بيلسان قيصر
الم تكفيكم مليارات العراق يا كويت؟
لا أحد ينكر ان العراق كان المصٌد الأول لما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية، فبعد أن نجحت هذه الثورة البائسة تم سن الدستور المذهبي (الإثنى عشري)، وكان من أهم بنوده تصدير الثورة الإسلامية الى الدول المجاورة والتمدد الى المحيط الإسلامي، وكان العراق المحطة الأولى للمخطط الايراني الإستيطاني، على اساس وجود نسبة كبيرة من الشيعة فيه، ولاحلام فارسية في إعادة مجد السيسانية الرميم، ومازالت هذه الفقرة الشاذة في الدستور الإيراني، ولكن الميليشيات الشيعية في العراق غيرت مفهوم تصدير الثورة الصفراء الى (مشروع الخميني)، ولو رجعت الى تصريحات المسؤولين العراقيين الولائيين ستجد انهم يكررون هذا المفهوم، بمعنى انهم الوسيلة الإيرانية لتحقيق هذا المشروع الإستيطاني الحقير في المنطقة، وكانت الخطوة الايرانية اللاحقة بعد العراق هي السعودية والبحرين والكويت كما تضمنته الخطة الخمسية الايرانية، سيما ان شرق السعودية فيه غالبية شيعية، وعملت ايران على زرع الخلايا النائمة بمساعدة حزب الله اللبناني في دول الخليج، وخلية العبدلي التي اكتشفها السلطات الكويتية دليل على قوة هذه الخلايا، ان ما اكتشف لا يمثل 1% من مجموع الخلايا النائمة، وربما هي أكثر من الخلايا الصاحية في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وأشد خطورة منها.
كان العراق أو من أدرك وحذر من خطر الثورة الإيرانية، وصدرت المئات من الدراسات حول مخطاطات هذه الثورة الحمقاء، في الوقت الذي كانت الدول الإسلامية تستبشر خيرا بهذه الثورة، مع ان الخميني في أجابة على سؤال حول مصير الجزر العربية الثلاث التي احتلتها ايران، اجاب بإمتعاض ان الشعب الايراني هو الذي يقرر مصيرها، ونبين ان الخميني اختزل الشعب الايراني بنفسه فقط. لم يكن للشعب الايراني سيما بعد ان قام الخميني بتصفية الحركات المعارضة للشاه وأستتب الأمر له الا وتكشفت اوراقه عن طاغية جديدة لا مثيل له في المنطقة.
بعد أن تمادى النظام الايراني في الإعتداءات على العراق وتحريك شيعة العراق من خلال العزف على الوتر الطائفي، ومناداة الخميني للمقبور محمد باقر الصدر للقيام بثورة ضد البعث الكافر حسب تسميته، وما تلاه من تدخلات سافرة في الشأن العراقي الداخلي، تغيرت المعادلة الى إعتداءات عسكرية من خلال القصف المدفعي للمخافر الحدودية العراقية، والغارات الجوية على المناطق الحدودية، وعلى الرغم من صبر العراق، واعلام الأمم المتحدة بهذه الاعتداءات بمذكرات رسمية الا ان النظام الايراني العنجهي لم يرعوي، واستمر في عدوانه، وأدلج فكرة خبيثة جديدة وهي (ان تحرير القدس يمر عبر كربلاء)، وكانت قراءة خاطئة من الناحية الجغرافية والعسكرية والسياسية دفع ثمنها لاحقا رغم أنفه، مع رشفة من كأس السم.
خلال ثمان سنوات قدم العراق ما يقارب المليون عراقي ما بين شهيد ومعوق وجريح، واستنزفت الحرب كل موارده، وأفلست ميزانيته، ولا يمكن ان ينكر اي عراقي حجم المساعدات الخليجية للعراق خلال حربه مع ايران، لكن العراق كان البوابة الشرقية، لولا صموده لأبتلعت ايران دول الخليج كافة بسبب محدودية قوتها العسكرية مقارنة لقوة ايران العسكرية، لذا فدول الخليج مدينة في أمنها واستقرارها وتقدمها الى العراق الذي دافع عنها خلال ثمان سنوات وأفشل مخططات نظام الملالي، ولا يمكن ان تساوي حجم المساعدات التي قدمتها دول الخليج للعراق حمام الدماء العراقي. المواطن أعز واكثر قيمه من كل الثروات، هذا هو المنطق السليم.
لكن مع الأسف بعد إنتهاء الحرب العراقية الايرانية بدأت دول الخليج تحيك المؤمرات ضد العراق من خلال التلاعب في أسعار النفط وشد قبضتها اكثر على رقبة العراق المخنوق اقتصاديا والمكبل بالديون الخارجية، وكانت مأساة غزو الكويت، ولا أحد يجهل ان هذا الغزو كان بمعزل عن ارادة الشعب العراقي، بل ان معظم قيادات العراق لم تكن تعرف به، كان الأمر قد صدر من الرئيس الراحل دون ان يستشير أحد، اذا ليس من المنطق تحميل الشعب العراقي كلفة خطأ ارتكبه الرئيس الراحل، وهذه حقيقة يدركها الشعب الكويتي الشقيق. وبعد انتهاء الغزو قام العراق بتسديد الديون للكويت واعاد معظم الممتلكات التي صادرها العراق، وبقيت بعض المسائل العالقة والتي تتعلق بالأسرى والشهداء الكويتيين.
بعد االعزو الامريكي للعراق وسقوط النظام السابق اراد العراق ان ينفتح على الدول المجاورة، وكانت الكويت والسعودية هي الدول التي مهدت للغزو وانطلق من أراضيها، ويمكن للعراق ان يطالب الكويت والسعودية بدفع تعويضات عن عشرات الآلاف من القتلى وتدمير الركائز الأقتصادية الرئيسة في العراق، ولكنه لم يفعل. وفي الوقت الذي تنازلت معظم الدول الدائنة للعراق عند ديونها، بما فيها الدول الغربية، استمرت الكويت بحلب العراق بشكل يدعو للريبة، علما انها استولت على اراضي عراقية وآبار نفط في الرميلة وتوغلت في الحدود البحرية على حساب العراق. لقد حصلت الكويت على أضعاف ما خسرته خلال الغزو من الناحية المادية، ويفترض ان تتخذ مواقف ايجابية مع الشعب العراقي والتوقف عن استنزاف موارده، العراق جار دائم للكويت، والشعب العراقي غير راض عن موقف الكويت، ويفترض بالكويت أن تحسب حساب المستقبل مع جارها العراقي، ان الضغوط الكويتية والتجاوزات المستمرة من شأنها ان تفجر صبر الشعب العراقي، وقد يحصل ما لا يحمد عقباه، فالحكمة تتطلب اتخاذ مواقف ايجابية ونسيان الماضي، فالحاضر والمستقبل هو الأهم للشعبين الشقيقين، ولات ساعة ندم يا كويت.
بيلسان قيصر
البرازيل
شباط 2020
1026 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع