علي محمد فخرو
إشكاليات الإعلام العربى والثقافة
من أهم وأخطر الجهات التى تكون فكر ومشاعر والتزامات الشباب العربى، إيجابا وسلبا، بناء وهدما، هى منظومة الإعلام العربى، بكل أشكالها ومختلف أنواع وسائلها. وبعد أن تخلخلت تركيبة الأسرة العربية وضعفت، وبعد تراجع أدوار وفعالية المؤسسات التعليمية العربية، انتقلت مسئولية رعاية الثقافة العربية، فكرا وممارسة وقيما وسلوكا وتناغما مع كل مكونات التنمية العربية الإنسانية الشاملة.. انتقلت تدريجيا وصعودا إلى المنظومة الإعلامية العربية تلك. وشيئا فشيئا ستنتقل إلى حضن المنظومة الإعلامية العولمية أو الأجنبية، الفائقة فى إمكانياتها التأثيرية وفى تمويلها المالى الكبير.
وإذن فما عادت مسئولية المنظومة الإعلامية مقتصرة على مسئولياتها السابقة من نقل الخبر والتسلية والتعليقات الآنية العابرة وخدمة نظام الحكم فى كثير من الأحيان، وإنما أصبحت أشمل وأعقد وأكثر فاعلية فى أعماق المجتمع والإنسان. ولأنها كذلك أصبح لزاما دراستها لمعرفة طبيعتها الجديدة المتقلبة ولفهم منهجيات عملها.
والسبب والهدف؟ أنها توعية الشباب بتأثيراتها السلبية الكثيرة من جهة وتوجيههم نحو الاستفادة من إمكانياتها الإيجابية الهائلة من جهة أخرى.
دعنا فى مداخلة اليوم نركز على تحليل ونقد بعض الأخطاء والانحرافات ونقاط الضعف التى تميز قسما كبيرا من مسار المشهد الإعلامى العربى الحاضر.
أولا: فى مركز الإشكاليات هو عدم إسناد دور أساسى تثقيفى وتحفيزى واضح للإعلام فى خطط التنمية العربية، بحيث يلعب مهمة محددة فى إسناد كل مكونات خطط التنمية الأخرى، مناقشة وتقييما ونشرا على نطاق جماهيرى واسع. عدم الاندماج التام فى كل خطوات تلك الخطط، من بدايتها حتى وصولها إلى نهايتها، يجعل الإعلام مكتفيا بنقل أخبار الخطط أو تقديم الملاحظات العابرة بدلا من لعب دور تفاعلى مع مسيراتها التنفيذية فى الواقع.
ثانيا: هناك ملاحظات كثيرة على تعامل وتفاعل الإعلام العربى مع مشاهديه ومستمعيه. وهى ملاحظات مبثوثة فى ألوف المقالات ومئات الكتب التى حاولت تقييم هذا الحقل الهام من مثل التركيز على الآنى والعابر بشكل سطحى مبسط يتجاهل التاريخ والمسببات والمسببين، أو السقوط فى استعمال التعابير التى تصدر عن الدوائر الاستعمارية من أجل خلط الأوراق وتشويش ذاكرة الأمة، أو قلب الحوارات إلى معارك وتلاسنات فيما بين الأضداد والثنائيات السياسية والطائفية وإيصالها إلى الإضرار أو الاختزال للموضوع الأصلى، أو المساهمة فى خلق خلافات جانبية عبثية فيما بين عناصر الحراكات الجماهيرية بدلا من تقريب وجهات النظر وتسهيل التفاهم المشترك، أو الانغماس دون وعى أو بسبب التنافس فى دوامات الكذب أو بالونات الهواء الصادرة عن دوائر مشبوهة، أو الدخول فى ألاعيب الشخصنة والتألية الانتهازية لهذا القائد أو ذاك الحاكم، أو تفضيل مصادر الخبر والتحليل القادمة من الوكالات الأجنبية على تلك الصادرة عن الجهات العربية، أو أخيرا قبول إملاءات الإعلان والمعلنين بالنسبة لأوقات العرض ونوعية البرامج والسلم الإعلامى المصطنع. إنها قائمة طويلة مليئة بالعلل، خصوصا إذا دخلنا فى مواضيع المحطات الدينية المتزمتة الطائفية المجنونة أو اقتربنا من محطات الغناء والرقص المجونى الغرائزى أو من المحطات الرياضية المهيمنة على عقول وأفئدة الشباب العرب.
ولا شك أن كل تلك الجوانب السلبية فى الممارسة الإعلامية لها تأثيراتها البالغة على الانسجام والتفاهم القومى العروبى، وعلى شتى حقول الأمن القومى العربى المشترك، وعلى التزامات وسلوكيات وتوجهات وهوية الفرد العربى فى حياته الخاصة والعامة. ويكفى أن يشاهد ويستمع الإنسان لما يعرض أو يقال من بذاءات وأكاذيب وفبركات عند أى خلاف فيما بين أنظمة الحكم العربية، حتى يعرف الإنسان الأخطار الهائلة المتواجدة فى الإعلام العربى، عندما لا تظبطه القيم ولا التزامات الوطنية والقومية والمشتركات الحضارية الكثيرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الإعلام المسيطر عليه والذى يعمل ضمن محددات، إذا أضفنا إعلام التواصل الاجتماعى، بما يحمل من سوءات ويمارس من جنون وبلادات، أدركنا حجم هذه الإشكالية الجديدة التى تساهم فى تسطيح وتشويه وإغواء ثقافة الإنسان العربى. ليست تلك مشكلة فقط، إنها جحيم آخر يضاف إلى جحيم السياسة والاقتصاد الذى يعيشه العرب حاليا.
896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع