د.فاضل البدراني*
حرب باردة بين الكاظمي والبرلمان
تحديد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي السادس من حزيران 2021 موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية تعد خطوة جريئة في الاتجاه الإصلاحي الحقيقي الذي لم يتوقعه غالبية السياسيين ولا حتى المراقبين للشأن العراقي،لكنه فعلها بعد أن وعد الشعب والقوى السياسية قولا في برنامجه الحكومي عند استلامه الحكومة في 7 مايس/ مايو الماضي.
وخطوة الكاظمي الإصلاحية هذه واجهت جدلا ورفضا من بعض القوى السياسية والبرلمانية، كونها لم تتوقع أن يقدم عليها ويحدد موعد الانتخابات،ولكنها أفضت لحرب باردة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ،حتى وصل الحال الى أن كل طرف بات يغمز للآخر بالمادة 64 من الدستور، فأتباع الحكومة يلوحون بهذه المادة بحل البرلمان بطلب يقدم لرئيس الجمهورية ويصادق عليه، والبرلمان يلوح بأن المادة هذه تمنحه فرصة البقاء أو خياره بحل نفسه بعد طلب ثلث أعضائه بالمقترح ومصادقة أغلبية أعضائه بنسبة 50 زائد واحد..بينما التفسير الواضح للمادة بأنها ذات خيارين في حل البرلمان تشريعي وتنفيذي عندما تقتضي المصلحة الوطنية.
ولكن لماذا لجأ الكاظمي لخيار تحديد موعد الانتخابات هل كان زاهدا بالسلطة ونعيمها،أم هروب من المسؤولية وعدم القدرة على تحمل إدارة الدولة بسلطاتها الواسعة التي يتمتع بها ؟ بطبيعة الحال أن المتابع لمجريات الأحداث التي تعصف بالعراق وتمسك الأطراف السياسية التي لا تريد أن تتنازل عن مكاسبها غير الشرعية التي تحتكرها والذي يصب في خانة الفساد،وبعضها أطراف وصلت لقبة البرلمان عبر صناديق التزوير التي شابت انتخابات مايس 2018 هي الأخرى شعرت بتحركات رئيس الحكومة ومحاولاته الجادة إجراء إصلاحات لا تخدمها بالرغم من أن البلاد لم تعد تتحمل مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والصحية،فلجأت لطرق جديدة منها دس عناصرها في صفوف المتظاهرين وتأجيج الشارع عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتصريحات المعلنة والصريحة بتشويه صورة الكاظمي وانتقاد خططه في إدارة الدولة لكن هناك خطة كانت مسربة بأن أحزاب وقوى سياسية متنفذة وعدت بزج عناصرها في ساحات التظاهرات ببغداد والمحافظات بهدف إسقاط الحكومة الجديدة، مستغلة تردي الخدمات الأساسية التي يعاني من غيابها المواطنين،واهم خطوة سربت بأن القوى المتضررة من أداء الحكومة خططت لسحب الثقة من الكاظمي، كل هذه العوامل وغيرها جعلت الكاظمي يتغدى بالكتل النيابية قبل أن تتعشى به ،فأختار موعدا لإجراء الانتخابات، وبهذا فأنه نقل الكرة في ساحة الأحزاب والكتل والبرلمان ووضعها أمام عيون المواطن الذي ينتظر الإصلاحات ومنها مطلبه بانتخابات مبكرة،وبرأت ساحتها من أية خلافات مع الشعب.
لكن الموعد الذي حددته الحكومة قد لا يكون مناسبا لإجراء الانتخابات لأسباب عدة منها أكثر من 300 ألف من الهيئات التعليمية يعملون في الكيانات التي تساند عمل مفوضية الانتخابات، فضلا عن المدارس التي تتحول الى مراكز انتخابية تحت أشراف المفوضية ،وبهذا التوقيت ما تزال مشغولة بأداء الامتحانات النهائية، كما أن ارتفاع حرارة الجو في حزيران الى 40 درجة مئوية قد لا يشجع الناخب للذهاب والإدلاء بصوته، كما يؤثر على أداء الأجهزة الالكترونية التي تستخدمها المفوضية...هذه تعتبر إشكاليات شكلية إذا ما قورنت بإشكاليات دستورية تقع على عاتق البرلمان ويحتاج أن ينجزها كخطوة ممهدة لإجراء الانتخابات،منها المصادقة على ما تبقى من قانون مفوضية الانتخابات،على أن تكون رغبة المواطن في الدوائر المتعددة وعبر البطاقة البايومترية الذكية وليس البطاقة الغبية التي تساعد على التزوير،وكذلك المصادقة على قانون المحكمة الاتحادية المعطلة منذ أكثر من سنة بسبب النقص الحاصل في أحد أعضائها.وقد تلجأ الكتل البرلمانية الى المماطلة والتسويف للحيلولة دون تنفيذ قرار الحكومة بإجراء انتخابات مبكرة وذلك عبر آلية عدم التصويت على القانونين المذكورين، فهي تنظر للأمر مثل الذي يحفر قبره بيديه كونها على قناعة بأنها ستموت سياسيا أمام إفلاسها من الشارع العراقي، إلا في حال واحدة إذا تعرضت الكتل والبرلمان لضغط شعبي كبير فأنها سترضخ للأمر وتنفذ المتطلبات الدستورية. لكن البلاد ستشهد في المرحلة المقبلة حالة عدم استقرار جراء الحرب الباردة بين الحكومة والكتل البرلمانية وسيكون المنتصر فيها من يقف خلفه الشارع بالمساندة.
*أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1086 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع