رنا خالد
كتاب في ذاكرتي/"دوامة الرحيل" لناصرة السعدون: نبوءة ام استقراء؟
حين علمتُ برحيل الاديبة والباحثة والقاصة ناصرة السعدون، اعترتني غصة ألم، رغم ان الموت حقيقة الحقائق، وزادت مساحة الغصة قراءتي لروايتها " دوامة الرحيل " التي اهدتني اياها، قبل ان تودع الدنيا، غير أني لم اقرأها إلا مؤخرا عجبت لاختيار الفقيدة عنوان الرواية، فهل جاء استقراءً أم نبوءةً بقرب رحيلها؟
وانا اقرأ صفحات الرواية، استذكرت سنوات قريبة مضت هي قصص حدثت للعراقيين أيام الغزو الأميركي للعراق 2003 وما جلب من الم وحسرة تسكن في نفوسنا ونعيشها حتى اللحظة.. حيث اختارت السعدون بين ثنايا الرواية قصائد لشعراء معروفين منهم لميعة عباس عمارة ونازك الملائكة ويوسف الصائغ والشاعر بدر شاكر السياب، ومنها مقطع من قصيدة شهيرة له:
لأني غريب
لأن العراق الحبيب
بعيد واني هنا في اشتياق
اليه اليها انادي.. عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسن بأبي عبرت المدى
الى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
واما هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
*****************
ناصرة السعدون في روايتها "دوامة الرحيل" تحدثت بصمت حزين، مع الورق فمزجت الخيال بالواقع، والخيبة بالأمل، والحزن بالسعادة، والرومانسية التي لها طعم اخر بالعذاب والحب.. وان "اباء قيس السالم " بطلة الرواية جزءا من شخصيتها كان يمثل روح الكاتبة ناصرة السعدون والجزء الباقي يمثل عراقيات اخريات عشن ظروف وتجارب مشابه، الرواية عندما يقرأها اشخاص لم يكونوا متواجدين في العراق خلال سنوات حرب أمريكا على العراق ربما يستغربوا وتشدهم متابعة الصفحات واحده بعد الأخرى لمعرفة الاحداث.. لكن عراقية مثلي عاشت بعض من احداثها، أقول لم استغرب احداث الرواية بل اخذتني في ذكريات مؤلمة.
وللمكان في رواية السعدون دورا كبيرا، فمعظم أحداث الرواية كانت في فضاء العراق خلال فترة الغزو الأمريكي، لاسيما في العاصمة بغداد وضواحيها مثل الأعظمية، الجادرية، الوزيرية، وأماكن خارج العراق مثل، عمان والزرقاء في الأردن ونيوزيلندا والولايات المتحدة الامريكية وقد زاد ذلك من جمالية النص وتماسكه وسرعة الاحداث وتكاملها..
لفت انتباهي، التنوع الكبير بين شخصيات الرواية حيت شملت عدة طوائف وجنسيات، وقد تم التعامل معهم بذكاء وحنكة ولكل واحد منهم حكاية، لكن ما يجمعهم هو الإنسانية وحبهم للعدالة في الأرض ضد الظلم وما تجلبه الحروب من دمار شامل:
قد اتعبت الروح
محطات السفر
فكيف يا قلبي
تنام؟
الشاعرة سوسن سيف
****************
تقول الرواية" حل الخريف، وبدأت الرياح تهب من جبال روكي، وتندفع لتعري الأشجار من اوراقها، وتجمع ندف الغيوم لتشكل كتلا رمادية متلاحمة، لا تأتي الرياح وحدها، بل يصحبها البرد، لينذرا بشتاء قاس قادم لا محالة" (ص261)
وصفت الروائية السعدون مشاعر اباء وسط غربتها المحملة بالهموم والقوة، هذا الوصف الذي يشعرك بالغربة وانت في داخل بيتك في وطنك، وكيف وانت في اميركا، ولعل هذا ما دفع اباء (بطلة الرواية) الى التحول من مجرد فتاة لاجئة الى انسانة مبدعة معطاء تقول الحق في اي مكان تكون فيه وتدافع عن أهلها ووطنها.
بعد قراءتي، اقول ان "دوامة الرحيل" رواية اجتماعية أكثر من كونها تاريخية سياسية. هي اشبه بمقاربة بين صراعات الحياة في الماضي لما نحصده في الحاضر ويذكر أن ناصرة صاحبة رواية "دوامة الرحيل" التي فازت بجائزة "كتارا" للرواية العربية عام 2015، تناولت فيها الهجرة إلى الخارج وآلام العراقيين المعاصرة.
والان، ماذا قالت السيدة السعدون عن روايتها؟ "ان دوامة الرحيل هي رواية رحيل يتكرر، ومعاناة ما تزال تتجدد، وقد تمثل بعض الوجع العراقي في المنافي. هي قصة حب قد يبدو استشرافاً يقرب من الواقعية لما قد يحدث للعديد من الشباب الذين اقتلعوا من أرضهم وأعيد زرعهم في أراض جديدة، قد تكون معادية لوجودهم، ومناقضة لقيمهم. لكن إصرار العراقي على الحياة، ورفضه الرضوخ والانكفاء، هي أيضاً بعض من أحداث دوامة الرحيل."
1042 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع