القس لوسيان جميل
الالتباس في كلمة الايمان -الجزء الثاني
قرائي الأعزاء! ان هذا الجزء الثاني من عنوان " الالتباس في كلمة الايمان" هو تطبيق شامل عن الالتباسات التي تحصل في الكنيسة عامة، وفي الكنيسة الملقبة بالكنيسة الكلدانية خاصة، هذه الكنيسة التي هي كنيسة مشرقية كاثوليكية، لكنها كانت تحمل اسم الكنيسة الكلدانية بحسب رغبة البابا اوجين – ويوليوس الثالث - و بيوس الثامن. غير ان التسمية التي اعطاها الباباوات المذكورون لكنيستنا المتكثلكة لم تكن تحمل اية تسمية قومية، لآن فكرة القومية لم تكن تهمهم، لكنها كانت تحمل هذا الأسم لتمييز كنيستنا الكاثوليكية عن كنيسة الأم النسطورية.
وهنا نسأل ونقول ترى هل كان هؤلاء الباباوات قد اخطئوا باعطاء كنيستنا الكاثوليكية هذا الاسم؟ نقول نعم كانوا قد اخطئوا، لآنهم كانوا قد اتخذوا لكنيستنا تسمية مشبوهة وملتبسة وغير تاريخية. علما ان اولئك الباباوات ولاسيما في البداية لم يكن يهمهم التاريخ ولكن كانت تهمهم عقيدة او عقائد القرن الرابع الميلادي الأسطورية التي كانوا يحسبونها معصومة من الخطأ والهية. مع انها لم تكن لا معصومة ولا الهية، هذا بالرغم من ان الباباوات كانوا يعلمون ان الابتعاد عن روما وما كانوا يسمونه الهرطقة قد جاء بسبب مخالفة كنيسة المشرق، او قسم كبير منها للعقيدة الكنسية التي كان الباباوات يعدونها هرطقة كبيرة، ولاسيما في لقب مريم ام الله. فأين يقع هذا الالتباس في كنيستنا الكاثوليكية. هنا نقول: بأن هذا الالتباس مركب من عدة عناصر وليس من عنصرين فقط. وسنحاول ادناه ان نذكر عناصر هذا الالتباس.
1 – ان كنيسة يوحنا سولاقا، عندما ذهب الى روما ليصنع الوحدة، او بالأحرى ليعلن انضمامه الى الكنيسة الكاثوليكية، تلك الكنيسة لم تكن بلا اسم، وانما كان اسمها كنيسة المشرق، اي كان اسمها اسما مكانيا هو المشرق، لأن تلك الكنيسة كانت قد ولدت في المشرق، وقد كان المفروض ان يبقى ذلك الأسم ويعطى لكنيسة البطريرك يوحنا سولاقا، لاسيما ان الذين لم يتبعوه كانوا اقلية صغيرة لا تستحق ان تستأثر بتلك التسمية التاريخية.
2 – مما هو بديهي ان كنيستنا لم تولد من الفطر او الكمأة التي يقال فيها ربانية حتى نسميها نهرينية بالمعنى الشائع عند العقول غير العلمية التي يمكن ان نسميها عقولا وثنية بدائية Fétichiste وعقولا متعصبة قوميا ومناطقيا وسياسيا، ولاسيما بعد احتلال العراق وتسمية الأشياء بغير اسمائها الصحيحة وتغيير كثير من اسماء الأمكنة والبلدات من منطق التعصب المذكور، حيث بدأ بعض الناس يعتقدون انهم ولدوا في المكان الفلاني ربانيا وانشأهم ذلك المكان حسب مشيئته وطبيعته الخاصة. كما يبدو ذلك على الأخ نوئيل فرمان من مقاله الذي يبدو انه يحسب نفسه نهريني بحق وحقيقة منذ ابيه وامه الأولى وحتى هذا اليوم. وهو كأنه لا يعرف من القضية كلها وهي معقدة جدا، غير النهرينية. ان هذه النظرة ليست فقط ملتبسة لكنها تتجاهل الجوانب التاريخية الأخرى للجماعات السريانية تجاهلا تاما، في حين ان غبطة البطريرك ومع تحفظه الشديد على بعض الأمور كان واضحا تماما عند كلامه عن حقيقة كنيستنا المشرقية الملقبة بالكنيسة الكلدانية.
3 – ان الأب نوئيل فرمان بالحقيقة يحسب ان ما بين النهرين منطقة مستقلة بذاتها وليست لها علاقة مع اي منطقة اخرى. ثم اني اتعجب واقول: ترى هل بين النهرين هي منطقة السريان وحدهم، ام هي منطقة للآشوريين ايضا وللأكديين وللآراميين وفروعهم وللعبرانيين وغيرهم. لم اذكر هنا البابليين لأن بابل ليست تسمية قومية وانما هي تسمية لمنطقة اكدية كان الخط المسماري لا زال موجودا فيها عندما سقطت بيد الكلدان، كما اظهرت بعض الحفريات الحديثة، التي تقول ربما كانت هذه المنطقة سومرية. وفي كل الأحوال فان بابل تعني باب الاله، ربما بسبب الزقورات فيها، يعني انها كانت منطقة وثنية غريبة عن دين كنيستنا السريانية السامية.
4 – ان النظرة النهرينية لا تساعدنا حتى الآن على معرفة كيف صرنا جماعات سامية وماذا حدث لكي يكون ديننا وتراثنا المسيحي مجبولا بتراث الأمة الدينية اليهودية، وكيف صارت مسيحيتنا مسيحية مشبعة بالعهد القديم، حسبما نعرف من صلواتنا المشرقية الماثلة امامنا الى هذا اليوم. كما اننا لا نعرف لماذا دخلت الينا النسطورية والمونوفيزية والبدعة الرومانية التي ليست افضل لا من النسطورية ولا من المونوفيزية، لأن كل هذه البدع ناتجة عن عقلية الأمة المسيحية القسطنطينية ثم وصلت الينا لأننا اصلا لم نكن بعيدين عنها، ولأنها وصلت الينا عن طريق الرهبان ذوي الأصول القريبة جدا من العهد القديم، ولاسيما واننا نعرف ان اغلب صلواتنا وطقوسنا الفها الرهبان الذين ذكرناهم، اولئك الرهبان الذين نعرف اليوم جيدا حقيقتهم كاملة ونعرف انهم لم يكونوا ينتمون الى شيء اسمه نهريني، ولا حتى اسمه آشوري او اسمه كلداني او اسمه بابلي وغير ذلك...
5 – ان النهرينية الوثنية تتجاهل تماما مسألة العرق الواحد الذي يجمع ابناء كنيستنا مع اولاد اعمامهم من شعوب المنطقة كلها خارج وداخل الجزيرة الملقبة جغرافيا بالجزيرة العربية، كما تتجاهل اللغة الواحدة والحضارة الواحدة وتشعباتها، لكل شعوب المنطقة ومنها ابناء كنيستنا الذين كانوا بداية على الأقل قد تحولوا الى المسيحية بعد ان كانوا ابناء العهد القديم الساميين سكان الجزيرة العربية – السامية في عهودها الأولى الوثنية. فهؤلاء المسبيون كانوا يقيمون في بابل وفي غير بابل في عهود متأخرة، لكنهم لم يكونوا بابليين ولا من اي شعب كانوا يقيمون عنده، علما ان اولئك المسبيين الذين تحولوا الى المسيحية وشكلوا الكنيسة الأولى في بلدة كوخي، لا بل شكلوا كل الكنائس المشرقية الأخرى في منطقة بحر النجف، وفي مناطق اخرى مع مرور الزمن، كانوا جمعا غفيرا على الرغم من ان نصفهم، كما يقول السيد موفق نيسكو، كانوا قد عادوا الى امتهم الدينية بفضل فرمان " كورش الفارسي" .
فهل يجوز لكل من له عينان سليمتان ليرى الأمور بوضوح ان يقفز من خلال عملية تضليلية كلامية ( سفسطائية ) الى تسميات اخرى غريبة عن كل الحقائق التي ذكرناها، مثل تسمية كنيستنا بـ/ النهرينية والأشورية والكلدانية والسريانية، لمجرد مثلا ان تبشير كنيستنا جاء بلغة آرامية سريانية محسنة ومنظمة، وهل يجوز ان نتكلم عن بطريرك بابل على الكلدان، في حين ان بابل بالحقيقة لم تكن غير المكان الأول الذي كان الملك نبوخذنصر قد اسر فيه ابناء العهد القديم؟ ثم نسأل ونقول: ترى هل امهات النهرينيين تلدن اطفالهن وعلى اوجههم نجمة نهرينية او ريشة اشورية، ام ان كل امهات البشر يلدن بشرا وليس غير ذلك، بحسب القواعد الحديثة للتناسل التي بتنا نعرفها من خلال علوم البيولوجيا، سيما ان الساميين جميعهم لهم سمات خاصة بهم، لكنها ليست واضحة كالسمات التي يمكن ان نجدها عند الشعوب الأفريقية مثلا. علما ان العلماء يقرون بأن العرق السامي خليط من اكثر من جنس مثل Homo sapiens وانسان Neandertal، مع ذلك نرى ان العرق كأصل اول لبزوغ الانسان ليست له الأهمية الأولى، لآن الأهمية الأولى من حيث تعريف انساننا فيما بعد، تعود الى اللغة المشتركة لانسان الجزيرة العربية – السامية والحضارة المشتركة وبعض العادات الأخرى البدائية الأنثروبولوجية. وفي الحقيقة نحن نعرف ماذا كانت لغة اجدادنا بالإيمان بالاله الواحد، ونعرف ايضا ماذا كانت لغة آبائنا المسيحيين الأوائل، تلك اللغة التي لم تكن تسمى نهرينية ولا فراتية ولا اشورية ولا كلدانية، لكنها كانت تسمى ولا زالت اللغة السريانية المشرقية اي السريان شرق الفرات فيما كانت اختها الحقيقية سريانية غربية اي غرب الفرات، هذا ويقول الأب نضير دكو ان هذا الفارق في اللهجة والكتابة بين السريانيتين يأتي بسبب تنقيط تلك اللغة التي لم تكن لها نقاط ولا حركات في البداية، حيث جاء التنقيط عند المشارقة قريبا من الأصل الاسترانكيلي الشرقي وجاءت الحركات عند السريان المغاربة منقولة عن اليونانية تماما لفظا وكتابة. علما ان كل اللغات المذكورة كانت تقع ضمن لغة وحضارة الجزيرة العربية – السامية، بعد ان صارت لها فروع وتشعبات Ramification مع الزمن بحسب قواعد اللغات والحضارات.
6 – وأخيرا وليس آخرا، اليس امرا عجيبا ان شخصا مثقفا مثل الأب نوئيل فرمان، يتجاهل التاريخ كله ويختصره بكلمة نهريني؟ لحساب من يا ابونا؟ ترى اما تعلم وانت المتعلم جدا والاعلامي ان الغرض كله من هذه الهيصة اخترعته الدول التي احتلت العراق ومن بعد ذلك احتلت اغلب الدول العربية من اجل القضاء على العروبة ونفطها وخيراتها، واصبح العملاء كلهم يغردون خلف المغرد الأول المحتل الذي كذب على العالم كله وخدعه وادعى ان العراق يملك اسلحة دمار شامل وان غايته ( غاية المحتل )هي صنع عراق جديد وعراق ديمقراطي، فيه شيعة وفيه سنة وفيه اكراد، ولذر الرماد في العيون اضافوا: واقليات اخرى، بحسب دستور العدواني بريمر. وهكذا، وبهذا النظام والدستور العدواني صرنا لا نجد اسم العرب، في بلد بشيعته ( العربية طبعا وليس الفارسية ) وسنته وجميع اقلياته المسيحية هم من اصل وجذور عربية – سامية، اي من سكان الجزيرة العربية وامتداداتها فيما بين النهرين واكثر من ذلك ايضا. هذه هي الحقيقة، وغيرها كذب وتضليل وانجراف مع ارادة الانكليز اولا ومع ارادة الأمريكان المحتلين ثانيا. كما سبق ان ذكرنا.
واذن يا عزيزي نوئيل فرمان، انت وغيرك، وكل ابناء كنيسة المشرق الكلدانية وغير الكلدانية، لستم لا نهرينيين ولا بطيخ، انتم جميعا، وانت منهم، لم تأتوا ولا مؤاخذة، الا من زب، وبكلمة اخرى الطف اتيتم من ظهر واحد من المسبيين من الأسباط العشرة، الا اذا كنت فارسيا زرادوشتيا ام من احدى الحضارات الوثنية القريبة من الزرادشتية التي كانت تقع الى الشرق من نهر دجلة على الحدود العراقية. فأين تهرب من العروبة يا عزيزي، في حين ان ما عندك ليس سوى مراوغة وتضليل باقتطاع الكلمات والجمل من اطارها الحقيقي Son contexte لكي يكون لك هذا التضليل وسيلة هروب من الحقيقة Echappatoire كرها منك للعرب وللمسلمين، اقله بشكل غير واعي، حيث تحاول ان تختبئ وراء كلمة النهرين والنهريني التي لا تعني شيئا ملموسا لأحد. ولذلك ارجو منك لصالحك ولصالح رسالتك القسسية ان تصلح وتداوي وتعالج نفسيتك لكي تستطيع ان تقترب اكثر من الحقيقة في اعمالك المسيحية القسسية كلها.
الالتباس في تسمية البطريرك: احدى التسميات المضللة للعاملين في المسألة الطائفية تقول ان تسمية البطريرك ملازمة لكنيسة المشرق. غير ان هذا الادعاء ادعاء ملتبس Equivoque يوقع في الوهم وفي قرارات ضد حقيقة التاريخ. فهل يا ترى كانت توجد وظيفة او مهمة البطريرك عند نشوء كنيسة المشرق في بلدة كوخي، او في بلدات كثيرة اخرى، ام كان هناك فقط الرسولان مار ادي ومار ماري متلمذو المشرق ومؤسسو كنائسه، او من كان قد جاء فيما بعد لخلافة ذينك الرسولين او لمعاونتهما، بسبب كثرة مهامهما؟ ومنها تبشير البقية الباقية من المسبيين من اسباط بني اسرائيل العشرة، ومن رغب الدخول في المسيحية من الوثنيين من اصدقاء اولئك المسبيين، ومن كان قد سمع عن انسانية الدين الجديد المسيحي، وعن مساواته في الكرامة الانسانية بين كل البشر، مهمـا كانت مرتبتهم السياسية والدينية والاجتماعية. علما ان ابناء الشعب الاعتيادي اولئك لم يكونوا يحملون لافتة تقول: انا اشوري او انا كلداني او غير ذلك.
هذا، مع العلم ان اولئك الرسل، لم يكونوا بطاركة ولا اساقفة وانما كانوا مبشرين ومنعشين ومنظمين للكنيسة ولطقوسها ولروحانيتها. غير اننا نتفهم ان ينشأ في كنيسة المشرق وبالتدريج نوع من الهيراركية Hiérarchie او التدرج في المسؤوليات الكنسية، سواء على المستوى الأدنى او على المستوى الأعلى، وان يكون لتلك الكنيسة ابا تسميه الأب الأكبر على غرار النمط الاسرائيلي في العهد القديم من اجل ادارة الكنائس العائدة اليه، ويكون هناك وظيفة لوكلائه لم تكن لها بالبداية علاقة بالمطران بالمفهوم الغربي الحديث، كما لم تكن هناك وظيفة القسس بمعنى القسيس في زماننا وزمان من سبقنا بأجيال، هذا النظام الذي جاءنا من مخلفات مجامع القرن الرابع الميلادي. اظن ان ما كان عندنا في الزمن المشرقي القديم يقترب مما هو موجود الان عند اخوتنا كنائس المشرق غير الكاثوليك، حيث ان كل وظيفة ترتبط بحاجة كنسية زمنيا ومكانيا، كما سنرى لاحقا.
هذا، ولربما في بداية الأمر، وفي وضع حكم الفرس على المنطقة كان الفرس غافلين عن الدين الجديد او متسامحين مع وجوده، لأن المسيحيين لم يكونوا بعد يستطيعون ان يؤثروا على اولئك الفرس. كم دام وضع التسامح ذاك، بالحقيقة انا لست مؤرخا، ولا اكتب مقالة تاريخية صرف، ولكن يمكنني ان اقول بأن وضعية المسيحيين المسكوت عنهم تبدلت حالما شعر الفرس بأن المسيحية بدأت تأكل من جرف ديانتهم الزرادشتية من خلال تبشير صامت، فحصلت للمسيحيين اضطهادات كثيرة.
ولكن بعد تلك الاضطهادات حصل للمسيحيين نوع من الهدوء والتسامح فقرر الفرس ان يعترفوا بالديانة المسيحية واعطوا لهم امتيازات طائفية مفادها ان الدولة تسمح ان يكون للمسيحيين ديانتهم الخاصة بهم يتمتعون بها كما شاءوا بقيادة رئيسهم الأكبر الذي سمي بطريركا، اي الأب الأكبر بين رجال الدين المسيحيين يكون حلقة وصل بين المسيحيين وبين الدولة الفارسية، في كل ما يتعلق بشؤون الدين المسيحي، اما في الحياة العامة فيعود المسيحيون الى دولتهم الفارسية. فلما سقط الفرس واستولى العرب المسلمون على منطقتهم بقي المسيحيون " طائفة دينية " في الدولة العربية الاسلامية. هذا هو اصل حكاية المنصب البطريركي وبقي المسيحيون في نهاية المطاف طائفة في الدولة العثمانية التي كانت دولة تركية اكثر منها عربية – اسلامية. اما تسمية البطريرك فباعتقادي انها ليست تسمية سامية، لكنها تسمية يونانية دخلت المنطقة في ايام سيطرة اليونان ثقافيا على منطقة فلسطين وسوريا وغيرها، حتى ان بعض صلواتنا مملوءة من مصطلحات يونانية ولاسيما في ترتيلات الشهداء. وهكذا ساد عندنا مصطلح البطريرك عوضا عن المصطلح الشرقي " ابونا ". في القوش لنا عائلة او بيت " ابونا" الكلمة التي كانت تقابل مصطلح بطريرك اليوناني. اعتقد ايضا، واقله الى زمن ليس بعيدا كانت القبائل النسطورية تسمي بطريركها ابونا. كما ارى وجود كلمة آوون لتعني الصلاة التي كانوا يذكرون فيها الأب المؤسس لكنيستهم.
ثم لما سقطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى انفصل العرب جميعا وكونوا لأنفسهم دولا مدنية مبدئيا، واتخذت كل دولة من العرب اسما خاصا بها، طالما انها لم تستطع الدول العربية ان تكون لها دولة واحدة ديمقراطية. وليس ثيوقراطية، ولذلك نقول: انه من ذلك الوقت انتفت صفة البطريرك الرسمية لدى كنائس المناطق العربية. اما بقاء صفة البطريرك لحد هذا اليوم، فله اسباب لا شأن لي بها، وكذلك بقاء المسيحيين اسرى النظام الطائفي. لكن يهمني هنا فقط ان اقول بأن النظام البطريركي ليس ملاصقا لكنيسة المشرق، كما لا تهمني اليوم الظروف الخاصة بعد الاحتلال الأمريكي التي بررت ان يكون للمسيحيين الكلدان خاصة، لا بل لكل المسيحيين، بطاركة خاصين بهم، يكونون الوسيط بين نظام الاحتلال وبين المسيحيين، غير ان المسيحيين انفسهم يبدو انهم لم يعودوا يعترفون بهذه السلطة على الرغم من ان روما رقت سيدنا البطريرك الى درجة الكاردينالية. اما من جهتي فاستطيع ان اقول ان اسبابا سياسية معلومة هي التي تتحكم بكل اوضاعنا، ومنها وضعنا الطائفي المفروض علينا من الاحتلال، ومن المتعاونين معه. كما اني لا شأن لي بمواقف روما تجاه ما حدث لنا من الاحتلال، لأن روما كما يبدو واضحا تقف في اغلب الأوقات مع الغالب ومع القوي، وهكذا السفارات البابوية المشهورة في ازمنتنا بموالاتها للسلفيات العراقية كلها، وهي ضد اي مطلب يريد ان يغير شيئا من وضعنا السلفي العقائدي الأسطوري.
اما في الأوضاع الطبيعية، ونظرا لتبدد شعبنا ضمن حضارات كثيرة، فانه لم يعد ممكنا ان يبقى لنا بطريركا يقود كل هذا الشتات، ولذلك يستحق الأمر ان يتغير النظام الطائفي البطريركي عندنا الى نظام رئيس او رؤساء اساقفة، بينها بعض الأمور الأساسية المشتركة، كما بينها اختلافات كثيرة حضارية، يعني صرنا امام ما يسمى التماثل Analogie الطائفي، الأمر الذي يستوجب الغاء الصفة البطريركية وتبديلها بصفة رئيس اساقفة، فلا يكون لنا رئيس اساقفة واحد، ولكن رؤساء اساقفة متعددين، مثلا الواحد في العراق والآخر في ولاية ميشيكن والآخر في كاليفورنيا والآخر في كندا، وآخرون في كل من الدول الأوربية حيث تتواجد جماعة كبيرة نسبيا وثابتة، ولا ننسى استراليا وحاجاتها الى رئيس اساقفة يدير شؤون المشرقيين هناك؟ ولكن علينا ان نوضح ونقول: على ان يجمع رؤساء الأساقفة هؤلاء مجمع واحد يوحد بينهم في بعض الأمور الأساسية او التي تتطلب دراسات معمقة ومستمرة. ولا تكون حالة تلك المجالس او ذلك المجلس الموحد كما هو حال اساقفتنا الأجلاء البائسة في مجلس البطريرك. هنا لا اذكر بعض المساوئ والأخطاء التي ارتكبها مجلس اساقفة البطريرك. اما التفاصيل الأساسية فيعرفها اهل المنطقة انفسهم ويجب ان يعود بعضها الى المجمع المذكور. اقول ذلك اذا كنا حقا مخلصين لقضية ايماننا المسيحي، واذا لم نكن اناسا متشبثين ببعض الامتيازات الفارغة. لذلك اقول ان سيدنا البطريرك الذي كان قد قال بأنه يقبل ان يتنازل للبطريرك الاثوري اذا قبل بالوحدة، يفترض ان لا يستصعب التنازل عن بطريركيته لكي تتحول الكنيسة الى كنيسة تحوي رؤساء اساقفة كثيرين يجمع شملهم رئيس منتخب واحد من بين رؤساء اساقفة متعددين. شرطي الوحيد هو ان لا يتدخل السياسيون في هذا الأمر، في زمننا الأغبر، ولا في اي زمن آخر.
الالتباس في تسمية الكلدان:
هذا، ونجد التباسا بين الحالة القومية والحالة الطائفية مع تفرعاتها. فالبعض يمكن ان يخلطوا عن دراية او غير دراية بين كلمة " كلداني " كتسمية لعشيرة او لشعب سامي – عربي وثني متعدد الالهة، وبين كلمة كلداني كتسمية لكنيسة المشرق بعد ان عبرت هذه الكنيسة الى الكثلكة، فأعطى لها البابا اوجين او غيره تسمية الكلداني ليمكن التمييز بينها وبين الجماعات التي كانت تميل الى التسميات الأخرى، ومنها كنيسة المشرق، هذا مع العلم بأن فكرة البابا كانت فكرة كاثوليكية دينية صرف ولم تكن فكرة قومية بأي شكل من الأشكال.
كما يجب ان نميز بين تسمية الكلداني التي وضعها البابا المذكور للكنيسة المتكثلكة وكلمة كلداني " كلدنايا وجمعها كلدنايه " التي اطلقها النساطرة الذين لم ينضموا مع الأكثرية الى الكثلكة، لتحمل تلك الكلمة في بدايتها على الأقل معنى غير محبب وذميم Péjoratif اما مصطلح الكلداني الذي يروج له اليوم بعض السياسيين والمسيسين الذين نسميهم قومجية فهو ليس مجرد التباس لكنه كذبة وضعها المحتلون كشرط لمعاونتهم على الانخراط في صفوفهم لصنع ما سموه من باب الغدر: العراق الجديد. طبعا هناك نوع من التماثل بين كلمات ومعاني الكلداني المختلفة، الا ان هذا التماثل ليس تماثلا حقيقيا، اذ ليس هناك اساس مشترك بين هذه الكلمات. ففي الحقيقة ان هذا التماثل هو تماثل في ظاهره فقط وهو تماثل وهمي مبني على اكاذيب، وعلى امور غير تاريخية وحتى غير منطقية ومضللة. ان تشابه الكلمات هو تشابه مصطنع من اجل التضليل وهو تماثل خلقه سياسيون كذابون وعملاء اكثر مقدرة على الكذب والتضليل من سادتهم الانكليز اولا، ثم الأمريكان في ازمنتهم الشريرة ثانيا، فقد استفاد العملاء من التشابه السطحي والمصطنع للكلمات من اجل غش الناس وتضليلهم.
ولذلك فان الخلط بين هذه الكلمات واعتبارها معنى واحدا يسمى التباسا وهو ليس فقط خطأ، لكنه ضلال واكذوبة وتضليل ايضا يجب الحذر منه، والتعامل معه بالشكل الذي يستحقه، وليس بمجرد ان يصرح سيدنا مثلا ان ثقافتنا هي سريانية شرقية وغربية. نحن في هذه المسألة يجب ان نتخذ حلا جذريا يجنبنا كل هذه الالتباسات التي اوصلت البعض الى مسبات ضد من لا يقول مثلهم. وهكذا صرنا، وبسبب الطائفية والمذهبية وسياسة المحتلين المدمرة لبلدنا امام التباس بنيوي رباعي مصطنع بأوامر المحتلين، الأمر الذي شرذمنا اكثر بسبب مصالح كل واحد من عملاء المحتلين المهرجين للعراق الديمقراطي وللعراق الجديد وغير ذلك. يعني اننا صرنا مطايا للمحتلين ولم نحقق لأنفسنا وجماعاتنا المشرقية اية هوية ضائعة، في حين اننا غطينا الالتباس بمظلمات كاذبة، وتعال يا عمي طلع هذا الحمار من هذا الزرع.
وهنا اود ان اشير الى شخصين او الى جماعتين اعتمدا القومية بشكل مضلل ومضحك ومبكي وكاذب وسفسطائي في الوقت عينه. فالسيد يونادم كنا مثلا، ومعه رهط من منتحلي الآشورية له اسمان اسمه الحقيقي هو يونادم كنا واسمه الحركي، هو رابي ياقو. ولا ادري هل فكر يونادم كنا لحظة واحدة بأن اسم يونادم يفضحه بجلاجل، لأن هذا الاسم ليس اسما اشوريا وانما هو اسم عبري من جماعة العهد القديم يعني من جماعة بني اسرائيل؟ فــ/ يونادم بلغة بني اسرائيل كانت تعني الله ندم، حيث ان الكتاب المقدس كان يريد ان يقول بلغته البدائية وباسلوبه الأدبي الخاص بأن الله كان قد ندم على إغراق العالم بالطوفان. اما هذه الصيغة التعبيرية فقد كانت شائعة جدا في العهد القديم حيث ان اغلب اسماء بني اسرائيل المشهورين كانت تبتدئ بــ/ يو او بــ/ ياه او كانت تبتدئ بـ/ ايل مثل ايل شداي ويعني الله قوتي. وعندنا هذا الاسم الذي يجمع اسماء الاله كلها او اغلبها وهو ايل ياهو. كان عندنا معلم رياضة يهودي في تلكيف اسمه ايل ياهو. وبما ان يونادم يراوغ في هذه المسألة ويسفسط بشكل عشوائي ولا يحترم عقل الأخرين، وبدون ان تكون لديه ذرة من العلمية فليسمح لي بأن امزح معه واقول له: ان اسمك معناه بالعبرية ان الله ندم، اي ندم على خلق رابي ياقو او يونادم كنا، من كثرة اكاذيبه وبسبب نكران يونادم لأصله العبري حيث كل شيء، ومن ذلك اسمه وطقوس كنيسته السريانية القديمة جدا و نخنخته او خنخنته كما يشير بذلك السيد موفق نيسكو، كل هذه تدل على ان يونادم او رابي ياقو ليس اشوريا ولا كلدانيا ولا حتى سريانيا وانه من ظهر احد ابناء العهد القديم المسبيين الذين عبروا الى المسيحية في حوالي نهاية القرن الأول الميلادي، والفوا اول كنيسة مسيحية هناك في بلدة كوخي القريبة من طاق كسرى. ثم انتشرت كنائسهم في امكنة كثيرة من العراق. اما في مسألة الخنخنة او النخنخة وتقليب حرف الحاء الى خاء فلم نسمع يوما ان هذه الخنخنة كانت موجودة عند الاشوريين ولا عند الكلدان او بالأحرى السريان المشارقة. في مسألة النخنخة حكى لي يوما اسقف نسطوري النكتة التالية قال: كان يسوع ومار بولس يوما يتجاذبان اطراف الحديث في مكان ما من ملكوت السماوات ( الجنة ). فقال يسوع لمار بولس: قل لجماعتك بأن لا يسمونني مارن ايشوع مشيخا. فقال له مار بولس: انت موجب يا سيدي فانا يقولون لي بولس شليخا، (يعني بولس المسلوخ الجلد). فهل مثل هؤلاء الناس اشوريون او حتى سريان. لا يا سيدي يونادم، انت وجماعتك بالحقيقة والواقع لستم الا من " زب " او من ظهر جماعات من مسبيي بني اسرائيل الذين عبروا الى المسيحية، ولذلك بقيت لهجتهم، او لهجة احد اسباطهم واضحة عند العشائر التي تدعي اليوم كذبا انهم اشوريون، هم الذين كانوا قد هربوا من امام تيمورلنك الى منطقة هكاري وبقوا مدة طويلة هناك، حيث ربما كان لهم اهل او اصدقاء هناك. ثم ارادوا ان يعودوا الى العراق باسم الاشوريين حسب نصيحة الانكليز لهم، فتركهم الانكليز الى مصيرهم المحتوم بالقرب من بلدة سميل.
غير انه يبدو من كلام ابناء كنيسة المشرق الدارج من الذين جاءت لهم البشرى بلغة سريانية شرقية مهذبة جدا وذات قواعد ثابتة، انهم اما انهم يخنخنون بوضوح، واما ان الخنخنة تظهر عندهم من خلال بعض الكلمات فقط. فمثلا نحن في تلكيف نقول مشحا دكريهي مسحة المرضى ( مشحا بحرف الحاء لأنها كلمة تعود الى الطقس السرياني. لكننا نقول للدهن مشخا بحرف الخاء ونقول خمشا وليس حمشا السريانية ونقول شوخلابا وليس شوحلابا، وهكذا نجد في لغاتنا المشرقية الدارجة كلمات كثيرة تستخدم الخاء عوضا عن الحاء. غير اننا لا نشعر بهذه الكلمات لأننا لم نعد نعرف اللغة السريانية الفصحى التي جاءت بها البشارة المسيحية لجماعة المسبيين من بني اسرائيل ونحن منهم بأدلة دامغة كثيرة، غير التي ذكرناها، ومنها ان سنتنا المشرقية تقع في الخريف، اي انها سنة زراعية ، طبعا انت لا تعرف اننا كنا مثلا في تلكيف نخرج بزياح الى فناء الكنيسة، ملحنين للصيف المبارك القادم بغلاته الوفيرة حيث كان يسمى الصيف عندنا اب المساكين والفقراء. اما في بداية شهر ايلول فكنا ندخل بزياح ايضا الى داخل الكنيسة. يعني نحن كنيسة المشرق لم نكن نعيد اكيتو الوثني ولا اكيتا ولا رش شاتان الربيعية ولا نوروز الزرادشتية. اما ظاهرة النخنخة الظاهرة في لغاتنا الدارجة، نحن المشارقة، فانها تدل بوضوح على ان جميع المسيحيين المشارقة ينتمون بشكل او بأخر الى لغة احد الأسباط من مسبيي بني اسرائيل، وليسوا لا آشوريين ولا كلدانا بالمعنى القومي الوثني. اما مسألة انكم ايها الكذابون مسيحيون بالروح وآشوريون بالجسد، فهذه مسألة تجعل اي متطلع على حقيقة الانسان يستهزئ بها، لأنها مسالة خالية من المعنى، ولذلك ما عليك سوى ان تضعها في قنينة وتبللها عدة ايام وتشرب من مائها، لعله يعيدك الى رشدك وتبطل اكاذيبك. فبالحقيقة انت لست لا اشوريا ولا عبريا ولا مسيحيا ولا حتى مجرد علمانيا ملحدا، يبدو انك كل هذا بحسب الحاجة.
اما عودة يونادم البهلوانية الى قضية العرق الساذجة التي لا تقبل الالتباس فهي عودة اخرى فيها لا يحترم يونادم كنا نفسه ولا يحترم الآخرين. فــ/ يونادم ليس من ظهر اشوري ولا من حضارة الآشوريين ولا من عرق الآشوريين لآن الاشوريين وغير الاشوريين لم يكن لهم عرق خاص بهم ولآن العرق كان عرق جميع الذين كانوا قد نشأوا في الجزيرة التي لقبت بجزيرة العرب، اي الجزيرة التي كانت تقع غرب دجلة والفرات، حيث اننا نعلم ان حرف الغين لم يكن موجودا في جميع اللغات السامية – العربية، وان ما كان موجودا كان حرف الــ/ " ع " فقط. اما حرف الباء الذي انقلب في السريانية المشرقية المهذبة حرف واو فهو الآخر لم يكن موجودا لأن كل " باء " كانت تلفظ باءً وليس واوا. وهكذا حروف كثيرة مثل حرف Gamal كانت تلفظ Gamal وليس " ج " ولا " غ " وهلم جرا.
والآن اترك يونادم كنا وأتي الى عميل آخر من عملاء الاحتلال الأمريكي الذي يتكلم عن " خاهه عما كلدايا ". فكما كان كل شيء عند يونادم كنا يفضح اكاذيبه الآشورية، هكذا فان النخنخة او الخنخنة تظهر بوضوح في لهجة هذا الألقوشي العبرية، وهي لهجة احد اسباط او اكثر من اسباط بني اسرائيل، وليس من عما كلدايا ولا بطيخ، اللهم الا اذا كان يقصد الطائفة الكنسية ولكن في هذه الحالة ايضا فان الكلدان لم يكونوا "عما " وانما كانوا " اُمثا " مؤنث و ( مصغر عما ) اي طائفة، هذا واعتقد ان مسبات الأخرين البذيئة تفضح اكثر عمالته وعمالة المتكلدنين كائنا من كانوا، حالهم حال جميع العملاء الآخرين الذين نبتوا مثل الدغل السيء في ربوع العراق، وفي مناطق المهاجر، بعد 2003ويكفيهم خزيا انهم جميعا قد جاءوا: اما على ظهر الدبابات الأمريكية او جاءوا وراءها. كما عرفنا ذلك من اول ايام مجيء منتحلي الآشورية ومنتحلي الكلدانية. المساكين كانوا قد اخطؤوا الطريق بمجيئهم عندي لكي يكسبونني. !!! ثم في نهاية كلامي عن صاحب عبارة خاهي عما كلدايا، ماذا كان يقول لو ان مقبرة النبي ناحوم، او لربما مجرد ذكراه، لم تكن قائمة الى يومنا هذا على الأطراف القريبة من بلدة القوش.
الالتباس عند رؤسائنا الدينيين: في نهاية هذا المقال اود ان اضيف التباسا آخر عند رؤساء كنيستنا المشرقية. فهؤلاء الرساء يبدو عليهم انهم يريدون ان يمسكوا الحبل من طرفيه، وانهم في كل موقف وعند اي احراج تراهم يختبؤون وراء شعار قد وضعوه فعلا، لكنهم لا يبدو عليهم انهم حتى الان قد خطوا خطوة واحدة باتجاه شعارهم، ولاسيما في كل ما يخص التخلص من اكاذيب واساطير القرن الرابع المفروضة علينا كاثوليكيا ومشرقيا بدم بارد. غير اني لن اقول اكثر من ذلك في هذه الفقرة احتراما لرؤسائنا الذين تمسهم هذه الفقرة بشكل مباشر، هم الذين برعوا في قبول ما يثبتهم على مواقفهم واهمال كل ما يحركهم من اجل الاقتراب من الصدق في شعاراتهم. هذا، مع العلم بأنه توجد فكرة واضحة للتخلص من مساوئ عقائد القرن الرابع القرن اوسطية والتي كانت عائدة الى الثيوقراطية المسيحية في عهدها المتدهور. هذه الفكرة تتلخص بالتخلص الكلي من جميع العقائد التي وضعت في القرن الرابع من قبل مجامع غير مقدسة كانت مجامع القرن الرابع الميلادي، التي قسمت المسيحيين، ولاسيما الشرقيين منهم الى ثلاثة اقسام بدأ اللاهوتيون يقدمون اقتراحات لتفادي تلك الانقسامات بالقول مثلا ان نسطوريوس لم يكن نسطوريا وان المونوفيزيون كانوا يريدون ان يقولوا ما قالت به روما. وان الجميع ليسوا هراطقة، فحسنا وشكرا على هذا الفكرة الجميلة التي نالت استحسان الكثيرين ومنها استحسان سيدنا البطريرك لا بل استحسان روما، فبهذا الخصوص وكما اعلم، ربما كان القس ابراهيم، رائد التوفيقيين الأول، ثم في زمننا التقط الفكرة المرحوم الأب يوسف حبي، ثم مؤخرا ومن كرسي سلطته، التقط سيدنا الفكرة ودافع عنها وكأنها كانت قد صارت فكرته من الأساس، ولاسيما بعد ان تأكد ان تلك الفكرة لا تخالف رؤية روما، واخذ ينشرها بشكل رسمي في منشوراته. فهل يا ترى هذه الفكرة التوفيقية والتضليلية معا تجعل الانسان تقدميا وقابلا بالتغيير؟ بالحقيقة اذا نظرنا الى ما كان عندنا من شمولية الاعتماد على حرفية عقائد القرن الرابع الميلادي، فان في هذه الفكرة بعض التقدم الى الأمام، وقد تكون الوحيدة التي يوافق عليها غير الكاثوليك.
ومع ذلك نسأل ونقول: ترى هل ما قدمه وآمن به من زمان الأب ابراهيم ابراهيم (الآن سيدنا ابراهيم ) ثم الأب المرحوم يوسف حبي، المراوغ التوفيقي على طول الخط وغيره، هل هذا هو المطلوب من الرئاسات الكاثوليكية وغير الكاثوليكية ليعدوا انفسهم قد حلوا المشكلة؟ نحن نقول لهم، كلا انتم لم تحلوا سوى نصف المشكلة ولكن النصف الأخر ليس ما يمكن التسامح بإهماله، لأن المسألة بكاملها ومن جذورها هي الشرط الذي لابد منه Conditio sine quoi non لنصل الى الحقيقة ولا نكون نحن الكاثوليك كمذنبين شعرنا بذنبنا ونريد ان نتراجع عنه ( يعني نصير توابين ). ويبقى اخوتنا غير الكاثوليك منتصرين. بدون ان يستفيد احد من اعترافنا الناقص هذا وايضا تبقى المسالة برمتها قائمة. لماذا؟
ببساطة لآن ما سوف نقدمه للإخوة غير الكاثوليك يعني انهم كانوا يريدون ان يقولوا كما تقول به الكنيسة الكاثوليكية لكنهم اخطأوا في المصطلحات فقط. ولهذا كنا نحن الكاثوليك مخطئين عندما كنا نحسبهم هراطقة. يعني نحن نعطي لهم براءة الذمة من الهرطقة، هذا في حين ان اية دراسة يجب ان تقول بأن كل المسيحيين بكل فئاتهم كانوا هراطقة، يعني انهم الى حد هذا اليوم كانوا واقعين في خطأ اعتبار العقائد الأسطورية معصومة من الخطأ والهية، حتى اننا الى حد هذا اليوم نتلوا ما يسمى فعل الايمان في كل قداس وفي مناسبات كثيرة، ونحن رؤوسنا وزهرنا عند كلمة ونزل من السماء وتجسد من الروح القدس الى آخره. فلماذا يكون النساطرة والمونوفيزيون هراطقة ولا تكون الكنيسة الكاثوليكية بعقائدها الأسطورية هرطوقية هي الأخرى؟ هنا قد وضعت نكتة مقتبسة من الفولكلور تعبر عن الفكرة اعلاه. اما هذه النكتة فتقول:
كان اعرابي قد دخل مطعما وجلس على المائدة فجاء النادل وقدم له شوربة عدس. غير انه كان على المائدة القريبة منه فرنسيا يتعشى هناك، وكان قد جاء قبل الاعرابي، ولذلك كان قد بدأ بأكل قطعة الدجاج التي كان النادل قد قدمها له. فلما فرغ من اكل قطعة الدجاجة الأولى اتاه النادل فقال له الفرنسي انكور Encore وتعني هاتني قطعة اخرة. فأتى له بقطعة اخرى وواصل غداءه. فلما فرغ الاعرابي من شرب شوربة العدس قال للنادل انكور. فانطلق النادل واتى له بشوربة عدس ايضا. فقال الاعرابي: لماذا انكور هذا الفرنسي دجاج وانكوري شوربة عدس.
اما تطبيق المثل فهو تطبيق لاهوتي يقول: عجبا اساطير القرن الرابع الميلادي عند نسطوريوس وعند جماعة الطبيعة الواحدة هي هرطقة، بينما اساطير روما هي ايمان لا يجوز نكرانه؟ لذلك نقول: نعم عجباَ، فما يقول به جميع المذكورين يستند الى اساطير القرن الرابع الميلادي فلماذا تكون روما مالكة الحقيقة الايمانية بينما يكون الآخرون هراطقة ينتظرون القس ابراهيم ابراهيم والمرحوم الأب يوسف حبي وغيرهم لكي يبرؤونهم ويقولون عنهم انهم كانوا يريدون ان يقولوا عين ما قالته الكنيسة الكاثوليكية، بينما الجميع قد حادوا عن جادة الصواب الايمانية ولن يخرجوا من هاوية الهرطقة الا بالتبرؤ من جميع الأساطير التي تحولت الى عقائد ايمانية زورا وبهتانا من خلال ذراع امة قسطنطين الدينية الاقطاعية التي كانت قد جعلت من الكنيسة ذراعها اليسرى.
وهناك التباس في تطبيق شعارات رؤسائنا او احد شعاراتهم. فعندما نبهت غبطته الى ان مباركة عيد اكيتو لم تكن موفقة لجأ الى عذر كما يقال هو اقوى من الصوج، اي اقوى من الذنب، وقال واذن كيف يمكننا ان نعمل وحدة بيننها. هو يا سيدنا هل انت واثق ان يونادم كنا يريد ان يعمل وحدة معكم؟ ام يريد فقط تبرئة نسطوريوس من الهرطقة، وبعد ذلك كل واحد على دينو ( على دينه ). مع اني املك مقالا بسيطا وواضحا مكتملا حول امكانية توحيدنا في المسألة المشيحانية من دون ان نتفق على شيء مع احد، وذلك بحذف الهرطقة الكبرى الصادرة عن مجامع القرن الرابع الميلادي الأسطورية من جذورها. غير انه في رأيي لم ينتبه احد الى هذه المسألة خوفا من عدم رضا روما السلفية الأسطورية على ما اعتقد، فقد اهمل اقتراحي الواضح تماما. هذا وعندما كتبت مقالا كاملا، وخطوة بخطوة عن تقرير الأب نوئيل فرمان حول زيارة الكردينال بارولين امين سر الفاتيكان قبل سنة او اكثر، ايضا لم ينتبه احد الى ما كتبت مما يؤكد على ان كنيستنا ليست كنيسة مستقلة عن رغبات السلفية الفاتيكانية والسفارات البابوية لا في المسائل الكبيرة ولا في المسائل الصغيرة، حيث يبدو لي من كل ما جرى وما يجري من السفارة البابوية في العراق ليس اقل من تدخل سافر في امور كنيستنا، حتى يمكننا ان نشبه هذه السفارات بشرطة الأمن في الدول التعسفية والتي تفتش عن اية حركة تخالف العقائد السلفية الخارجة عن التاريخ لتجهضها بطرقها الدبلوماسية الخاصة، كما حدث مثلا في الاجهاض الكلي للمؤتمر البطريركي في زمن البطريرك روفائيل بيداويذ.
طبعا انا الآن املك مقالات كاملة تفضح اعمال السلفية منذ زمن البطريرك بولس شيخو مرورا بزمن البطريرك روفائيل بيداويذ ومشاريعه الكبرى الفاشلة ووصولا الى عميل كان مسخرا لإزاحة القس لوسيان جميل عن اي عمل في الكنيسة لا يعجب السلفية، الا وهو المطران المرحوم كوركيس كرمو، الذي كان قد فشل في مشروعه العدواني على القس لوسيان فشلا ذريعا، لآن ما كان يقوم به لم يكن من الله بل من الذين قيل عنهم انهم يقتلون المؤمنين ويحسبون انهم بعدوانهم يقدمون قربانا لله. علما بأن القتل لم يكن دمويا لكنه كان محاولة قتل الحق وروحه والمؤمنين بالحق المقاوم للسلفية الخارجة عن التاريخ وقتل المبشرين بهذا الحق، الذي هو حق مقدس وانساني، في حين كان السلفيون جميعهم " ضد حقوق الانسان تماما " وكانوا يستحقون ادانة قضائية كنسية او غير كنسية، ليس فقط في حياتهم ولكن بعد مماتهم ايضا، هذا مع اني لم اذكر جميع اعداء الحق ومنهم مثلا المطران اميل نونا وذيله القس هديل الذين بعد تقاعد القس لوسيان سلما كنيسة تلكيف الى يد السياسيين ونفذا كل ما كان السياسيون يطلبونه منهم حرفيا. اما في غير ذلك، فقد كان هذا الثنائي الحاقد على اعمال القس لوسيان التقدمية المواكبة للتاريخ قد امسك معولا بيده واخذ المطران وذيله الذكي جدا يهدم كل ممارسة تحترم حقوق الناس. ابطلوا التوبة الجماعية وابطلوا جميع ندوات تلكيف مع الشبيبة خاصة وانتهى تحذير الناس من ان يرموا بأنفسهم في احضان السياسيين والمسيسين، وانتهت سياسة استقلالية الكنيسة، كما ان القس هديل كان قد فرض على الأهل ان يعترفوا ويتناولوا مع اطفالهم، ولما سأل احدهم وكان مدرسا محترما اذا ما كان يمكن ان يعفى من مسألة الاعتراف كان القس الوقح قد قال له: اذا لم تعترف خذ ابنك واخرج. ولا انسى ان هذا الدكتاتور، كان يوقف حراسا بباب الكنيسة لكي لا يخرج احد من الكنيسة قبل انتهاء القداس. هذا ولم يتورع هذا الثنائي العميل، من ان يقص المذبح الرائع المنسجم مع سائر تفاصيل البناء، بعد ان كانت سيدة مهندسة معمارية قد صممت واجهة المذبح كلها ومن ضمنها المائدة التي كانت على شكل كأس قرباني، اما الرسوم الجميلة فكانت من انتاج المرحوم الفنان ماهر حربي. اما المذبح فقد كانوا قد رموه في معبد مريم العذراء ووضعوا عوضه مائدة خشبية مستطيلة بحجة ان ذاك المذبح لم يكن يسع اكثر من شخص واحد فقط، وهذه كانت اكذوبة، وحتى لو لم تكن اكذوبة كان يمكن ان يضيفوا من اليمين ومن يسار المذبح شمعتين يوسعان المذبح ولا يشوهانه، لكي يستطيع السلطان اميل ان يقدس وحواليه زمرة من القسس، ومنهم قسيسه المفضل هديل، هديل هذا الذي خرج من تلكيف وفي جعبته سيارة آخر موديل، وما خفي كان اعظم. هدية من الأحزاب السياسية التي خدمها واعطاها كل ما طلبت. اما هدية المطران اميل فالله وحده كان يعلم ماذا كانت. علما بأن جميع هذه الهدايا كانت في واقع الحال من جيب من نسميهم الآن اغنياء تلكيف المسيسين. هذا، مع العلم ان نصف نكبة تلكيف كانت كرد فعل وكانتقام لما كان قد عمله المطران اميل وذيله هديل بتسليم مفاتيح تلكيف الى السياسيين الذين كانوا مسيطرين على المنطقة بعد الاحتلال الغاشم. علما بأني لو اذكر من مساوئ الثنائي المذكور الا الشيء القليل جدا.
القس لوسيان جميل
25 – 4 - 2020
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/44153-2020-04-29-19-27-22.html
1011 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع