د.طلعت الخضيري
كشكول الذكريات -ألحلقه ٢٧
مس بيل في بغداد
أود أن أنوه للقارىء الكريم وأذكره إنني أقدم ذكريات صادقه حدثت قبل عقود عديده قد تفيده لمعرفه تأريخ أجداده وعاداتهم ،فالزمن يطور كل شيىء ويعدله أو يبدله لذا أتمنى أنني أوصل له..
تجربه وذاكره عقود من الزمن أتمنى عدم تأويلها إلى أهداف أو مقاصد سياسيه ومن الله التوفيق.
كان من عاده أثرياء ووجهاء بغداد، ما قبل حوالي قرن من الزمن، ألتلفظ بالشتائم وما يسمى ( ألفشار) في حاله الغضب أوالمداعبه على حد سواء وأقدم هذه الروايه مثلاعلى ذلك والتي رويت لي من قبل من عاصرأحداثها:
مس بل سيده بريطانيه, قدمت إلى سوريا في مطلع القرن الماضي للتنقيب عن الآثار ، لقد أتقنت اللغه العربيه وبعض اللهجات العربيه ،تم تجنيدها في الجيش البريطاني عند اندلاع الحرب العالميه الأولى ، أرسلت مع الجيش إلى البصره بعد احتلالها ثم نقلت إلى المندوبيه الساميه البريطانيه في بغداد، خبيره بشؤون العراق وصلة الوصل بين القوات البريطانيه وشؤون أهل البلد وعشائرها ، مع اتصال مباشر مع دائره خاصه في لندن كما ذكرت في رسائلها إلى أبيها،
وهي , كما ذكرت في رسائلها ، من ساندت مع آخرين إختيارالأمير فيصل إبن الحسين شريف مكه ليكون ملكا على العراق وساندها في ذلك زملائها عبد الله فلبي ولورنس بينما رشح آخرون ، كما ذكرت في رسائلها ،عبد الرحمان النقيب الذي كلف فيما بعد في رئاسه أول وزاره في الحكم الملكي، وعبد القادر الخضيري من أهالي وتجار بغداد والسيد طالب النقيب الشخصيه المعروفه من أهالي البصره.
بعد أن استقرت في مقر المندوبيه الساميه في بغداد ، كان من عاده المندوب السامي البريطاني التواصل مع وجهاء بغداد وشخصياتها السياسيه وهكذا كان عندما إصطحبها معه لتناول فطور الصباح مع أحد وجهاء المدينه كان يسكن قرب سكنه ، ومن العاده جلوسهم على شرفه تطل على نهر دجله. في تلك الجلسه قدم ألخادم فنجان القهوه إلى الضيوف ولكنها إعتذرت فما كان من الوجيه البغدادي إلا أن داعبها وحثها كعادته و بأسلوبه أي ما يشبه الشتائم و (ألفشار) على تناول القهوه ، فغضبت غضبا شديدا واعتبرتها إهانه لا تغتفربحقها ، فلم تجبه وإنما نهضت وهي في أشد الإنزعاج عائده إلى دائرتها، وحررت كتاب إستقالتها.
عند عوده رئيسها واجهته بعنف،(لديك خياران سيدي ، إما أن تأمر بسجن ذلك الرجل ألذي أهانني توا ، أو إنني أقدم لك إستقالتي ومغادرتي البلد) فأجابها رئيسها مبتسما و بهدوء:
( إنني أقبل ما تطلبيه مني ولكن عندي رجاء واحد فقط قبل أن أحقق لك طلبك ، أن تأتي معي غدا صباحا إلى بيت هذا الشخص لتناول الفطور ثم أنفذ لك ما تشائين من عقوبات نحوه )، فلم يسعها إلا أن توافق أدبا على طلبه وعلى مضض.
وفي صباح اليوم التالي خلال تواجدهم في بيت الرجل البغدادي ،دبر رئيسها حادث بالإتفاق مع إبن المضيف،أثار غضب ألأب فبدأ بالصراخ وتوجيه أقسى الشتائم( ألفشار) نحو إبنه وأفراد عائلته جميعا، فابتسم المندوب السامي والتفت إلى مس بيل قائلا (إنك ترين أنه يشتم أفراد عائلته كما فعل معك وبأقسى الكلمات وهذه هي عادته وعاده وجهاء بغداد ،ولا يعني شيئا أو الإسائه إلى أحد) وكانت تجربه إضافيه تعلمتها مس بيل مع أهالي المدينه.
وذكرت مس بيل في رسائلها أيضا صداقتها مع الحاج ناجي وعائلته وزيارتها لهم في بستانه في منطقه الجادريه في الكراده وقد شاهدت أنا قبل عقود بيته وكان بيتا صغيرا له يقع في بستان بقرب القصور الرئاسيه في الجادريه وتعرفت على أحفاده ألذين دلوني على ذلك البيت الصغير.
ويشار إلى أن مس بيل أو الخاتون كما كان يسميها أهل بغداد كانت مؤسسه المتحف العراقي.
ولم تكتب مذكرات بل رسائل إلى والدها في بريطانيا ، وتلك الرسائل هي اليوم المرجع ألتأريخي لها ، وقد اطلعت عليها شخصيا وبلغتها الأصليه.
وذكرت في أواخر رسائلها أنها كانت تعاني خلال فصل الصيف من مناخ بغداد الحار ، وقد دفنت بعد وفاتها في المقبره ألبريطانيه في بغداد.
702 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع