موفق نيسكو
المؤرخ القدير طه باقر والآشوريون والكلدان الجدد
يعتبر المؤرخ القدير الطيب الذكر طه باقر رحمه الله، شيخ المؤرخين العراقيين، وبالنسبة لي شخصياً أقول إن العراق لديه مؤرخين كثيرين، ولديه طه باقر، هذا العلاَّمة في تاريخ العراق أصبح جزءاً من تاريخ العراق.
معروف أن الكلدان والآشوريين الحاليين لا علاقة لهم بالقدماء إنما هم سريان منشقون انتحل لهم الغرب حديثاً بحدود القرن التاسع عشر الميلادي اسمي كلدانٍ وآشوريين، وهم بالأساس من الأسباط العشرة اليهودية من بني إسرائيل الذين سباهم الآشوريون والبابليون القدماء، تركوا لغتهم العبرية وتكلموا الآرامية (السريانية) أي تأرمو منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وعندما جاءت المسيحية اعتنقها أغلبهم على يد رسل ومبشري المسيح الذين كانت لغتهم الآرامية السريانية أيضاً، وعاشوا طول عمرهم سرياناً إلى أن انتحل لهم الغرب حديثاً اسمي آشوريين وكلدان لأغراض استعمارية وعبرية وطائفية.
وهؤلاء يقومون دائماً بكتابة كتب ومقالات يربطون أنفسهم زوراً بالآشوريين والكلدان القدماء، ويستعملون طرقاً ملتوية لتمويه القارئ، ومن هذه الطرق استعمال أسماء بعض المؤرخين المشهورين لإعطاء كتاباتهم مصداقية، وذلك باقتباس مقاطع من أقوال المؤرخين حين تكلموا عن الدولتين الآشورية والكلدانية القديمتان اللتان سقطتا سنة 612 ق.م. و 539 ق.م، وترك أكثر من 2000 سنة فراغاً، والقفز مباشرةً إلى القرن التاسع عشر وقبله قليلاً، وربط كلام المؤرخ المشهور حين يتحدث عن القدماء بحدث في العصر الحديث، وتصويره للقارئ وكأن المؤرخ يتحدث عن كلدان وآشوريي اليوم، والطريقة الثانية هي عدم ذكر ما قاله المؤرخ في الهامش مباشرةً، بل ذكر اسمه وكتابه نهاية الكتاب أو المقال، أو أنهم يأخذون اسماً قديماً ورد في زمن الكاتب، لكن هذا الاسم في حينه لم يكن هو المستعمل، كمن يتحدث اليوم عن تاريخ فرنسا سنة 100م، لكن حينها لم يكن أسمها فرنسا، وغيرها من الطرق الملتوية.
وأهم هؤلاء المؤرخين هو المؤرخ القدير طه باقر الذي يتحدث عن الكلدان والآشوريون القدماء قبل الميلاد، ويفصل بين المسيحيين بعد الميلاد ويؤكد أن مسيحيي العراق هم، آراميون-سريان، ولغتهم هي الآرامية السريانية، ولم يربطهم مطلقاً بالكلدان والآشوريون القدماء، لكن المتكلدنين والمتأشورين يستغلون اسمه، ويحاولون إيهام القارئ أن باقر يتحدث عن الكلدان والآشوريين الحاليين.
يقول طه باقر: عند حديثنا عن حضارات العراق القديم، نستعمل كلمة، عراق، مضطرين لشيوع المصطلح، لكن واقع الحضارات القديمة اسمها، حضارات ما بين النهرين، وحتى اسم مدينة بابل متأخر يعود لزمن حمورابي، وقبله لم تكن لبابل شهرة، واسمها القديم: )كا. دنكر. را. كي ka. dingir. ra. ki)، واسمها الكاشي: كاردونياش، وفي الكتاب المقدس اسمها: شيشك (إرميا 25: 26)، ولها أسماء سومرية: )تين تر كي tin-tir-ki (، ويعني موطن الحياة، يقابلها في البابلية القديمة، شُباط بلاطي shubat balati، وسُمِّيت بالسومرية )شو- انّا- كي shu-anna-ki) ومعناها، كف السماء، وهو اسم إحدى محلاتها، وسُمِّيت )كيش كلاّ( ويعني، البوابة أو المدخل، وسُمِّيت )نُن- ﮔي( وهو نفس اسم مدينة أريدو جنوب أور (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج2، ص237. ومعجم الدخيل في اللغة العربية، ص160-161).
ويتحدث كثيراً عن دولة الكلدان والآشوريين القدماء، ويقول إن اسم بلاد آشور قبل أن تُسمَّى آشور كان سوبارتو، وسقطت الدولة الآشورية سنة 612 ق.م.، ودولة الكلدان دامت 73 سنة فقط وسقطت سنة 539 ق.م. وعمرها الحقيقي هو 43 سنة فقط، أي عصر نبوخذ نصر. (مقدمة في تاريخ الفرات القديم، ص205)، ولكن باقر ولم يربط يتحدث مطلقاً عن آشوريين وكلدان بعد سنة 612 ق.م.، وسنة 539 ق.م. ولم يربط بين من المسيحيين الذين يُسمُّون اليوم أنفسهم آشوريين وكلدان، لذلك لا علاقة لدولة آشور والكلدانية القديمتان بكلدان وآشوريي اليوم مطلقاً سوى انتحال الاسم، وهم آراميون-سريان.
ويعتبر طه باقر أن اللغة فقط هي التي تحدد القومية، ويتكلم عن الدولتين الآشورية والكلدانية القديمتان، فيقول: لم تكن التسميات القديمة للشعوب كالسومريين والأكديين والبابليين وغيرهم تحمل مدلولاً قومياً، بل كانت تُنسب وتُشتق من المواضع الجغرافية أو الآلِهة، لذلك عندما نتكلم عن أقوام قديمة سيكون مفهومنا عنها هو باللغة التي تكلمت بها، وفي العصر الحديث اتجه البحث عن الأقوام على أساس لغوي وليس عرقي أو عنصري، ويربط باقر التحول القومي قديماً باللغة أيضاً، فيقول: في العراق القديم، طغى التحول القومي اللغوي السامي على السومري القديم (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1 وادي الرافدين، ص56، 65، 435)، ويتحدث في فصول عديدة عن الآراميين واللغة الآرامية قبل الميلاد، وكذلك عن لغة الدولتين القديمتين الكلدانية ولآشورية، ويقول: الأكدية هو اسم اللغة السامية التي كانت أصل اللغتين البابلية والآشورية، ويتكلم بإسهاب كيف اكتشفت لغتهم، وغالباً يكتب إمَّا اللغة الأكدية، أو اللغة الأكدية ويضع بين قوسين (البابلية-الآشورية)، وبضيف إن اللغة الآرامية انتشرت انتشاراً واسعاً وعجيباً بدون سلطان سياسي وأصبحت لغة الدولة الآشورية والبابلية وتركت آثاراً في البابلية والآشورية، وصارت فيما بعد لغة النبي عيسى وأتباعه (مقدمة، ج2، ص303. وانظر ج1، ص496).
ويضيف باقر: هناك تسمية شائعة مغلوطة تُطلق على الآرامية هي الكلدانية، ومنشأ هذا الخطأ هو سفر دانيال من استعمال الكلدان للآرامية، (نيسكو: يقصد دانيال 2: 4: فكلم الكلدانيون الملك نبوخذ نصر بالآرامية، مع ملاحظة أن الكلدان معناها السحرة والمنجمون)، ولكن في الواقع إن الكلدانية اللغة التي تكلم بها الكلدانيون، أي البابليين في العهد البابلي الأخير، إنما هي اللغة البابلية المتأخرة المشتقة من الأصل الأكدي. (مقدمة، ج2 ص310-311).
وهنا أتقدم بالرحمة على روح المؤرخ القدير طه باقر لأن هذه الجملة نبهتني أن أبحث وادقق هذا الأمر وكنت أول من رفض مفهوم المسيحيين المغلوط بتفسير هذه الآية أن الآرامية كانت لغة كل أهل بابل أيام نبوخذ نصر، حيث اتضح لي جلياً بعد البحث والتحميص آثارياً وكتابياً، أن لغة شعب بابل أثناء حكم عائلة نبوخذ نصر (612-539 ق.م.) هي الأكدية- البابلية، وليست الآرامية، لكن عائلة نبوخذ نصر الحاكمة فقط هي آرامية وتجيد الآرامية، وقد تكلم السحرة من اليهود فقط الذين كانوا يجيدون الآرامية مع الملك بالآرامية، مثلما يكلم كورد في بغداد رئيس العراق الحالي بالكوردية، لكن الآرامية اجتاحت البلاط البابلي الفارسي مباشرةً بعد سقوط بابل على يد الفرس سنة 539 ق.م..
لكن عندما تحدث طه باقر عن المسيحيين واسمهم القومي واسم لغتهم بعد الميلاد، أكَّد بشكل قاطع أنه ليس مسيحو العراق فحسب، بل جميع مسيحي العراق وسوريا ولبنان هم، آراميون-سريان، ولغتهم هي الآرامية أو السريانية، ففي الجزء الثاني من كتابه: يقول في فصل اسمه الآراميون:
إن اللغة السريانية هي لهجة الرها الآرامية للمسيحيين في سوريا ولبنان وشمال العراق، (نيسكو لهجة الرها مثل لهجة قريش بالضبط التي أصبحت هي الفصحى العربية) ولما اتخذ المسيحيون الذين هم من أصل آرامي اللهجة الرهاوية جاعلين إياها لغة الدين والثقافة صاروا يعرفون باسم السريان أو السوريون، ولغتهم السريانية، مبدلين تسميتهم بالآراميين التي أصبحت لديهم تسمية غير محببة لاقترانها بالعهد الوثني، (مقدمة، ج2 ص311).
ويقول طه باقر: بتاريخ20/4/1972م: إن تسمية الآشوريين هي مجرد ادعاء سياسي محض جاء بعد اهتمام الإنكليز بهم (رياض رشيد الحيدري، الأثوريون في العراق، طبعة القاهرة 1977م، ص32-33).
لذلك على المتكلدنين والمتـأشورين الجدد عدم استغلال أسماء ورموز العراق وتشويه وتزوير التاريخ.
وشكراً / موفق نيسكو
1973 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع