د.طلعت الخضيري
كشكول الذكريات -ألحلقه١٩
عائله سوربو ألسويسريه
إنسحبت روسيا من الحرب العالميه الأولى ، وعادت عائله سوربو إلى بلدها أي سويسرا ما عدا فالديمار ، فلقد سمح النظام الجديد في روسيا لبعض الأجانب ألبقاء في البلد للحاجه الماسه لهم كالأطباء والمهندسين وبقى الإبن المهندس فالديمار يعمل في مهنته وتزوج فتاه روسيه إلى أن انتهت الحاجه له ولأمثاله من الأجانب سنه 1932 ، فطلب منه مغادره البلد ، وروى لي فالديمار ما حدث عندما رفضت السلطات مغادره زوجته الروسيه معه ووجوب بقائها مع عائلتها في وطنها ،فقد حدثت المفاجئه له عندما تقدم بطلب تحويل مدخراته ألتي جمعها بعد الثوره إلى سويسرا فتم رفض طلبه وأخبروه أن الدوله لم تصادر مدخراته و وأنه باستطاعته التصرف بها داخل روسيا ، أوالتصرف بما يملكه بأي وجه يشائه مثلا أن يأجر قطارا بكامل عرباته ليوصله إلى لوزان ، و القانون الجديد لا يسمح له بحمل أي مبلغ معه خارج البلاد، لذا لم يجد حلا سوى إهداء المبلغ لعائله زوجته و بدأ رحله العوده إلى وطنه بعد أن حجز له مقعدا في الدرجه الأولى في القطار المتوجه إلى لوزان ولا يملك من النقود إلا ما يكفيه لتناول الغذاء في مطعم القطار إلى أن يصل الحدود، وهكذا عندما عبر القطارالحدود الروسيه لم يكن لديه شيئا من المال ، ولم يستطع تناول الغذاء حتى وصوله إلى لوزان ، و كان في كل مر ه عندما يعرض عليه عامل عربه الطعام حجز مقعد له في الوجبات الثلاثه يعتذر بإصابته بوعكه في معدته أفقدته الشهيه بينما يشتد عليه في الحقيقه الإحساس بالجوع كلما طال أمد ألسفره ألتي امتدت لبضعه أيام ، ومن الطريف أنه عندما اقترب القطار من الحدود الروسيه ظن صاحبنا ومن معه من الركاب ألأجانب أن القطار قد اجتاز حدود البلد ، فأخذوا بالهتاف وإبداء عبارات الفرح لمغادرتهم البلاد والرجوع قريبا إلى بلدانهم , وكانت المفاجأه لهم أن نهض رجلان من بينهم، من المحتمل أنهم من رجال الأمن ، وقال أحدهم ( أيها الرفاق إعلموا إنكم لا زلتم على الأرض الروسيه وهناك محطه أخيره سنترككم بها) فأصاب الركاب الخوف، وتقوقع كل منهم في كرسيه خائفا من رد فعل السلطات نحو تصرفهم ، وعند وصول القطار محطه لوزان طلب فالديمار من أخته ، ألتي كانت بانتظاره، أن تدفع أجره حامل أمتعته لأنه لا يملك في جيبه فرنكا واحدا.
ومرت بضع سنوات سمحت بعدها السلطات الروسيه لزوجته بمغادره البلد ، ولقد قصت لي مايلي (كان معنا في رحلتي إلى سويسرا رجلا أنيقا يبدو عليه الوجاهه والثراء ، وعندما توقف القطار في آخر محطه روسيه ، صعد القاطره رجلان طلبوا منه أن يسلم لهم أحذيته ، مقابل أن يعطوه أحذيه جديده وبقياس قدميه ،فلم يستطع إلا أن ينفذ أمرهم ،وعندما بدأ القطار بالسير عابرا الحدود ، تهالك الرجل على مقعده واصفر وجهه وأخبرهم أنه كان يملك جميع ثروته مخبأه في كعب أحذيته ، وهي كميه من الألماس ، وأنه لم يعد يملك شيئا من المال ، وتبرع الركاب بإعانته لشراء الغذاء لما تبقى من مده السفر.
وصادف خلال سنين إقامتي في لوزان أن تعرفت على بعض أفراد العائله القديمه ومنهم أخت لفالديمار كانت تعيش في لوزان، وهي طبيبه مسنه كانت قد نالت شهاده الطب في روسيا ومن ثم تم معادلتها في سويسرا ، وأخ آخر له كان يعيش في باريس و يعمل سائق لسياره أجره في تلك المدينه.
قصه واقعيه قد تفوق ببساطتها قصص أسكندردوماس الخياليه وغيره من مؤلفي الروايات المماثله.
975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع