة العربية نفسها، فنزحت نحو الشرق، بسبب القحط الذي كان قد اصاب الجزيرة العربية. اما الشعوب النازحة نحو الشرق، فقد كانت العشائر الآشورية وكسيديانية الملقبة بالبابلية من قبل اليهود نكاية بالذين سبوهم. ( نبوخذنصر). كما نذكر الكلدان الذين كانوا قد انفصلوا عن الكاسيديين وسموا كلدان لتعني الكلمة السحرة والمنجمين. هذه المعلومات مقتبسة من مصادر عديدة ومنها مصدر السيد نيسكو. فهذه الشعوب كلها ولدت وتطورت وازدهرت وكونت لها رموزا ومقدسات تتسم بالكثرة Poly theisme لأن كثرة الالهة كانت تجيب الى حاجات كل شعب من هذه الشعوب بسبب الحاجات الكثيرة المادية لتلك الشعوب، او ما كانت تحسبه حاجة، كل شعب بحسب حاجاته. علما ان الشعوب الوثنية تصارعت فيما بينها فأضعفها صراعها شعبا بعد آخر، حتى انقرضت في الآخر كلها، وانقرضت معها مقدساتها. هذا مع العلم ان الشعب الحي بين تلك الشعوب كان غالبا ما يستولي على مقدس الآخرين، كما حصل مع اكيتو، وآلهة اخرى سباها الشعب الغالب من الشعب المغلوب. هذا مع علمنا ان الشعوب الوثنية كانت تضع اسما لكل اله او مقدس كان يمثل حاجة من حاجاتها.
ولكن، بما ان الشعب العبري البدائي كان قد شعر ان بنيته التحتية قد تغيرت، واصبح بحاجة حضارية واحدة هي ان تكون امته متوحدة على تلك الحاجة، عاد هذا الشعب يحتاج الى مقدس، او اله واحد فصار ينتمي او يعبد الها واحدا في حضارة تسمى حضارة الاله الواحد Mono theisme . حينئذ كان هذا الشعب يبتكر الطقوس التي تنسجم مع عبادة الاله او المقدس الواحد، فكانت الشرائع والوصايا والذبائح والمحرقات التي كانت دائما عند تكوين امة الاله الواحد ترتدي وجها ايجابيا. غير ان تلك الشرائع كانت ترتدي غالبا اوجها سلبية، ويبدا الناس بمخالفتها، لأنهم يتحولون الى العلمانية، التي تعني مخالفة شرائع الكهنة. فالأمة، سواء كانت قومية او دينية، او قومية دينية، تولد وتترعرع وتذدهر، وتبلغ سن الكهولة ثم تشيخ وتموت، لكي يتحول افرادها ( شعبها ) الى شعب يحاول ان يجد له بديلا لأمته القديمة. هذا مع العلم ان امة بني اسرائيل اختصرت حياتها كلها من خلال قصة رومانسية هي قصة ابرام، الذي تحول اسمه الى ابراهيم، اي اب الشعوب. فابراهيم عمل مسيرة من هلال قصته وانتقال تدريجيا الى مصر ومكث هناك هو وعشيرته عن طريق قصة يوسف الصديق. ثم مع قصة موسى النبي وما جرى له من احداث رومانسية قصصية، عاد مع الشعب حاملا تابوت العهد حتى وصل التابوت الى ارض الميعاد. وهكذا تكونت هذه الأمة مع شريعتها، هذه الأمة التي قلنا عنها انها ترعرعت واذهرت وشاخت ثم ماتت.
هنا نقول لقد عاش بنو اسرائيل حياتهم الدينية تحت خيمة الاله الواحد، لكن هذا الاله اتعبهم كثيرا، بسبب اطماع الآخرين فيهم، من الشعوب الوثنية. فكان السبي المتكرر عليهم، حتى يكاد لم يبقى في اسرائيل غير الناس الذين لم يكونوا نافعين للمحتلين اقطاب السبي. هل نرى الآن ماذا يعني التاريخ الحضاري؟
في هذه الوضعية كان الشعب الاسرائيلي قد فقد حيويته، على مستوى بنيته التحتية تبعها مستوى بنية بني اسرائيل الفوقية، فكانت اسرائيل قد اصبحت كليمونة معصورة لا تنفع شيئا لبنى اسرائيل، وجاء المحتل الروماني وضرب ضربته واحتل امة اسرائيل وما كان قد بقي فيها بعد عودة بعض المسبيين اليها.
وهنا، نفهم ان اسرائيل كانت قد دخلت هي الأخرى، طاحونة الزمن، واخرجت من الطرف الآخر شيئا جديدا يختلف عن الأصل كثيرا. اما الأصل فقد تحول من امة الاله الواحد التاريخية الى ما يسميه الاسرائيليون اليوم بالصهيونية. تماما كما صار المسلمون بعد تفكك امتهم: اخوان المسلمين، وليسوا الاسلام كما كان في زمن العز المحمدي. وكما كان المسيحيون في الغرب قد تحولوا الى ما سموه الكثلكة، اي الكاثوليكية، بعد الثورة الفرنسية التي كانت قد دمرت الأمة المسيحية في الغرب، وكان البروتستانت بقيادة لوثر قد سحبت من تلك الأمة نفرا كثيرا. علما ان كلمة بروتستانت تعني " المحتجون". ولكن المجمع المسكوني هو الذي كان قد قضى على مفهوم الكثلكة التي استبدلها بعبارة المسيحية، ليخرج امر المسيحية من دائرة الفرنسيين.
بعد هذا، يكون علينا ان نتصدى لمفهوم النبي والنبوءة ونعيده الى اصله العلمي الصحيح. فالنبي ليس فتاح فال. والنبي لا يستلم معلوماته من اي اله، لأنه صار من الثابت فلسفيا وعلميا، بأن السماء لا تتكلم مع الأرض كما ان الأرض لا تتكلم مع السماء، لاستحالة هذا الكلام ولا علميته. وعليه نرى ان نستخدم مصطلح النبي والنبوءة بشكل علمي. فكلمة نبي من حيث معاني الكلمات etymologieتأتي من كلمة ناب، اي السن البارز في فك الانسان. فالنبي هو المتقدم في اكتشاف الحقائق الانسانية الحضارية مع رموزها، او رمزها الواحد، او ما يسمى ايضا بالرائد. والنبي هو من يشرك في اكتشافه الروحي والانساني اخوته البشر بذلك. ويكون قبوله من قبل الشعب، على هذا الأساس. بهذا المعنى كل انسان يمكن ان يكون نبيا في حياة من يحتاج اليه. ان النبوة هي امر انثروبولوجي انساني واضح. ولكن قيمة اي نبي تساوي من حيث قوتها الحاجة التي يبشر بها او يعلنها للآخرين. علما ان النبوءة ظاهرة لا تحتاج الى برهان، لأنها تقع في البنى العليا غير المنظورة للإنسان، كما انها تعود الى القيمة المطلقة الانسانية المقدسة للنبي. فالنبوة تختلف عن البرهان المطلوب في الأمور الشيئية الموضوعية، لأن النبي هو من كانت له قدرات فكرية وحدسية في المجالات القدسية، حيث يرى النبي الحقائق الانسانية الحضارية قبل وقوعها، ويتعرف على بعض الحقائق الانسانية المقدسة وغير المقدسة بعد ان تدخل مجتمعا معينا، ثم يعلن للآخرين عن قيمة ما يراه في مجتمع معين قريب، او في مجتمع بعيد يمكن ان يزحف تأثيره على المجتمع الذي يعيش فيه النبي وجماعته. فيقال مثلا ان العالم سَيَميلُ نحو العلمانية، اي سيرفض وصاية ووصايا رجال الدين، حتى بأعلى مستوياتهم، هؤلاء الرجال الذين لا يهمهم ان ينقسم مجتمعهم الى مجدد وسلفي. علما بأن هذا القول يشمل كل الأديان، حيث ان العلمانيين سوف ينفصلون عن مراجعهم التقليدية ويأخذون اتجاها مستقلا كما يرونه في رؤيتهم الحدسية. هذا، وبما ان الزمن الحضاري في مسيرة مستمرة وفي تغيير، يكون على النبي ان يكتشف لإخوته البشر عن الأمور الحضارية الجديدة التي تنتظرهم، كما يكشف لهم سوء الحالة الحضارية التي تتحلى بها السلفية، ويكشف عن ضراوتها وعن طرق الخلاص من السلفية من خلال توعية النبي.
ننتقل الى مرحلة يسوع الآن: ان المسيحية مثل اليهودية ومثل الإسلام وغيرها من الأمم نشأت من تغيير حضاري على مستوى البنى التحتية اولا، ثم صاحبتها البنى الفوقية. وعموما، وحسب تحليلنا الحضاري التاريخي العلمي يجب علينا ان نرفع من المسيحية صفتها" الالهية البدائية" اي صفاتها العقائدية الموضوعة في القرن الرابع الميلادي، هذه العقائد التي كانت المجامع المتعاقبة قد وضعتها بغاية حماية الأمة الدينية الرومانية القسطنطينية، واهمها : آلوهية يسوع والأقانيم الالهية الثلاثة. اما لما صار الكلام عن عدد اقانيم يسوع وعدد طبائعه، فهناك كانت الكارثة، لأن المجامع كانت قد وضعتنا فيما سمي فيما بعد بالجدالات البيزنطية التي لا تنتهي. اما الكتب المقدسة فهي الأخرى لا تتكلم عن يسوع من منطق العقيدة او المعتقد، ولا تضع في خانة الايمان ما ليس ايمانا، لأن الأمور الموضوعية لا تقع ضمن الايمان بل ضمن العقل نفسه.
بعد هذا الكلام نرى ان المسيحية لم تبقى على حالة التبشير الانجيلي الأولي، وانما بدأ الجدل يأخذ مكانه مع بولس الطرسوسي اي مع مار بولس الذي حول الأناجيل الى بشرى سارة عمليا، حيث انه كان في طريقه الى روما يبشر كل من يجد فيه نوعا من الاستجابة لدعوته المسيحية العملية. حتى وان كان احيانا غير متيقن من ان رسالته سوف تُقبل، مثل ما حدث له في الآريوباجي. او معبد الاله زيّوس. ( هنا لا استطيع ان استطرد اكثر مما فعلت ). وعموما كان يسوع هو مركز التبشير الأساسي.
ثم لنا مسيحية الدياميس. والدياميس كانت المقالع التي كان الرومان والمسيحيون منهم، قد بنوا قبورهم هناك. ويعتقد ان مار بطرس قد دفن هناك ايضا. ففي الدياميس كان يجتمع المسيحيون الرومان لكي يؤدوا شعائرهم الدينية ويتباحثوا في شؤونهم المسيحية وفي الوقت عينه يكونون بمأْمن من الوثنيين الرومان. هذا مع العلم اني قد كتبت عن عقائد الأمة القسطنطينية المجحفة، وعن سبب تكوين تلك العقائد، لكن هنا فقط اقول: ان العقائد كانت احدى التغييرات الحضارية التي مست المسيحية الصافية، او مسيحية الدياميس. وفي رأيي ان هذه العقائد كانت تدل على ان الأمة المسيحية الرومانية كانت قد بدأت تشيخ وتضعف، في طريقها الى الزوال الحضاري. فاُمّة قسطنطين المسيحية كانت تحمل دودة انحلالها في ذاتها بسبب انها كانت امة تهتم اولا بذاتها ولم تكن امة منصفة للشعب. فالكنائس العظيمة والكاتدرائيات الفخمة كانت تدل على عظمة الأمة في وقت كانت قد ابقت الشعب كله في وضع الأقنان المزارعين، الذي كان قريبا من عبودية الرومان، لأننا عرفنا من مطالعاتنا ان الاقطاعي كان يعطي ارضا لقنه ثم يطلب منه هو وعائلته ان يشتغلوا مجانا في اعمال الاقطاعي كلها. وكان القن يوقع ان يبقى خادما هو وعائلته للاقطاعي المسيحي. اما عند وفاة الفن، فكان لزاما على عائلته ان تواصل خدمة السيد القطاعي.
ثم كانت الثورة الفرنسية التي احرقت الأخضر واليابس، حيث انها لم تكن ثورة ضد الاقطاع القسطنطيني فقط ولكنها كانت ثورة الحادية بالضد من وجود الله وبالتالي ضدالكنيسة لاتهامها انها كانت مع الاقطاعيين ، كما كانت ضد الشعب المسيحي المؤمن ايضا. غير ان الثورة الفرنسية كانت قد قُمعت اخيرا. لكن الفرنسيين لم يعودوا الى الأمة الدينية القسطنطينية وانما عادوا الى حالة اخرى تشبه من بعيد حالة الأمة القديمة، سماها الفرنسيون الكثلكة، التي جابهت الماركسية، هذه الكثلكة التي بقيت تعمل عملها العقائدي وتُكونُ لها منظماتها الخاصة بها: منظمة العمال ومنظمة الزراعيين ومنظمة الطلاب وغيرها، وكذلك تُكون لها مدارسها الخاصة على جميع مستويات المدارس والكليات. غير ان كل هذه الحالة كان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني قد الغاها وجعل مكانها حالة المسيحية.
اما الشيوعية فلم تستقطب المسيحيين فقط، لكنها استقطبت المسلمين ايضا، وحاولت ان تتوغل في بعض البلدان الاسلامية. علما بأن هذه البلدان لم تكن هي الأخرى على الايمان المحمدي التاريخي قبل سقوط الأمة الدينية الاسلامية، بل كان المسلمون، مثل مسيحيي الغرب قد تجمعوا فيما بينهم وكونوا لأنفسهم ما يسمى: الاخوان المسلمون بأشكالهم المتعددة. هنا في تحليلي كان من الطبيعي ان يحدث خلط بين المسيحيين وبين الغربيين الذين صاروا سياسيا واعلاميا واقتصاديا مناهضين للمسلمين ومتهمين اياهم بشتى التهم التي كانوا من باب الشيطنة ينسبونها الى الاسلام المحمدي والى القرآن الكريم. الغاية من كل ذلك كانت الإستحواذ الامبريالي على بلدان المسلمين وخيراتهم الكثيرة، وفي مقدمتها النفط، هذا الاستحواذ والحروب التي رافقته لم تكن عدوانا على المسلمين فقط لكنها كانت عدوانا مباشرا على المسيحيين ايضا، بكونهم، هم والمسلمون ابناء وطن واحد. ولهذا ترون القس لوسيان جميل قد كتب اكثر من 85 مقالا رحب بها المسلمون ربما اكثر من المسحيين الذين لم يقصروا في هذا المجال، حيث كان القس لوسيان جميل يكتب خاصة في موقع كتاب عراقيون من اجل الحرية. ثم بعد ان سد السيد جاسم الرصيف مدونته بدأ القس لوسيان جميل يكتب على موقع شبكة البصرة وغيرها. اما اليوم ومنذ فترة فهو يكتب على صفحات الكاردينيا.
اما من الجانب الشيوعي فلم تكسب الماركسية بأنواعها المسلمين فقط لكنها اكتسبت المسيحيين ايضا، بشكل ملفت للنظر، هؤلاء المسيحيون الذين اثناء قوة الشيوعية كانوا قد ارتكبوا حماقات ضد المسيحيين انفسهم، وايضا ضد المسلمين بشكل همجي، في ثورة الشواف مثلا. اما اليوم وبعد سقوط الشيوعية وهرب الشيوعيين: مسيحيين ومسلمين الى الغرب، ولاسيما الى امريكا، بدأ العالم يسميهم الشيوعيين المتأمركين، حيث اصبحوا مستعدين ان يتعاونوا مع اي عمل يمس البلدان العربية الاسلامية. ويحاولوا ان يشيطنوا بذكاء القس لوسيان جميل وربعه. هنا لا اذكر التسميات. بالنسبة لي شخصيا، ولأنهم يعرفون كم كنت ادافع عن المسيحيين وعن المسلمين، تعرضت مرة لسخرية احد التلكيفيين الشيوعيين المتأمركين، حيث بعد ان قدم الى العراق اساقفة الولايات المتحدة لحضور السنهادوس كان برفقتهم بعض العلمانيين، اي من غير رجال الدين، رأيتهم ممتلئين بنشوة الانتصار حتى ان احدهم وكان اكثرهم وقاحة بينهم، قال لي: ترى هل ما زال العرب المسلمون يرفعون اللحاف من على النائمين التلكيفيين على السطوح، مشيرا الى مجرم واحد عمل هذا العمل، ثم القي القبض عليه وحكم وزج في السجن، حتى انه توفي هناك. ومن يدري، لربما الشرطة ايضا، وخاصة من كان بينهم برتب صغيرة، كانت تغض الطرف عن بعض الاعتداءات ولاسيما من قبل الرعيان الذين كانوا يُدخلون غنمهم في زروع الآخرين. ولكن بما ان المسيحيين كانوا يعانون من مركب نقص القوة، عرفنا ان بعضهم كان يرد مال الجزاء لصاحبه بعد خروجه من مركز الشرطة او الحاكم. فالمسيحيون بصورة عامة لم يكونوا يميلون الى الخصومات. ولهذا فضل الكثيرون ان يهاجروا الى بلدان الغرب، ولاسيما الى الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا كان في بلداتنا المسيحية عناصر تقليديين يؤدون واجباتهم الدينية ولا يرفضون علنا الشيوعية، في حين كانت الليدرات الشيوعية بين ظهرانيهم. ربما الكنيسة فقط كانت تكافح الشيوعية، ولكن من كان يستمع الى الكنيسة الموصومة بتأييد الحرية الأمريكية. كان احد الاساقفة يتباهى بكلام كان يقول: ان الأمريكان يكفيهم ان يضغطوا على زر معين فيصيبوا الشيوعيين في عقر دارهم. يعني ان اغلب رجال الدين في العراق كانوا مع الاتجاه الرأسمالي الحر في امريكا. لكن هؤلاء الأساقفة وحتى القسس كانوا على وهم كبير، لأن الشيوعيين ايضا كانوا يملكون نفس القدرات العسكرية. في الغرب المسيحي اكدت الكنائس على هذا الوتر، واعني به وتر الحرية. ثم انهمك الشيوعيون والراسماليون في القول بأن الشيوعية هي التي تنقذهم من بطش المسلمين. اما من جهة ثانية فنجد اسقفا تلكيفيا مقيما في امريكا – ميشيكن، قد قام بعمل آخر، لا يضاهي ما يقوم به الشيوعيون، لكن كان يعني استهتارا بحقوق وكرامة الشعب العراقي، حيث اول ما وصل هذا المطران الى مطار كردستان، صرح لصحيفة كردية بأنه يؤيد اقامة منطقة الحكم الذاتي للمسيحيين، مع ان كنيستنا المتحدة مع روما في الموصل كانت قد رفضت ما يسمى الحكم الذاتي، الذي كان مشروعا أشوريا يؤيده بعض الشيوعيين التلكيفيين المشعوذين الجاهلين الذين كانوا قد هربوا الى كردستان. حينذن لم اتحمل هذه الاهانات للمسيحيين والتدخلات المباشرة في شؤونهم الاجتماعية الكنسية، واخذوا يتكلمون باسم كنيستنا، دون ان يكلفهم احد بذلك. لذلك كنت قد كتبت مقالا بعنوان عاجل: يا غريب كن اديب. ثم كان صاحب المدونة قد اضاف من عنده كلمة عاجل ثانية، فصار المقال: عاجل عاجل: يا غريب كن اديب. وبينت فيها بأن المطران فلان كان قد جاء الى العراق لكي يجتمع مع نظرائه الأساقفة، ربما للتداول في شؤون اقامة بطريرك للعراقيين. وقلت له، انت امريكي يحكمك قانون امريكا ولا تخضع لقانون العراق. فما هذا التدخل السافر في شؤون العراق الداخلية؟ ولهذا اقول الآن: بالحقيقة انا لا افهم لماذا كان هذا الأسقف، والذي كان يرافقه اسقف آخر طائفي، قد اتوا الى العراق، ربما كان هذا المطران قد قال ما قاله ضانا انه يمكن ان يصير هو البطريرك في العراق. في ذلك الوقت كان قد جاء عندي ربما ليحاورني في الأمر. فقلت له: يا سيدنا انك طول عمرك كنت بخلاف شديد مع هذا المطران الطائفي، فلماذا جئتم هذه المرة ماسكين ايديكم مع بعضكم. فقال لي ماذا نعمل يا قس لوسيان: غير هكذا يجب ان نعمل. هنا اضيف فقط شيئا آخر عن الشيوعيين المتأمركين، حيث اتتني رسالة من احد الحمقي يوبخني فيها عن تطاولي على مرجعيته المطران المذكور الذي كتبت عنه مقالا بعنوان: يا غريب كن اديب. هكذا اذن الشيوعيون المتأمركون مثل المنشار، طالع واكل نازل واكل. الأفندي صار له مرجعا يدافع عنه. مبروك لك يا سيدنا هذا المرجع المتعصب لمنطقته تلكيف ضد آخر المتعصب لجماعة الجبل: ارادن مثلا!
فهل ترى يا سيد عناية بأن الكنيسة لم تكن متواطئة مع الغرب بالضد من المسلمين. وانما الفتنة كلها جاءت من اناس مشاغبين وعدوانيين يريدوننا ان نتقع في حبالهم المقسمة للكنيسة. فهل رأيت الآن ان الكنيسة لم تكن متواطئة مع حكومات المنطقة الخضراء والمناطق الأخرى الشبيهة بها. المحتلون واذنابهم هم الذي كانوا يصطادون في الماء العكر، لكي يضعوا فتنة بين المسيحيين والمسلمين. ولكن لما حدث الحصار الجائر ضد العراق، وبعده حصل الاحتلال الذي مزق العراق اربا اربا ولم يبقي المحتل فيه حجرا على حجر، ولم يراعي حرمة الشعب العراقي بمسلميه ومسيحييه واقلياته الأخرى، وجدت الكنيسة ووجد معها اغلب الشعب المسيحي ان كل الجماعات الأخرى كانت لها ملاجئ عديدة ومتنوعة باستثناء المسيحيين، ولهذا لجأ المسيحيون الى اي مكان قدم لهم العون والمساعدة، سواء في داخل العراق ام خارجه. فالجماعات المسلمة لجأت الى عشائرها والى قراها الآمنة نسبيا، كما لجأ بعضهم الى طوائفهم، سواء كانت من السنة ام من الشيعة. وحينئذ اصبح العراق بشيعته وسنته في حالة حرب دائمة اكلت الأخضر واليابس. اما المسيحيون، فلم يكن لهم احد يمد لهم يد العون. ولذلك لجؤوا الى كردستان حيث قوبلوا بالترحاب، وكان كاتب هذا المقال واحدا منهم، حيث هنا في كردستان بقيت مستمرا في عملي الفكري التنويري العلمي حتى النخاع.
اما الشعب المسيحي التلكيفي فكان له اصلا توجه خاص بهم. فمنذ زمن بعيد، اي منذ الثلاثينات كان اهل تلكيف قد سافروا الى امريكا لغرض العمل، وليس لأي غرض سياسي. ثم كان قد لحق بالرواد آخرون، لنفس الغرض، وكانت عوائل الذاهبين الى امريكا للعمل ينتظرون ان يرسل لهم اهلهم او اقاربهم دولارات ثمينة نسبة الى الدينار العراقي آنذاك. اتذكر الدولار كان ثمنه ثلاثة او اربعة دنانير. هذا وقد ازداد عدد المهاجرين من اهالي تلكيف كثيرا، بسبب قانون كان موجودا في امريكا هو " قانون لم الشمل ". فكان اهالي تلكيف يزوجون بناتهم للمغترب في امريكا قائلين: ان ابنتنا هذه سوف تصير خبزا لاخوتها وحتى لأهلها جميعهم. ثم بعد الحرب، تشكلت جمعيات لتسفير الناس لأمريكا، طبعا تلك الجمعيات كانت تقوم بهذا العمل لأنها كانت قد اسسها الأمريكان المحتلون لغرض افراغ العراق من المسيحيين.
اما جماعات اخرى فقد كانت قد سجلت طلبها للهجرة الى امريكا، وكان على التلكيفي وغير التلكيفي ان ينتظر عشر سنين حتى يأتي دوره ويسافر. وهكذا كنا نشاهد في تلكيف في كل يوم كوسترات تنقل المسافرين الى حيث الطائرات التي تأخذهم الى امريكا. كنا نحزن كثيرا، ولكن ماذا كان بيدنا ان نعمل. علما بأن البعض استخدم حيلا غير شريفة وغير مسيحية لكي يستطيع ان يسافر. وكان كل واحد يتابط حقيبته التي كانت فيها قصة كاذبة غايتها ان تثبت ان هذا الانسان جرى الاعتداء عليه في العراق. آخرون قسسهم هم الذين سفروهم الى الولايات المتحدة. مثل هذه الحالة حصلت اكثر من مرة. اما عندما فتحت استراليا والسويد وحتى فرنسا طريق اللجوء اليها فقد سافر اليها الكثيرون. لكن اغلب من سافر الى هناك لم يكن من اهالي تلكيف، لا من سكنة تلكيف نفسها، ولا من سكنة بغداد وغير بغداد.
بهذا الموضوع عندي اطلاع على عمل سيدنا البطريرك عندما سافر الى لبنان، ثم هناك اتصل مع الحكومة اللبنانية وطلب منها ان تعفي العراقيين من ضريبة الأقامة الزائدة، كما طلب منها ان تزود كل راكب بطاقة للطيارة. وكانت الحكومة اللبنانية قد اجابت لطلبه. لكن الذي اعرفه ايضا، انه عندما كان قد اعلن هذا النبأ للعراقيين، تعرض لنقد شديد على الفيس بوك، ربما وصل الى نوع من الاهانة احيانا. وقد قيل له اننا سنبقى في لبنان حتى لو متنا هنا. البعض كان يبرر بقاءه في لبنان بقوله: اذا عدنا الى الوطن فكيف وبماذا سنعمل لنعيش. يعني هل نبقى نعيش على الصدقات؟
واذن ايها السيد عز الدين عناية، هل فهمت الآن ان كنيسة المشرق المتحدة مع روما اي مع البابا، وليس مع الحضارة الرومانية، فضلا عن كنيسة السريان بشقيها الكاثوليكي والأرثودوكسي، لم تكن متواطئة مع المحتلين ضد المسلمين، ولا ضد اي احد؟ فالكنيسة رفضت ما سمي سهل نينوى الذي كان فكرة اشورية في اساسها. هل الآشوريون هم الذين تواطؤوا مع المحتلين بدفع من الانكليز؟ ربما. غير ان موقف كنيسة المشرق المتحدة مع البابا، كان ولا يزال موقفا مشرفا من حيث تعاملها مع اغراءات الأمريكان وغير الأمريكان. المهم ان مشروع سهل نينوى الذي اسميه غيتو ( Ghetto ) او معزل المسيحيين، قد فشل فشلا ذريعا، ليس فقط بسبب رفضه من قبل الكنيسة المتحدة مع البابا، ولكن ايضا بسسب تغيير نظام الحكم في امريكا نفسها. هذا النظام وبالتوافق مع الحزبين الرئيسيين في امريكا، قد الغى بأثر رجعي التفويض الذي كان قد اعطاه الحزب الجمهوري باحتلال العراق وتدميره، ومن ثم احتلال كل البلدان العربية. فالسيد بايدن قد قال بأنه نادم جدا بسبب تأييده الاحتلال فيما مضى، وذلك لأن السيد بوش كان قد خدعه. الآن شخصيا اقول: بأن سحب تفويض الاحتلال من السيد بوش، غير كافٍ، وانما المطلوب هو الاعتذار من العراق عن ذلك الخطأ وتعويض العراق عن جميع خسائره، ليس فقط بما لا يضر امريكا، ولكن بغض النظر عن اي اعتبار آخر.
واذن مرة اخرى اوجه كلامي الى السيد عناية واقول له: اين يا ترى تجد التواطء بين جميع كنائسنا في العراق، فضلا عن الكنائس في الغرب، ضد المسلمين، وما للكنيسة مع العالم الغربي بكل اصنافه، او مع العالم الشرقي الآن وفي زمن الشيوعية؟! فهل يا ترى قد اطلعت على مقررات المجمع المسكوني في الستينات، الم تمد الكنيسة يدها الى كل فئات العالم. الم تحاول اقامة حوار بينها وبين الكنائس غير الكاثوليكية، الم تعتذر عن كل اساءة عملتها تجاه العمال وتجاه الكنائس غير الكاثوليكية، الم تجعل من دورها ان تكون اما ومعلمة: Mater et Magistra
اما ان يستشهد السيد عناية بالكاردينال فرناندو فيللوني، وبه فقط دون ان يعرف اصلا حقيقة ما يجري في الفاتيكان، فانه تجني على الحقيقة وعلى التاريخ، ولاسيما على التاريخ الحضاري الذي لا يجوز فصله عن الواقع كما سبق ان ذكرنا. فمن هو الكاردينال فيللوني؟ انه ولا شك انسان تابع لكاردينال آخر سلفي حتى العظم، هو الكاردينال يوحنا بولس الثاني البولوني الأصل، والحامل في قرارة نفسه عقدة الشيوعية بكل فصولها. انه الكاردينال الذي لم تكن تهمه غير عقائد المجامع البيزنطية في القرن الرابع الميلادي. انه الكاردينال الذي وضع قانونا لاهوتيا يقول: المسيح هو هو بالأمس واليوم والى الأبد. انه الكاردينال الذي قضى بشكل نهائي على المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، انه الكارينال الذي قبل ان يجتمع مع السيد بوش بدون ان يثير مسألة العراق معه، انه الكاردينال الذي جعل من سيدة الرئيس بوش الأولى ملكة الكون، انه الكاردينال الذي فرض فكرته العقائدية المجنونة بيد من حديد على الكنيسة جمعاء. انه الكاردينال الذي قبلته كنائسنا في العراق بالهلاهل والترحيب، ليس لفكرة سياسية، وانما لشعورها بأن هذا الكاردينال اعاد اليها امتيازاتها السلطوية كاملة غير منقوصة. هذا هو البابا الذي كان يخضع له ولتعاليمه الكاردينال فرناندو فيلليني، الذي استشهدت به يا سيد عناية. انه الكاردينال الذي اراد ان يجعل من البطريرك ساكو بطريركا تدخل تحت خيمته كنيسة كيرالا في الهند، بعد ان تترك نظامهاا الكنسي الذي كان نظام رؤساء اساقفة. اعتقد ان البطريرك لم ينجح في مسعاه.
والبابا يوحنا بولس هو ايضا من حقق للبطريرك بولس شيخو تنبأه حين قال عن المجمع المسكوني: انهم سوف يندمون. انه الكاردينال الذي جعل جميع البطاركة يرفضون اي تغيير حضاري وديني في الكنيسة، الكاردينال الذي اعطى فرمان بحرمان اي مجدد في الكنيسة من حقه في ان يكون عضوا كاملا في كنيسته، مما جعل كنيسة البابا يوحنا بولس الثاني كنيسة مناهضة لحق اولادها في ادارة شؤونها الكنسية بايمان نبوي يعيش الحاضر وعينه على المستقبل. انه الكاردينال الذي اعاد الدكتاتورية والتعسف الى كنائسنا قاطبة. انه الكاردينال الذي جعل احد البطاركة يرسل المطران كوركيس كرمو ليمنع القس لوسيان من تقديم فكر مسيحي حضاري لمسيحييه، كوركيس كرمو هذا الذي في افتتاحية اسقفيته قال للحضور، اي جماعة المجالس الأبرشية بأنه مستعد ان يمنحهم كل الحريات باستثناء ما يخص العقائد، وكأنما المطران في الكنيسة هو الذي يمنح القسس صلاحياته، على غرار ما كان يحدث في القرون الوسطى وحتى ما قبل المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وكأن القسيس مجرد منفذ لارادة المطران. في حين ان القسيس والعلماني الذي يملك ما يقوله للكنيسة لا يأتي عمله نتيجة تخويل اسقفه، وانما يأتي من ذاته المؤمنة بحقه كابن للكنيسة يملك فيها صلاحيات كثيرة، كما يأتي من ذاته السخية ومن مشاعره واحساساته الخاصة. اما القس السحسولة والاسقف السحسولة فزبذ تزيله الرياح. حقا مع البابا يوحنا بولس الثاني عادت كنائسنا المشرقية الى اسمالها، كنيسة مصابة بحسها المسيحي الايماني الحقيقي، ومصابة بحسها الوطني السياسي. اما التأكيد من قبل السيد عناية على ان الكنائس النسطورية كانت مستقلة، فهذا القول ليس دقيقا، وليس حقيقيا. انه قول يروج له الآشوري السياسي العميل يونادم كنا، الذي لهذا السبب ولغيره هجره كثير من السياسيين الآشوريين. فالآشوريون لم يكونوا ي اي يوم مستقلين عن التوجيه الامبريالي، حتى فيما يخص مذبحة سميل التي قادهم الانكليز اليها، بعد ان خلطوا بين كامة آتور وتعني الوطن الأم، وبين كلمة آشور التي وضعها لهم الانكليز.
هذا، واليكم اعزائي القراء شيئا من حيل واكاذيب وتلفيقات يونادم كنا. ففي احد الأيام دعاني شخص صديق من خورنة تلكيف. قال لي هذا الشخص بأن ابنه اوقفه الأمريكان، بحجة تعامله مع صدام حسين. وبأن يونادم كنا سوف يتوسط لدى الأمريكان لكي يخرجوه من السجن. فارجوك تعال عندنا الى البيت.
طبعا لبيتُ دعوة هذا الصديق، وذهبت الى بيته، حيث وجدت شلة من المرتزقة يصفقون له كلما نطق بأية كلمة مهما كانت. علما بأن احد هؤلاء الشلة كان قد قال لابن خورنتنا بأن يلجأ الى يونادم كنا، لأنه الوحيد الذي يتمكن من اخراجه من السجن. وهكذا فهمت ان مسرحية سوداء كانت تدبر لصالح يونادم كنا عميل الأمريكان وكذا مخابرات، ومنشئ الحركة الديمقراطية الآشورية. ان هذه المسرحية السوداء كانت محبوكة بغاية البرهنة على ان حلفاء الأمريكان لهم جاه عندهم ولا يردون لهم طلبا. ثم سمعت يونادم يقول: نحن لماذا جئنا مع الأمريكان؟ ثم اردف: لأننا نحن المسيحيين كنا مظلومين. فلماذا لا يكون منا وزراء ومدراء عامين وقواد جيش وحتى رؤساء العراق؟ وصفق له الحضور. فبعد صمت قليل قلت ليونادم: رابي ياقو هل تسمح لي بكلام: قال لي تفضل: قلت له: لماذا اغتيل جورج كندي: ابتسم قليلا لأنه رأى انه تعرض لاحراج. ومع ذلك قال: لأنه كان كاثوليكيا. قلت له: اترى: ان امريكا بعظمتها وبقدراتها العسكرية لم تستطع ان تتحمل كاثوليكيا واحدا، فتريد من العراق المحصى كبلد من العالم الثالث اقتصادا وتنظيما ووعيا شعبيا وسياسيا وقدرات عسكرية محدودة جدا ومعرضا للعدوان من اربع جهاته، ان يختاروك انت كأشوري رئيسا للعراق. فقال دوس ايلا. ( يعني هذا صحيح ). بعد ان انتهيت من الحديث مباشرة قام يونادم وخرج ليخابر بالتلفون لاكمال المشهد المسرحي. فلما عاد من المخابرة بشرهم قائلا: لقد اطلقوا سراح ابنك. ماذا يعني هذا المشهد المسرحي؟ انه يعني ان الأمريكان كانوا قد اعطوا لعميلهم بأن يتصرف وكأن صوته مسموع من الأمريكان. بينما في تحليلي ان اطلاق سراح المومأ اليه بهذه الطريقة المسرحية كان امرا مرتبا بين الأمريكان وبينه لاعطاء المسيحيين انطباعا بأن عميلهم مقدرا لديهم، فيلجؤوا الى الأمريكان عن طريقه. هنا، بالمناسبة يؤسفني ان اقول بأن الاخ الأكبر للشخص الذي كان يصفق بعد كل جملة كان يقولها يونادم، قد اغتيل في تلكيف نفسها من قبل التيارات الاسلامية المعارضة للآشوريين ولللأمريكان معا. في تعزية المرحوم احدى قيادات الأكراد وجه الكلام لي وقال: نحن نقول ان ما حدث تحرير. فقلت ونحن نقول: ان ما حدث احتلال لا غير. ثم ودعت صاحب التعزية وخرجت. واليوم اقول بعد استلام الحزب الجمهوي رئاسة امريكا وبعد ان اعلن السيد بايدن بأنه اتفق مع الحزب الجمهوري، على سحب تخويل السيد بوش باحتلال العراق، بأثر رجعي، ثبت ان القس لوسيان كان على حق واصحاب العراق الديمقراطي والعراق الجديد كانوا على باطل، لأقول ايضا، بأن الذين بشروا بالعراق الجديد اسودت وجوههم. ورأى الكثيرون ممن كانوا قد انساقوا وراء مصطلح العراق الجديد والديمقرطي انهم كانوا على وهم. اما ان تبقى شلة من المسيحيين معادية للعراق الوطني العروبي، فذلك معروف ومحسوب ايضا. لكن هؤلاء لن يتمكنوا ان يضيفوا للعراقيين المسيحيين التائبين خردلة، بحسب مثل عربي يقول: ما زاد حنون في الاسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون. يبدو ان حنون كان مسيحيا او نصرانيا فاسلم لسبب ما.
تطبيق المثل اعلاه: في الحقيقة ان مثل حنون لا ينطبق في رأينا غير على فئتين متباينتين. اولاهما تنطبق على اناس، رجال ونساء، كانوا ولا زالوا ملتحقين بالمحتل قولا وفعلا. هؤلاء الذين كانوا قد بشرونا بمجيئ العالم الجديد والنظام العالمي الجديد، بعد تدمير السيد بوش للعراق قيادة وشعبا. ان هؤلاء كانوا مسلمين ومسيحيين. نحن لا نتكلم عن المسلمين ونأمل ان يكون من بينهم من يتكلم عنهم بما يلزم. غير اننا نتكلم عن نفر قليل من المسيحيين، الذين باعوا انفسهم وضمائرهم للمحتلين الأمريكان، وقبل ذلك للشيوعيين الروس والصينيين. لقد صار هؤلاء طابورا امريكيا خاصا يتكلمون باسم المحتلين حتى يومنا هذا، بعد ان تم سحب تخويل ضرب واحتلال العراق. فهؤلاء يبدو عليهم انهم قد قرروا مصيرهم في ان يكونوا عملاء المحتل الأمريكي وغير الأمريكي، حتى يوم القيامة.
واذن فمثل حنون ينطبق على مثل هؤلاء المجرمين المختبئين في مناطقهم الخضراء في الولايات المتحدة التي سحبت عملاءها عندها خوفا عليهم من الاغتيال. اما المناطق الخضراء لمثل هؤلاء فتقع في استراليا وفي السويد وفي مناطق اخرى من العالم. هؤلاء قد يكونون بمنجى من العقاب، لكنهم ربما لا يعرفون بأنهم ليسوا بمنجى من لعنة الشعب المسيحي الذي ضللوه كما ليسوا بمنجى من لعنة المؤمنين الصادقين عليهم، هذه اللعنة، مثل البركة تماما لا تحتاج الى طيارة للوصول الى الخيرين او للوصول الى المجرمين، لكي يأخذ كل واحد حقه. فلهلاء اقول: بأن المؤمنين لا يخافون منكم ومن شعوذاتكم ومن لؤمكم. ولهؤلاء اولا ضربت مثل حنون الذي يقول: ما زاد حنون في الاسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون. طفلة من اقاربي بعمر سنتين كانت تقول: فلانة هي امي ( كانت تقصد جدتها من الأم ) اما انتم ف/ بوفــــــ، سلم فوك ايتها العزيزة. ان جميع المسيحيين المؤمنين هم اخوتنا والبقية / بوفــ. اي ان البقية لا شيئ، والبقية صفر على الشمال. البقية زبد البحر ما يلبث ان يزول. البقية لها بنادق لا تساوي قوتها قوة ريشة او وزن ذبابة، ولا يبالي بها الانسان الا قليلا. هنا لن اذكر الأسماء، لكن كل عميل يعرف ذاته ويعرف ان كلامي هذا موجه اليه، من باب اني اتكلم مع الحائط لكي يسمع من هم على السطح، كما يقول مثل في السريانية الدارجة. ورجائي ان يسد كل واحد فمه ويغلق لسانه ولا يتشكى من اننا قاسون مع مشاعره، مشاعرهم المرهفة. الفيس بوك لم يعد يفيدهم، لأنه في هذه الحالة لم يبقى على المخلصين سوى ان يحترموا انفسهم ويغضوا الطرف عن وقاحة هؤلاء الذين نتكلم عنهم، ابناء حنون.....
اما اذا اتينا الى الواقع، فاننا نعرف ان اغلب اكليروسنا: القسس منهم والأساقفة، لم يكونوا مع المحتلين، وكانوا يعرفون ان آلام المسيحيين ناتجة بالأكثر من المحتلين، اكثر من المسلمين. ففي الواقع من ادخل داعش الى الرقة والى الموصل، السيد مالكي يعضده الرئيس اوباما، اليس كذلك ؟ علما بأني اعرف بعض القسس الصغار ممن كانوا يصفقون للأقوياء دائما، كانوا مبهورين بقوة الأمريكان. هؤلاء قد عرفوا خطأهم، وجاءوا عندي وبينوا لي بأنهم اصبحوا يفكرون مثلي في مسألة الاحتلال، هذا خاصة بعدما رأوا بأم اعينهم ما حل بالعراق جراء الاحتلال الغاشم وقبل ذلك جراء الحصار الظالم. ومع هذا نقول: اننا لا نتعجب اذا ما كان المسيحيون الذين تألموا على يد المسلمين يبقون غير قادرين على العفو والغفران، كما كان السيد المسيح قد غفر لصالبيه قائلا: يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون. وهل نستغرب اذا ما رأينا رجال دين مسيحيين وعلمانيين ( من غيررجال الدين ) لا يستطيعون ان يغفروا للمسلمين الذين هجّروهم من بيوتهم ونهبوا كل ما كان في هذه البيوت من آثاث منزلية غالية الثمن كانت ام رخيصة. وهل نستغرب ان يكون بعض الجهلة من المسيحيين، وايضا بعض من يصطادون في الماء العكر عندما يعممون كراهيتهم وحقدهم على كل المسلمين، حتى من غير المشاركين في العدوان؟ وهل نستغرب ان يكون بعض الأشرار من المسيحيين من المنتمين الى احزاب سياسية عدوانية يتهمون القرآن الكريم والنبي محمد صلعم، بقولهم: انه دين العدوان؟ اعزائي القراء، ما اراه اننا كلنا مسؤولون عن هذه الحالة، حيث يكون الصمت اختيارا صامتا ايضا، ويكون الساكت عن الحق شيطان اخرس. كيف ؟ اقول هنا فقط ان لقاءات حوار الأديان الرسمية غير كافية لمعالجة آفة القراءة الحرفية لكتبهم الدينية عند كثير من المسلمين، وحتى المسيحيين التقليديين الذين يتمسكون بتفسير حرفي لكتبهم المقدسة.
اما على المستوى الرسمي الذي هو الأساسي في حوارنا هذا مع السيد عناية، يمكننا ان نؤكد بكامل الثقة بأننا لا نجد وثيقة واحدة صادرة من جميع كنائس المنطقة تتكلم بروح الانتقام من المسلمين، وتجعل المسلمين السبب الوحيد في اذية المسيحيين. لا بل وجدنا العكس من ذلك، حيث صرح رؤساء الكنائس بأن ما حدث للمسيحيين يعود اولا وآخرا الى المحتلين الميكيافليين. ودليلنا ان المسيحيين والمسلمين كانوا في اغلب المناطق المسيحية متآخين فيما بينهم، يزورون الواحد الآخر في مناسبات كل طائفة منهم.
من هنا اريد ان اوجه كلامي الى السيد عناية بأن لا يأخذ بالحسبان بعض تصريحات البطريرك التي يعريها السيد موفق نيسكو، لأنه سيكون للبطريرك كلاما جاهزا يحاول فيه ان يكذب السيد نيسكو او غيره. لذلك اعتقد ان التعامل مع هذا البطريرك عن طريق الاعلام وعن طريق وسائل الاتصال ليس امرا سهلا، لأن البطريرك ساكو له جواب جاهز للرد على كل نقد، حتى لو كان النقد واضحا وضوحا الشمس. حتى ان حياته كقسيس ثم كاسقف ثم كبطريرك تصلح كأطروحة لتحصيل شهادة الدكتوراه فيها. فالبطريرك ساكو، شأنه شأن اغلب البطاركة ينقصه روح الحوار، ولا يؤمن سوى بما يسميه حكمة الراعي!!! ولكن عند بثينة الخبر اليقين ! ومع هذا، ارى ان السيد عناية لا يستطيع من هذا الاستطراد ان يسفيد شيئا في تأكيده على مقالته، لأن البطريرك ليس انسانا ساذجا وغير متعلم.
وشكرا.
القس لوسيان جميل
قسيس ومسؤول خورنة تلكيف
العائدة الى ابرشية الموصل
ومتقاعد بعد خدمة الكنيسة لمدة خمسين سنة
2293 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع