د. نسرين مراد
عقب نجاح الثورة الإسلامية في إيران ووصول الإمام الخميني لسدة الحكم، برزت ظاهرة بلورة التركيبة الطائفية المذهبية في عموم المنطقة. بات العراق من أكثر الدول تأثراً بالمشروع الطائفي المتفشي كالنار في الهشيم، تلقائياً أو بشكل مبرمج. أوردت وسائل الإعلام الغربية أخباراً مفادها أن الشيعة في العراق يشكلون الأغلبية.
بدأت الإحصائية «الإعلامية» بنسبة تزيد على الخمسين في المئة قليلاً، ثم ارتفعت لتصل أحياناً إلى ما يقارب ثلاثة أرباع السكان. تارةً يستثنون المكون الكردي السني من التعداد.
تارةً أخرى يضيفون المكون الشيعي في الإقليم الكردي المتمرد إلى كفة الشيعة، المتحالفين سياسياً مع الكرد ضد النظام. عشية الغزو الأميركي للعراق، استقرت نسبة الشيعة عند حدود الستين في المئة تقريباً.
الأحزاب السياسية الحاكمة تتميز بنفَس وروح وفكر وتطبيق وتنفيذ طائفي. عن طريق قادة الأحزاب توطدت الطائفية في العراق بشكل غير مسبوق.
خاضت الأحزاب انتخابات فيها الأصوات الطائفية هي السائدة والمسيطرة على عقول وقلوب الناخبين. غالبية المنتخِبين يتخذون من بوصلة المرجعيات الطائفية اتجاها يبصمون فيه غامضي الأعين، على قسائم الاقتراع.
تم إنتاج شبه ثيوقراطية مذهبية، فيها يتسابق الأفراد والجماعات نحو التقرب ما أمكنهم من المرجعية المذهبية.
تاريخياً وديمغرافياً فإن أصل العراق سنّي، حتى ما بعد نهاية الحكم العثماني للمنطقة. لا توجد إحصائية رسمية أو مستقلة بتكوين العراق الإثني. بعد تولي العراقيين السلطة وضمان بعض الحريات، انتشر المذهب الشيعي بين المكون السني أو الشعب برمته.
يعود ذلك لسهولة استحواذ الصورة المأساوية لاستشهاد الإمام الحسين بن علي، حفيد النبي الكريم، على عواطف وأحاسيس المسلمين.
تُروى قصة مصرع الحسين في كل حفل متاح، وخاصةً خلال مراسم تشييع جنازات شيوخ العشائر والمرموقين من الشخصيات. المسلم السني الذي يحضر تلك الجنازات والتعازي، يجد نفسه أمام قصة تراجيدية دينية بامتياز.
قصة درامية روحية، ما أن تتكرر حتى تترسخ في القلب والدماغ والإحساس الروحي. مع مرور الزمن القصير تستقر الصورة في العقل الباطني، ويتحول المسلم من متأثر عن بعد إلى معتنِق ممارِس لطقوس المذهب الشيعي.
تتشكل القبائل العراقية من مزيج متراوح في النسبة بين الشيعة والسنة. هذا إلى جانب أعداد لا حصر لها من حالات التزاوج والتصاهر بين أتباع المذهبين.
الأنساب باتت خليطاً بين هذا وذاك، التلاعب به أو عليه يشبه تقطيع جسد شاة أو كبش قبل وبعد ذبحه، بالمشرط الجراحي أو بساطور الجزار.
على الدوام تعرض ويتعرض العراق لموجات صغيرة وكبيرة من المتوجهين لزيارة العتبات المقدسة من الخارج، معظمهم من أتباع المذهب الشيعي. بسبب جذب عتبات المكان وأهله، استقرت أعداد كبيرة منهم في العراق.
كان ذلك ينذر بحدوث خلل في التركيبة الطائفية، حساس لظروف قد تكون نشازا في التاريخ العراقي، كما حدث في الماضي ويحدث حالياً.
حصل قسم كبير من المهاجرين الطامعين بالبقاء حول المقامات والأضرحة المقدسة لديهم على الجنسية العراقية، بغضّ النظر عن ولائه الحقيقي للوطن. ظل ولاؤه للمرجعية الطائفية يفوق بكثير ولاءه للبلد أو الوطن الذي انتمى إليه، وأصبح رسمياً جزءاً منه بالتجنس.
مع هبوب رياح الطائفية على البلد، اتخذ موقعاً مناوئاً للحكم الوطني، لإرضاء ضميره المذهبي.
لم يشترك في الدفاع عن الوطن أثناء الغزو والاجتياح، وآثر التخندق مع زعماء طائفته؛ زعماء في حالة صراع سياسي مرير ومصيري مع النظام الحاكم، ولا يأبهون لإهدار الوقود المذهبي المختزن لصالحهم.
واقعياً ومنطقياً لا توجد فروق جوهرية حقيقية بين البشر، من مختلف الطوائف والمذاهب والأديان والأعراق. هذه أبجديات لم يتمكن النظام العراقي الحالي من النجاح في امتحانها، منذ بدأ الحكم وحتى الآن. لا بل ذهب عكس البديهة والفكر والمنطق والنهج الإنساني.
لاذ باتجاه التباهي بمقولات وشعارات وعبارات عفا عليها الزمن، ظن أنها توطده في الحكم وترضي سياسات وأذواق الأتباع، لضمان أصوات الاقتراع.
بسبب هؤلاء القادة وأتباعهم، بات العراق بعد الاحتلال من أكثر دول العالم حاجةً للتغيير. على الجميع أن يسعى لنيل الحقوق للجميع، بغضّ النظر عن الفكر الطائفي والسياسي والعقائدي والأصل العرقي، للجميع!
895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع