الغجر (الزط) وثورتهم عام (٢٠١) هـجرية

                                                   

                      إعداد: بدري نوئيل يوسف

    

الغجر (الزط) وثورتهم عام (٢٠١) هـجرية

الزط في القاموس المحيط (جيل أسود من السند إليهم تنسب الثياب الزطية) (قميص ثم يلبس فوقه قميص أقصر منه). ويقال أيضا زاط الناس أي اختلطت أصواتهم وأحدثوا جلبة وبلبلة. وهم حسب كل الأخبارين العرب أعراب "جت" بالهندية، وهم جيل من الهند وهم السمة الرئيسة للغجر.

لقد بدأت قصتهم بمأساة وانتهت بمأساة أيضًا، الزط هي كلمة محرفة من كلمة جت، نسبة إلى إحدى الشعوب الهندية القديمة، يطلق على مجموعة من الغجر (الزُطّ)، (بضم الزاي وتشديد الطاء) هو تعريب للكلمة الفارسية جت. تقول الروايات التاريخية إن أصلهم يعود إلى الهند وإنهم انطلقوا منها إلى بلاد فارس، ودخلوا في الإسلام مع الفتح الإسلامي، وتم نقلهم إلى البصرة والفرد من هذه الجماعة يقال له (سبيجي او سابج).
منطقتهم تقع بين المنصورة ومكران في بلاد السند، وهم من أهم شعوب وادي السند كانوا سادة البلاد حين أغارت عليهم قبائل الآريين ، وقد بادر الزط إلى الخضوع، فعاملهم الآريين معاملة حسنة وكونوا منهم طائفة جديدة عرفت باسم " طائفة الويشية " التي لا تزال تضم أبناء الطبقة الوسطى ولا سيما التجار ، ولقد تأثر سكان هذه المنطقة بثقافات وعادات وتقاليد الشعوب الآرية ونتيجة للاختلاط والمصاهرة معهم ظهرت مجموعات من الزط تتباين في ألوانها منها من يميل إلى السمرة الشديدة وهناك من يميل إلى البياض وكانوا يسمون بالنور والغجر كما عرفوا أيضاً باسم الكاولية و يشتغلون بالسفن والقرصنة في البحر وكذلك بالرعي أو قطع الطريق في البر تبعاً للبيئة والظروف المحيطة بهم. أما عن صفة الزط الجسمانية فهم طوال غير غلاظ ويتسمون بتناسق الأعضاء والذكاء، والاسمرار واتساع الأنوف وارتفاع طرفها وصغر العيون وأفقيتها ونتوء الوجنات ودقة اللحية، واسوداد الشعور وكثافتها. وتتصف نساؤهم بطول القدود مع حسن المنظر. وكانت للزط طريقة فريدة مشهورة في قص شعورهم كما اشتهر الزط بصناعة الثياب " وإليهم تنسب الثياب الزطية .وكانت فيما يبدو تختلف في صناعتها عن باقي الثياب المعروفة في ذلك الوقت بدء الاتصال بالعرب، ويبدو إن الأكاسرة كانوا قد جندوهم في جيوشهم ، وربما كان سبب ذلك انهم استخدموا في تدريب الفيلة والعناية بها أيام عز الدولة الفارسية ، حيث تقول بعض الروايات إن عدد الفيلة كان ألف فيل ، وكان كل فيل يحتاج إلى طاقم خاص للعناية به كما يحتاج إلى عدد من المقاتلين الذين يكونوا في صندوق خشبي مدرع بالحديد يوضع على ظهره يحاربوا بالنبال والرماح الطويلة ، كما كانت هناك مجموعة من الجنود لحماية الفيل من الأعداء أثناء المعركة.
بعد ظهور الإسلام وجه الحاكم الفارسي هرمز عدة حملات بحرية إلى سواحل بلاد السند وكانت نتيجة لهذه الحملات أن وقع في أسره أعداد كبيرة من أهالي السند معظمهم من قوم الزط فجلبهم إلى فارس، و ضمهم إلى الجيوش الساسانية ليحاربوا العرب بجانب الفرس وعندما فتح المسلمون هذه البلاد تعايشت هذه الجماعات مع قبائل العرب وحرصت على بقاء تقاليدها وعاداتها القديمة، وانتمت السيابجة لقبيلة تميم حينما أسكنهم أبو موسى الأشعري البصرة بعد تحرير الأحواز سنة 20 هـ / 640 م، أثراً كبيراً في زيادة أعدادها وقوة نفوذها.
إلا أن ذلك لم يمنع القبائل العربية من احتضانهم والتحالف معهم، وحصلوا في البداية على حقوق مساوية لبقية المسلمين على الرغم أنهم لم يتركوا شيئا من عاداتهم الموروثة، فهم يتقنون فنون القتال الهندية التي لا يعرفها العرب، وقد اشتغلوا في البصرة كشرطة وحراس سجون، ولغتهم من لغات الهند، كانوا يستأجرونهم ليكونوا مقاتلين مرتزقة، اختصوا بالعمل في الملاحة البحرية، وقد استقر بعضهم في البصرة حتى إن أحد أحيائها حمل اسمهم، فيما قطن الزط أهوار العراق ليعملوا في الزراعة الرعوية. واعتزل الزط الحروب التي تبعت مقتل عثمان بن عفان (رض).
أما انتشار الزط على سواحل أفريقيا فابن منظور يرجعهم إلى أصل سوداني " إذ يقول: (وهم جنس من السودان والهنود) وأن هؤلاء القوم يذكرون بأن أسلافهم وفدوا إلى هذه المنطقة من وراء البحار ولعل المراد بها بلاد السند كما أن بعض هذه العناصر السندية قد استوطنت اليمن وسواحل شرق أفريقيا وأصبح لهم شأن فيها.
وكان النبي (ص) وأصحابه على معرفة تامة بأهل السند ولقد ذكر قوم الزط في عدة أحاديث شريفة. ولم يكن للزط المقيمين بشبه الجزيرة العربية دور سياسي يذكر في تلك الفترة حتى كانت حروب الردة، فاشترك الزط المقيمون بالقطيف وهجر مع المرتدين في محاربة المسلمين ويذكر الطبري أن المسلمين بعدما أحرزوا النصر على المشركين واستحوذوا على جميع ما في معسكرهم تبعوهم، فقصدت فلول المشركين بلده دارين (وهي قريبة من الساحل) فركبوا فيها السفن ورجع الآخرون إلى بلاد قومهم. فمن المحتمل أن بعض فلول المشركين الذين ركبوا السفن ورجعوا إلى بلادهم هم الزط والسيابجة الذين كانوا يقيمون في البحرين والذين ساندوا وناصروا المرتدين على المسلمين بعد أن أغواهم الحطم بن ضبيعة.
وبعد هذه الموقعة تقابل المسلمون مع الزط في مواقع كثيرة وذلك أثناء الفتوحات الإسلامية لبلاد العراق وفارس. ومن هذه المعارك معركة ذات السلاسل التي وقعت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق سنة 12هـ / 634م. وفي خلافة عمر بن الخطاب دخل كثير من الهنود كالأساورة والسيابجة والزط المقيمين في بلاد فارس في الإسلام على يد أبي موسى الأشعري سنة 16هـ / 638م .فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسباً لرسول الله (ص) فقيل لهم بني تميم ، فحالفوهم ثم خطت لهم خططهم فنزلوا بها وحفروا نهرهم المعروف بنهر الأساورة ولقد انخرطوا في حياة المسلمين العامة ولعبوا دوراً مهماً في الأحداث السياسية والاقتصادية واشتركوا في فتح بلاد فارس وخراسان وسجستان وكرمان ومكران والسند ، ونظراً لشجاعتهم ومراسهم في الأعمال المصرفية فقد وكلت إليهم أعمال كالحراسة والأعمال المصرفية والحسابات . كما كان حراس الخليفة عثمان بن عفان بعضاً من قبيلة الزط، وقد دافعوا عنه بشجاعة حتى قتلوا جميعاً على بابه قبل استشهاده كما وقف الزط مع علي ابن أبي طالب (ع) وكانوا من رجاله، وقد وكل إليهم حراسة بيت مال البصرة ودار الإمارة والمسجد
الجامع والسجن، وبذلك صاروا يقومون بدور الشرطة في المدينة.
بعد استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الحكم، وتفرغه لتنظيم أمور دولته أقدم على نقل عدد من الزط والسيابجة إلى سواحل بلاد الشام وثغورها لإبعادهم عن منطقة الشغب من جهة، ولتقوية الحاميات الإسلامية قرب الحدود البيزنطية وبناء السفن وتعمير هذه البلاد زيادة عدد سكانها من جهة أخرى.
لما قامت الدولة العباسية عمل خلفاؤها جاهدين على الحفاظ على بلاد السند الإسلامية وسعوا على توسيع رقعتها. وفي عهد المهدي قام الزط بالاضطرابات والفتن في الأجزاء الغربية من البلاد يساندهم في ذلك الأمراء الهنادكة على الحدود الغربية من بلاد الهند. فكان هؤلاء الأمراء يمدون الزط بالمال والسلاح حتى يستمروا في مضايقة العرب، ومن ثم اقتطاع أراضٍ من أملاك المسلمين السندية وضمها إلى إمارتهم
تمكن الزط من تشكيل قوة ضاربة سيطرت على طرق التجارة وبدأت في قطع الطريق بين بغداد وجنوب العراق، وانطلقوا في زمن المأمون في الثورة التي عرفت باسمهم ولم يتم قمعها فعليا إلا في زمن المعتصم حيث حوصروا وقطعت عنهم المياه، ودفعت برؤوس زعمائهم إلى بغداد، وبدأت بعد ذلك الهجرة الثانية للزط والتي شملت الشام ومصر وشمال أفريقيا.
وأنظم اليهم نفر من العبيد تشجعهم على قطع الطرق وعصيان الخليفة، حيث عاشوا في البصرة فساداً، وبسبب حالهم المتردي نهبوا الغلال من الضواحي، والأكثر غرابة أن أحد أصدقاء المأمون كان زطياً وهو السرب بن الحكم بن يوسف الزطي، وحين نشبت الفتنة بين الأمين والمأمون تزعم هذا الزطي الجند الخرسانية ودعا للمأمون واستولى على غرب الدلتا وصعيد مصر.
واستمرت هذه الثورة بعد وفاة المأمون حتى مجيء القائد العسكري حتى قام المعتصم بإرسال جيش عظيم ضم إليه من الجند خلقاً كثيراً، وجعل على قيادته عجيف بن عنبسة الذى ظل يحاصرهم مدة تسعة أشهر، فتمكن هذا القائد من جمع المعلومات عن أماكن تواجدهم وتحركاتهم، فقام بسد نهر بردودا والعروس لقطع الماء عنهم وسد تفرعات الأنهار حتى جفافها، ثم هاجم مواقعهم حتى ظفر بهم واستسلموا جميع رجال الزط، ودخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة 220هـ / 835 م فمروا أمام الخليفة المعتصم ورجال دولته حيث أمر المعتصم بنفيهم إلى خانقين في ثم نقلوا بعدها إلى ثغر عين زربة وبقوا هناك حتى أغار البيزنطيون على مدينـة عين زربة سنـة 231هـ / 855 م فأسروا من كان فيها ونقلوهم إلى الأناضول.
وعلى أثر الفتن التي قام بها الزط في جنوبي العراق وهزيمتهم، قامت القبائل الزطية في بلاد السند أيضا بالفتن والاضطرابات ضد العرب (سنة 221هـ / 836 م) وذلك في مستهل حكم عمران بن موسى بن يحي البرمكي فقاتلهم قتالاً شديداً حتى انتصر عليهم ثم بنى مدينة بالقرب من منطقتهم القيقان وسماها (البيضاء) وأسكنها جنده وحصنها وجعلها بمثابة مركز عسكري لمراقبة تحركات الزط والقضاء عليها بسرعة وسهولة ولقد كان نفيهم إلى الثغور الإسلامية نتيجة خطة مدبرة من الدولة العباسية لإبعادهم نهائياً عن قلب العالم
الإسلامي.
ومن الأساطير المتداولة حكاية تعود إلى بداية ظهور المسيح ونظرة الغجر إليه، وتعاطفهم معه، وغيرتهم عليه إلى حد التضحية بأنفسهم في سبيله. تبدأ حكاية "الحدادون الأربعة" بخبر الحكم بصلب المسيح بتهمة التمرد على الحكم الروماني بسبب دعوته بأن "الناس أخوة" وأن "الخادم والسيد متساويان"، وتكليف جنديين رومانيين بجلب أربعة مسامير للصلب من أحد دكاكين الحدادين: اثنان لغرزهما في يدي المسيح، واثنان في قدمي المسيح. كان في القدس أربعة حدادين فقط كلهم من الغجر بعد أن طرد الأغنياء من بلاد فارس الغجر، فتشردوا إلى أن استوطن بعضهم فلسطين و"تبنى أحفادهم عادات ودين الفلسطينيين".
توقف الجنديان عند الحداد الأول (أليعازر)، الذي وافق أولا، ولكن عندما سأل وعرف عن المحكوم عليه بالصلب رفض أن يصنع المسامير لأنه تذكّر المسيح عندما مرّ ذات يوم أمام دكانه مبتسما، وعندما سأله من يكون، قال "أنا الذي يأتي ليتحدث مع الناس ذوي النوايا الحسنة"، مما جعل أليعازر يعتبر المسيح من قومه، وهو ما وافق عليه المسيح قائلا "من بني قومك؟ أجل، إذا كنت إنسانا ذا نية حسنة". ولذلك رفض أليعازر بقوة صنع المسافر مما دفع الجنديين إلى قتله.
تكرّر الموقف حين ذهب الجنديان إلى الحداد الثاني (أندوش) الذي كان له زوجة واثنا عشر ولدا. وعلى الرغم من حاجته الماسة للمال ليطعم أولاده، إلا أنه عندما سأل عن المحكوم وعرف أنه المسيح، تذكّر أن الأولاد رأوه في أحد الأيام فقرّبهم منه على الرغم من أسمالهم البالية، وأعطاهم رغيفا من الخبز كان يحمله تحت ذراعه، ولذلك رفض أيضا صنع المسيح مما انتهى به الأمر إلى القتل أيضا.
حين وصل الجنديان إلى الحداد الثالث (جوزافي) أيقظاه من النوم وطلبا منه صنع المسامير الأربعة وإلا يقتل قبل المسيح. ولما سمع باسم المسيح تذكر جوزافي أنه شاهده يعظ في المدينة وهو يتكلم "عن زنبق الحقول والعصافير والكرمة والتين"، واستنتج منه هذا أنه غجري "لأنه يعرف النباتات والحيوانات بشكل جيد". ومع رفضه لصنع المسامير، لأنه كان يعتبر ذلك "مشاركة في جريمة قتل"، قام الجنديان بقتله على الفور.
لم يبق في القدس إلا الحداد الرابع (صموئيل) وعندما وصل الجنديان إلى مكانه وجدا ابنه الكبير (غاسبار) الذي تعلم المهنة جيدا. ونظرا لخوف الجنديين من العودة إلى الضابط المسؤول دونما مسامير فقد اتفقا على ألا يذكرا اسم المسيح "لأن كل هؤلاء الغجر يعتبرونه واحدا منهم، وربما يكون هذا صحيحا". وهكذا صنع غاسبار لهم ثلاثة مسامير وبينما هو يصنع الرابع سمع أصوات الحدادين الثلاثة تحذره من صنع المسامير فتملّك الجنديان الرعب أيضا، فهربا مع المسامير الثلاثة التي كان أنجزها غاسبار. عندما أدرك غاسبار الحقيقة حاول أن يلحق بالجنديين ولكن دون جدوى، ولذلك صعبت عليه الحال ومواجهة الناس في اليوم التالي فهام على وجهه.
وبسبب ذلك، كما تنتهي الحكاية، اضطر الجنود في صباح اليوم التالي إلى صلب المسيح بثلاثة مسامير فقط،
حيث ثبّتوا مسمارا في كل يد ووضعوا القدمين فوق بعضهما وغرزوا فيها المسمار الثالث.
أما غاسبار فقد بقي هائما على وجهه يحمل دعوة واحدة للناس في كل مكان يحل فيه: اصنعوا المسامير لتجميع صواري السفن، وإقامة هياكل البيوت، ولكن لا تصنعوها أبدا لصلب البشر.
المصدر
ضفة ثالثة منبر ثقافي ـ محمد م. الأرناؤوط
البصرة ذات الوشاحين ـ حسين بن سعدون
البخلاء ـ الجاحظ
أرشيف التاريخ العالمي الإسلامي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2240 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع