حيدر زكي عبدالكريم
لمْحَات من تاريخ الصحافة السياسية والاجتماعية
شهد الوطن العربي والعراق صدور العديد من الصحف والمجلات والتي كانت تعكس واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن اقدمها : جريدة الفرات السورية 1860 وجريدة الزوراء العراقية 1869وجريدة الاهرام(العريقة) المصرية1876وجريدة الحاضرة التونسية 1888 . وكانت صحيفة كردستان اول صحيفة كردية صدرت في القاهرة في 22 نيسان عام 1898، على يّد مقداد بدرخان . وبالنسبة للصحافة العراقية – نوجز شيء من تطورها التاريخي - كان العراق قد شهد اول ظهور للصحافة فترة الاحتلال العثماني ايام حكم داوود باشا مع (جريدة جورنال عراق) 1816 واثناء حكم الوالي مدحت باشا برزت اهم صحيفة عراقية هي (الزوراء) 1869 وكانت بأمر من حكومة الاحتلال العثماني وتوافقت مع اصلاحات والي العراق بتلك الفترة وكانت تنشر الفرمانات -(القوانين)- التركية والاحداث السياسية ويضاف الى تأسيسها انشاء مطبعة تحمل نفس الاسم لإصدارها بكادر تركي ويرى البعض : " انها قدّمت جّل الخدمات في الميدان الثقافي والاجتماعي وان تكون صورة للفكر والادب العراقي في المدة التي صدرت خلالها لذلك عدّت الزوراء اخصب بذرات من بذور الفكر الحديث في العراق ".
وصدرت على شاكلتها صحف محلية بالألوية (المحافظات) الاخرى مثل "الموصل" عام 1885 و "البصرة" عام 1889.
وخلال عهد الانتداب البريطاني وقبيل تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة ، ظهرت عدد من الصحف ذات النشاط الجماهيري والحزبي والديني امثال "جريدة الاوقات البصرية " و "جريدة العرب" البغدادية 1917اعقبتها جريدة "العراق" عام 1920 ثم جريدة "الشرق" من نفس العام .
وكرّد فعل على سياسة الاحتلال قامت ثورة 1920 وشاركت الصحف والجرائد بالتعبير عن الوعي السياسي المناهض للاحتلال والانتداب في تلك الفترة وكمثال مشاركة جريدة الاستقلال زميلتها الفرات في نشر مظالم المحتلين والرد على (اضاليلهم) وتوضيح مطالب الامة المشروعة لدى الراي العام العالمي ، ونشر اخبار المعارك . وتبصير الامة بالحالة السياسية .
وبعد تأسيس الدولة العراقية (المملكة العراقية الهاشمية) وتحديدا بعد تتويج فيصل ملكا على العراق ظهرت الصحيفة الرسمية وهي جريدة "الوقائع العراقية " عام 1922 لنشر اللوائح والقوانين وتوثيق الاحداث ايضا .
كما اتخذت الصحف العراقية موقفا من التصديق على المعاهدة البريطانية – العراقية الاولى 1922 وشنّت حملة قوية ضدها ، مما ادى الى تعطيل جرائد " الاستقلال والشعب والناشئة" عن الصدور ، واتخاذ تدابير احترازية ضد المعارضة بما فيها اعتقال العديد من الوطنيين .
وقبيل ظهور الحياة النيابية في العراق الملكي ظهرت ما يعرف بالصُحف الحزبية ومنها على سبيل الحصر صحيفة "صدى الوطن" للحزب الوطني العراقي يتزعمه جعفر ابو التمن ، و "جريدة النهضة" لجمعية النهضة العراقية ويتزعمها امين الجرجفجي ، و"جريدة العاصمة" للحزب العراقي الحرّ والذي يتزعمه محمود عبدالرحمن النقيب وهو موالي للحكومة .
وبعد العام 1925 نشأت صحافة حزبية اخرى ومنها "جريدة التقدم" الناطقة باسم حزب التقدم برئاسة عبدالمحسن السعدون وجريدة "نداء الشعب" لحزب الشعب بزعامة ياسين الهاشمي .
والمناسب الاشارة الى الصحافة الساخرة بطابعها الناقد اللاذع للوضع القائم حينذاك واشهرها جريدة "حبزبوز" والاسم مأخوذ من اسم من شقاوات بغداد وصدرت في عام 1931 رافقتها صحف اخرى تحمل نفس الطابع .
كما شهد نظام الحكم الملكي نمو وتطور الصحافة الصادرة في بعض الالوية العراقية ، فكانت الصحافة الموصلية والبصرية والنجفية والحلية فضلاً عن الصحافة الكردية ، وباقي انواع الصحف على اختلاف اشكالها والتي استطاعت ان تشّد الجماهير الواسعة من ابناء الشعب نحو اهداف وتطلعات مختلفة تصب في تنمية الوعي الوطني والقومي والاجتماعي والفكري ، وان تكون سلاحاً هاماً بيد الشعب واداة نضالية وثيقة الصلة بالجماهير ، كذلك شهدت الصحافة العراقية تحولاً هاماً بعد صدور قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 والذي عدل عام 1934 كما يصفها البعض .
رافق تلك الفترة ظهور تيارات سياسية ذات توجهات مختلفة فكريا وتبعها عدد من الصحف مثل "مجلة الفتوة" وهيّ مجلة علمية مدرسية نصف شهرية لصاحبها سعدي خليل وتتبع جمعية الجوال العربي وجريدة "المستقبل" والتي تتبع نادي المثنى بن حارث الشيباني وجريدة "الاهالي" لجماعة الاهالي - التيار الاصلاحي
وقبيل الحرب العالمية الثانية تميز الوضع العراقي بالقلق الشديد وبخاصة بعد وفاة الملك غازي (رحمه الله) بحادث السيارة ، حيث اتهم الراي العام في العراق بريطانيا بتدبير اغتيال الملك غازي والذي اثارت مواقفه بشأن الكويت وفلسطين غضب الانكليز حينذاك .
وما رافقها من احداث مثل حركة مايس1941 وتأسيس جامعة الدول العربية 1945وانتهاء الحرب قد فسحَ المجال لتأسيس احزاب علنية مع صحفها الخاصة بعد انتهاء الحرب مباشرة ومنها "جريدة الشعب" التابعة لحزب الشعب وكانت تصدر منذ عام 1944 وهي الجريدة التي بقيت تصدر بانتظام في كل يوم حتى انتهاء نظام الحكم الملكي وكان يقابلها صدور اخر لنفس الحزب باسم جريدة " الوطن" اسبوعية اصدّر منها 23 عددا. اما عن جريدة "الراي العام" التي كان يصدرها الشاعر محمد مهدي الجواهري الناطقة بلسان حزب الاتحاد الوطني ثم استبدلت باسم جريدة "صوت السياسة " . وفي ايلول/سبتمبر 1945 ظهرت جريدة تعرف باسم "العصبة" وقصتها كالاتي : ( تقدم عدد من اليهود العراقيين الى وزارة الداخلية بطلب تأليف "جمعية سياسية" باسم " عصبة مكافحة الصهيونية " وذكروا بعريضة الطلب انهم يعتبرون الصهيونية خطرا على اليهود ، مثلما هي خطر على العرب ووحدتهم القومية ، ونشرت صحيفتهم – انها تسعى للتعاون مع الوطنيين الاخرين للقضاء على النعرات الطائفية التي تمزّق وحدة الشعب العراقي وخلق جو من الودّ والتفاهم بين مواطني الشعب العراقي كافة ، ومعالجة مشاكل اليهود الاجتماعية التي تخلق التذمر والاستياء وتفسيرها تفسيرا علميا صحيحا . وفضح اولئك الذين يردون استغلالها لبث الدعايات الصهيونية كمشكلة البطالة بين الشباب ، ومشكلة الدّوطة في الزواج – والدوطة هي ان تدفع المرأة المخطوبة الى خطيبها ما يرضيه من نقود واثاث وتجهيزات ).
وصدرت صحيفة " البطحاء" - ادبية علمية اسبوعية تصدر مرتين في الشهر مؤقتاً وعددها الاول في 1/ نيسان 1946 وصاحب المجلة ومديرها المسؤول المحامي والاديب شاكر الغرباوي من اهالي مدينة الناصرية.
وعلى ايّ حال كانت هناك صحف حزبية اخرى مثل جريدة "البعث القومي" وليست لهذه الجريدة علاقة بحزب البعث العربي الاشتراكي فهي تتبع حزب الاصلاح الذي يتزعمه سامي شوكت والذي تقدم بتأسيس نادي باسم "نادي البعث العربي" بعد التفرغ من الاصلاح وتحول اسمها الى "جريدة البعث" وفي عام 1946 اصبحت تحمل عنوان " صحيفة الشباب الوطني الحرّ" . اما جريدة "الاتحاد الدستوري" فكانت لسان حزب السلطة "حزب الاتحاد الدستوري" – حزب نوري السعيد ، عام 1950 . ولم تكن شخصية صالح جبر بعيدة عن الاحداث فشكّل حزب الامة واصدر جريدتين هما "الامة" و "النبأ" وكانت لسان الحزب شكلاّ ولكنها للبلاط قلباً
ولنا وقفة مع الاحزاب السياسية العلنية وبدءاً من جريدة "لواء الاستقلال " وهي الجريدة الناطقة بلسان حزب الاستقلال واصدر الحزب جرائد اخرى مثل لواء الاستقلال واليقظة ، والحق يقال ان جرائد الحزب جميعها اتصفت بالجرأة والشجاعة في نقد الفئة الحاكمة وكشف عيوبها ، وشحذ الراي العام لمقاومة إجراءاتها وفضح خططها ونواياها ضد الحركة الوطنية يضاف لها جريدة (الكفاح) التي استمرت لفترة قصيرة ما بعد قيام النظام الجمهوري فيما بعد. وعلى الجانب الاخر صدرت جريدة " صوت الاحرار" التابعة لحزب الاحرار – حزب يدعي الاعتدال ويسير على منهج النظام الملكي مع المعارضة للسطلة القائمة ، وكذلك جريدة "صوت الاهالي" الناطقة باسم الحزب الوطني الديمقراطي والتي اوضحت هدفها في انقاذ الشعب من عبودية الفقر والدعوة الى اقامة حكومة من الشعب والى الشعب ، والعمل على تطبيق الديمقراطية . ومن الجدير بالإشارة الى انّ هذا الحزب لم يكن لديه نشرات سرية لأنه لا يؤمن بالعمل السري او على الاقل ليس لديه القدرات والامكانيات لكذا اعمال على حد وصف احد اعضاء الحزب آنذاك .
كما كان لأبناء الشعب العراقي من الكُرد نصيب في الثقافة الجماهيرية من خلال تنظيماتهم السياسية وتسجل سنة 1935 بداية انتشار الافكار الديمقراطية واليسارية بين الشباب الكُرد وكونوا علاقات وثيقة مع جماعة الاهالي في بغداد ، وقبيل الحرب العالمية الثانية صدر كتاب ( الاكراد والعرب) يُبين فيه الكفاح المشترك للعرب والاكراد ضد الاستعمار والرجعية .
وتجدر الاشارة الى أنّ هذا الكتاب " وثيقة تاريخية حدد خطوط النضال المشترك للقوميتيّن الكردية والعربية لبناء العراق ، للكاتب والسياسي التقدمي الراحل ابراهيم احمد وهو اول مُبادر لإصدار اول مجلة كُردية في بغداد (كلاويز – النجمة) استمر في صدورها من 1939الى 1949 " . كما يصفها احد الصحُفيين البارزين من شمال عرُاقنا الحبيب .
وساهمت الافكار التقدمية والديمقراطية التي انتشرت ابان الحرب الثانية في نشوء الحزب الشيوعي لكردستان الذي عرف باسم جريدته "شورش" ، والتي اصبحت فيما بعد "رزكاري" لتكون لسان حال الحزب الديمقراطي الكردي – العراق وبقيت هذه الجريدة تصدر بانتظام منذ اب/اغسطس 1946 حتى عام 1956 وكان هذا الاسم الجديد للحزب باللغة الكردية هو ( بارتي ديموكراتي كوردي عراق ) أي (الحزب الديمقراطي الكردي –العراق) وقد استعملت الكلمة (بارتي) اللاتينية بدلاً من كلمة (الحزب) العربية في هذه التسمية .
وبالنسبة للتيارات الدينية واحزابها ، صحف ايضا مثل مجلة اسبوعية بأسم "الاخوان المسلمون" تتبع جماعة الاخوان المسلمين – العراق ، والتنظيم الحقيقي لهم عام 1949 حيث قرر الاخوان انشاء جمعية (الاخوة الاسلامية) واصدرت مجلة اسبوعية تحمل نفس الاسم المذكور .
استمرت الصحافة الحزبية تتناغم مع تياراتها ومنها اليسارية والتي ترجع جذورها في العراق الى بدايات القرن العشرين ومنها الحزب الشيوعي العراقي والذي تأسس مع العام 1934فكانت نشراته "القاعدة" و "كفاح السجين الثوري" ومن ثم "اتحاد الشعب " فيما بعد .
ومن الاحزاب القومية – البعث العربي الاشتراكي الذي انتشر قبيل تأسيسه عن طرق جريدة "البعث" في سوريا التي اصبحت اداة فعالة في طرح ايدلوجية الحركة ، وبعد عام التأسيس في نيسان /ابريل 1947انتقل للعراق ، وخلال سنوات قليلة اثار نشاط البعثيين انتباه جهات مختلفة حزبية وحكومية وصحفية فنشرت جريدة الاخبار العراقية في 20/12/1952 مقالا بعنوان " حزب سرّي لجماعة البعث العربي : اعضاؤه يقومون بنشاط غير مشروع اعلنت فيه ان حزباً سياسياً سرياً انشأَ في العراق باسم "حزب البعث العربي" وان اعضاء هذا الحزب لعبوا دوراً هاماً في احداث انتفاضة تشرين الثاني وان نشاطهم في تزايد مستمر . اما اهداف الحزب الجديد فهي النضال في سبيل وحدة عربية اشتراكية .
اما وسائل الحزب الطباعية فقد بدأت بسيطة تعتمد على الاستنساخ باليد ، او الكتابة بالطباشير في الشوارع ثم استطاع الحزب الحصول على جهاز رونيه فأصدر اول جريدة مركزية باسم "العربي الجديد" صدر منها عددان ثم ابدل الاسم الى "الاشتراكي" وكانت بعض حروف الجريدة غير مقروءة ولكن الحزّب استطاع في عام 1954 الحصول على مطبعة تم شراؤها من مدينة كربلاء بمبلغ 50 دينار ، وقد استلمت في كربلاء من قبل الاستاذ المهندس فؤاد الركابي (رحمه الله) وعلي صالح السعدي ، ووضعت في بداية الامر في بيت الاخير ، ثم انتقلت الى احد الاوكار الطباعية . كما استطاع الحزب في هذه الفترة الاستفادة من جريدة "الحرية" العلنية لصاحبها قاسم حمودي لمدة قصيرة ، لتوضيح اهداف ومبادئ الحزب مما ساعد على جذب مجموعة كبيرة من المثقفين والتقدميين . وعلى صعيد جريدة "الحرية" يذكر الصحفي والسياسي معاذ عبدالرحيم : ( كنت اعمل في هذه الجريدة والتي تعود لصاحبها قاسم حمودي ، وكان اكثر عملي في الفترة المسائية ، وفي بداية اشتغالي اواخر سنة 1954 ، قدّمني جعفر عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الى ابيه باسم "معن" وليس معاذ تحاشياً منه لكشف اسمي الحقيقي والذي كانت السلطات عممتهُ على مراكز الشرطة واجهزة الامن وبقيت على هذا الحال حتى بداية سنة 1957 التي كشف فيها ما كان مستوراً طوال ثلاث سنوات ، وعرف رئيس التحرير حقيقة امري ، لكنه غضّ النظر متعاطفا مع ولديّهِ جعفر وسعد ، ثم ان البعثيين اخذوا يتعاملون مع جريدة "الحرية" وكأنها جريدتهم اضافة الى جريدة "الاشتراكي" السرية ) .
ومن الجدير بالذكر تضمنت المادة (89أ) من قانون العقوبات البغدادي (المُلّغى) - الحكم بالحبس بالأشغال الشاقة المؤبدة او حتى الاعدام لكل من يُحبذ او يرّوج او ينتمي لجمعية تروج الافكار الاشتراكية ، وكان قبلها قانون يُجرّم الافكار اليسارية والشيوعية والتي دعا نوري السعيد لاجتثاثها .
ولكل شيء نهاية ، انتهى نظام الحكم الملكي بقيام ثورة 14تموز1958، واعلان الجمهورية ، قررّ مجلس الوزراء اغلاق الصحف المشكوك في ولائها للعهد الجديد ففي يوم 15/7 الغي امتياز صحيفتيّ الشعب والحوادث المسائية وتوقفت صحيفتا الزمان والاخبار وصدرت صحيفة البلاد وهي تحمل عناوين مثل "الثورة" واعلان الجمهورية . وفي 17/7 /1958 صدرت صحيفتا الاخبار والجمهورية الى جانب صحيفة البلاد ، وشجعت الثورة اصدار الصحف واعادة النشاط الى الصحف التي كانت قد توقفت في النظام السابق . ونظرا لعدم وجود صحيفة تُعبّر عن الثورة – فقد عرض العقيد عبدالسلام عارف (رحمه الله) على مجلس الوزراء اصدار صحيفة تنطق باسم الثورة ، وقد صدر العدد الاول منها باسم الجمهورية يوم 17تموز لكنها لم تحمل اسم عبدالسلام عارف بل حملت اسم الدكتور سعدون حمادي صاحب الامتياز وهو بعثي معروف عاد من الولايات المتحدة الامريكية بعد ان حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة وسكوتسن ، وكان مفهوم الجريدة يُعبرعن فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ، وقد حدثت مُناقشة في مجلس الوزراء بين عبدالسلام عارف ومحمد صديق شنشل وأُثير تساؤل عمّا اذا كان يحق لنائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ان يرأس صحيفة بموجب القانون فأجاب عبدالسلام : "ان الذي يقوم بالثورة يستطيع ان يغير القانون" .
واقترح شنشل ان تصدر الصحيفة باسم عبدالسلام عارف لأنه هو الذي طلب الامتياز ولذلك لا يمكن اعطاؤها لأي حزب من الاحزاب لعدم حصول الاتفاق داخل مجلس الوزراء على اعطاء صحف للأحزاب السياسية . فصدر العدد السابع من الصحيفة يحمل اسم عبدالسلام عارف صاحب الامتياز ولكن الاعداد التالية لم تعد تحمل اسمه ، وقد ذكر عبدالسلام عارف انه اعطى امتياز الصحيفة الى الرئيس -(الرائد)- المتقاعد رشيد فليح احد الضباط الذين شاركوا في انتفاضة (حركة)1941 . واحيل على التقاعد ولكن مجلس قيادة الثورة اعادّ لهُ حقوقهُ فتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي بعد ان تأكد عبدالسلام عارف انه ليس من اختصاص وزير الداخلية اصدار الصحف او اعطاء امتيازاتها الذي هو من اختصاص وزارة الارشاد.
كانت الصحيفة تعبر عن افكار ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وحملت شعار الحزب المعروف (وحدة ،حرية، اشتراكية) وان محرريها هم اعضاء في الحزب وكانت تنشر صور عبدالسلام عارف وفؤاد الركابي بشكل واضح وكبير وتنشر خطب عبدالسلام عارف وجولاته في الالوية ، اما صور عبدالكريم قاسم فكانت تنشرها اصغر حجما مع صور عبدالسلام مما اثار حفيظة عبدالكريم قاسم ضدها . وعلى صعيد اخر حاول الحزب الشيوعي العراقي القيام بالاستيلاء على مطبعة جريدة الاخبار الا ان جهات متعددة وقفت ضدهم وفي مقدمتهم عبدالسلام عارف فلم يتمكنوا من السيطرة على المطبعة لطبع جريدة خاصة بهم ، وراودت بعض الوطنيين الديمقراطيين فكرة الاستيلاء على احدى مطابع جرائد العهد الملكي ولكن هذه الاعمال الشاذة انتهت وتم اعادة المطابع الى اصحابها . وقد اغلقت صحيفة "الجمهورية" يوم 5/11/1958 واعتقال اعضاء من هيئة تحريرها لأسباب سياسية في حينها .
استغلت الصحف العراقية صدور قانون الجمعيات واجازة الاحزاب لتصعيد حملة المصادمات وتوجيه الاتهامات وحملات .... ضد بعضها بعضا ومثال عندما كتبت جريدة "الراي العام" مقالاً لصاحبها محمد مهدي الجواهري ينتقد الوضع السياسي القائم في مدن الجنوب وكذلك ما فعلتهُ جريدة "بغداد" والتي تهجّمت على الشاعر محمد مهدي الجواهري بعبارات قاسية ، واصدرت الحكومة عدة بيانات لتخفيف حدة الصدامات الصحفية منها البيان المرقم 6521 والمؤرخ في 2/9/1959 ، وبيان الحاكم العسكري المرقم 131في 1960 ونص في احدى فقراته : " سبق واوعزنا الى العاملين في حقل الصحافة بضرورة التزام جميع الصحف في كتاباتها ومنشوراتها بما تتطلب المصلحة العامة وان تسعى لجمع كلمة ابناء الشعب وتحرص على عدم تصدع وحدة الصف ... " .
ولا بد من ان نذكر جريدة (الرقيب) السرية ابان تلك الفترة وهي ناطقة باسم الرابطة القومية في العراق . وكذلك نوجّز عن جريدة (الوحدة) الناطقة باسم حركة القوميين العرب ، بعض الشيء : في دراسة بحثية مُقدّمة الى كلية التربية – جامعة الموصل حول الصحافة الحزبية السرية نرى انّ صحيفة الوحدة : " الوحدة هي اول جريدة سرية في العهد الجمهوري ، صدر العدد الاول في تموز 1958 وطبعت على الالة الكاتبة وسحبت بالرونيو وكانت مكونة من اربع صفحات في البداية واستمرت بالصدور الى اندلاع ثورة الموصل القومية 1959 ومن ثم عاودت مجددا في عام 1960 وكانت ابواب الجريدة غير ثابتة ، إذ تتوقف على الاحداث التي تعيشها الحركة ، فيما عدا المقال الافتتاحي الذي يعكس وجهة نظر الحركة تجاه تلك الاحداث وكانت تُذيل الجريدة بعبارة " ايها الاخ الكريم ناولها لأقرب رفيق اليك بعد الفراغ من قراءتها رجاء" .
وبقيام حركة 8شباط1963 وتسلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة بعد (30) ساعة قتال حول وزارة الدفاع وباقي مناطق العاصمة بغداد ، كانت اول صحيفة ظهرت هي "الجماهير" الناطقة بلسان الحزب وكان يشُرف عليها الاستاذ طارق عزيز . وتمتعت بعض الصحف بإجازة ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريدة "الوحدة" الناطقة بلسان حركة القوميين العرب والتي استمرت بالصدور لمدة شهراً واحداً فقط .
وبعد فترة من الزمنْ ظهرت مجلة شهيرة هي "الاقلام" ادبية – ثقافية وبهذا الصدد يُشير الدكتور والمؤرخ العراقي ابراهيم خليل العلاف ما يأتي : " إذا كان المصريون يفخرون بأن لديهم مجلة الهلال التي ابتدأ صدورها منذ سنة 1892 وحتى الوقت الحاضر , فأن من حق العراقيين أن يفخروا كذلك بان مجلة الأقلام التي صدر عددها الأول في أيلول-سبتمبر 1964 لاتزال مستمرة على الصدور , واعترف أنا شخصياً بمحبتي لمجلة الأقلام واعتزازي بها واحتفاظي بأعداد كبيرة منها , ويقينا أن سر ديمومتها واستمراريتها في الصدور أمر غير مألوف في بلادنا ولعل رصانتها وتشبثها بالبعد عن الأجواء السياسية قدر الإمكان كان وراء هذا الإصدار على أن تظل الأقلام مشرعة من اجل ثقافة متنوعة وشاملة تلبي احتياجات أذواق الكثير من المثقفين العراقيين وغير العراقيين .. خلال السنوات الأولى شارك في إدارة هذه المجلة نخبة من الأساتذة والكتاب الكبار نذكر منهم على سبيل المثال , الأساتذة الدكتور جميل سعيد , والدكتور احمد مطلوب , والدكتور عبد الرحمن خالد القيسي والدكتور عبد الهادي محبوبة , والدكتور يوسف عز الدين والشاعر سعدي يوسف , والشاعرة نازك الملائكة والشاعر نعمان ماهر الكنعاني , والقاص عبدالرحمن مجيد الربيعي , والأستاذ الباحث التراثي عبد الحميد العلوجي , والدكتور فيصل الوائلي والشاعر عبد الوهاب البياتي . كما كتب فيها نخبة من المؤرخين والباحثين والكتاب والمبدعين رحل عدد كبير منهم , وهم احمد الصافي ألنجفي وادمون صبري , وحسين مردان , وسميرة عزام , وشاذل طاقة وعلي ألخاقاني , ومصطفى جواد , وهاشم محمد الخطاط , ويوسف السباعي وأم نزار الملائكة(والدة الشاعرة الراحلة نازك الملائكة) , واحمد المهنا , ومحمد جواد علوش رحمهم الله " . انتهى .
وكانت هناك جريدة عراقية تصدر ببغداد، بثمان صفحات وعدد العاملين فيها ستة " إدارة وتحريراً " هي جريدة (العرب).
وعلى صعيد متصل كانت هناك العديد من المجلات العراقية والتي صدرت بأمر من المؤسسة العامة للصحافة –دار الجماهير، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (مجلة الف – باء) وتعني "ارادة بلادي" في 22/5/1968 ، وتصدر كل يوم اربعاء تحت مسمى "مجلة اسبوعية سياسية جامعة" للعائلة العراقية ، ومن المبادرين بتأسيسها المحامي والشاعر والسياسي العروبي غربي الحاج احمد من اهالي مدينة الموصل (الحدباء) وكذلك عمل فيها عدد من رؤساء التحرير امثال الاساتذة عبدالجبار شُطب وعبد الامير معلة وسامي مهدي وكامل الشرقي والمفكر الاستاذ حسن العلوي والكاتب القدير عكاب سالم الطاهر والصحفي الشهير امير الحلو وغيرهم مع اعتذارنا لمن لم تُذكر اسمائهم ومن الجدير بالذكر ان هذه المجلة منذ صدورها حتى العام 2003 كان يعمل في هيئة تحريرها عدد من الافراد على مختلف التوجهات السياسية العلمانية التقدمية ان جازّ التعبير !.
ولم تكن صحافة (الكُرد) وهم من ابناء الشعب العراقي بعيدة عن تطلعات الشعب الكردي وقتئذ ومنها صحف كانت تصدر في فترة الحكم الجمهوري وهي " نوروز، هيواي كردستان (امل كردستان)، دنكي قوتابيان (صوت الطلبة)،راي كه ل (رأي الشعب)، الادب، كزنك و بيان".
وصحيفة (هاوكاري) الشهيرة منذ العام 1970الى 2003 وتولى رئاسة تحريرها الاستاذ الصحفي عبدالله عباس من اهالي شمالنا الحبيب . وكذلك مجلة (المُثقف الجديد) باللغتين العربية والكردية من اصدارات دار الثقافة والنشر الكردية ..
وبرزت بعض المجلات ذات الطابع الثقافي – الادبي والتقدمي ايضاً مثل مجلة "الثقافة" سنة 1970 وهي مجلة شهرية ثقافية عامة وكتب عليها " مجلة الفكر العلمي التقدمي" صاحبها ورئيس تحريرها الدكتور صلاح خالص وسكرتيرة التحرير الدكتورة سعاد محمد خضر (مصرية الاصل) وعنوان المجلة بغداد – ساحة التحرير – عمارة فاروق هاشم يحي . وتضمنت احدى الافتتاحيات عنوان " ميثاق العمل الوطني بين انصاره ومعارضيه" وتتخللها عدة ابواب للسياسة والفكر وعالم القصة والشعر وعالم الكتب ودراسات مترجمة واهم النشاطات الثقافية في القطر وشهريات الثقافة في بغداد حينذاك . ومن الملاحظ والمُطلع على هذه المجلة كان فيها فسحة من النقد السياسي وكذلك بعض كُتابها يُناصر الماركسية . ومن الاخبار الثقافية في المجلة هي : " ان الاستاذ شفيق الكمالي سيكون رئيس تحرير مجلة ثقافية جديدة تصدر باسم – افاق عربية- ومن المؤمل ان يصدر العدد الاول منها في ايلول /سبتمبر 1975 ، وموقعها في منطقة سبع ابكار ببغداد (فيما بعد) " .
ومن ابرز الذين كتبوا فيها بمختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم على سبيل الطرح : " الاديب الكبير حسب الله يحي وحسن الخياط ، محمد عباس ، عبد الحسن هاني الفرطوسي ، فائز حسن ، خليل المعاضيدي ، هيفاء الحبيب ، جاسم الياس ، يحي عباس السماوي ، ياسر صبري المرزوق ، عبدالرزاق الخالدي ، رشيد مجيد (شاعر) ، حسام التكريتي ، نجيب سرور ، عبدالستار نور علي وغيرهم ".
وبالرغم من حرية الصحافة والرأي ، لكن بالمقابل دفع الصحفيون العراقيون ثمناً باهضاً حيث سقط مئات الصحُفيين العراقيين تضحية منهم لمهنة المتاعب ، ونعتذر للقارئ عن الاخفاق فيما اذا لم يرُد اسماء باقي الصحف والمجلات والشخصيات الصحُفية .. والتي لا يسع المجال لسردها الان .
واخيراً : كان موضوعنا ما هو إلا اقتباسات موجزة ، والذي يحتاج الى المزيد من الدراسات العلمية لتوضيح ما هو مبهم او مُحرّف عن الحقيقة ولتوثيق مسيرة الصحافة العراقية وشخوصها ..
*مراجع المقال :
د. جعفر عباس حميدي ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968، ج7،ط2، بغداد، 2005.
حنا بطاطو ، العراق – الحزب الشيوعي ، الكتاب الثاني ، ترجمة عفيف الرزاز ، ط2، بيروت،1996.
د. خالدة ابلال الجبوري ، التحليل التاريخي للبنية السياسية للأحزاب العراقية 1946-1958 ، ط1، سوريا،2012.
د. صباح مهدي رميّض ، صحافة العهد الملكي ، ط1، بغداد ، 2010.
السيد عبدالرزاق الحسني ، تاريخ الاحزاب السياسية العراقية ، ط1، بيروت، 2013 .
السيد عبدالرزاق الغرباوي ، شاكر الغرباوي مؤرخ الناصرية واديبها ، كراس وثائقي .
محمد كاظم علي ، العراق في عهد عبدالكريم قاسم 1958-1963، ط1، بغداد، 1989.
معاذ عبدالرحيم ، اوراق من ذاكرتي ، ط1، لبنان ،2016.
د.هادي حسن عليوي ، دور حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق –في الحركة الوطنية منذ تأسيسه حتى 14تموز1958 ، ط1، بغداد ، د.ت.
د. هيثم غالب الناهي ، خيانة النص في الخريطة السياسية للمعارضة العراقية ،ط1، لندن ، 2002.
د. نوري عبدالحميد العاني و د. علاء جاسم الحربي ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968، ج1،ج3،ج4، ط2، بغداد، 2005.
د. وائل علي احمد النحاس ، الصحافة السرية لحركة القوميين العرب ، مجلة ابحاث كلية التربية الاساسية ،المجلد 6، العدد 4، جامعة الموصل ، 2007 .
مجلة الثقافة ، السنة الثانية ، العدد الثاني ، شباط 1972 ، بغداد – العراق .
مجلة الثقافة ، السنة الخامسة ، العدد السابع ، تموز 1975، بغداد – العراق .
مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ، شبكة المعلومات الدولية .
مُراسلة عن طريق البريد الالكتروني مع شخصية صُحفية – كردستان العراق .
صورة جريدة مُقتبسة من الموقع : <https://www.kfcris.com/ar >
*حيدر زكي عبدالكريم
كاتب من العراق
1023 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع