الأقلمة الفيدرالية.. بين المؤيدين والمعارضين

                                 

                د. أكرم عبدالرزاق المشهداني

                         خبير قانوني

تشهد الساحة السياسية في العراق اليوم، مطالبات من بعض المحافظات (وتحديداً المحافظات المنتفضة ذات الأغلبية السنيّة) بتحوّلها من محافظة إلى إقليم، طبقاً لما ورد في الدستور الدائم لسنة 2005، وهو ما يُهيّئ الفرصة لاحقاً لعدد من المحافظات المتأقلمة لتتحوَّل إلى إقليم واحد (على غرار إقليم كوردستان الذي يضمّ 3 محافظات هي أربيل، السليمانية، ودهوك

وقد لَوّحت محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار والموصل برغبتها في إقامة أقاليم مستقلة إدارياً واقتصادياً في حال عدم استجابة الحكومة الاتحادية (المركزية) لمطالب وتظلمات المتظاهرين والمعتصمين في تلك المحافظات التي تشكو من الإهمال والإقصاء وسوء المعاملة وتردي الخدمات. لذلك وجدنا كثير من المتظاهرين والمعتصمين في المحافظات الست يرفعون شعار (الاقليم هو الحل) لأنهم اقتنعوا أنه في ظل الأوضاع الحالية لم يعد بالإمكان الرضوخ لتحكم سلطة المركز، بشؤون المحافظات وبخاصة تلك التي تعاني الاضطهاد والتهميش والاعتقالات والاعدامات الجزافية وغيرها من المظالم. ولا ينكر أن هناك أعداد كبيرة أخرى ترفض فكرة الأقاليم انطلاقا من خشيتها على وحدة العراق.

تصاعد الجدل حول الأقلمة:

لقد كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن (الفيدرالية والأقاليم)  وبشكل مثير للجدل الواسع،  ليس بين رجال السياسة والقانون فحسب،  بل تعدى ذلك الي مختلف الأوساط الشعبية وعموم المثقفين في البلاد، حتى بلغت المقالات المنشورة عن (الفيدرالية والأقاليم  في العراق) المئات، ويبدو أن التأثر بالتصريحات (السياسية) و(الدينسياسية) والأخبار المنقولة عبر وسائل الإعلام، فضلا عن حالة (الجهل العام) بهذا النمط من أساليب الحكم في منطقتنا العربية، التي لم  تتعرف علي هذا النمط من الحكم منذ أنهيار الدولة العثمانية وعقب الانتهاء من الحرب العالمية الاولي 1914 ــ 1918 تأسست على ركامها وفق سايكس بيكو، الكيانات العربية الحاكمة، وتشكلت  حكومات بنيت علي أسس الحكم المركزي بحيث  يرجع إليها في كل ما يتعلق بالشعب المحكوم من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إذن فالفيدرالية أو (الدولة الاتحادية) كما يسميها البعض، بقيت غير معروفة على نطاق الحكم في الوطن العربي، عدا حالة واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنها بقيت تدرس في نطاق الدراسات القانونية الدستورية. والفيدراليات ليست نمطا واحدا بل هي عشرات من الانواع والترتيبات تختلف من امة الى اخرى وحسب ظروفها وطبيعتها.

الفتاوى الدينية المتناقضة حول الموضوع:

المعارضون للفدرلة والأقلمة يستندون إلى عدد من الحجج، عاونتهم فيها فتاوى دينية من بعض المراجع الكريمة، ابرزها فتاوى استاذنا الدكتور عبدالكريم زيدان والشيخ عبدالملك السعدي وشقيقيه الشيخين د.عبدالحكيم و د.عبدالرزاق، ولكن المؤيدين للأقلمة  أيضاً لديهم بنفس القوة فتاوى دينية يرونها تعزز من شرعية مطالبتهم منها فتوى أصدرتها مجموعة كبيرة من علماء العراق من بينهم الشيخ د.علي القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ د.محمود عبدالعزيز العاني الأمين العام لمجلس علماء العراق، ونائبه الشيخ د.عبدالستار عبدالجبار والشيخ عبدالحميد الريكاني، الشيخ محمد عمر عبدالعزيز، الشيخ طايس الجميلي، الشيخ د.حسام السامرائي، الشيخ د. سامي رشيد الجنابي، وغيرهم.

حجج معارضي الإقليم:

وتتركز حجج المعارضين للفدرلة أو الأقلمة في:

1.رفض كل ما أنتجه الاحتلال غير الشرعي للعراق 2003 سواء من حكومات أو قوانين ودستور، استناداً لقاعدة "كل ما بني على باطل فهو باطل".

2.الخوف من أن تؤدي الأقلمة إلى "تقسيم" للعراق الذي كان دولة موحدة حتى عام 1991 قبل قيام إقليم كوردستان بحماية التدخل الدولي بعد حرب الكويت.

3.التخوف من إقامة الأقاليم على "أساس طائفي أو مذهبي" وما سيؤديه ذلك إلى نتائج يرونها كارثية: منها:

‌أ-أن تفرد السنة بحكم مناطقهم أو اقليمهم سيدفع المحافظات الشيعية الى الاحتماء أكثر بإيران، وسوف يتصاعد المد الإيراني في تلك المحافظات،

‌ب-فضلا عن احتمالات تنامي حالات العداء والاحقاد الطائفية بين مختلف اجزاء العراق، وبروز مشاكل حدودية بين المحافظات قد تتصاعد الى صراعات مسلحة ومستمرة، كما يرون أنها قد تقود إلى مزيد من الحروب الداخلية، والفتن والإقتتال المحلي، وإضعاف القدرة الوطنية في مواجهة الأعداء المتربصين بالعراق!!

‌ج-ومنها كذلك الخوف على مصير أهل السنة في المحافظات غير المنتمية للإقليم السني، وبخاصة محافظات بغداد والبصرة وبابل والناصرية، وما قد تؤديه هذه الخطوة من تكريس سياسات التهجير والعزل وربما تصل حد الإجبار على تغيير المذهب أو الطائفة!!

4.كما أن المعارضين للفيدرالية بالعراق اليوم يقولون أنه من خلال التجارب العالمية فإن (الأمم والأقوام) المفككة والمجزأة هي التي تلجأ إلى (الفيدرالية) من أجل التوحد، وليس العكس، أي أن العراق في أصله (دولة موحدة) فكيف نلجأ إلى تقسيمه إلى كيانات فيدرالية؟ ويرد عليه مؤيدو الفيدرالية بأن العديد من الدول الموحدة اختارت طريق الفيدرالية لقناعتها بصوابه لظروفها.

5.فضلا عن أن المعارضين للفيدرالية يتخوفون من أن يؤدي إنشاؤها إلى ضياع ثروات العراق وتبديدها بيد الإدارات المحلية.

حجج المؤيدين للإقليم:

أما حجج المنادين بالفدرلة أو الأقلمة وانشاء الاقليم السني فيرون:

‌أ-إن الفتوى في هذا الأمر وهو من الأمور العامة يجب أن تكون (جماعية) وتصدر عن المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء او مؤتمر عام يضم علماء الأمة.

‌ب-أن نظام الولايات والأقاليم كان سائدا منذ عصر الخلافة الراشدة، حيث كانت أقاليم أو ولايات الخلافة تقسم على مكة المكرمة والمدينة المنورة ومصر والشام والبصرة والكوفة.. وغيرها.

‌ج-أن نظام الحكم في الإسلام لم يكن مركزيا بحيث يستبد الخليفة بكل مقاليد الحكم.

‌د-أن الوحدة لا تعني الإدارة المركزية ولا إلغاء الأقوام والشعوب، وإنما الوحدة التي تجمع الشعوب الاسلامية هي وحدة المشاعر والعقيدة والشعائر والولاء والنصرة، التي تؤدي بالضرورة إلى وحدة سياسية طوعية في القريب العاجل بإذن الله.

‌هـ-ليس هناك من بين فقهاء القانون الدستوري وخبراء القانون اليوم من يقول إن الفيدرالية أو الأقلمة تعني التقسيم.

‌و-إن أقوى الدول اليوم في العالم تطبق نظام الأقاليم أو الفيدرالية.

‌ز-أن القول بتحريم نظام الأقاليم (أو ما يسمى بالفيدرالية) في ظل الدولة الاتحادية الواحدة، ليس بالأمر اليسير، وجميع الآيات والأحاديث التي ذكرت في فتاوى التحريم هي في دائرة تمزق الأمة الواحدة وخروج فئةٍ باغيةٍ على الخليفة العادل الذي يقيم العدل، ففي هذه الحالة نحن جميعاً مع تنزيل هذه الأدلة عليها، في حين أن موضوع «نظام الأقاليم» في ظل الدولة وعدم الخروج عليها ظلماً وعدواناً لا يدخل في باب تمزيق الأمة والمسّ بوحدتها، فالفيدرالية هي نظام إداري اتحادي يحافظ على الوحدة إن أُحسن استعماله، والنظام السياسي في الإسلام واسع لكل إدارة ناجحة ما دامت لا تتعارض مع نص صريح من الكتاب والسنة.

‌ح-يعارض العلماء المؤيدون للأقليم، استعمال المعارضين في فتواهم لفظ (التحريم) في مسألة تعد اجتهادية، مع أن السلف الصالح والمحققين من العلماء لا يستعملون هذا اللفظ إلا في مُحرّمٍ مقطوعٍ بحرمته. لأن النزاع ليس في حرمة تمزيق الأمة، وإنما الحديث في نظام (الإقليم) أو (الفيدرالية) التي هي أشبه ما تكون بنظام الولايات في ظل الخلافة الراشدة.

‌ط-إن تحول المحافظات المنتفضة الى أقاليم أو إقليم سوف يعزز من اداراتها لشؤونها الأمنية والادارية والتعليمية والاقتصادية ويوفر لها كفاءات اضافة لما تمتلكه هي حاليا من خيرة الكفاءات الوطنية في كل المجالات. كما سيشجع على عودة الكفاءات العراقية المهاجرة حين تشعر بعودة الأمان الى محافظاتها.

حق تشكيل الأقاليم كما ورد في الدستور العراقي:

نصت المادة 113 من الباب الخامس من دستور عام 2005 على ما يلي:

«يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية» وبناء على هذا النص الدستوري فان انشاء الاقاليم في العراق يجد سنده الدستوري ومن حق كل محافظة او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب الاستفتاء عليه وفقا للشروط التي ذكرها الدستور وهي:

1. طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.

2. طلب من عُشر الناخبين من كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.

وقد جاء في المادة 114 من الدستور ما يلي:

اولا: يقر هذا الدستور عند نفاذه اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليما اتحاديا.

ثانيا: يقر هذا الدستور الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقا لأحكامه.

وطبقا لنص المادة 115 من الدستور فان مجلس النواب يسن في مدة لا تتجاوز ستة اشهر من تاريخ اول جلسة له قانونا يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم بالاغلبية البسيطة. واذا تكوَّن اي اقليم جديد فان سلطة الاقليم يحق لها ان توضع دستور لا يتناقض او يتعارض مع دستور الدولة الاتحادية.

سلطات الاقاليم وصلاحيات المحافظات غير المنتظمة في اقليم

وقد نصت المادة 118 من الدستور على ان سلطات كل اقليم الحق في ممارسة السلطة التشريعية باصدار القوانين والاوامر والتعليمات في حدود الاقليم او المحافظة على ان لا تتعارض مع دستور الدولة الاتحادية .. وللاقليم ايضا حق ممارسة السلطة التنفيذية والقضائية عدا ما ورد حصرا من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية المحددة في الدستور. غير ان من حق سلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية وفقا لما نصت عليه الفقرة (ثانيا) من المادة 118.

وبهدف التوزيع العادل للثروات وتعويض المناطق المتضررة اوجبت الفقرة (ثالثا) من المادة سالفة الذكر ما يلي: «تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحاديا، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها.» ومن الطبيعي ان تؤسس في السفارات والبعثات الدبلوماسية مكاتب للأقاليم والمحافظات لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية (الفقرة رابعا) وقد بين الفصل الثاني من الباب الخامس احكام المحافظات التي لم تنتظم في اقليم.

مما تقدم فأنّ المطالبة بالإقليم كما يرى انصاره هو حق دستوري كفله الدستور ومن شأنه ان يزيل المشاكل الخدمية التي يعاني منها الشعب في المحافظات المحرومة، وان انشاء الاقاليم على اساس دستوري يفترض أن يكفل حقوق المواطنين في الاقليم وأن يسعى مواطنوه للعمل على ازدهاره ورفع مستوى واقعه الخدمي وبالتالي سيتلون العراق بالوان جميلة وبنظام متطور من مشاريع التنمية الاقتصادية التي ستعطي البلد طابعا عمليا وتعيده الى مسارات متقدمة بموازاة الدول المتطورة التي تتصاعد وتيرة تنميتها بشكل لافت، حيث ستتنافس الإقليم من أجل التطوير والتحسين.

ان خيار الاقليم هو أحد الخيارات الدستورية التي كفلها القانون على اعتبار ان العراق بعد 2003 هو اتحادي وفيدرالي. وان الفيدرالية هي استحقاق دستوري وقانوني يلزم الجميع ويعطي الحق لكل محافظة او اكثر بتشكيل اقليم على أساس أداري وبأرادة المواطنين أو من خلال تصويت مجالس المحافظات لهذا الخيار. ويرون إن انشاء الاقليم اليوم يشكل الحل الامثل للخروج من الازمة، فانشاء الاقاليم ليس تقسيما وانما هو حل لكل الخلافات. وطالما لدينا اقليم كردستان، فينبغي السماح باقامة الاقاليم الاخرى، او ان نلغي اقليم كردستان، وهو امر مستحيل لعدم موافقة الكورد على هذا الموضوع، ان بلدا مثل العراق بمكوناته المختلفة والجغرافية المتنوعة تحتم اللجوء لنظام انشاء الاقاليم.

الفيدرالية في القانون الدستوري:

هناك عدة تعاريف في القانون الدستوري للفيدرالية Federalism ، منهم من عرَّفها بأنها (إتحاد لعدد من الولايات المتفرقة، او الاقوام المتناحرة، لتشكل كيانا جديدا)، ويعرفها آخرون بأنها: (مشاركة سياسية واجتماعية في السلطة من خلال رابطة طوعية بين شعوب وأمم وأقوام أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة او لغات واديان او ثقافات متباينة، وذلك في اتحاد طوعي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة او نظام سياسي واحد مع احتفاظ الكيانات التي توحدت بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي والحدود الجغرافية وصلاحياتها الادارية). وهناك من عرف الفيدرالية بانها (تشكيلة من مجموعة القوميات الكبيرة منها والصغيرة اوعدد من الولايات او المستعمرات او الاقاليم، تعطي أو تتنازل عن بعض من قوتها للحكومة المركزية).

ويرى قانونيون آخرون أن (الفيدرالية)  هي (إستقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة والسلطة المركزية الفيدرالية وعلى أساس المساواة). وطبقا للنظام الفيدرالي يكون لشعب الإقليم حق الاستقلال الذاتي و حق المشاركة في إدارة الشؤون المركزية، ومثل هذا النظام موجود في دول عديدة، مثل (أمريكا و سويسرا و المكسيك وبلجيكا وكندا وجنوب افريقية وغيرها) وغيرها من الدول.

الفيدرالية ليست بدعاً ولا رجساً من عمل الشيطان، بل هي شكل من أشكال الإدارة اللامركزية المتبعة في أنحاء كثيرة من العالم، يذكر الفقهاء ان حوالي 70 دولة (من بين 192 دولة في العالم اليوم يشكل سكانها 40% من سكان العالم)، تطبق النظام بشكل أو بآخر لوجود أكثر من نوع للفيدرالية، ويرد مؤيدو الفيدرالية والأقلمة على الذين يرون ان الاقلمة تقسيم للعراق بالسؤال منهم: هل سمعتم يوماً أحدا يتهم كندا أنها مقسمة؟ أو أن الولايات المتحدة مقسمة؟ أو أن سويسرة مجزأة؟ أو أن الإمارات العربية المتحدة مقسمة؟...

لكن ثمة من يسترجع مقولة الرئيس ويدرو ويلسون عند مناقشة موضوع الفيدرالية في أمريكا حيث كان يعتقد أن (ليس بالإمكان حلّ هذا الموضوع في فترة قليلة، فهو يتطلب تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبري، وهي مسألة أجيال)..،  ولكن هناك من المشرعين الأمريكان من رأى أن إتباع الولايات المتحدة لهذا النظام من الحكم، قد أسهم في تطوير القابلية السياسية للأمريكيين ووفر فرصة المساهمة في العمل السياسي والحكومي، فمن المعروف أنه بقدر ما تزداد الحلقات الإدارية تزداد فرص احتياج الكوادر السياسية لسد الشواغر والمناصب فيتقدم المئات والآلاف لملئ مثل هذه الأماكن التي ستوفر تدريباً سياسياً وتصقل الخبرات وتزيد من سعة الأفق السياسي، وفي ذلك يقول جيمس ماديسون عن النظام الفيدرالي الأمريكي (إنه أفضل تراث تركه المشرعون لبلدهم وأفضل درس أعطاه المتبرعون به للعالم).

ويمكن إعتبار خير مثال في تطبيق الفيدرالية في أكبر دولة إسلامية هو (إندونيسيا) والتي تعد رابع أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان إذ يبلغ عدد سكانها 210 ملايين نسمة وهي ذات مساحة تقدر بحوالي 5000 كيلومتر، وأكثر سكانها من المسلمين إذ تقدر نسبتهم بـ85% من سكان الدول. والبقية هم من النصارى والهندوس والبوذيين. كما أن تجربة دولة ماليزيا تعد الأنجح والأكفأ بين التجارب الآسيوية الفيدرالية وأخيرا تجربة الامارات العربية المتحدة.

ولاشك أن النقل الحرفي للتجارب أو لمؤسسات الحكم أو للقوانين نقلا جامداً،  هو غير سليم وهو من الأمور البديهية إلا انه لا يمكن للشعوب أو للدول أن لا تتأثر و تؤثر في الحياة, فالتفاعل ودراسة تجارب الآخرين ومعرفة الأخطاء تشكل مدخلا لنجاح أي تجربة أو فكرة قد تبدو جديدة أو غريبة نوعا ما...  وعلى العموم فالفيدرالية  عبارة عن ((نظام سياسي اتحادي حر تتقاسم وتوزع فيه الحكومة المركزية صلاحيتها الدستورية وواجباتها الادارية مع الأقاليم المختلفة التي تتكون منها الدولة التي  تأخذ بعض مهمات وصلاحيات حكومة المركز)) كما هو متبع في كثير من دول العالم المتقدم. ويجمع النظام الفيدرالي بين مزايا الدولة الموحدة ومزايا الدولة المركبة، فهو لا يعني تشظياً ولا تقسيماً للدولة، وفي ذات الوقت يعطي الأقاليم سلطة إدارة شؤونها المحلية بأنفسها بما يتفق وظروفها وخصوصياتها، ويحقق لسكانها قدرا من الديمقراطية وتصريف مصالحهم. فضلاً عن كون الفيدرالية تشكل مدرسة تدريب سياسية لتكوين قادة سياسيين لم يسبق لهم أن دخلوا في مجالات السياسة والإدارة.

وبعد:

ليست المشكلة في نوع نظام الحكم بل المشكلة في إيقاف تدهور البلاد نحو الحرب الأهلية التي بشّرِ بها رئيس الحكومة، الهدف وقف نزف الدم، وحفظ أمن العراق، وتخليصه من التدخلات الاقليمية وبالأخص من جار السوء الشرقي... قد يكون الاقليم هو الحل المؤقت لبعض أمراض العراق ربما، لكن العراق الموحد المشافى المعافى يبقى هو الأمل المرتجى والغاية التي يجب ان يسعى لها الجميع.

وإن الجدال سيظل دائرا بل ومحتدماً، ما دامت أحوال العراق لم ولن تستقر، وما دام تعسف المركز في ازدياد، والسلم الاجتماعي مخترق، ومرجل الطائفية يغلي بفعل من يزيدون في اشتعاله، وما دام التدخل الإيراني متصاعداً ومستمراً، ويد الإرهاب الأعمى مبسوطة كل البسط تفعل وتقتل من تشاء ويد الدولة مغلولة عن بسط الأمن في البلاد، ومادامت العملية السياسية عرجاء ومُعَوَّقة، ولا تمثيل حقيقي للشعب في سلطة تشريعية يفترض جدلا أنها منتخبة بعدالة ونزاهة، وتدافع عن حقوق الشعب، وتهدئ الأمور بدلا من تسخينها، إزاء كل هذه الحزم من المشكلات بل الكوارث لن تجعل هناك حلا يسيرا في متناول الأفق القريب، وشلال الدم ينزف كل يوم، والإحساس بالغبن والتهميش والإقصاء يملأ القلوب غيضاً وغضباً ونقمة وألماً،...... ولكن يبقى الأمل في عقلاء الأمة وبالأخص منهم العلماء (من الطرفين) وتحديدا اقول مراجع السنة ومراجع الشيعة، أن يكونوا أكثر حرصاً وتماسكاً وتوحيداً للصف بدلا من الفتاوى المكفرة والمحرّضة على قتل المخالف في الرأي، وعلى الحكومة يقع العبء الأكبر في أن تثبت للعراقيين أنها حكومة كل العراقيين وليست حكومة فئة منهم دون غيرها، وبخلافه فإن رحيلها أولى من بقائها هي المشكلة وليست الحل...

((ربِّ اجْعلْ هذا بَلداً آمِناً وأرزُقْ أهلهُ منَ الثمَرات))

صدق الله العظيم

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع