د. علي محمد فخرو
ما التعريف العربي للديموقراطية؟
هناك محاولات متنوعة ومستمرة ومتصاعدة، خارجية وداخلية، لاشغال الانسان العربي، وعلى الأخص الشابات والشباب، بالظرفي والمؤقت والعابر حتى لا يكون لديه الوقت للتركيز على الثابت والجوهري. ولذلك فما أن تنطفئ نار في مكان حتى تشعلها تلك الجهات في مكان آخر، تساعدها في كثير من الأحيان غوغائية مفتعلة باسم الدين أو المذهب أو الكرامة الوطنية أو غيرها من الشعارات المنفسة للاحتقان الدائم في الانسان العربي.
من بين الثوابت التي يجب ألا تغيب عن المسرح العام ولا ليوم واحد، فكرا ونقاشا ونضالا، موضوع انتقال المجتمعات العربية الى نظام سياسي اقتصادي ديموقراطي عادل. ولأنه لا يوجد تعريف واحد لكلمة الديموقراطية ولا منهج واحد لتطبيقها ولا فهم واحد لنوع ارتباطها بكثير من الكلمات السياسية الرائجة، من مثل الشورى والحرية والفردانية والعلمانية والرأسمالية الخ...، فانه من الضروري أن يوجد نقاش عام في مجتمعات العرب يأخذ بعين الاعتبار، قبولا أو رفضا أو نقدا وتعديلا، تراثهم التاريخي الاجتماعي والثقافي والسياسي، وواقعهم الوطني والقومي الحالي، وعلى الأخص تجاربهم المريرة منذ بدء استقلالهم الوطني الذي لم ينجز بعد.
وحتى يدرك شباب الأمة، وعلى الأخص من القابضين على الجمر وحاملي مسؤولية الالتزام الوطني والقومي، مقدار تعقد الموضوع دعنا نحاول مراجعة التعريفات التي أعطيت لكلمة الديموقراطية عبر التاريخ. لقد بدأت كتركيبة كلامية فلسفية، بمعنى حكم الجماهير، من قبل بعض فلاسفة اليونان. ولكن رفضها في الحال أفلاطون اذا اعتبر أن ذلك التعريف سيعني حكم الفقراء والجهلة للمتعلمين وقادة المعرفة. وتبعه الفيلسوف أرسطو بأنها يجب أن تعني الحكم الصالح، حيث تحكم أقلية ولكن برضى الأكثرية. وهكذا، ومن البداية، أدخلت أرستقراطية حكم الأقلية في نظام حكم قصد به أن يكون حكم الأكثرية لشؤون حياتها العامة. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الديموقراطية تعني كل شيء لكل الناس وذلك حسب تعريفها ككلمة بمختلف اللغات البشرية. ولذلك فليس بمستغرب أن تلحق بالديموقراطية عبر القرن العشرين صفات تقود الى طرح شعارات ديموقراطية الرئاسة أو الديموقراطية الأساسية أو الديموقراطية الموجهة أو الديموقراطية العضوية أو الديموقراطية الانتقائية أو الديموقراطية الجديدة أو الديموقراطية الشعبية. ولا يتسع المجال لذكر أسماء وظروف وتعريفات البلدان التي طرحت تلك الشعارات في كل أنحاء العالم، ومنها بعض بلاد العرب، سواء أكانت بنوايا صادقة أو بنوايا انتهازية غوغائية.
وحتى تزداد الصورة تعقيدا طرح كتاب وقادة سياسيون تعريفات وتوصيفات لا حصر لها ولاعد: «حكم الأغلبية»، رضى الأغلبية»، سلطة الارادة العامة»، «الحكم الدستوري». وأثار البعض المخاوف بشأن طغيان وديكتاتورية الأغلبية أو الغوغاء. واشترط البعض حق التصويت لمن أنهوا التعليم الثانوي كحد أدنى. وأصر البعض على أنه لا ديموقراطية حقيقية بوجود حكومة كبيرة. وخوفا من جمودها شدد البعض على أن الديموقراطية ليست عقيدة أو نظرية فلسفية وانما هي منهاج تنظيمي للقوانين ولمؤسسات المجتمع من أجل السلام الأهلي. ولم ينس البعض موضوع العقد الاجتماعي الشهير فيما بين الناس وسلطة الحكم.
وفي المدة الأخيرة، وبسبب اعراض الكثيرين عن المشاركة في الانتخابات، اقترح البعض أن تكون المشاركة في الانتخابات اجبارية بالقانون، حتى لا تنقلب الديموقراطية الى حكم بارادة أقلية مهتمة وبقبول من أكثرية غير مهتمة.
وفي بلاد العرب أقحم البعض موضوعي طاعة ولي الأمر والشورى، المختلف حول فهمها وتفسيرها عبر تاريخ العرب كله، في قلب المناقشات بشأن الديموقراطية لينتهي الأمر بانقسامات حادة حول هذا الموضوع الذي ماعاد يستطيع تحمل التأجيل والانتظار في أرض عانت كثيرا من حكم الاستبداد عبر تاريخها كله.
لنتذكر بأننا اقتصرنا على الحديث عن تعريفات وفهم الديموقراطية على مستوى مختلف البلدان والثقافات والأنظمة السياسية. وذلك من أجل ابراز الأفهام والتطبيقات غير المتماثلة والتي لها تأثيرات هائلة على ممارسة الديموقراطية في الواقع الانساني. ولا نحتاج للتأكيد بأننا لا نقصد من ابراز تعقيدات المشهد القول بأدنى شك أو تردد بعدم أهمية الانتقال الى النظام الديموقراطي أو الايحاء بتأجيل ذلك الانتقال. اذ لايوجد حل لاخراج العرب من تخلفهم التاريخي ما لم يحتو على الديموقراطية كجزء أساسي من مكوناته.
وهذا ينقلنا في الحال الى ماطرحه البعض من مفكري وكتاب العرب حول تشابك وتفاعل الموضوع الديموقراطي مع النسيج الاجتماعي والتركيب السياسي وثوابت الثقافة وسلوكيات الفرد في أرض العرب. وهو ماسيكون موضوعا لمقال مستقبلي آخر.
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع