سيف الدين الألوسي
من الله تعالى بالكثير من الأماكن السياحية والأثرية والدينية في العراق . لو كان العراق بلدا مستقرا لكانت السياحة فيه بكل مفاصلها تتنافس بالمردود المالي مع مورد النفط وغيره من الموارد .
السياحة في البلدان المتقدمة صناعة وعلم وأستثمار كبير , يحتاج الى تسهيلات تبدأ من تأشيرات الدخول والمطارات وتنتهي بأبسط الخدمات المقدمة للسياح .
اليوم نحاول أن نكتب عن جدول صغير من الجداول المالية التي تصب في النهر المالي الكبير للسياحة في العراق إلا وهو البحيرات والمسطحات المائية فيه .
لنبدأ أولا ببحيرة الحبانية الواقعة على بعد ساعة أو أكثر قليلا بالسيارة من بغداد , بنيت على ضفاف بحيرة الحبانية عدد من الشاليهات وكازينو بسيط في فترة الخمسينيات من القرن الماضي ومقابل الجزء من القاعدة الجوية في سن الذبان ( قاعدة الحبانية القديمة ) , وكان فيها دار أستراحة بسيط جدا للبلاط الملكي , حيث كان المغفور له الشهيد فيصل الثاني ملك العراق يمارس رياضة التزحلق على الماء في بعض الأحيان , كانت العوائل العراقية والبغدادية تذهب الى الحبانية وقسم منها يؤجر بعض الشاليهات البسيطة ( كانت قسم منها تغرق في مواسم الفيضان وعند أرتفاع منسوب البحيرة ) , وقسم آخر يجلس بعيدا مع عائلته , وحتى العزاب كانوا يتصرفون بأدب تجاه العوائل المنتشرة , وخصوصا في الصيف !! كان هنالك شاطئ للسباحة رملي وطيني بسبب الغرين !
في منتصف السبعينيات بوشر ببناء مدينة سياحية فخمة ومحترمة على الضفة الجنوبية الشرقية للبحيرة , وبمسافة ثلاثين كلم جنوب مدينة الفلوجة , أفتتحت هذه المدينة الجميلة الراقية في ربيع سنة 1979 , وبأدارة فرنسية , حيث كانت تضم عددا كبيرا من الدور المؤثثة تأثيثا راقيا والمكيفة صيفا وشتاءا , وكانت الدور تحتوي على طرازين مختلفة في التصميم والأثاث , كذلك ضمت المدينة السياحية فندقا من خمسة نجوم يحتوي على غرف وأجنحة محترمة مؤثثة بأحدث أنواع الأثاث آن ذاك , كان في الفندق مسابح للكبار والأطفال بالأضافة الى المسابح العديدة المنتشرة بين الدور , كذلك ضم الفندق عددا من المطاعم والبارات والنوادي الليلية , بالأضافة الى مطاعم ونوادي أخرى رياضية وليلية منتشرة في أرجاء المدينة السياحية , وضمت كذلك مرفئا لتأجير الزوارق واليخوت الشراعية الصغيرة وغيرها من وسائل الترفيه المتعددة لكل الأعمار والفئات .
بقيت هذه المدينة السياحية الجميلة لمدة سنة تحت التشغيل من قبل الشركة الفرنسية , وكانت مثالا للنظافة والتنظيم والرقي على مستوى المنطقة والشرق الأوسط , بعد عام أعطيت الى مستثمر لبناني كانت له علاقات مع الحكومة وبدأ المستوى الخدمي ينخفض تدريجيا حتى تسلمتها السياحة سنة 1982 , أنخفض المستوى العالي السابق من ناحية الخدمات والأدامة بسبب عدم توفر الخبرات السياحية من ناحية وبسبب ظروف الحرب , ومع كل هذا بقيت هذه المدينة الجميلة المتنفس الكبير لسكان العاصمة وبقية المدن العراقية طيلة الثمانينات حتى بدأت بالأهمال التدريجي في التسعينيات ولحد اليوم .
البحيرة الثانية الكبيرة جدا والجميلة , هي بحيرة الثرثار , وهي أكبر بكثير من الحبانية وتبعد بنفس المسافة عن بغداد تقريبا , بدأ بأستغلال بحيرة الثرثار من قبل الناس في السبعينيات وبعد تبليط الطريق المؤدي لها من جهة الفلوجة , بنيت بعض الشاليهات البسيطة جدا والخشبية للزوار في تلك الفترة , ولكن هذه البحيرة الجميلة الكبيرة لم تستغل سياحيا بسبب وجود منشآت للتصنيع العسكري قربها , وبسبب وجود مواقع رئاسية على ضفافها مما حرم الكثير من العراقيين من زيارتها . في السبعينيات كانت تزورها العديد من العوائل , والكثير من الشباب والعزاب ( الزكرتية ) , ولكن بمناطق بعيدة عن تواجد العوائل وأحتراما للتقاليد .
البحيرة الجميلة الأخرى هي بحيرة الرزازة , وهي تمد بالماء من ناظم المجرة الآتي من الحبانية , وهي تقع على بعد خمسة كلم غرب مدينة كربلاء المقدسة , أيضا لم تستغل هذه البحيرة الجميلة من قبل الدولة والمحافظة رغم كونها قريبة على محافظات كربلاء وبابل والنجف والديوانية وبغداد . بدأت بحيرة الرزازة بالنضوب بسبب شحة المياه في الفرات والحبانية , ونأمل أن تعيد بريقها وتألقها وأستغلالها قريبا كونها متنفسا لكثير من العوائل في تلك المحافظات .
ننزل جنوبا الى بحيرة ساوة الجميلة قرب مدينة السماوة , وهي بحيرة شديدة الملوحة وتشابه طبيعة البحر الميت كثيرا , أستغلت بصورة بسيطة في السبعينيات ولكنها أهملت مع الأسف الشديد , رغم أمكانية أستغلالها وأستغلال مناظرها الخلابة .
من المسطحات المائية الفريدة بكل شئ في العراق والشرق الأوسط وحتى العالم , هي منطقة الأهوار , والغنية بمصادرها الجمالية والبيئية من طيور مختلفة وأسماك ونباتات , تمتد منطقة الأهوار على مناطق شاسعة وفي كل المحافظات الجنوبية والى حدود العراق الشرقية مع أيران , تأثرت الأهوار كثيرا بالعوامل السياسية والحروب والنزاعات الأقليمية , ومما سبب شحة مياهها وهجرة سكانها الأصليين الى المدن القريبة منها كالعمارة, والقرنة, والبصرة , والناصرية , اليوم وبجهود كبيرة من مهندس عراقي مختص بالبيئة هو عزام علوش تم أعادة تأهيل قسم كبير من الأهوار , وقد حاز على جائزة كبيرة دولية بذلك . نتمنى أن تعود تلك المناطق كما كانت وأن يتم أستغلالها سياحيا .( كتب عنها مقال وأستطلاع جميل جدا في مجلة العربي الكويتية في الستينيات ) , مع الأسف هذا العدد لا يزال في مكتبتي ضمن مجموعة العربي في بغداد وعسى أن لا يكون قد أكله العث !!!
نذهب الى البصرة الخالدة الجميلة وشط العرب وجداوله الجميلة المنتشرة بين غابات النخيل سابقا , تلك تحتاج الى مقالة منفردة وحدها .
نعود غربا الى بحيرة حديثة والتي غرقت بسبب سدها المشيد واحدة من أجمل وأقدم المدن في العراق وهي مدينة عنه , والتي نقلت الى موقع آخر سمي بالريحانة , لم تلاقي بحيرة حيثة الجميلة في أعالي الفرات أي أهتمام سياحي منذ أفتتاحها .
نتجه شمالا الى بحيرة تضاهي بحيرات سويسرا بجمالها وموقعها ولون مياهها , وهي بحيرة دربنديخان الجميلة والرائعة , والتي تقع شمال قضاء كلار وجنوب مدينة السليمانية , هذه البحيرة الجميلة تحيط بها الجبال الخضراء من كل الجوانب ولون مياهها الفيروزي هو أقرب الى صور الروزنامات !!!! في السبعينيات كنا نذهب اليها بصحبة بعض الأصدقاء ولكونها تبعد عن بغداد بحوالي ثلاث ساعات فقط , وهنالك في تلك المنطقة قال أحد الأصدقاء بأنه يتمنى أن يدفن في تلك المنطقة وشاءت الصدف أن يستشهد بعدها بعدة سنين عن بعد عشرين كلم منها !!!
هملت هذه البحيرة الجميلة ولم يكن بها أي أهتمام سياحي رغم جمالها الطبيعي الآخاذ أيضا بسبب الظروف السياسية والحروب المستمرة وعدم الأستقرار .
نعود مجددا الى بحيرة جميلة أخرى في كوردستان وهي بحيرة دوكان الواقعة غرب مدينة السليمانية وبأتجاه كركوك وكوي سنجق , وهي بحيرة جميلة لكنها بحسب رؤيتي المتواضعة ليست بجمال دربنديخان , كون الجبال المحيطة بها جرداء نوعا ما , بنيت مدينة متكاملة سياحية فيها نهاية السبعينيات وبدور مؤثثة جميلة , واليوم سمعنا بأنها من أهم الأماكن السياحية الجميلة في كوردستان , كذلك هنالك بحيرة سد الموصل التي بنيت فيها مدينة سياحية كانت ملاذا سياحيا للكثير من العراقيين ومن مختلف أنحاء العراق ,
كل الرجاء أن تكون تلك الأماكن الجميلة مقصدا ومصدرا ماليا للعراق وأهله ومشاريعا للأستثمار السياحي والأعماري والسكني والذي سيجلب العديد من رؤوس الأموال الى داخل البلد , ويوفر مئات الآف الوظائف ويساهم بنمو تلك المناطق ثقافيا وعمرانيا , والله من وراء القصد.
987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع