قاسم محمد داود
لا تفشل الدول بين عشية وضحاها.. إنما تنمو بذور الفشل داخل مؤسساتها
لماذا الدول تنمو بشكل مختلف، حيث نجح البعض منها في مراكمة القوة والازدهار في حين فشل بعضها الآخر. وهل لذلك علاقة بعوامل الجغرافيا والمناخ والثروات الطبيعية، وهذه المتغيرات قد تلعب دوراً في تخلف وتقدم الدول لكن دورها يظل محدوداً والدليل على ذلك ان دولاً كثيرة تمتلك مقومات التقدم والثراء من الموارد البشرية والطبيعية إلا أنها لم تستطيع النهوض والخروج من دائرة التخلف الاجتماعي والاقتصادي والفقر. كما أن دولاً لا تمتلك من الموارد المذكورة لكنها صارت من الدول المتقدمة. هنا وكما يذكر الكثير من الباحثين في هذا المجال أن الأسباب الأكثر تأثيراً في التقدم او التخلف ترتبط بمؤسسات الدولة ونظام الحكم الذي تنتجه شعوب هذه الدول ومدى عدالته وقدرة الشعب على اختيار ومحاسبة النخب الحاكمة. ان الفشل الذي يصيب الدولة لا يظهر بين ليلة وضحاها كما ان هناك دول كانت في طريقها للنمو ألا انها سرعان ما انتكست وعادت إلى حالة ما قبل الدولة. الانهيار والفشل يمر بمراحل تبدأ بالضعف وعندها تكون مؤسسات الدولة قد أصابها التآكل لتنتهي بدولة فاشلة عاجزة عن القيام بوظائفها الأساسية تجاه المواطن كتوفير الأمن والرعاية الصحية والتعليم والإدارة الحكيمة، نتيجة لانتشار الفساد بشكل تعجز الدولة عن مجابهته. ويمكن تحديد أبرز العوامل التي تؤدي إلى فشل الدولة وانهيارها بالآتي:
- فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها، وسيطرة المليشيات وانتشار السلاح غير المرخص وبالتالي تعجز عن تحقيق السلام الداخلي والاستقرار لشعبها وتعجز أو تتغاضى عن فرض السيطرة على أراضيها، مما يعطل أو يعلق تطبيق القانون وتنتشر ممارسات انتهاك حقوق الأنسان وتنامي حالة ازدواجية المسؤولية الأمنية، بحيث تتمتع جهات سياسية مسلحة بسلطة تضاهي سلطة الدولة عندما تكون تغلغلت الأذرع السياسية لتلك الميليشيات في نسيج الدولة ومراكز قرارها، ومنع وصولها إلى مواردها المالية وتوظيفها لمصلحتها. لذلك يزداد عدد الجماعات المسلحة وبعناوين مختلفة مستفيدة من حالة ضعف الدولة للحصول على الأموال بمختلف الطرق الأمر الذي يؤدي إلى تآكل الاقتصاد الوطني وإفلاس الدولة، كما أن هذه الجماعات المسلحة تشكل عامل طرد الاستثمار المحلي والأجنبي عن طريق ابتزاز الشركات المستثمرة وتهديدهم بدفع اتاوات كبيرة أو انتهاك أمنهم الشخصي وشركاتهم. وهذه الجماعات المسلحة تأخذ ثلاثة أدوار في الحراك الاقتصادي للدول الفاشلة: الابتزاز من خلال مساومة المستثمرين، والاحتكار من خلال الدولة في السيطرة على منافذ الاستثمار، والتحكم في خلافات المستثمرين لأن النظام القضائي لا يتصدى للإشكالات ويحلها.
- العامل الثاني لفشل الدولة يتمثل في تآكل السلطة الشرعية لدرجة العجز عن اتخاذ قرارات موحدة وعجزها عن تنظيم موارد البلد، وفقدان شرعية ومصداقية نظام الحكم وتراجع قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة، (المياه، الكهرباء، الأمن الغذائي ...). وتعطيل أو تعليق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الأنسان، وتنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية، بحيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة التي تفقد مؤسساتها القدرة على توفير الأمن والتمثيل الشرعي، ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي خصوصاً على المستوى المؤسساتي مما يعني افتقاد بيئة تفضي إلى النشاط الاقتصادي، وتزايد حدة التدخل الخارجي سواء من جانب دول أو فاعلين من غير دول يصل أحياناً إلى حد اختيار الحكومة والتدخل في القرار السياسي ورسم سياسة العلاقات الخارجية للدولة، وهذه الحالة تنتج عن طبيعة السلطة السياسية في البلد الذي يفشل في بناء نظام حكم مدني يقوم على معيار المواطنة وحياة سياسية ديمقراطية ومستقلة، حيث ينسحب هذا الفشل على مجالات الحياة ومفرداتها كافة فيؤدي إلى تدهور في الحالة الثقافية والفكرية والاجتماعية. ويكون سبباً لكثير من الشروخ وعوامل التقهقر التي تنتج فرداً غير بناء إيجابياً لا يسهم في تطوير الحراك الفكري الاجتماعي. وهو ما يزرع بذور النقمة الشعبية. وقد تظهر نتيجة لذلك حركات انفصالية تحاول تشكيل دولة منفصلة أو الانضمام لدولة أخرى، وهو ما يعني فقدان المشروعية الجغرافية.
- العامل الثالث يتمثل في عدم قدرة الدولة على توفير الخدمات العامة التي تضمن للفرد الحق في مستوى معيشي لائق ورفاه له ولأسرته بحيث يتوفر له ضمان صحي، وغذاء وملبس وأسكان وماء صالح للشرب وكهرباء، وتعليم وغيرها من الخدمات الاجتماعية، وكذلك ما يؤمن به حياته في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن ارادته والتي تفقده أسباب عيشه. أن عدم تلبية حاجات المواطنين والعجز عن توفير الخدمات الأساسية والإخفاق في دعم النشاط الاقتصادي يعني أن الدولة ضعيفة او فاشلة لأن ما سبق هو من اولويات واجبات الدولة اتجاه مواطنيها.
- والعامل الآخر الذي يمهد لفشل الدولة هو عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي نتيجة لفشل النخب الحاكمة في أدارة سياساتها الداخلية والخارجية واللجوء إلى محور من محاور القوى الكبرى المتصارعة في النظام الدولي لكي تحصل على الدعم لبقائها في السلطة حتى مع علمها انها ستكون أداة صراع لهذه القوة او تلك في صراع المحاور الدولي، الذي سرعان ما يتحول إلى انقسام وصراع داخلي يؤدي انهيار الدولة وفقدانها السيطرة على الحكم ليحكمها بعد ذلك مليشيات مسلحة أو ما شابه من أمراء الحروب مخلفين من ورائها معاناة إنسانية وسياسية واقتصادية وثقافية وأمنية كبيرة. تشير كل مؤشرات فشل الدولة وانهيارها إلى حالة من الإخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة تؤدي إلى تأكل قدرتها وقدرة نظامها القائم على الحكم بفاعلية وكفاءة وهو ما ينتج عنه في أكثر حالاته سقوط وانهيار الدولة. فعلى المستوى الداخلي وعلى المستوى الدولي يتمثل الفشل في تراجع قدرتها على التفاعل مع الوحدات السياسية كعنصر دولي كامل الأهلية، فلم يعد العالم يعتبر الدولة ضعيفة او فاشلة فقط تلك الدولة التي تواجه قيوداً من حيث الموارد والجدوى الاقتصادية، بل إنها أيضاً الدولة التي تتميز بنظام سياسي مهلهل، أو هش أو مختل وظيفياً وقدرتها على الحفاظ على كل الأمن الخارجي والداخلي وتأمين سيادتها على الساحة الدولية. ولكي تخرج الدولة من مأزقها وتحولها إلى دولة فاشلة او منهارة يجب ان تقوم على أساس المواطنة وليس على أساس العرق أو الدين أو الطائفة وأشراك المواطن في التفكير بعد تمكينه من امتلاك أسباب الإبداع والابتكار وإذا ما تم ذلك ستخرج الدولة إلى فضاءات أرحب تتجاوز هموم الأساسيات للحاق بركب الأمم المتقدمة.
897 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع