قاسم محمد داود
التزايد المتسارع للمسلمين في أوروبا مصدر قلق للقادة الأوربيين
ليس بالمستطاع الحديث عن أي مجموعة دينية أو ثقافية أخرى بمثل هذه النبرة التوكيدية التي يجري الحديث بها الآن وسابقاً عن الإسلام بأنه يمثل تهديداً للحضارة الغربية وتدمير ما يشار أليه عادة بالنظام الديمقراطي والقيم المجتمعية للعالم الغربي، ويمكن القول إن الخوف من الإسلام نتاج اجتماعي راسخ في أوروبا ومرتبط بتوجيهات معادية للمسلمين متجذرة في المجتمع الأوربي بسبب عوامل عديدة قديمة وحديثة. ولا اختلاف بينهم حول ما يعتبرونه تهديد فلإسلام عند معسكر اليمين يمثل البربرية وعند معسكر اليسار ثيوقراطية قرون الظلام أما الوسط فلا يراه إلا ضرباً من الغرابة الكريهة المنفرة، إما المؤسسات الكنسية فأن الإسلام لا يمثل منافساً مرعباً فحسب بل تحدياً للمسيحية كذلك، "ففي معظم مراحل العصور الوسطى وبواكير عصر النهضة كان يُعتقد أن الإسلام ديانة شيطانية تخفي في أعطافها ردة وتجديف وأيهاماً. ولن أعود بعيداً في التاريخ لأذكر المواقف والآراء التي صدرت عن مسؤولين وزعماء وكتاب معادية للإسلام والمسلمين. ولكن في القرن الحالي ومع التطور الحاصل في وسائل الاتصال وسرعة انتشار المعلومة والخبر، نجد أن هناك كثير من التصريحات والآراء التي تكشف عن حقيقة ما يدور في أذهان القادة الغربيين عن الإسلام. وعلى سبيل المثال، ففي 12 أيلول 2006 وفي محاضرة القاها البابا بنديكت السادس عشر في جامعة ريجينسبورغ بولاية بافاريا الألمانية كان عنوانها "الإيمان والعقل والجامعة ذكريات وانعكاسات" وكان يشرح ما أسماه الفرق الكبير بين المسيحية والإسلام. حيث قال إن المسيحية مبنية على العقلانية والسببية بينما الإسلام يتجاهل ذلك، كما أن المسيحية ترى الحكمة في أعمال الله فإن المسلم ينكر أي منطق في أفعال الرب. في تأكيد منطقه في غياب العقلانية في الإسلام ادعى ان محمداً أمر أتباعه إلى نشر الإسلام بالسيف. وتساءل كيف يولد الإيمان من الجسد؟ الإيمان لا ينبع إلا من الروح. كيف نشر السيف الإيمان كيف يؤثر السيف في الروح؟ ولكي يؤكد كلامه اقتبس من الإمبراطور مانويل الثاني (إمبراطور بيزنطي حكم من 1391- 1425) الذي قال لمدرس مسلم كان يحاوره: " أرني شيئاً جديداً أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما ان ظاهرة التهجم على الإسلام والمسلمين أصبحت إحدى الأدوات التي يلجأ أليها السياسيون الأوربيون للتغطية على إخفاقاتهم المتكررة، فقبل سنوات وقف برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا الأسبق ليقول " إن الحضارة الغربية أرقى من الإسلام" و" أن الغرب يجب أن يثق بأن نظام القيم لديه أفضل من تلك السائدة في العالم الإسلامي" وفي استطلاع رأي نُظم في بريطانيا مؤخراً أظهر أن نصف أعضاء حزب المحافظين الحاكم يعتقدون أن الإسلام " يتعارض مع نسق الحياة البريطانية". ولا يتسع المجال لذكر المزيد من الأمثلة على ذلك والتي كان آخرها ما صرح به الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في خطاب القاه في (ليه موروه) أحد الأحياء الحساسة في ضاحية باريس حيث قال، أن على فرنسا "التصدي للانعزالية الإسلامية" الساعية إلى "إقامة نظام مواز" وأنكار الجمهورية" وقال إن الإسلام " ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم". تصريح الرئيس الفرنسي هذا وما صرح به العديد من القادة الأوربيين، يكشف دون مواربة عن القلق المتنامي من قفزات مؤشر عدد المسلمين في فرنسا والعالم الغربي الذي بدا أنه مصدر صداع مزمن لأغلب زعامات العالم الغربي السياسية والفكرية، ولهذا تعالت الصرخات من مؤسسات مسيحية تحذر فيها من تناقص نسبة السكان المسيحيين في العالم الغربي، يقابله تزايد متسارع لنسبة السكان المسلمين، وقد اعتمدت إحدى هذه المؤسسات على نتائج مراكز أبحاث متخصصة تدعم صرخاتها التحذيرية ومنها (مركز بيو لأبحاث الدين والحياة) الأمريكي. استهلت المؤسسة الكنسية تقريرها التحذيري بنظرية تقول إن (أي حضارة لا يمكن أن تدوم لأكثر من 25 عاماً، إذا لم يكن معدل تكاثرها السكاني 2,11في المائة وهو مالم تصل إليه كل الدول الغربية، فأعلاها فرنسا 1,8 في المائة وأدناها إسبانيا 1,1 في المائة، وأي معدل أقل من 2,11 فهو يعني انحدار في وجودها الحضاري والثقافي). والنتيجة التي وصلت إليها تلك الدراسات هي: (كلما تقلص عدد السكان تقلصت معه الحضارة وهوت نحو المنحدر). والحقيقة التي تقلق القادة الغربين ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون هي ارتفاع معدل الزيادة للمسلمين في أوروبا الذي يبلغ في فرنسا 8,1 في المائة مقابل 1,8 في المائة لبقية الفرنسيين، مما ترتب عليه زيادة عدد المساجد في جنوب فرنسا على عدد الكنائس وتبلغ نسبة الأطفال المسلمين إلى بقية الفرنسيين 20 في المائة وتصاعد هذا الرقم إلى 45 في المائة في مدن مثل نيس ومارسي وباريس، ويبلغ عدد المسلمين في فرنسا ــ إحصاء مركز بيو2016 ــ نحو 5,7 مليون أي ما نسبته 8,8 في المائة من السكان ويشكلون أكبر جالية مسلمة في أوربا، وسيبلغ عددهم في فرنسا 8,6 مليون نسمة، أي ما نسبته 12,7 في المائة استناداً إلى فرضية "هجرة منعدمة" و12,6 مليون، أي ما نسبته 17,4 في المائة طبقاً لفرضية "هجرة متوسطة"، أما في حالة فرضية "هجرة مرتفعة" فيصل عددهم إلى 13,2 مليون نسمة أي 18 في المائة من السكان. وعليه وبحلول عام 2027 سيكون من كل خمسة فرنسيين مسلم واحد مما يعني أنه بعد 40 عاماً ستتحول فرنسا إلى دولة مسلمة حسب تحذير المؤسسة الكنسية. ولن يختلف الأمر في بريطانيا التي تصاعد فيها عدد السكان المسلمين من 80 ألف مسلم في عام 1990 إلى مليونين ونصف المليون حالياً أي ما يقارب 30 ضعفاً، وفي هولندا 50 في المائة من المواليد مسلمون، مما يعني أنه بحلول عام 2035 سيصبح نصف سكان هولندا مسلمين. وليست ألمانيا بعيدة عن القلق من ارتفاع معدل الزيادة في أعداد المسلمين، ففي ملخص تقرير لمؤسسة (بيرتلزمان) بعنوان " مرقاب للدين ــ تحليل خاص عن الإسلام لعام 2015 " إشارإلى أن أكثر من نصف السكان الألمان ينظرون إلى الإسلام كتهديد وبنسبة أعلى من ذلك ترى بأن الإسلام لا مكان له في العالم الغربي. لذلك فأن حكومتها تحدث علانية في هذا الموضوع حين أصدرت قبل سنتين تصريحاً رسمياَ قالت فيه إن" النقص في التعداد السكاني لا يمكن إيقافه، فقد خرج الأمر السيطرة، وستكون ألمانيا دولة إسلامية بحلول عام 2050 ". وفي عموم أوروبا يبلغ عدد المسلمين نحو 52 مليوناً وسيصل هذا الرقم للضعف خلال 20 عاماً فقط، مما يعني وصول عدد المسلمين إلى 104 ملايين، وتذكر المؤسسة الكنسية الأمريكية إن عدد المسلمين تجاوز الحدود، وأوضحت الدراسة أن المسلمين أصغر سناً، بمعدل 13 عاماً وأكثر خصوبة من الأوربيين، بمعدل طفل واحد أكثر لكل امرأة مسلمة مقارنة بامرأة أوربية. وترجح الدراسة التي أجراها مركز (بيو) عام 2016 أن تبلغ نسبة المسلمين 14 في المائة من سكان أوروبا مع افتراض أن تستمر الهجرة حتى عام 2050 وبالوتيرة التي سجلتها بين عامي 2014 و2016، وإن الإسلام، وهو الدين الأكثر انتشاراً في العالم إذا حافظ على معدل انتشاره فإنه سيكون الدين المسيطر على كوكب الأرض. ومنذ أكثر من عقد من الزمن رجح المؤرخ الأمريكي برنارد لويس، أن أوربا وفي ظل استمرار عمليات الهجرة المكثفة، سوف تتحول إلى دولة إسلامية في نهاية القرن الحادي والعشرين. وبغض النظر عن صدقية هذه الأرقام الصادرة عن المؤسسة الكاثوليكية وقد تكون بالغت في بعضها، لكن هذا لا يعني أن الكثير منها غير بعيد عن الواقع، لذلك من الضروري أن يتعامل المسلمون في الغرب مع هذه الإحصائيات بطريقة عقلانية واستثمارها لتعزيز فكرة توطين الإسلام في بيئة جديدة ودمج المسلمين في هذه البيئات دمجاً لا يضر هويتهم ولا يمس ثوابت دينهم. فلاختلافات الدينية لا تشكل عقبة أمام الاندماج. والمسلمون يمكنهم إثراء التعددية في البلاد الأوربية، خاصة في حالة التزامهم إزاء البلد الأوربي الذي يعيشون فيه، وهو أمر ممكن إذا ما تحملت الدول المضيفة جزءاً كبيراً من المسؤولية وذلك باحترام التعددية والطقوس الدينية ووضع أطر تتيح مشاركة الجميع في شتى سبل الحياة دون تمييز للوصول في النهاية إلى مجتمع ديمقراطي تعددي ومزدهر.
883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع