المحامي المستشار محي الدين محمد يونس
أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية ١٩٦٨ – ١٩٧٥ / الجزء الثاني
ها قد انتهى القتال وحل السلام وعم الفرح على الجميع الا قلة من الذين تضررت مصالحهم من تجار الحروب في أوساط البعض من كبار ضباط الجيش او البعض من رؤساء العشائر الكردية من المختلفين مع قيادة الحركة ومن المستفيدين من تعاونهم مع السلطة في مراحل القتال المختلفة بالإضافة الى الجماعات السياسية التي أبعدت ودارت السلطة لهم ظهرها باعتبارهم تياراً منافساً للحزب الديمقراطي الكردستاني في مجال حل ومعالجة المشكلة الكردية من خلال صلاتها بالنظام ومؤسساته العسكرية والأمنية وما كانت تلقاه من دعم مادي ومعنوي منها في الفترات السابقة على الاتفاق.
لقد اعتبرت قيادة الحركة الكردية البيان وما احتواه من إنجازات حلاً تقدمياً (١) عادلاً للمشكلة ونصراً عظيماً للشعب العراقي عموماً وللشعب الكردي خصوصاً وفوزاً عظيماً للثورة والحزب ولم يكن فيه أي عيب او قصور حسب نظرها ويمكن حصر اهم الجوانب الإيجابية بالنسبة للحركة الكردية من هذا الاتفاق (٢) بما يلي:
اولاً / اعتراف النظام العراقي بالحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة (مصطفى البارزاني) كممثل وحيد للقومية الكردية في العراق وله حرية العمل التنظيمي والثقافي بشكل علني، كما هو حال حزب السلطة وقد استتبع ذلك قيام تنظيم المكتب السياسي (جناح جلال الطالباني) بحل نفسه والاندماج مع الحزب اعلاه.
ثانياً / تعيين خمسة وزراء من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في التشكيلة الوزارية برئاسة احمد حسن البكر هم:
1- سامي عبد الرحمن / وزير شؤون الشمال(3)
2- نوري شاويس / وزير الإسكان
3- صالح اليوسفي / وزير الدولة
4- احسان شيرزاد / وزير البلديات
5- نافذ جلال حويزي / وزير الزراعة
خمسة وزراء كورد يدخلون التشكيل الوزاري الجديد على ضوء اتفاقية 11 اذار
الوزراء الكورد بعد ادائهم اليمين الدستورية
ثالثاً / عودة صحيفة التآخي الى الصدور في بغداد لتصبح منبراً اعلامياً يخاطب منه الحزب الديمقراطي الكردستاني الرأي العام في العراق بأسره كما كانت اعداداً منها توزع في العالم العربي.
رابعاً / إعادة المفصولين السياسيين مدنيين وعسكريين من منتسبي الحزب الى أعمالهم مع احتساب مدة فصلهم لأغراض الترفيع والتقاعد.
خامساً / نزول قادة ومنتسبي الحزب بكامل أسلحتهم الى مدن وقرى المنطقة الشمالية.
سادساً / صرف مخصصات شهرية لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع اعفاء السيارات الخاصة التي يستوردها أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية من الرسوم الكمركية.
سابعاً / تخصيص رواتب شهرية لأفراد البيش مركة بعد اعتبارهم افراداً في تشكيلات حرس الحدود بمقدار (15) دينار لكل فرد منهم.
ثامناً / انضمام مجاميع كبيرة من (الفرسان)(4) الى الحزب المذكور
تاسعاً / تعيين عدد كبير من كوادر الحزب في مناصب إدارية مهمة سواء في بغداد او في المناطق ذات الأغلبية الكردية فعلى سبيل المثال عين (علي عبدالله) محافظاً للسليمانية و (هاشم حسن عقراوي) محافظاً لدهوك و(عبد الوهاب الاتروشي) محافظاً لأربيل(5).
عاشراً / احتفاظ قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوات واسلحة ثقيلة وجهاز إذاعة مع مقر مركزي قرب الحدود مع إيران.
حالة الانسجام والتفاهم بين الحركة الكردية والنظام العراقي لم تدم طويلاً حيث لم تكد تمضي الا اشهر قليلة على ابرام الاتفاقية وفيها حصلت العديد من المشاكل وحالات التصادم بين قوات النظام العسكرية والأمنية واطراف كردية موالية لها مع البيش مركة في نفس عام صدور البيان الا ان الحادث الأخطر والأكثر تأثيراً في خلق حالة من عدم الثقة والإحباط لدى القيادة الكردية وشكها بمصداقية السلطة فـي تنفيذ بنود الاتفاقية عندمــا تعرضـــت سيارة (ادريس البارزاني)(6)
أدريس بارزاني
في الساعة الواحدة من ليلة 6/12/1970 الى اطلاق نار كثيف في احدى شوارع بغداد ومن عدة كمائن معدة لهذا الغرض ولحسن حظه لم يكون في السيارة حيث كان قد غادر بغداد في نفس اليوم عائداً الى أربيل وقد اتهمت الحركة الكردية النظام العراقي في مسؤوليته عن الحادث وقوبل هذا الاتهام من قبله بالرفض وارسل نائب الرئيس العراقي (صدام حسين) رسالة الى زعيم الحركة الكردية (مصطفى البارزاني) ذاكراً فيها بان المستهدف في هذه العملية الاجرامية ليس ادريس البارزاني وانما السلام والوحدة الوطنية والإنجازات التي تحققت من خلال بيان الحادي عشر من اذار 1970 وتعهد بالقصاص من الجناة العملاء ، محاولات النظام لم تتوقف عند هذا الحادث بل تجاوزته الى محاولتين للنيل من حياة قائد الحركة الكردية ( مصطفى البارزاني ) الأولى بتاريخ 29 أيلول 1971 والثانية في 20 تموز 1972 وبعد قيام (ناظم كزار) مدير الامن العام بمحاولته الانقلابية في 1 تموز 1973 والقاء القبض عليه واعدامه من قبل نائب الرئيس العراقي (صدام حسين) وكان هذا الحدث فرصة ثمينة للنظام في القاء تهمة التخطيط وتنفيذ الجرائم الثلاثة انفاً على عاتق المذكور لوحده(7).
على كل حال بعد هذه الاحداث اصبح (البارزاني) على قناعة تامة بانه لا يمكن التفاهم مع النظام الحاكم في بغداد وأصبح مسار العلاقات تتجه نحو التعقيد من خلال تبادل الاتهامات بين الطرفين والوضع نحو التأزم وتقلص مجالات التفاهم وانعدام الثقة لا سيما وكون الخروقات التي كانت تقع من الطرفين مكشوفة والنقاط السلبية التي كانت تسجل من أي طرف على الطرف الاخر واضحة للعيان وتزيد من مواقف الشك والريبة وبدورها تحول الى ردود أفعال ومواقف تجاه بعضهما البعض وفي هذا الصدد يذكر (مسعود البارزاني) ما نصه (هنا لا اريد تبرأة ساحتنا من المسؤولية الا ان المسؤولية الكبرى تقع على الحزب الحاكم والنظام)(8).
قبل أن أنتقل الى ذكر الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الحركة الكردية والحكومة العراقية المدرجة في كتاب بعنوان (لكي يصان السلام وتتعزز الوحدة الوطنية) من منشورات صحيفة الثورة لسان حال حزب البعث العربي الاشتراكي أود اولاً ان اذكر الانتقادات التي وجهت الى اتفاقية 11 اذار 1970 والنواقص التي برزت خلال تطبيقه على ارض الواقع من وجهة نظر الجانب الكردي الحزبي والمستقل ثم ننتقل الى حدث اخر ذو أهمية وقع خلال الفترة المقررة بتطبيق الاتفاق من عام 1970 ولغاية عام 1974 الا وهو الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وموقف الحركة الكردية منه.
اولاً/ الانتقادات التي وجهت الى اتفاقية 11 اذار 1970 (9)
لم تكد تمضي الا فترة قصيرة على تطبيق الاتفاقية الا وظهرت بوادر توجيه النقد لها وتحديد النواقص الذي يكتشف تفاصيلها من وجهة نظر الأطراف المحسوبة على الجانب الكردي ويمكن ان نجمل هذه النواقص ونحصرها في الأمور والجوانب التالية:
1- لم يجرِ تحديد نوع الحكم الذاتي الذي سيجري تطبيقه خلال الاربع سنوات وجرى تأجيل الموضوع للنقاش الى اخر مرحلة المفاوضات مما جعل اصدار قانون الحكم الذاتي متوقفاً على عزم ورغبة حكومة بغداد ومدى قابليتها في استئناف القتال مع الكرد.
2- لم يسمح بيان اذار بتدخل هيئة دولية كالأمم المتحدة او دولة صديقة للطرفين في الاشراف بصورة رسمية على تنفيذ البنود والاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها بين الجانبين.
3- لم يجرِ تحديد المنطقة الكردية في البيان التاريخي وجرى ترك الموضوع للإحصاء السكاني الذي لم يتم اجرائه.
4- لقد تقرر بموجب ملحق البيان بان يجري الإحصاء السكاني خلال سنة من صدور البيان ولكن السلطة في بغداد طلبت تأجيل ذلك بعد بضعة أشهر من صدور البيان وعليه لم يجري تحديد المنطقة الكردية وقد صار الخلاف حول تحديد المنطقة حجر عثرة وسبباً في عدم الوصول الى اتفاق نهائي في بداية عام 1974 ومن الناحية القانونية فان موضوع الحكم الذاتي لم يكتسب الصفة القانونية لان الاتفاق عليه بين الطرفين حول الاتفاق في المستقبل على امر من الأمور لا يعتبر عقداً قانونياً.
5- لقد كانت السلطة التنفيذية والتشريعية في ذلك الوقت من صلاحيات مجلس قيادة الثورة في بغداد الذي كان يسيطر عليه حزب البعث العربي الاشتراكي ولم ينص بيان اذار حول اشراك كردي في هذا المجلس وأصبح موضوع النفوذ الكردي الحقيقي محصوراً بوجود خمسة وزراء اكراد في بغداد وثلاثة محافظين في أربيل والسليمانية ودهوك وان تعيين هؤلاء الوزراء والمحافظين كان من صلاحيات مجلس قيادة الثورة الذي كان بإمكانه تبديلهم او عزلهم.
6- لم يحدد البيان والاتفاق السري الملحق به موعداً لإجراء انتخابات تشريعية في العراق لذلك بقي الوضع رهينة الاعتماد علاقة الحركة الكردية بحزب البعث العربي الاشتراكي.
7- ان القوة الكردية التي تقرر ابقائها كضمان للشعب الكردي بموجب الاتفاق بين الطرفين أصبحت افواجاً لحرس الحدود تضم ستة الاف مسلح كردي وقد جرى الحاق هذه الافواج تلقائياً بمديرية الشرطة العامة ووزارة الداخلية وكان لوزير الداخلية في بغداد صلاحية نقل هذه الافواج الى مناطق خارج كردستان العراق او الغاء هذه الافواج او الحاقها بقوات الشرطة السيارة.
8- لم ينص البيان على الالتجاء الى طرف ثالث عند حصول خلاف في تنفيذ البيان او خرقه او تعيين هيئة رسمية من الدول العربية او الدول الصديقة او تشكيل هيئة قانونية عراقية محايدة من القضاة العراقيين المعروفين بالاستقامة بالبت عند حصول خلاف او خرق بالبيان التاريخي وملحقاته من قبل جانب من الجانبين المتفقين وكان ذلك نقصاً كبيراً بالنسبة للاتفاق الذي توقف عليه مصير الشعب الكردي.
بعد ان تم تحديد اهم النواقص والجوانب السلبية من وجهة نظر الطرف الكردي في بنود هذه الاتفاقية لابد ان نشير الى وجهة نظرنا في مسألتين
الأولى:
الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القيادة الكردية في قبولها بفترة الأربع سنوات المحددة في الاتفاقية بتنفيذ وتطبيق الحكم الذاتي في كردستان وكان الاجدر ان تحدد مدة قصيرة لا تتجاوز السنة في كل الأحوال لتفويت الفرصة على النظام العراقي وعدم فسح المجال له لتنظيم قدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية بحيث يصبح قادراً على النكول عن تنفيذ الاتفاق حسب ما اتفق عليه بين الطرفين.
الثانية:
الحركة وقعت في خطأ اخر عندما اعتقدت بان مسايرة النظام الى اخر المراحل الزمنية المحددة لتنفيذ الاتفاق في 11/3/1974 هو لصالحها واستبعادها حتى التفكير في النهاية المأساوية وما آلت اليه بعد توقيع اتفاقية الجزائر في 6/3/1975 وكان الاجدر بالحركة وبعد فترة لا تتجاوز السنتين وبعد اتضاح نوايا النظام من خلال ما قامت به من اجراءات واعمال ضد الحركة ورئيسها وعدم التزامها بتنفيذ الكثير من الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب البيان ان تقوم بإنذار النظام وتحديد مدة لمعالجة السلبيات وبعكسه معاودة الخصام معه قبل ان يسترد أنفاسه بشكل كامل لا سيما وكون شاه ايران الذي كان المعول الرئيسي للحركة يلحُ في طلب انهاء العلاقة الودية مع النظام ويوعد الحركة بمختلف المساعدات في الفترة قبل حصول المتغيرات الدولية التي لم تكن في صالح الحركة الكردية.
هوامش الفصل الأول
1- مسعود البارزاني / البارزاني والحركة التحررية الكردية / ص 243.
2- صلاح الخرسان / التيارات السياسية في كردستان العراق 1946 -2001 / ص185.
3- كان الاسم الحزبي المتداول له ضمن الحركة الكردية هو (محمد محمود عبد الرحمن).
4- الفرسان / كلمة تطلق على أبناء العشائر الكردية الذين انضموا مع رؤسائهم في القتال ومساندة السلطة في العراق خلال فترة الحرب عامي 1974/1975 ضد الحركة الكردية ويذكر حضور هذه المجموعات الى الواجهة اثناء فترات القتال حيث كان يطلق عليهم في فترة 1961 لغاية 1970 فرسان صلاح الدين وأبناء العشائر العربية الذين كانوا مشاركين معهم في القتال يطلق عليهم تسمية فرسان الوليد وبعد عام 1980 اثناء الحرب العراقية الإيرانية أطلق عليهم تسمية أفواج الدفاع الوطني.
5- د. عبد الخالق ناصر العامري / البرزاني مصطفى والقضية الكردية في العراق 1931/1975 / ص 300.
6- محي الدين محمد يونس / الحياة حكايات / محاولة اغتيال ادريس البارزاني / ص 23.
7- مسعود البارزاني / البارزاني والحركة التحررية الكردية / ص 259.
8- المصدر السابق / ص 290.
9- شكيب عقراوي / سنوات المحنة في كردستان / ص 295.
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/45036-2020-06-30-20-59-03.html
2662 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع