المحامي المستشار محي الدين محمد يونس
أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975 الجزء الثامن
الفصل الثاني/ المبحث الثالث
تجدد القتال
كل الدلائل والمعطيات كانت تشير إلى أن النظام العراقي والحركة الكردية مقبلان على جولة جديدة من القتال تختلف عن الجولات السابقة قبل عام 1970 من حيث حجم التحضيرات وتأمين الامكانيات البشرية والمادية والعسكرية بالإضافة الى العوامل الخارجية المستجدة المحركة والمساندة لطرفي النزاع وقبل الانتقال للحديث عن تفاصيل العمليات العسكرية ونتائجها نتناول الوضع العسكري قبل بدء القتال ومن ثم العوامل التي شجعت النظام العراقي في اختيار خيار الحرب.
أولا/ الوضع العسكري قبل بدأ القتال:
1- مع بداية شهر نيسان عام 1974 وقبل بدأ القتال كانت القوات الكردية (البيشمركة) تسيطر على مناطق واسعة من كردستان اعتباراً من زاخو في الشمال الغربي وحتى خانقين في أقصى الجنوب من كردستان وكانت هذه القوات تحاصر وحدات وتشكيلات من الجيش العراقي وتسيطر على طرق ومحاور رئيسية استراتيجية تربط العراق وإيران وتركيا(1).
2- مع اشتداد توتر العلاقة بين الحكومة العراقية والحركة الكردية قام الجيش العراقي بسحب مقر لواء المشاة الثاني ومعه فوج في نهاية شهر آذار من موقعه الدائم في حامية راوندوز الى معسكر سبيلك تفادياً لوقوعه في المحاصرة من قبل قوات البيشمركة لموقعه الذي يقع تحت سيطرة هذه القوات المتواجدة على الجبال المحيطة بالمعسكر بالإضافة إلى توفر معلومات لدى مديرية الاستخبارات العسكرية تؤكد ذلك.
3- قامت قوات البيشمركة بمحاصرة لواء المشاة (22) في معسكر سبيلك وشمل الحصار مقر لواء المشاة الثاني والفوج المسحوبين من حامية راوندوز قبل عدة أيام.
4- محاصرة لواء المشاة (23) المتواجد على جانبي مضيق كلي علي بك على سلسلتي كورك يمين المضيق ونواخين على يساره، وكان رئيس الجمهورية (احمد حسن البكر) القائد العام للقوات المسلحة قد أرسل رسالة الى مقر اللواء (23) المحاصر يخبرهم فيها أنه قد أصدر امراً بمنح كافة منتسبي اللواء رتبة أعلى اعتبارا من آمره وحتى اخر جندي فيه وكان غرضه من ذلك رفع معنويات منتسبي اللواء والصمود وعدم الاستسلام لقوات البيشمركة والذي صمد فعلا حتى تم فك الحصار المفروض عليه(2).
5- زعيم الحركة الكردية (مصطفى البارزاني) أصدر امراً الى قواته في 16 نيسان 1974 طالباً منها الهجوم على معسكر سبيلك المحاصر واحتلاله الى ان هذه القوات فشلت في تحقيق هذا الهدف بسبب قوة تحصينات الجيش العراقي ودفاعه عن المعسكر بالإضافة إلى تمكن القوات العسكرية القادمة من اربيل القضاء على مقاومة قوات البيشمركة والاقتراب من معسكر سبيلك بهدف فك الحصار عنهم ويعتقد بأن هدف الحركة الكردية وقائدها من هذه العملية في حالة نجاحها ثني الحكومة العراقية وارغامها على التراجع عن قرار الحرب والعودة الى مائدة المفاوضات او ربما الاسراع من اجل استغلال الوقت وقبل انتهاء موسم الأمطار في المنطقة(3).
ثانياً/ العوامل التي ساعدت النظام في اللجوء الى خيار الحرب نجملها فيما يلي:
1- استطاع الجيش العراقي استعادة قوته خلال فترة السلام 1970-1974 وجرى تسليحه بأجهزة ومعدات متطورة.
2- دعم الاتحاد السوفيتي بعد توقيع معاهدة التعاون والصداقة بينه وبين العراق.
3- دعم الحزب الشيوعي العراقي.
4- ارتفاع أسعار النفط في عام 1973 بشكل غير مسبوق وزيادة موارد العراق المالية.
5- ازدياد أهمية العراق على المسرح الدولي واختلال الميزان لصالحه.
6- تصفية الجيش العراقي من المناوئين لحزب البعث والسيطرة على المفاصل القيادية.
7- شق الصف الكردي.
8- تسليح ودعم الجماعات الكردية الموالية للسلطة.
9- كان النظام خلال السنوات الأربعة فد تخلص من كل خصومه السياسيين كسباً أو استئصالاً(4).
بعد أن استعرضنا الواقع العسكري في قاطع محافظة اربيل والذي يهمنا الحديث عنه دون القواطع في المحافظات الاخرى حيث لم تقع فيها معارك تستحق الذكر او بسبب تركيز خطة العمليات للجيش العراقي على هذا القاطع باعتباره المحور المهم والأساسي في نتائجه من الناحية السياسية والعسكرية كونه ينتهي الى مقر قيادة الحركة الكردية في جومان وكلاله وحاج عمران وما يتبعها من تشكيلات ومقرات عسكرية وإدارية.
نهاية فترة السلام وبدأ القتال:
بدأ الجيش العراقي يوم 11 نيسان 1974 هجوماً شاملاً واسع النطاق في محور محافظة أربيل مستهدفاً (هيز دشتي هولير)(5) ومسؤوليته الدفاع عن منطقة سهل أربيل ومن ثم الهجوم على هيز سفين ومسؤوليته الدفاع عن مناطق صلاح الدين وشقلاوة.
استطاع الجيش العراقي السيطرة على تلك المناطق بسهولة ومن ضمنها جبل سفين المنيع بسبب فشل قوات البيشمركة بالدفاع عنها بصورة جدية وكان عملها يتصف بالفوضى والارتباك لانعدام التنظيم بين صفوفها، واصل الجيش العراقي تقدمه بعد ذلك واحكم سيطرته على منطقة حرير وصولاً الى معسكر سبيلك حيث استطاعت الفرقة الثامنة من فك الحصار عن لواء المشاة (22) والقوات المتجحفلة معه وواصلت سيرها الى منطقة خليفان القريبة التي حشد فيها خيرة قطعات الجيش العراقي استعداداً للتقدم نحو مضيق كلي علي بك(6) والذي جرى فيه أشد المعارك ضراوة خلال العمليات العسكرية التي استغرقتها في تلك الفترة ولأهميتها سنتناولها بشيء من التفصيل والدقة وقبل البدء في سرد تفاصيل أحداث العمليات العسكرية لاجتياز كلي علي بك لابد من إعطاء القارئ تصوراً عن طبوغرافية هذا المضيق لكي يكون على بينة واطلاع في تقدير المصاعب التي واجهها الجيش العراقي في اجتيازه.
1- يعتبر مضيق كلي علي بك من أهم وأقدم المضايق الجبلية في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الاوسط خصوصاً ويعتبر مفتاح بيد القوة العسكرية التي تسيطر عليه(7).
2- عند الدخول في المضيق من ناحية الجنوب (خليفان) والذي يبلغ طوله (8) كيلو متر يقع في جانبه الأيمن جبل كورك وفي الجانب الأيسر جبل نواخين والتسمية المحلية له جبل كورز وبين الجبلين تقع عارضة بافستيان في الثلث الأخير من المضيق وهو جبل على شكل مثلث قاعدته تطل على سهل راوندوز.
3- عند مدخل المضيق جنوبا يبدأ طريق هاملتون الذي يخترق المضيق وينتهي عند الحدود الايرانية في منطقة حاج عمران العراقية(8)، في البداية يسير الطريق بمحاذاة سفح جبل نواخين ثم يعبر الجسر الأول ليسير بمحاذاة جبل كورك وقبل الوصول الى شلال كلي علي بك المشهور يوجد جسران أحدهما قديم والآخر شيد في بداية الثمانينات من القرن الماضي ومتقاربان العبور منهما يعيدك إلى محاذاة جبل نواخين. وبعد المسير لمسافة وحسب الطريق القديم وعبور الجسر الثالث إلى جهة جبل كورك والذي يعتبر في هذه المرحلة من أصعب الإنجازات بالنسبة للمهندس هاملتون حيث سفح الجبل عمودياً ومن أجل مد الطريق اقتضى شق الصخور لمسافة ليست بالقصيرة لغاية الوصول الى الجسر الرابع والذي يعيدك إلى محاذاة جبل نواخين باتجاه الجسر الخامس والأخير والذي وقعت عنده أشد المعارك وأشرسها.
4- تصب في المضيق اربعة انهار صغيرة أولها النهر القادم من الجنوب من وادي ألانه ويشكل داخل هذا المضيق شلال كلي علي بك و في ثلثه الاخير من اتجاه الشمال و عند الجسر الخامس تلتقي الأنهار القادمة من شلالات بيخال ومن مناطق حاج عمران وجومان وكلالة مع النهر القادم من مناطق ميركة سورومن ثم يتجه كل هذا الخليط من الانهار غرباً ليلتقي مع النهر القادم من منطقة بارزان وعند هذا الملتقى يتخذ هذا النهر اسم الزاب الاعلى ومصدره من الأراضي العراقية والتركية والإيرانية وتعتبر منطقة الالتقاء بداية حوض سد بخمه المقترح انشاؤه من العهد الملكي(9) ويزول اسم هذا النهر من الوجود بعد اختلاطه بنهر دجلة جنوبي مدينة الموصل.
اعتمدت في سرد تفاصيل العمليات العسكرية للجيش العراقي لعبور مضيق كلي علي بك والعمليات المضادة لقوات البيشمركة على مصادر أساسية في هذا الشأن لأشخاص كان لهم دور المشاركة في هذه المعركة او الاطلاع على تفاصيل وخبايا ما حصل فيها وقد سلكت هذا الأسلوب من الطرح لكي يطلع القارئ الكريم على وجهات النظر المختلفة التي كما ذكرت من مصادر عديدة وقع اختيارنا على التي نذكرها في ادناه لاتصافها بالصدق والدقة ما أمكن بعد الاخذ بنظر الاعتبار الجهة التي تمثلها او كانت تمثلها ومن خلال هذه المعركة يستطيع القارئ الخروج بتصور عن تفاصيلها.
اولاً/ مسعود البارزاني في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية) يتحدث في الصفحة 332 عن هذه المرحلة من مراحل القتال حيث يذكر "القوات الحكومية بدأت هجومها على منطقة هيز دشتي هولير وهيز سفين ومما يؤسف له لم تحسن هاتان القوتان أداء واجبهما هناك فانسحبتا وتركت الميدان لهذه القوات وتلا ذلك هجوم على منطقة سبيلك الحصينة وكان هناك لواء مطوق من قبل البيشمركة وبعد قتال متواصل تمكنت القوات الحكومية من فك الحصار عن اللواء المحاصر وانضمت القوتان لبعضهما البعض واستعدت لشن هجوم كبير على منطقة حوض راوندوز في 8 أيلول 1974.
أصيبت القوات الحكومية بهزيمة ساحقة وارتدت الى الخلف تاركةً في ساحة القتال نحو ما يقارب الاربعمائة جثة، كان الهجوم بقيادة اللواء الركن (إسماعيل تايه النعيمي) الا انه لم يفز بطائل حتى يوم 19 أيلول 1974. في هذا اليوم شن العدو هجوماً معداً وفق خطة فاقت تصورنا فقد أرسلوا ليلاً البلدوزرات الى أسفل جبل كورك ما بينه وبين بيخال فأزاحت كتل الصخور وفتحت طريق لانحدار الدبابات وقبل طلوع الفجر نزلت الدبابات من قمة جبل كورك الى ما وراء بيخال ولم تجد أمامها مقاومة اذ لم يكن يدور في خلد أحد ان تعدو هذه المنطقة في يوم من الأيام ساحة صالحة للقتال فأهملت طوال الحرب ولم يشعر البيشمركة بالوطأة الا بعد ان وصل رتل الدبابات الى الطريق العام المؤدي الى بيخال من راوندوز.
قاد العملية المقدم الركن (عبد الوهاب) وبها تغير وجه المعركة وأصبح الموقف خطيراً اذ اضطر البيشمركة الى ترك (جبل كورز) والانسحاب الى ما وراء سهل ديانا وسفح جبل كورك وبهذا عادت الجبهة الى هندرين وزوزك.
ثانياً/ صلاح الخرسان وكتابه التيارات السياسية في كردستان العراق حيث جاء في الصفحة 231 ما يلي نصاً (أما محور القتال الرئيسي فكان في قاطع أربيل حيث دارت اعنف واشرس المعارك وكان الجيش قد بدأ هجومه في ذلك القاطع من مصيف صلاح الدين باتجاه شقلاوة فانتزع جبل سفين من قوات الثورة الكردية، بعد ذلك احكم سيطرته على مناطق حرير وسبيلك بعد ان فك الحصار عن أحد ألوية الجيش المحاصرة هناك، ثم واصل عملياته في مناطق سوران، خليفان، وبعد ان عزز مواقعه على ذلك المحور الاستراتيجي الذي احتشدت فيه زبدة الجيش العراقي تم تكليف الفرقة الثانية بقيادة اللواء الركن (طه الشكرجي) ومقرها في ناحية خليفان بالتقدم نحو مضيق كلي علي بك الذي يفصل بين سلسلتي جبال كورك ونواخين للسيطرة عليه وفك الحصار عن احد الوية الجيش المحاصرة فيه، الا ان كل الهجمات التي شنتها الفرقة باءت بالفشل بعد ان تكبدت خسائر فادحة بالأرواح والمعدات ويعود جانب من المسؤولية في ذلك الفشل وحسب تشخيص رئاسة اركان الجيش الى شخص قائد الفرقة الذي عرف عنه عدم مبالاته بأرواح مرؤوسيه من الضباط والجنود مما دفع القيادة العامة للقوات المسلحة الى استبداله بآمر كلية الأركان اللواء الركن (عبد المنعم لفتة الريفي) الذي استطاع بعد توليه القيادة من السيطرة على المضيق بعملية التفاف نادرة عبرت خلالها الدبابات جبل كورك بمساعدة المستشارين العسكريين السوفييت وفك الحصار عن اللواء (23) المحاصر ومن ثم الاندفاع نحو سهل ديانا مما مكن الجيش بالتالي من فرض سيطرته على مدينة راوندوز في 22/8/1974.
ثالثاً/ العقيد الركن (احمد الزيدي) وكتابه البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية حيث يذكر في الصفحة 133 ما نصه " كلفت فرقة المشاة الثامنة التي كانت قد شكلت حديثا لقيادة العمليات على هذا المحور كلي علي بك وكان يقود هذه الفرقة اللواء الركن (طه الشكرجي) وبعد ان تم فك الحصار على لواء المشاة (22) في سبيلك الذي يشرف على سهل خليفان ظل اللواء المشاة (23) محاصراً على جانبي مضيق كلي علي بك وهنا بدأت المصاعب تتماثل للعيان فهذا المضيق يشكل مانعاً استراتيجياً هاماً جداً وبدون تأمينه وفك الحصار عنه لن يتم احراز اي نصراً أو تقدم باتجاه المنطقة الرئيسة التي تتحصن فيها القيادة الكردية، لذا فقد بدأت قيادة الفرقة الثامنة بشن عدة هجمات بلواء المشاة (20) الذي بدأ يتكبد خسائر فادحة بالأرواح، وانخفض موجود قسم من الوحدات الى درجة مريعة اثارت الرعب في نفس القيادة العامة للقوات المسلحة التي كان يقودها في ذلك الوقت المهيب (احمد حسن البكر) لم يكن ممكناً عمل شيء في تلك اللحظات، و بدأت إشارات الاتهام بالإهمال والتقصير توجه الى اللواء (طه الشكرجي) الذي وصفت قيادته للحركات بالرعونة وضعف التخطيط و هنا لم يكن في استطاعة البكر سوى ان يعقد مؤتمراً موسعاً للقيادة العامة للقوات المسلحة حضره عدد كبير من الضباط ذوي الرتب الكبيرة، وبعد ان شرح البكر الموقف للحاضرين موضحاً ان المخاطر والصعاب التي بدأت تواجه الجيش في هذا المحور من محاور العمليات، توجه بالسؤال للضباط الحاضرين طالباً منهم ان يساعدونه في ايجاد حل ملائم، وان من يجد من الضباط في نفسه القدرة على ادارة العمل في هذا القاطع فانه سيستلم قيادة الفرقة المشاة الثامنة فوراً، والتي يأخذ مقرها على عهدته ادارة الحركات، وكان مقرها قرية خليفان التي لا تبعد عن المضيق اكثر من ثلاثة كيلومترات، وبعد دراسة مستفيضة للموقف استغرقت وقتاً طويلاً، ابدى اللواء الركن (عبد المنعم لفتة الريفي) وهو شيعي وكان يشغل منصب آمر كلية الاركان استعداده لاستلام قيادة الحركات في هذا القاطع، حيث كانت العمليات قد توقفت لفترة بسبب الفشل الذي ادى الى حدوث خسائر كبيرة، كان اللواء (23) لايزال محاصرا ً على كتفي المضيق على سلسلتي كورك يمين المضيق ونواخين الكائنة علي يساره.
استلم اللواء الركن (عبد المنعم لفته الريفي) قيادة الفرقة الثامنة والحق بها عدد من الألوية الاخرى من بينها لواء المشاة الثامن الالي، وبدأ بالشروع بفتح مضيق كلي علي بك حيث شهدت الاشهر الأخيرة من عام 1974 حرباً طاحنة و صراعاً عنيفاً، فكلا الطرفين يعطي اهمية بالغة للنصر الذي يحققه على الطرف الاخر في هذه النقطة، وقد اصدرت قيادة الحركة الكردية اوامر مشددة بخصوص الصمود حتى النهاية وعدم فسح المجال امام الجيش العراقي للتقدم و اختراق المضيق، وقد بدأت قيادة فرقة المشاة الثامنة عملياتها بأسلوب جديد، ونظراً لكون الطريق الرئيسي يمر عبر خانق المضيق، فلم يكن ممكناً التقدم عنوة بعد ان تم تجربة هذا الاسلوب فاثبت فشله وكبد القوات العراقية خسائر فادحة، لذا فقد عمدت القيادة الى فتح طريق عبر سلسلة جبل كورك وهو ما كان يعرف بطريق (هاملتون) المسمى على اسم المهندس الإنكليزي (هاملتون) الذي حاول شق طريق فوق كتف كورك باتجاه (عين بيخال) ثم الى راوندوز ففشل في حينها ويقال بأنه انتحر لأنه لم يكن قد وضع تصميماً ملائماً للعمل وانجاز المشروع، قامت الهندسة العسكرية بالعمل على اعادة فتح الطريق نفسه متتبعة اثاره التي كانت واضحة على الارض، استمر العمل في المشروع تحت وابل من النيران التي كان يصبها الثوار الاكراد على عناصر الهندسة التي كانت منهمكة بصورة جدية على الرغم من الخسائر في الارواح والمعدات التي كانت تتحملها، حتى تم الوصول بالطريق الى مراحل متقدمة، وكانت القوات تتقدم راجلة والية مؤمنة حماية جيدة للعمل الى ان امكن عبور قوات كبيرة وتصبح خلف المضيق في الجانب الاخر من السهل الفسيح المسمى (سهل ديانا) وعلى ضوء الموقف الجديد، اضطرت القوات الكردية الى الانسحاب من كتفي المضيق كي لا تصبح تحت تأثير نيران القوات العراقية التي امكن توجيهها من الخلف، وقد تتعرض الى المحاصرة والإبادة هي نفسها وبذا تكون الحركة الكردية قد تعرضت الى اكبر نكسة خلال مراحل الحرب، وقيل ان قيادة الحركة الكردية قد نفذت حكم الاعدام ببعض القادة الذين كلفوا بالدفاع عن المضيق، وبذا تم فك الحصار عن لواء المشاة (23) الذي كانت إدامته بالأرزاق والعتاد تتم بالإلقاء الجوي، وكثيراً ما سقطت حمولة الطائرات الملقاة جواً بأيدي الثوار الاكراد.
رابعاً/ شكيب عقراوي في كتابه سنوات المحنة في كردستان الصفحة 378 - 379 حيث يذكر بأنه في 8 آب 1974 قاد اللواء الركن (إسماعيل تايه النعيمي) قائد الفرقة الثانية هجوماً على بلدة راوندوز من محورين وقد فشل الهجوم وتكبدت القوات المهاجمة والتي كانت تتألف من لوائين من الجيش العراقي خسائر جسيمة، وفي 18 من الشهر نفسه استطاعت المكائن و البلدوزرات والمعدات العسكرية التابعة للجيش العراقي القيام بشق طريق جبلي ورفعت الأحجار والصخور من على طريقها (طريق السابلة) بين جبل كورك و بيخال ولم تكن هناك قوة للثوار الأكراد في بيخال، وفي يوم 19 منه نزلت الدبابات من جبل كورك الى منطقة بيخال بالقرب من بلدة راوندوز وبذلك سقطت البلدة عسكرياً وبسبب ذلك أيضا اضطر الثوار الاكراد الى الانسحاب من جبل كورز اي جبل نواخين مما سبب فتح طريق هاملتون امام تقدم الجيش العراقي من سبيلك نحو راوندوز وديانا وفي يوم 20 منه تقدم الجيش العراقي والدبابات من بيخال نحو راوندوز وتقدم رتل آخر من سبيلك نحو راوندوز وبذلك استطاع الجيش العراقي من احتلال البلدة وقد نقلت الحكومة العراقية الادارة المدنية اليها وعينت قائم مقاماً للقضاء ولكن البلدة بقيت خالية من سكانها الذين كانوا قد نزحوا من البلدة منذ شهر مايس 1974 والتحقوا بالثورة الكردية والتجأ معظمهم إلى ايران وفي 23 ايلول 1974 سقطت طائرة (ميك 19) في منطقة (برزيوه) القريبة من بلدة راوندوز واسر قائدها الملازم الاول الطيار (صفاء شلال).
خامساً/ الكاتب والصحفي الكردي (كامران قرداغي) في مقابلة له مع صحيفة الحياة يتحدث عن هذه المعركة قائلاً " في مطلع شهر اب شن الجيش العراقي هجمات من جهات عدة في محاولة للسيطرة على حوض راوندوز واستمر في الهجوم نحو عشرة ايام، قبل ان تشن قوات البيشمركة هجوماً مضاداً ناجحاً، أجبر القوات العراقية على الانسحاب الى مواقعها السابقة، بعد ان تعرضت الى خسائر فادحة في المعدات والارواح، فشل القوات العراقية في هجومها الأول للسيطرة على حوض راوندوز لم يمنعها من شن هجوم جديد في نهاية الشهر ذاته. هذه المرة نفذت الهجوم في عملية جريئة من قمة كورك الى اسفل الجبل بعد ما قامت (T55) تمثلت في نزول رتل من الدبابات الروسية و بلدوزرات عسكرية ليلاً بإزالة صخور ضخمة تمهيداً لسير الدبابات التي نجحت في الوصول الى الأسفل فجراً، لتفاجئ قوات البيشمركة التي كانت نشرت قوة مراقبة صغيرة في اسفل كورك لأنها كانت واثقة تماماً باستحالة نزول دبابات من قمة جبل ارتفاعه أكثر من (2000) متر، وهي تبلغ درجة انحدار يقارب نحو 60 بالمئة، اجبر هذا التطور قوات البيشمركة على الانسحاب من قمة كورز ومواقع اخرى، بعد ما أصبح الطريق العام من بيخال الى راوندوز مفتوحة أمام القوات العراقية. طبعاً شعرنا بإحباط وقلق شديدين عندما وصلنا خبر التقدم العراقي في تلك الجبهة وكالعادة في حدوث تطورات مماثلة تنتشر بسرعة روايات وشائعات متضاربة عن أسباب الحدث ساعد في انتشارها غياب شهود عيان مراسلين في الجبهات ويقتصر مصدر الخبر على القيادة والإعلام التابع لها، الرواية الاكثر رواجاً افادت بان خيانة حدثت حيث قررت وحدة البيشمركة المراقبة في اسفل كورك المؤلفة من عناصر ينتمون الى عشيرة معينة غادرت موقعها قبل ان تصل القوة البديلة التي ينتمي أفرادها إلى عشيرة منافسة فضل الموقع من دون مراقبة ورواية اخرى لم تخلو من واقعية افادت ان تلك الخطة وضعت من قبل خبراء عسكريين سوفييت كانوا يعملون مع الجيش العراقي وهم الذين دربوا الجيش العراقي على تنفيذها، الحق أن قادة الوحدات من البيشمركة من هم ضباط سابقون في الجيش العراقي اكدوا لنا ان الجيش العراقي لا يخلو من ضباط كفوئين، اولئك الذين وضعوا تلك الخطة المذهلة ونفذوها".
سادساً/ اللواء فوزي جواد البرزنجي الكاتب والباحث في الشؤون العسكرية في مقال له بعنوان (أخطر عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي الباسل... فتح مضيق كلي علي بك سنة 1974 في شمال العراق) نشره في موقع الكاردينيا وعدة مواقع اخرى يتحدث عن هذه المعركة بالشكل التالي:
فعاليات قطعات الجيش العراقي الباسل:
أ-ادامة الفوج الثالث لواء المشاة (22) الباسل لربايا جبل نواخين بمواد القتال عن طريق الجو بالمظلات، كان قسم من المظلات تسقط في المناطق المسيطر عليها من قبل البيشمركه بسبب سرعة التيارات الهوائية.
ب-فتح الطريق الرئيسي (اربيل، صلاح الدين، شقلاوة، خليفان) بقتال شرس مع البيشمركة.
ج-فك الحصار عن الفوج الثالث لواء المشاة (22) المحاصر والماسك لربايا جبل نواخين.
د-التقدم لفتح طريق كلي علي بك لكن قطاعات الجيش العراقي التي كلفت بهذه المهمة وخاصة وحدات القوات الخاصة ووحدات المغاوير رغم تكرار العملية عدة مرات أخفقت بعملها واستشهد أعداد كبيرة من خيرة المقاتلين من الضباط والجنود في منطقة الجسر الخامس على طريق مضيق كلي علي بك نتيجة لتمسك البيشمركة وتحصنهم بمنطقة المثلث العارضة الجبلية عارضة بافستيان المسيطرة على الطريق والجسر الخامس خاصة.
تقدير موقف تعبوي شجاع لغرض تخطي طريق كلي علي بك:
أ-أشرنا في الفقرة (د) من فعاليات قطعات الجيش العراقي الباسل إخفاقها باجتياز منطقة الجسر الخامس على طريق كلي علي بك وتكبد خسائر كبيرة نتيجة تمسك البيشمركة بمواقعهم وقتالهم بشراسة مما دعى القيادة العسكرية الميدانية إلى التفكير ملياً لإيجاد محور بديل يحقق المباغتة ليتسنى فتح هذا الطريق.
ب-قررت القيادة العسكرية الميدانية القبول بالمجازفة أفضل من ازهاق المزيد من أرواح شباب العراق عند الجسر الخامس عن طريق كلي علي بك، المسلك الوحيد جبل كورك الذي يبلغ ارتفاعه (2147) متر ودرجة الميل من اتجاه الجنوب من مدينة خليفان تبلغ (60) درجة ودرجة الميل من اتجاه الشمال من مدينة راوندوز تبلغ (45) درجة وعدد الالتواءات عند التسلق في اتجاه مدينة خليفان من قاعدة الجبل الى القمة تبلغ (105) التواءات (منعطفات) لكن من اتجاه الشمال لا يوجد طريق اصلاً.
ج- أتخذ قرار لتنفيذ خطة معدلة عن تمرين اجراه الجيش العراقي الباسل بالاشتراك مع قطعات بريطانية سنة 1954 أطلق عليها رمز (تي 54) تقضي بتجاوز طريق هاملتون والإحاطة بالمضيق من خلال التقدم نزولاً على السفوح الشمالية الشرقية الى جبل كورك وبلوغ راوندوز من الجهة الخلفية (كاني قر) المتصلة بكورك وبيخال ومن ثم الانتشار سريعاً في حوض راوندوز بلوغاً الى ناحية (ديانا) وثكنة حامية (راوندوز) زائداً إدامة زخم الهجوم باتجاه تجسير الجسر الرابع والخامس ومثابرة وحدات هندسة الميدان على تطهير طريق هاملتون من الالغام المضادة للدبابات والحرص على الحيلولة دون تخريبه من خلال تفجير (التجاويف) التي وضعها مصمم هذا الطريق لأغراض التخريب المدبر.
أول عملية عسكرية في منطقة جبلية شاهقة الارتفاع تستخدم بها الدبابات وعجلات القتال المدرعة المسرفة على مستوى جيوش العالم قاطبةً يقوم بها الجيش العراقي الباسل.
تفاصيل الخطة:
1. نهار يوم 7 آب 1974 شهد معارك دامية في منطقة الجسر الرابع داخل الكلي لمنع تجسير الجسر الرابع المخرب حيث أخفق الفوج الاول لواء المشاة العشرون من بلوغ المكان الذي توقفت به دبابات كتيبة دبابات المهلب المتقدمة عن طريق هاملتون الصخري نتيجة كثافة الالغام المضادة للدبابات المزروعة على الطريق اولاً ونتيجة النيران الكثيفة الموجهة من رشاش الدوشكة في شكفته (كهف) في قطع سفح عارضة بافستيان المثلث الجبلي لمنع أي جهد هندسي يوظف لتطهير طريق هاملتون.
2. تكامل تسلق وحدات لواء المشاة الجبلي الخامس إلى قمة جبل كورك.
3. تكامل تسلق عجلات قتال جحفل الفوج الالي الثاني لواء المشاة الالي الثامن الى قمة جبل كورك المؤلفة من عجلات قتال مدرعة مسرفة نوع (ام 113) امريكية الصنع مسلحة بالرشاشات نوع براوننغ عيار (50%) من العقدة ودبابات نوع (تي 55) روسية الصنع هذا الفوج من نظام معارك الفرقة المدرعة الثالثة البطلة.
4. بعد تكامل عدد عجلات القتال المدرعة على قمة جبل كورك الفسيحة نسبياً قسم من الدبابات اتخذت موضع قاعدة نار على قمة جبل كورك ووجهت مدافعها باتجاه الأرض الجبلية المسماة بالمثلث عارضة بافستيان التي يتحصن بها البيشمركة من اتجاه راوندوز وبعد استطلاع دقيق اخذ وقت طويل تم تحديد المسالك التي تسلكها القوة اثناء النزول من قمة جبل كورك باتجاه مدينة راوندوز وتم شرح هذا العمل الى سواقي عجلات القتال المدرعة بشكل مفصل عدة مرات لأنهم سيتحملون جهد خطير ومسؤولية تاريخية كبيرة.
5. تم تحديد وتهيئة القطعات التي سوف تتقدم على طريق كلي علي بك عبر الجسر الخامس وتندفع نحو المناطق المفتوحة وادي ديانا حال نجاح القوة النازلة من قمة جبل كورك في تدمير مواضع البيشمركة في منطقة المثلث الجبلية عارضة بافستيان من اتجاه راوندوز.
6. بالساعة (س) المقررة مع خيوط الضياء الاول يوم 7 آب 1974 الذي حدد لتنفيذ العملية باشر بالحركة والنزول من اعلى قمة جبل كورك الفوج الاول لواء المشاة الجبلي الخامس بقيادة المرحوم النقيب الركن (محمد احمد الحاج داود) وعلى يسار الفوج الاول جحفل فوج المشاة الآلي الثاني لواء المشاة الآلي الثامن بقيادة الرائد الركن (عبد مطلك الجبوري) لقد كان خط شروع الفوج الاول الجبلي نحو الواجب هي (القمة الجرداء) جبل كورك، فيما انحدرت ناقلات الأشخاص المدرعة المسرفة (ام 113) لفوج المشاة الآلي زائداً دبابات (تي 55) المتجحفلة مع الفوج الاول من (كفل) الجبل ومن ثم تخلل الفوج الثاني لواء المشاة الجبلي الخامس بقيادة المرحوم المقدم (عبد الجبار غالب) من خلال الفوج الاول لإدامة زخم تطهير حوض راوندوز وقد كان من الأولويات الالتفاف على هضبة بافستيان المثلثة ومعالجة (موضع الرشاشة المستتر) الحاكم الكائن في القطع العمودي المشرف على (الانعطافة الحادة) لطريق هاملتون المؤدية الى بيخال ومن ثم الى (كاني قر) والى راوندوز لقد كان منظراَ بانورامياً مذهلاً، تقدم القطعات وانتشارها على هيئة شعاعية والانسحاب غير المنظم للبيشمركة، انتشال عددي رشاش الدوشكة من مكمنهم الحصين بواسطة الحبال بعد ان بوغتوا ببضعة جنود يطلون برؤوسهم عليهم من الأعلى بالرغم من خطورة العملية، تفاجئ البيشمركة بالهجوم و لم يكن في حسبان قيادتهم قيام الجيش العراقي بمثل هذا العمل وعندما اقتربت الدبابات وعجلات القتال المدرعة من اسفل قاعدة جبل كورك من اتجاه الشمال جهة راوندوز ترك البيشمركة مواضعهم في منطقة المثلث الجبلية عارضة بافستيان وانهارت مقاومتهم وبنفس الوقت تقدمت قطعات الجيش العراقي الباسل عبر طريق مضيق كلي علي بك ودام الاتصال مع جحفل الفوج الالي الثاني اللواء الثامن الالي الذي نزل من قمة جبل كورك وطهرت راوندوز وواصلت قطعات الجيش العراقي عملياتها العسكرية في المنطقة وانتهى ابشع كابوس واجه قطعات الجيش العراقي في عمليات سنة 1974 في شمال العراق.
7. القوات الخاصة: لقد خاضت أفواج القوات الخاصة الاربعة قتالاً ضارياً ومعها سرايا قوات مغاوير الفرق في مهمة تطهير مضيق كلي علي بك وتهيئة الظروف الملائمة لإعادة تجسير الجسور الرابع والخامس تحديداً اللذان تم تخريبها في وقت سابق.
8. قامت القوة الجوية العراقية بتقديم الاسناد الجوي القريب ومعالجة موضع المدفعية الكامنة في قرية جنديان وزيوه الكائنة في أحضان جبل زوزك الذي كان تحت سيطرة البيشمركة ومع إحكام السيطرة على راوندوز ومع اقتراب توقيت غروب شمس ذلك النهار وفي آخر طلعة جوية تسنى لي ان اشاهد إصابة طائرة الشهيد الملازم الاول الطيار (صفاء شلال) بنيران مضادة أُطلقت عليها من جهة جبل زوزك.
الضباط الذين وضعوا الخطة وأشرفوا على تنفيذها:
1. الفريق الركن عبد الجبار شنشل رئيس اركان الجيش
2. الفريق سعيد حمو قائد الفيلق الأول
3. العميد الركن عبد المنعم لفته الريفي قائد الفرقة الثامنة اللاحق
4. العميد الركن عبد الرحمن سيساوه مدير الحركات العسكرية
5. العميد الركن طه نوري الشكرجي قائد الفرقة الثامنة السابق
الضباط الذين قادوا وحداتهم لتنفيذ الخطة:
1. المقدم الركن عبد الجواد ذنون امر اللواء الخامس
2. العقيد الركن عبد الكريم نصيف الحمداني امر اللواء الالي الثامن
3. العقيد الركن سلمان باقر الزبيدي آمر لواء المشاة العشرون
4. العقيد الركن عبد الجبار الصافي آمر لواء المشاة الرابع عشر
5. العقيد الركن كمال جميل عبود آمر لواء المشاة (22)
6. الرائد موفق محمد صالح آمر الفوج الثالث لواء المشاة (22) المحاصر في جبل نواخين
7. النقيب الركن احمد الحاج داود آمر الفوج الاول لواء المشاة الخامس
8. المقدم عبد الجبار غالب آمر الفوج الثاني لواء المشاة الخامس
9. المقدم الركن حسن علي صالح آمر الفوج الثالث لواء المشاة الخامس
10. العميد جعفر كركوش الحلي آمر مدفعية الفرقة الثامنة
تصوير هذه الاحداث بواسطة الأقمار الصناعية:
يجب التنويه ان هذا الحدث تم تصويره بالأقمار الصناعية السوفيتية في حينه لم يصدق جنرالات الاتحاد السوفيتي مشاهدتهم عبر صور الأقمار الصناعية العائدة لهم، جاء وفد الى العراق يتألف من كبار جنرالات الاتحاد السوفيتي المتخصصين بالصنف المدرع وشاهدوا على الطبيعة كيف تمت هذه العملية العسكرية ليتعلموا من خبرة رجال الجيش العراقي الباسل.
سابعاً/ الفريق الركن (رعد مجيد الحمداني) في كتابه الذي كان بعنوان (قبل ان يغادرنا التاريخ) رأينا من الصواب ان نتطرق الى ما كتبه بشأن هذه المعركة من نبذة مختصرة لزيادة الفائدة والوقوف على الاختلافات في عرض تفاصيل هذا الحدث حيث ذكر في الصفحة 47 من كتابه المذكور ما نصه (الموقف في قاطع كلي علي بك كان سيئاً لشدة وعورة المنطقة (كورك-نواخين-خليفان) قيادة الفرقة الثامنة بقيادة العميد الركن (طه الشكرجي) والمشهور بتهوره الا ان نجاح سرية دبابات خفيفة نوع DTR-76 من كتيبة 18 الدبابات الثانية بقيادة الملازم الأول (برجس سلمان العذبان) الذي استشهد في الحرب العراقية الإيرانية تمكن من اعتلاء قمة جبل كورك ومنها جاء تخطي المضيق وانفتح الطريق الى راوندوز.
ثامناً/ لقاء مع المقاتل في قوات البيشمركة (عبد العزيز حسين أحمد) الملقب بــ(عزيز دوشكة)..
كنت في حينها قد سمعت تداول حكاية ثلاثة أفراد من قوات البيشمركة كان لهم دور أساسي ومؤثر في منع قوات الجيش العراقي من عبور مضيق كلي علي بك وعند عزمي الكتابة في هذا الحدث المهم وتوثيقه استطعت من خلال البحث والتقصي الحصول على معلومات عن مسؤول هذه المفرزة والذي هو بالاسم المتعارف عليه (عزيز دوشكة)، ولم اكن اصدق بانه وزميليه قد نجوا من عقوبة الإعدام على ضوء دورهم المتميز في معركة كلي علي بك.
وتمكنت من الاتصال به وتنظيم لقاء معه بتأريخ 15/5/2020 في قرية (اكويان) التابعة لقضاء راوندوز وكان حديثه عن دوره وزميليه في هذه المعركة الذين وافاهما الاجل وكان بالشكل التالي:
في بداية شهر مايس من عام 1974 كلفت أنا (عبد العزيز حسين احمد) ولقبي (عزيز دوشكة) ومعي كل من (سليمان عبد الله) و(عبد الله اومر حمد) بالتموضع في أحد الكهوف في عارضة بافستيان والمطل على الممر الرئيسي داخل مضيق كلي علي بك القادم من جهة الجنوب (خليفان) وكانت مهمتنا الحيلولة دون تقدم قوات الجيش العراقي ومنعها من اجتياز المضيق الى سهل راوندوز.
رتبنا حالنا في هذا الكهف المقسم الى جزئين (طابقين) حيث خصصنا الجزء المشرف على ساحة المعركة لسلاحنا المؤثر (الدوشكة) والجزء الاخر مكاننا للمبيت وتناول الطعام الذي كنا نزود به مع كافة الاحتياجات الأخرى من خلال عدد من أفراد البيشمركة الإداريين المكلفين بهذه المهمة وكنت المسؤول الأول في هذا الكهف ويقع على عاتقي استخدام الدوشكة التي كنت قد دخلت دورة في أسلوب استخدامها وادامتها ومن الجدير بالذكر ولكونه سلاحاً كبير الحجم وثقيل الوزن فقد تم إنزاله من اعلى الجبل بواسطة الحبال.
وضعنا في الكهف كان محكماً ويصعب الوصول اليه أو التأثير عليه من أي سلاح في حوزة الجيش العراقي حينذاك والذي استخدمها جميعها (الطائرات، الدبابات، المدفعية، الأسلحة المتوسطة والخفيفة) دون ان يحقق أي نتيجة في النيل منا وإيقاف مقاومتنا في منع الجيش العراقي من التقدم وافشال محاولاته التي استمرت لأكثر من خمسة عشر يوماً، موقع الكهف في أعلى الجبل وفوهته مائلة الى الأعلى نسبياً جعلت نتائج الرمي وبمختلف الأسلحة تجاهه ومن مسافة بعيدة تكون غير مؤثرة في حين كانت قوات الجيش العراقي المتقدمة داخل المضيق تحت أنظارنا وتأثير سلاحنا المباشر (الدوشكة) في ساحة انتشار ضيقة للغاية ومجال حركة صعب وشبه معدوم في بعض المحاور بالنسبة لهذه القوات والياتها.
عند وصول هذه القوات الى الجسر الرابع (كاني ماران) استطاعت كسر دفاعات البيشمركة داخل المضيق والتقدم نحو الجسر الخامس والأخير وأجبر ذلك قوات البيشمركة على الانسحاب خلف الخطوط الخلفية القريبة من هذا الجسر والذي كان ملغماً من قبل هندسة قوات البيشمركة، ونتيجة قيام الجيش العراقي اثناء تقدمه بقصف قوات البيشمركة المتواجدين قرب الجسر أدى ذلك القصف الى تفجير الألغام وسقوط الجسر الحديدي.
في صباح يوم 20 آب شاهدنا حركة غير مألوفة للدبابات فوق جبل كورك حيث شاهدنا أربعة دبابات تنزل وتسبقهم بلدوزرات، تم إخبار القيادة بهذا التحرك العسكري غير المتوقع وقاموا بدورهم توجيه المدفعية والتي لم تكن مؤثرة ولم تمنع أرتال الدبابات من النزول من اعلى جبل كورك الى أسفله في المنطقة الواقعة قرب بيخال الا ان هذا لا يعني عدم وقوع اشتباكات بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة بقيادة (سيد سليم) التي استبسلت بالرغم من قلة اعداد مقاتليها في تلك المنطقة تحديداً وعدم توقعها القيام بعملية عسكرية بهذا الشكل حيث اوقعوا العديد من مقاتلي الجيش العراقي بين قتيل وجريح وغنموا ما يقارب بين (70 الى 80) سلاحاً من نوع كلاشنكوف.
لقد كان يوم 20 آب يوماً مشابهاً ليوم الحشر (كما وصفه عزيز دوشكة) توقف إطلاق النار في الساعة الواحدة ظهراً فناديت رفيقيَّ وطلبت منهما انتهاز هذه الفرصة لتناول وجبة الغداء وقبل ان ننتهي من تناولها شعرنا بقدوم اشخاص في أعلى الجبل حسبتهم من عناصر مقاتلينا فطلبت من زميلي (عبد الله) ان يسرع ويطلب منهم الاختباء وعدم الظهور لتفادي معاودة إطلاق قذائف مدفعية الجيش العراقي وقصفهم لموقعنا، عاد زميلي مسرعاً ليخبرني بان القادمين ليسوا من مقاتلينا بل هم من عناصر الجيش العراقي، اصابني الذهول والدهشة واستفسرت منه عن كيفية معرفته لهم فأجابني من ملابسهم، لم يجرأ أي عنصر منهم بالاقتراب من فوهة الكهف وذلك لتخوفهم من مقاومتنا، الا انهم أخذوا ينادوننا بصوت عالٍ "اطلعوا برة.. اطلعوا برة أهل الدوشكة.. وكعتوا بيها.. صدناكم.. سلموا نفسكم" فعندما لم نستجب لندائهم قاموا بقذف الرمانات اليدوية علينا والتي لم تكن تصيبنا بسوء او تؤثر علينا بسبب قذفها من اعلى الجبل الى الأسفل ونحن داخل الكهف المحصن سوى الغبار والدخان الذي كان يتصاعد من جراء انفجارها، ولما لم يكن أمامنا أي أمل بالنجاة بعد أن أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما فإما أن نلقي بأنفسنا خارج الكهف وننتحر أو نستسلم للجيش العراقي ونترك مصيرنا لأمر الله سبحانه وتعالى وكان أملنا ضعيف في النجاة من قصاص الموت الذي ينتظرنا من السلطة بعد أن أوقعنا خسائر جسيمة في صفوف الجيش العراقي المتواجد داخل مضيق كلي علي بك. وبعد التشاور فيما بيننا للخلاص من المأزق الذي وقعنا فيه قررنا الاستسلام للجيش العراقي رغم قساوة وخطورة هذا القرار وقبل ان نقوم بذلك باشرنا بجمع الظروف الفارغة لعتاد الدوشكة وكان عددها (7000) سبعة الاف ظرف حيث قذفناها جميعها من باب الكف الى أسفل الوادي وهي حصيلة استعمالنا لهذا السلاح من الشهر الخامس وغايتنا إخفاء ذلك عن الجيش عند تحريه الكهف.
كنا في الكهف نفكر بمصيرنا الاسود وحال عوائلنا من بعدنا والساعة أخذت تقترب من الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 20/8 وقطع تفكيرنا مفاجأة قدوم ضابط برتبة ملازم أول يطل علينا من باب الكهف فما كان من زميلي (عبد الله) إلا أن يرفع سلاحه ويشهره بوجهه استعداداً لإطلاق النار عليه، فصاح قائلاً "توقف انا (محمد السورجي) ماذا تفعلون هنا لقد انتهى كل شيء هيا رافقوني و سلموا انفسكم للجيش العراقي وهذا خير لكم وشقيقي (عمر آغا) بانتظاركم وسوف لن يتوانى عن مساعدتكم"، رافقناه وخرجنا من الكهف تاركين ذكرياتنا للأيام التي قضيناها فيه ونحن نقاتل بكل جد واخلاص، واصبحنا في هذه اللحظات الحرجة نواجه مصيرنا لوحدنا بعد ان تركنا دون اشعارنا من قبل قيادتنا بوجوب الانسحاب.
في بداية صعودنا الجبل كان في استقبالنا (عمر آغا السورجي) وكان ينادي علينا ويقول "تعالوا لا تخافوا.. فأجبته لا نخاف عمر آغا فالوضع لا يستحق الخوف ونحن في حالة حرب"، صافحنا وقدم الماء لنا واستمرينا في صعود الجبل معه وهو يقول "اعتذر عن مساعدتكم وإطلاق سراحكم امام هذا الحشد من الضباط والجنود الحاضرين بعد ان اصبحتم مشخصين ومطلوبين للسلطة ولكنني سوف أحاول بكل امكانياتي مساعدتكم بشرط اصراركم على الادعاء امام الهيئات واللجان التحقيقية بكونكم قد سلمتم أنفسكم نادمين ولم يقبض عليكم والباقي على مسؤوليتي".
وفور صعودنا الجبل شاهدت جمعاً من الضباط والجنود والدبابات وتفاجأنا بقدوم رئيس عرفاء نحونا رافعاً ذراعه وفي يده رمانة يدوية وقد نزع عتلة الأمان عنها مهدداً بقتلنا ولا يتوقف عن تهديده رغم طلب الحاضرين منه الكف عن ذلك وبدأ في التصعيد من تصرفه الجنوني عندما بدأ يصرخ ويتوعد قائلاً "توخرون لو أفجر الرمانة عليهم وعلى نفسي...تدرون هذولة شسووا بالجيش العراقي؟" كان الموقف صعباً ولم يتم معالجته الا عندما تدخل الملازم (محمد البصراوي) الذي تقدم نحوه بهدوء وهو ينصحه بالتأني والتعقل والعدول عن تصرفه هذا الذي سيجعله تحت طائلة العقاب والمسؤولية التي هي من اختصاص الجهات القضائية، فاجأه الملازم (محمد) بضربة قوية وسريعة على يده التي فيها الرمانة وكان رياضياً مما جعل الرمانة تخرج من يده الى الأعلى والى الخلف وتسقط في الوادي العميق الذي كنا واقفين بالقرب من اطرافه وانفجار الرمانة دون اضرار.
بقينا في ذلك المكان لغاية الساعة الخامسة والنصف وكانت المدفعية التابعة لقوات البشمركة تقوم بقصف المكان الذي كنت متواجداً فيه مع قوات الجيش العراقي.
تم استلامنا من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية ومررنا بمختلف السلطات التحقيقية في محافظتي أربيل وكركوك حيث تم الافراج عنا بتاريخ 1/6/1976 على ضوء المعلومات المثبتة في اوراقنا والتي شفعت لنا من اننا قد سلمنا انفسنا دون مقاومة للسلطات العسكرية نادمين بتاريخ 20/8/1974 وفي نهاية حديثي وما تعرضنا له من معاملة سيئة غير إنسانية في بعض مراحل التحقيق اود ان اذكر من اننا اصبحنا معروفين ومشخصين من اغلب القيادات العسكرية المشاركين في هذه المعركة وفي مقدمة هؤلاء الفريق (سعيد حمو) قائد الفيلق الأول الذي كان متلهفاً لمقابلتنا في مقره في محافظة كركوك بحضور جمع كبير من ضباط الجيش بالإضافة الى حضور عدد من رؤساء العشائر الكردية كان بينهم (صابر السورجي) و(لطيف الزيباري) واخرين من قادة المليشيات الكردية المعروفة في ذلك الوقت بالفرسان من المناوئين للحركة الكردية والمشاركين مع الجيش العراقي في قتالها حيث قدمنا لهم قائلاً "تعرفون هذولة؟!... هذولة جماعة الدوشكة الي جانوا يقاتلون الجيش العراقي من عارضة بافستيان داخل كلي علي بك، كما اود ان اذكر من انه بعد اطلاق سراحي انصرفت للعمل الحر وفتحت مطعماً في قضاء الصديق (راوندوز سابقاً) و(سوران حالياً) وفي أحد الأيام لاحظت حضور رئيس العرفاء الذي هددني بالقتل يوم استسلامي للقوات العسكرية وبعد انتهاءه من تناول الطعام وكان معه شخصاً اخر جائني ليسدد الحساب فقلت له "خليها على حسابي" اجابني "شنو المناسبة" فقلت له "ليش ما عرفتني؟" رد قائلاً " لا والله ماعرفتك.. منو؟" اجبته "اني عزيز دوشكة" فما كان منه الا ان يضع مبلغ الحساب على الطاولة وينصرف مسرعاً الى خارج المطعم.
ملاحظـات وإضافـات
يقول الشاعر معروف الرصافي في قصيدة له:
وما كتب التأريخ في كل ما روت
لقرائـــــها إلا حديــث ملـفقُ
نظـرنا بأمــر الحاضريـن فرابــنا
فكيف بأمر الغابرين نصدقُ
بالرغم من انني لا اتفق مع الشاعر في توجهاته التي يشكك فيها صحة المعلومات في الوقائع التاريخية بشكل تشاؤمي مطلق حيث ان الوقائع التاريخية إما أن تكون درجة مصداقيتها غير مشكوك بها أو على العكس من ذلك عندما تكون وقائع لا تقبل التصديق والقبول، والنوع الثالث منها هو الذي يجري فيه التحريف والتزييف في معظم أو البعض من وقائعه نتيجة النسيان او الاختلاف في التداول المستمر او التعمد في تغيير مجريات الاحداث التاريخية لمقاصد وأهداف سياسية او دينية او اقتصادية وحسب القول المأثور (التأريخ يكتبه المنتصرون) خير دليل على ذلك وهذا يجعلنا ان نكون مع شاعرنا (الرصافي) في التشكيك بالأحداث التاريخية عندما تكون الاحداث المعاصرة او التي لم يمضِ عليها الا وقت قصير يكتنفها الغموض والاختلاف من قبل الرواة المعاصرين كما هو الحال في مجريات أحداث ووقائع معركة كلي علي بك في عام 1974 نتناولها في الفقرتين التاليتين للوقوف على مجمل احداث هذه الواقعة:
أولاً/ الملاحظـات
1- مسعود البارزاني تناول في كتابه الموسوم البارزاني والحركة التحررية الكردية مجريات القتال بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة بالتفصيل في محور كلي علي بك ولنا الملاحظات التالية عليه:
أ- تفاصيل هجوم القوات الحكومية على منطقة هيز دشتي هولير وهيز سفين إتسم بالمصداقية والحقائق التي تنقصها كشف أسباب هذا التخاذل وعدم أداء هاتان القوتان لواجبهما بشكل جدي على غير المتوقع.
ب- جاء في الكتاب بان القوات الحكومية استعدت لشن هجوم كبير على منطقة حوض راوندوز في 8 أيلول بينما الصحيح هو 8 آب.
ج- قيادة معركة اجتياز مضيق كلي علي بك كان في أول الأمر منوطاً بالعميد الركن (طه الشكرجي) قائد الفرقة الثامنة وبعد فشله واخفاقه في هذه المهمة انيطت مهمة القيادة والاشراف على هذه المهمة بعد تغيير مسارها وتحويلها من المضيق الى جبل كورك ثم بيخال وراوندوز بمجموعة من الضباط لم يرد ذكر اللواء الركن (إسماعيل تايه النعيمي) فيه.
د- ورد في الكتاب بانه في يوم 19 أيلول شن العدو هجوماً معداً وفق خطة فاقت تصورنا .. والحقيقة هو يوم 19 آب.
ه- ورد في الكتاب بأن من قاد العملية هو المقدم الركن (عبد الوهاب)دون الإفصاح عن اسمه الكامل بالإضافة الى عدم ورود هكذا اسم ضمن الضباط المشاركين في هذه المعركة.
و- بالرغم من الدور البطولي للبيشمركة (عبد العزيز حسين أحمد) الملقب بــ(عزيز دوشكة) وزميليه كل من (سليمان عبد الله) و(عبد الله اومر حمد) الا ان دورهما قد اغفل عنه ولم يرد ذكرهم في هذا الكتاب باي شكل وصورة رغم الصدى الشعبي الواسع في حينها وتداول موقفهم الشجاع.
2- صلاح الخرسان وكتابه التيارات السياسية في كردستان يذكر فيه بانه تم تكليف الفرقة الثانية بقيادة اللواء الركن (طه الشكرجي) بالتقدم نحو مضيق كلي علي بك بينما الصحيح تكليف الفرقة الثامنة كما ورد في الكتاب تأكيده على عبور الدبابات جبل كورك بمساعدة المستشارين السوفييت.
3- العقيد الركن احمد الزيدي وكتابه البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية لدينا عليه الملاحظتين التاليتين:
أ- يذكر الكاتب بان قوات الجيش العراقي عندما أخفقت في العبور من مضيق كلي علي بك عمدت القيادة الى فتح طريق عبر سلسلة جبل كورك وهو ما كان يعرف بطريق هاملتون .. وهنا أود الإشارة الى ان البعض وحتى من العسكريين الذين عملوا في هذه المنطقة يجهلون تحديد الطريق الذي يطلق عليه هاملتون فهناك من يخطأ كما هو الحال مع مؤلف هذا الكتاب القيم ويعتقد بان الطريق الذي يبدأ قبل الوصول الى شلال كلي علي بك وينتهي في مصيف بيخال هو طريق هاملتون والصحيح ان هذا الطريق يبدأ من مدخل المضيق من جهة خليفان وينتهي عند الحدود العراقية الإيرانية بالإضافة الى ان الجيش العراقي عبر من جبل كورك وليس عن طريق هاملتون الحقيقي الذي أخفق في العبور منه او طريق هاملتون الذي يذكره خطأً. كما انه لا صحة لما ورد في كتابه من ان هاملتون قد أخفق في مد هذا الطريق وانتحر على إثر ذلك، بل العكس صحيح سيبقى اسم هذا الطريق خالداً باسم (هاملتون) لكونه مشروعاً لا يمكن تقييم فوائده العظيمة في كافة المجالات وحصرها.
ب- ورد في الكتاب بان القيادة الكردية قد نفذت حكم الإعدام ببعض القادة الذين كلفوا بالدفاع عن المضيق والخبر ليس له أساس من الصحة بسبب ان الخطة التي نفذتها قيادة الجيش العراقي من خلال العبور من جبل كورك الى مصيف بيخال لم يكن في حسابات القيادة العسكرية للحركة الكردية وهناك اخبار في تجميد عمل (سيد سليم) الذي كان مكلفاً في القتال في هذه المنطقة واجاد وأسباب تجميده لا علاقة لها بدوره في القتال.
4- شكيب عقراوي وكتابه سنوات المحنة في كردستان ملاحظاتي عن ما كتب بشأن هذه المعركة تنحصر في الشك وعدم صحة أن يكون اللواء الركن (إسماعيل تايه النعيمي) قائد الفرقة الثانية هو الذي قاد الهجوم على بلدة راوندوز من محورين وقد فشل كما يذكر، و ملاحظتي الثانية لا سيما وأنه كان يشغل مهمة الإشراف على جهاز الباراستن في الحركة الكردية (الاستخبارات) فكان الواجب عليه عند الحديث عن هذه المعركة ان لا يغفل دور المقاتل (البيشمركة) عزيز دوشكة وجماعته في هذه المعركة.
5- كاميران قرداغي واللقاء الذي أجراه مع صحيفة الحياة والحديث المتعلق عن هذه المعركة لم نجد فيه مجالاً لدرج اية ملاحظة لتناوله الحدث بشكل عام من خلال موقعه الإعلامي في الحركة الكردية إبان هذه الأحداث.
6- اللواء (فوزي جواد البرزنجي) في مقاله المعنون (أخطر عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي الباسل فتح مضيق كلي علي بك سنة 1974 في شمال العراق).. المقال تناول هذا الحدث بالتفصيل الدقيق ولكن رغم ذلك ومن وجهة نظري وقع في الأخطاء التالية:
أ- يذكر في الفقرة (6) من تفاصيل خطة عبور جبل كورك اتجاه بيخال من أنها نفذت مع خيوط الضياء الاول ليوم 7 آب 1974 والصحيح هو يوم 19 آب 1974.
ب-يذكر في الفقرة (8) بانه تسنى له مشاهدة اصابة طائرة الشهيد الملازم الاول (صفاء شلال) بنيران مضادة أطلقت عليها من جهة جبل زوزك مع اقتراب توقيت غروب شمس ذلك النهار وفي آخر طلعة جوية والصحيح ان الطائرة المذكورة لم تسقط في ذلك النهار وانما أسقطت يوم 23 أيلول 1974.
ج- يتطرق الكاتب في نهاية مقاله إلى أن هذا الحدث (عبور الدبابات من قمة جبل كورك) قد تم تصويره بالأقمار الصناعية السوفيتية في حينه ولم يصدق جنرالات الاتحاد السوفيتي مشاهدتهم عبر صور هذه الاقمار العائدة لهم، جاء وفد الى العراق يتألف من كبار جنرالات الاتحاد السوفيتي المتخصصين بالصنف المدرع وشاهدوا على الطبيعة كيف تمت العملية العسكرية ليتعلم من خيرة رجال الجيش العراقي الباسل.. إلا أن الحقائق تؤكد ومن مصادر عديدة ومنها ما ورد في كتاب (صلاح الخرسان) واللقاء مع الصحفي (كاميران قرداغي) المشار إليهما في بحثي هذا من أن المستشارين السوفييت قد شاركوا فعلا في هذه العملية، اما (مسعود البارزاني) فيذكر في كتابه البارزاني والحركة التحررية الكردية الصفحة 341 من انه في 20 آب 1974 عندما شنت القوات العراقية هجوماً بالدبابات على كورك وحوض راوندوز كان الخبير الروسي العقيد (الكسندر فاسيليف) بالاشتراك مع اللواء الركن (إسماعيل تايه النعيمي) يشرفان على العملية من قمة جبل كورك.
د- الجهد المتميز للكاتب في توثيق الدور المتميز لجماعة الدوشكة في عارضة بافستيان من خلال التطرق اليهم لعدة مرات ودورهم في منع اجتياز قوات الجيش العراقي لمضيق كلي علي بك ولجوء القيادة العراقية لخيار العبور من جبل كورك بدلاً من ذلك الا ان الباحث وقع في خطأ عندما ذكر بان جماعة الدوشكة الثلاثة تم سحبهم من الكهف الى اعلى الجبل بواسطة الحبال والصحيح هو سحب سلاح الدوشكة من الكهف الى اعلى الجبل بواسطة الحبال حيث وجهت قوات الجيش التي وصلت الى موقع الكهف استفساراً لجماعة الدوشكة عن كيفية إنزالهم للسلاح المذكور الى الكهف وعلى ضوء ذلك قاموا بتقليد المذكورين ولكن بدلاً من الانزال قاموا بالسحب.
هـ- يذكر الكاتب بان لواء المشاة (23) كانت قطعاته محاصرة في منطقة سبيلك وقطعات لواء المشاة (22) محاصرة على اطراف جبلي كورك ونواخين والعكس صحيح.
ثانياً/ الإضــافــات
1-كوفئ اللواء الركن (عبد المنعم لفته الريفي) على دوره في معركة كلي علي بك وعبور جبل كورك بإحالته على التقاعد برتبتين ادنى بعد انتهاء الحرب على اثر توقيع اتفاقية الجزائر في 6/3/1975 بتهمة الاهمال في اداء واجبه والحكاية تقول بأن الشيخ (محمد خالد البارزاني) جاءه عارضاً عليه التسليم وكان مستقراً في قضاء مركه سور و لم يكن مشتركاً في القتال الدائر في كردستان ويبدو ان مقابلة (الريفي) معه لم تكن ترضيه فقد طلب منه السماح له بالعودة ليضمن تسليم المقاتلين الموجودين في تلك المنطقة وفعلا سمح له بالعودة الا ان المذكور لم يعد بل توجه الى ايران ومعه مجموعة من المقاتلين(10).
2- كانت الاصابات في صفوف الجيش العراقي بشكل كبير اثناء هذه الحرب في عام 1974 وقد اعترف نائب الرئيس العراقي (صدام حسين) بانها بلغت (60) الف اصابة وكانت جثامين الضباط والجنود من ضحايا هذه المعارك تنقل الى اهاليهم بواسطة سيارات الاجرة الاهلية (الصالون) حيث كان الصندوق الحاوي للجثة يوضع فوق المسند المربوط على سقف السيارة وكانت مفارز خاصة من الانضباط العسكري تقوم بتأمين هذه السيارات من رحبة سيارات الاجرة او شوارع مدينة اربيل ونفس الحال بالنسبة لمحافظتي السليمانية ودهوك وكان الكثير من سواق الاجرة يتهربون من تكليفهم بهذه المهمة للوقع السيء على نفوسهم وخاصة عندما كانوا يصلون الى ذوي الضحية ويصبحون بمواجهتهم عند تسليم الجثة من قبل المأمور العسكري المكلف بهذه المهمة وكانت عشرات الجثث لضحايا تشاهد يومياً على الطرق الرئيسية الرابطة بين المحافظات الثلاث (أربيل، السليمانية، دهوك) مع المحافظات الاخرى وخاصة محافظات وسط وجنوب العراق حيث كان اكثر الضحايا منها ومن محافظة بغداد وبالذات من مدينة الثورة.
3-بعد انتهاء القتال في عام 1975 اولت الحكومة العراقية اهتماماً خاصاً غير مسبوقاً لمشاريع الطرق العسكرية في كردستان وخاصة في المناطق الجبلية الوعرة بهدف تأمين وصول القطعات العسكرية الى كافة المناطق التي يتم ارسال هذه القطعات اليها عند اللزوم واصبحت الحاجة قائمة بشكل مستمر بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية في عام 1980 وتجدد النشاط العسكري للأحزاب الكردية المناوئة للحكومة العراقية، في نهاية السبعينات من القرن الماضي اصبحت المناطق الجبلية في كردستان تحتوي على شبكة واسعة من الطرق بعد ان رصدت الحكومة العراقية مبالغ ضخمة لإنجاز هذه المشاريع لأهداف عسكرية بحتة وكانت في الوقت نفسه قد اهملت الاهتمام بإنجاز الطرق الضرورية بين المحافظات وفي هذا الصدد تقودني ذاكرتي عندما كنت في موقع المسؤولية (نائب مدير شرطة محافظة اربيل) في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي حيث كنت اخاطب الدوائر الرسمية المعنية بالطرق الى ضرورة جعل طريقي (اربيل-موصل) و(اربيل-كركوك) بمسارين للذهاب والاياب وكنت ارفق بهذه الكتب جدولاً بمجمل الخسائر البشرية والمادية التي كانت تلحق بالمواطنين من جراء الحوادث المرورية بسبب تنقلهم بين هذه المحافظات وبشكل ملفت للنظر، الا ان محاولاتي المتكررة لم تكن تجدي نفعاً او استجابة.
بعد احتلال العراق والقضاء على النظام السابق في عام 2003 وعودة سكان القرى المهجرين من قراهم الى مناطقهم على طول الشريط الحدودي مع إيران وتركيا اصبحت هذه الطرق المشيدة لأغراض عسكرية ذات فائدة كبيرة للاستخدام المدني لهؤلاء المواطنين في التنقل وفوائد جمة من الناحية الاقتصادية.
4- من مآسي هذه الحرب القذرة لابد لي ان اذكر حادثة رسخت في ذهني ومشاعري لا يمكن ان أنساها ابداً فعندما كانت مدينة اربيل تعيش في اجواء الحرب وافتقار الامن والاستقرار خلال تلك السنة وفي عصر احد الايام وبينما كان عمال يعملون في محل للحدادة داخل المدينة وبالقرب من القلعة (المحلات وبكل انواعها كانت داخل المدينة في ذلك الوقت) يقومون بلحام صهريج واذا به ينفجر ويخلف صوتاً مدوياً زرع الخوف والهلع بين المواطنين في السوق وفي تلك المنطقة بالذات حيث كانت تعج بالجنود آنذاك والذين اعتقدوا بان هجوماً قد حصل من قبل قوات البيشمركة فبدأوا بإطلاق النار عشوائياً من اسلحتهم، الناس المسالمون اخذوا يركضون في جميع الاتجاهات خوفاً على حياتهم ومن أجل العثور على اماكن آمنة وكان هناك معلمة شابة تدعى (سميرة) تحاول تسلق طريق القلعة للنجاة بنفسها وهي في منتصف الطريق اصابتها اطلاقة غادرة لتلفظ انفاسها وتسلم روحها البريئة حيث لم يكن يمضِ على زواجها الا فترة قصيرة.
هوامش الفصل الثاني / المبحث الثالث
1- العقيد الركن احمد الزيدي / البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية / ص133
2- العقيد الركن احمد الزيدي / المصدر السابق / ص134
3- شكيب عقراوي / سنوات المحنة في كردستان / ص376
4- يونان هرمز / ايامي في ثورة كردستان / ص157
5- هيز يعادل لواء في الجيش العراقي / دشتي هولير يعني سهل أربيل
6- صلاح الخرسان / التيارات السياسية في كردستان / ص221
7- اللواء فوزي جواد البرزنجي / مقال أخطر عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي الباسل .. فتح مضيق كلي علي بك سنة 1974 في شمال العراق/ موقع الكاردينيا.
8- جواد كاظم البيضاني/ملحق صحيفة المدى في 14/4/2013 طريق هاملتون من تصميم وتنفيذ المهندس النيوزلندي هاملتون حيث بدأه في عام 1928 وانجزه في عام 1932 وهو مهندس طرق مشهور وألّف كتاب بعنوان طريق عبر كردستان.
9- هو سد مقترح بناؤه من العهد الملكي يقع على نهر الزاب الكبير ويبعد مسافة (60) كيلو متراً شرق مدينة أربيل بالقرب من مدينة خليفان حيث بوشر العمل فيه منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي ولم ينتهِ بناؤه وتوقف العمل فيه عام 1991 نتيجة تداعيات حرب الخليج الثانية والانتفاضة الشعبية حيث كان الغرض من بناؤه لتوليد الطاقة الكهربائية والتحكم بمناسيب المياه لتفادي الفيضانات.
10- عدد الالتواءات (المنعطفات) في الوقت الحاضر (32) التواءً وأصبح سطح جبل كورك مشروعاً سياحياً ينقل اليه السياح بواسطة جهاز (التلفريك) الذي اتخذ في مساره نفس مسار الدبابات التي نزلت من قمة جبل كورك الى قرية بيخال عام 1974.
11- العقيد الركن احمد الزيدي / المصدر السابق / ص131
للراغبين الأطلاع على الجزء السابع:
https://algardenia.com/maqalat/45853-2020-09-01-19-39-10.html
1186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع