القس لوسيان جميل
الشعار البطريركي
1 – شعار التجدد
ان شعار التجدد في الكنيسة الصادر من غبطة البطريرك بمناسبة جلوسه على السدة البطريركية هو شعار مغر وجميل ومطلوب مسيحيا – كنسيا – وانسانيا وعلميا، نظريا وظاهريا على الأقل. . . فقبل ست سنوات من الآن كنت قد وضعت مقالا على احد المواقع بعنوان: اسمع كلامك اصدقك ارى اعمالك اتعجب. كما كنت قد اقتبست ذلك العنوان من صديق نسيت اسمه الان بسبب ضعف ذاكرتي الحالية. فلما وضعت نصف جملة من عنوان المقال المذكور على محرك البحث كوكل انفتح امامي المقال كاملا على موقع الكاردينيا وباسمي الشخصي وبصورتي، حيث كان الموقع المذكور قد اقتبس هو الأخر مقالي من غيره لأهميته حينذاك. اما المقال فقد كان موجها الى السيد اوباما الذي كان قد نسي وعوده الانتخابية وعمل بالضد تماما من تلك الوعود تجاه العراق المحتل.
بعد هذه المقدمة ارى ان اسأل واقول: يا ترى هل تصح مقولة: اسمع كلامك اصدقك ارى اعمالك اتعجب على شعار التجدد البطريركي ؟ اما الجواب على التساؤل حول شعار التجدد الذي وضعه غبطته فليس بالسهولة التي يضنها البعض من المتصيدين في الماء العكر. فنحن لسنا في معرض نقد غبطته ولا نقد اي من السادة الأساقفة على مناوراتهم الكلامية وعلى اقوال كثيرة يقولونها ولا يقصدون تطبيقها في الواقع، اي يقولون كلاما يتعارض تماما مع اعمالهم. ( لا اقصد اعمالا شائنة ) حاشاهم. ففي الحقيقة نحن لا نعذر الكتبة والفريسيين الذي يقول انجيل متى انهم يقولون ولا يفعلون ويحملون اثقالا ثقيلة للناس وهم لا يلمسونها بطرف اصبعهم، لكننا نعذر غبطته والسادة الأساقفة على سلفيتهم وعدم رغبتهم في التجديد. واذن، لماذا يختلف حكمنا على الفريسيين والكتبة عن حكمنا على غبطة البطريرك والسادة الأساقفة.؟ الجواب اننا نصدر حكما مختلفا على صاحب الغبطة والسادة الأساقفة لأننا ببساطة نثق بحكم متى الانجيلي، ولأن متى وسائر الرسل كانوا منخرطين في الصراع مع الكتبة والفريسيين وسلفيي حكام العهد القديم بشكل جدلي Dialectique كانت الغاية منه ازاحة سلفية مسؤولي امة العهد القديم الدينية الثيوقراطية، بعد ان كانت تلك الأمة في زمن يسوع ورسله قد تحولت الى امة فاشلة، وكان ضررها قد صار اكثر من منفعتها. كما ان متى وسائر الرسل كانوا مؤمنين بامكانية ازاحة طغمة حكام العهد القديم عن كاهل ابناء الأمة، وازاحة حضارة الأمة الدينية وشريعتها عن كواهل ابناء العهد القديم، واتيان بحضارة مناسبة فيها يحترم الله كل انسان بكونه انسانا ولا يفرق من حيث الكرامة بين انسان وآخر. الأن نقول ان الانسان نفسه، وبناء على طبعه الانساني، يكتشف فشل النظام الديني الذي يكون مفروضا عليه من خارج ارادته، ليبدله بنظام حضاري آخر يرتاح اليه الانسان ذاته ويختاره بحريته، لأنه يرى فيه نظاما يحقق له حاجته الى الكرامة والعدل والمحبة، بشكل افضل، مع ملاحظتنا ان الانسان في الحالة الجدلية يتحول في نظره ما هو ثانوي ومرحلي الى ما هو مطلق، يمكن ان يتحول المؤمن بنظام الحضارة الجدلية الجديدة ان يتحمل كل الصعوبات وحتى الموت في سبيل ما قد صار مطلقا في نظره الجدلي الانقلابي.
اما نحن ابناء كنيسة المشرق الكاثوليكية فنعرف رؤساءنا الاجلاء جميعا بشكل جيد لأنهم من طينتنا، ولأننا كلنا: جماعة الاكليروس والمؤمنون العلمانيون مؤمنين مثلهم. في حين ان جماعة الاكليروس كلهم لا يختلف واحدهم عن الآخر سوى بالتخويل الكنسي وبالخدمة الموكلة اليه. واذن فالفارق بين رجل الاكليروس وآخر هو فارق عرضي مؤسساتي لا يشمل كل مهمات الحياة. فالقسس قد درسوا العلوم التي درسها رؤساؤهم الذين نحبهم ونضع علمنا في خدمتهم وخدمة الكنيسة، كما ان اي قسيس يمكن ان يكون قد تعب على نفسه ونال علما لاهوتيا نظريا وعمليا اكثر من رؤسائه، او مثل رؤسائه، ولكن الواحد يصير رئيسا والأخر يعمل العمل الذي هو مؤهل له من موقعه القسسي فقط. علما بأن الناتج الايماني لأي قسيس يمكن ان يوازي ويماثل الناتج الايماني لأي من رؤسائه، او ربما يزيد عليه. هذا مع العلم ان مداخلتي الشخصية قد اتت على طلب من غبطة البطريرك، هذا الطلب الذي كان موجها للاكليروس وربما للعلمانيين على حد سواء. وبما انني شخصيا ارى ان لي موهبة الكتابة فحزمت امري وشرعت بالكتابة عن احوال الكنيسة من نواحي عديدة، وقد انتجت الى حد الان اكثر من عشرين مقالا في المواضيع التي احسبها كانت مطلوبة من القسس وربما الأساقفة ايضا. اما هذا المقال فيندرج تحت باب الشعار البطريركي: التجدد. علما انه قد سبقته عدة مقالات عن الشعار البطريركي ايضا بأبعاده الثلاثة فضلا عن دمج شعار الكنيسة العام وما يسمى ايضا صفات الكنيسة وهي: كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية.
والآن نعود الى موضوعنا اعلاه ونتكلم عن حكمنا على سلفية غبطة البطريرك وعدم حماسه للتغيير الكبير في مجال اللاهوت والطقوس الدينية واكتفائه ببعض التغييرات الثانوية التي لا تحرك ماء البركة الراكد اكثر مما يفعل القاء حصاة صغيرة في البركة. اما جميع الأساقفة ففي نظري ليسوا افضل من غبطته في مجال التغيير. فلماذا لا يجب ان نقسوا معهم مثلما فعل الانجيلي متى مع الكتبة والفريسيين؟
هذا، وجوابا على السؤال اعلاه نقول: نحن ايضا مثل الانجيلي متى نعرف غبطة البطريرك ونعرف حالة رؤسائنا الأخرين الذين نحبهم، كما اسلفت، لكننا نرى اننا لا يمكننا ان نحكم عليهم بقسوة كما فعل الانجيلي متى مع الكتبة والفريسيين ورؤساء الأمة الدينية، فنحن، ومن خلال تحليلنا العلمي اللاهوتي نعرف جيدا لماذا يعرف رؤساؤنا الحقيقة ولا يتمسكون بها، او بالأحرى يتهربون منها بحجج كثيرة. ففي الحقيقة قد يكون تهربهم من التجديد لكونهم يرون ان تغيير هذا الواقع السيء يتطلب مجهودا هم غير قادرين عليه لأسباب: منها ما يتعلق بوظيفهم، ولا نقول برسالتهم، ومنها ما يتعلق بطبيعة كل منهم، والتي قد تكون طبيعة توافقية تجعلهم يحسبون ان التغيير التدريجي هو الأهون والأصوب، ويسمحوا لأنفسهم ان يسوفوا الاصلاح الى مدى غير منظور عادة، دون ان يخطوا خطوة واحدة حقيقية باتجاه التجديد. هذا، وقد يكون البعض غير مستعد اصلا لتضحية كبيرة، حتى لو لم تكن بحجم التضحية التي عملها معلمنا يسوع، عندما قبل الموت من اجل ان يغير عالم العهد القديم الى عالم العهد الجديد، وليس لكي يخلصنا من تبعات الخطيئة الأصلية الاسطورية التي نجدها في سفر التكوين الذي ليس او لم يعد كتابنا المقدس، على الأقل من منظور علمي حضاري. فضلا عن ذلك، قد يمتنع غالبية رؤسائنا عن التجديد بسبب تمسك اغلبهم بامتيازاتهم الكنسية الكثيرة وبتيجانهم وصولجاناتهم الامبراطورية، وبسلطة شبه الهية لا توجد الا في لاهوتهم الاسطوري عن ألوهية يسوع. واخيرا وليس آخرا، قد يكون امتناع رؤسائنا عن حمل صليب التجديد، وان كان اخف من صليب يسوع، بكونهم لا يعرفون الطريق الذي يبرر خروجهم عن التقاليد الدهرية المتأصلة، ولأن احدا لم يدلهم على هذا الطريق، في حين ان يسوع كان قد دل رسله على الطريق قائلا: انا هو الطريق والحق والحياة.
غير ان تلك الكلمات التي كانت تريد ان توجه الرسل الى الرسالة الانقلابية الحضارية الايمانية والى معرفة وجه الهها: اله العهد الجديد، كان الرسل قد فهموها جيدا، في حين ان الكنيسة قد ادلجت تلك الكلمات واعطتها معاني الهية مغايرة لمفهومها الجدلي الديالكتيكي ووجهتها نحو وجهة غيبية سماوية كعادتها في امور ايمانية كثيرة تهربا من الواقع الانساني الجدلي، وقفزا من فوق متطلباته في التجديد المستمر لكل الحياة الحضارية والدينية والطقسية، لكي تكون الكنيسة مواكبة لحركة العالم الدائمة.
وعليه نرى ان نقول: اذا كان الطريق الذي يؤدي الى خروج الكنيسة الكاثوليكية من العقائد الأسطورية صعبا جدا، على الرغم من معرفتنا بالصفة الأسطورية لتلك العقائد التي تمنع صيغتها الأسطورية الكنيسة من اي تأويل وتأوين او حذف، فكم يكون صعبا تأويل وتأوين اية صفة Note من صفات ( سمات ) الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية واعطائها المعاني الحقيقية الواقعية التي يجب ان تحملها من جديد، بعدما شحنتها الكنيسة التقليدية بمعاني سماوية الهية ابعدتها عن واقعها وطبيعتها الحقيقية، بحيث كان يتعذر معها توافق ابناء الكنيسة كلهم على معانيها المزورة التي كانت قد شوهت لكي تحمل معاني يمكنها ان تتفق مع العقائد الأسطورية التي اتت بها مجامع القرن الرابع وقسمت الكنيسة بحسب المدارس الفلسفية التي كانت تحملها كل جماعة في ذلك الزمن.
ثم نضيف: اذا كان التحرر من عبودية عقائد صنعتها المجامع في القرن الرابع فقسمت كنيسة يسوع الى بدع وطوائف، واذا كان من الصعب جدا ان تجد الكنيسة معاني جديدة تعرف المعاني القديمة: كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، فكم يكون صعبا تجديد فكر ولاهوت وطقوس واحياء تراث لم تمسه يد التجديد منذ قرون عديدة؟ واذا كان مثل هذا التراث لا يعد تراثا مندثرا فمتى يكون الاندثار اذن. فهل يعقل الآن ان يقوم غبطة البطريرك لوحده بإحياء ذلك التراث الذي لم يكن اصحابه قد عملوه سوى لأنفسهم وليس لغيرهم، طالما ان ما حصل على يد الأجداد كان صحيحا وجميلا ومفيدا لهم فقط دون غيرهم؟ وهل يصح ان نتمسك بعبارات وحركات وكلمات ومواعظ لم يعد لها معنى في ايامنا. فاذا سمينا اعادة الماضي بحرفيته الى التداول، ترى الا يكون ذلك ضحكا على الذقون وذر الرماد في العيون؟ ولكن بعيون من يا ترى؟ بعيون الشيوخ والعجائز وبعيون السياسيين المقربين من السلطات الدينية ام بعيون المتنورين بنور جديد هو وحده نور الحقيقة، مماثلا لنور يسوع؟ هنا نعتذر ونمتنع عن الإجابة، لأن الاجابة معروفة لدى الكثيرين.
هذا، وفي غير ذلك، وبناء على ما حدث بعد ان اطلق المرحوم البطريرك روفائيل بيداويذ حملته الوحدة الفاشلة، وبعد ان تم تشكيل لجنة من السلفيين المشهورين بسلفيتهم البغيضة والتي كان من توصياتها ان نعود الى وضع قريب مما كان عليه آباؤنا المشرقيون، وما تمارسه الآن اقلية نسطورية او مشرقية قديمة من عادات بالية لم تتغير منذ قرون عديدة، مع ان ابناء هذه الجماعة نفسها لا نجدهم ملتزمين بممارسات آبائهم المفترضين. هذا وقد لاحظت في حينه ان اللجنة كانت كلمة تقترح على الكنيسة تبديلا تقول مجاراة لاخوتنا المشرقيين. اما الآن فأقول كما كنت قد قلت سابقا بأننا نحن المشرقيين الكاثوليك الأكثرية الساحقة نسبة الى المشرقيين الأخرين لذلك لسنا مستعدين لآن نضحي بكثلكتنا على خاطر اناس ليس لهم اي هم مسيحي غير الهم القومي المنتحل. وكنت قد قلت في حينه: هل يجب ان نصوم كذا ايام مثلا، كما كان يفعل اجدادنا ويعمل حتى اليوم الاخوة النساطرة حتى اليوم؟ ولكن هل تعد وتحصى القضايا التي يجب تصحيحها لأنها اصبحت قضايا بائدة لا تخصنا؟ نعم يجب اليوم اعادة النظر الدقيق بكل طقوسنا وكل وصايا الكنيسة اسوة بما صار في الغرب، وربما نحن بحاجة الى هذا التصحيح الشامل اكثر من الغرب، لأن مؤمنينا متعودين على قياس تدينهم بطاعتهم السلبية لرؤسائهم. ولكن لان نعمل ذلك من اجل كنيسة قومجية لا تهمها المسيحية بشيء. كما كنا نعرف ذلك من زمان، وكما عرفنا ذلك مؤخرا من تصريحات سياسيي الجماعات المذكورة وعلى رأسهم السيد يونادم كنا، هذا الرجل الذي ينادي بقوميته الأشورية في حين ان اسمه الحركي هو يونادم الذي يعني: الله ندم بلغة العهد القديم. كما يوجد اكثر من خمسة عشر بطريركا واسقفا وقسيسا وشماسا يحملون هم او آباؤهم اسم اسرائيل. كما يقول السيد نيسكو. اما الاسماء الأخرى فمشتقة من اسم يسوع او تحمل اسم احد الانجيليين او الرسل. اما اسم مريم فهو الطاغي بين اسماء النساء وكذلك شموني ودانيال الخ الخ ... ولا نجد بين اسماء المشرقيين كاثوليكا وغير كاثوليك اسما واحدا اشوريا او كلدانيا او حتى سريانيا آراميا ... فهل ترون الجدل المنظم المقاد بالرموت كونترول او بأوامر الأسياد مباشرة ؟
فضلا عن ذلك نسأل: ترى هل من السهل على مؤمنينا المعاصرين ان يصدقوا قسسهم عندما يجدونهم يتمسكون بتراث كله اساطير متسلسلة ومرتبطة بعضها ببعض بشكل قوي جدا، او يجدونهم متعصبين لترث لم يعد فيه شيء من التجديد الحضاري الذي شاهده المؤمنون الأولون عندما دخلوا الى مسيحية كانت معجونة بالعهد القديم ومستلزماته، من بناء لاهوتي اسطوري تابع كله الى سفر التكوين، ومن اضافات امة العهد القديم، ومن شرائع وممارسات وهيكل وكهنوت وذبائح وتوجه مستمر نحو اله يتدخل في الشؤون الكبيرة والصغيرة للأمة الدينية الثيوقراطية وافرادها، وان عن طريق مرجعياتهم، كما يشاهدون بشكل عام اضافات لاهوتية لقبت يسوع بالمسيح وجعلته نازلا من السماء ومرسلا من الله لخلاص العالم من الخطيئة الأصلية، وعن ان الكنيسة هي ملكوت الله الجديد والكهنوت هو كهنوت يسوع المسيح البديل لكهنوت العهد القديم الوظيفي، واورشليم اصبحت هي اورشليم العليا والخ والخ. وتعال ايها المعاصر وافهم شيئا مما يقال!! علما ان الأناجيل نفسها لم تكن منزهة عن الخلط المشئوم بين العهد القديم بالعهد الجديد، حتى لا نكاد نعرف احيانا اذا ما كنا، نحن ابناء كنيسة المشرق، امام العهد القديم ام امام العهد الجديد، بسبب عدم وجود فاصل علمي حقيقي بينهما. فما قد حصل بالحقيقة هو ان الوهم الكنسي العام قد فرض على كنيسة المشرق كل التاريخ الأرشيفي الأسطوري وكأنه تاريخ حقيقي يستحق التمسك به من اجل خلاص وهمي في العالم الآخر، ربما ليس بعد الموت مباشرة، ولكن في نهاية العالم الأسطورية ايضا.
هذا، وبناء على ما جاء اعلاه نأمل ان يكون التاريخ الحضاري العلمي – الفلسفي الحكم على كل الخلافات بين السلفية والمعاصرة العلمية، وما يمكن ايضا ان نسميه العلمانية المؤمنة التي تقبل فلسفيا وجود الله او الخالق كعلة اولى اوجدت العلة الثانية ( وكمخلوق متحرك يتطلب خالقا ثابتا ازليا )، كما يمكن للتاريخ الحضاري ان يفهمنا حقيقة انتقال الانسان من حقبة حضارية – دينية دنيا الى حقبة حضارية دينية افضل.
لا استطيع هنا ان آتي بأمثلة لكثرتها, وقد افرد لها مقالا خاصا بها. غير ان ما يزيد الطين بللا هو التدخل السياسي الحديث في الشؤون المسيحية الذي اوجده القومجية باختراعهم وانتحالهم قوميات مندثرة لم تكن ولم يستطع احد من القومجية ومن اسيادهم ان يثبت انها كانت قومياتهم. ذلك ان القومجية انفسهم، اي المتأشورون والمتكلدنون قالوا لي بعظمة لسانهم ان المخابرات الأمريكية قد طلبت منهم ان يتخذوا لهم مرجعيات قومية لكي تعترف بهم امريكا وتساعدهم، ولا يبقوا على الانتماء المسيحي السياسي. غير ان هذه القوميات، وعوضا عن ان تكون عونا للمسيحيين، على اقل افتراض، قد صارت فرعونا عليهم، كما صارت البديل لايمان ديني روحي بعد ان وجهت ابناء كنيستنا من الايمان الحضاري المرحلي الى قوميات مندثرة ليس فيها نسمة حياة روحية فرضت على الناس بسبب ما سمي النظام العالمي الجديد وما سمي ايضا بالعراق الجديد والفوضى الخلاقة. ولذلك لا نتعجب ان تصير القوميات المنتحلة جزءا من مشكلة الحكم الصحيح على ما يسمونه التراث المشرقي النهريني الخادع، وليس عونا له.
غير اننا امام هذا الغش والخداع الذي تقوى وتثبت بعد الهجمة الأمريكية على بلدنا وعلى الشرق الأوسط تحت بند الربيع العربي، نرى انفسنا نسأل ونقول: ترى هل يخاف رؤساؤنا من ان يردعوا هؤلاء القومجية عن وقاحتهم وعلى تدخلهم في شؤون ايماننا المسيحي وفي شؤون كنيستنا وعلى هدم هذا الايمان بتوجيه المؤمنين وجهة قومية زائفة بعيدة عن الواقع؟ هنا فقط اجيب واقول: ولماذا لا يخافون، وهم يعرفون ان القومجية يسندهم من اجرهم لهدم المسيحية المشرقية وتبديلها بقوميات منتحلة ومندثرة ولا يمكن ان تطالهم يد احد، كما يمكن بأكاذيبهم المدروسة واختفائهم وراء الفيس بوك واسماء مستعارة ان يهينوا اي احد من دون ان تطالهم يد العدالة او يعرف المسيحيون المساكين من هو هذا الوغد الذي يتجاسر على رؤساء كنائسنا وعلى كل من يعارض عمل العملاء المرتزقة بنقد حقيقي.
ولكن، واعجبي! اذا كان هؤلاء القومجية الذين يكذبون ويضللون الناس بأساليبهم الشيطانية، بهذا المستوى من الأخلاق الميكيافلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) قد نجحوا في تضليل كثير من المرضى النفسيين الضعفاء، فهل يعقل ان تؤثر اكاذيبهم على رؤساؤنا الأجلاء ايضا، وكلهم اناس لهم دراسات فلسفية ولاهوتية ومشرقية جيدة؟ نقول نعم ذلك يعقل لأن رؤساءنا جميعهم لم يكونوا مهيئين لهذا الكم من الغوغائية التي سماها عتاة العالم بــ / الفوضى الخلاقة. نعم لم يكونوا مستعدين لمجابهة الفوضى الخلاقة هذه، لأن هذه الفوضى جاءت على شكل تسونامي مدمر.. فاستسلم الكثير منهم للقدر ظانين انها الوسيلة الوحيدة لحماية انفسهم وحماية مسيحييهم. علما بأن السبب عينه هو الذي الجأ كثير من رؤسائنا الى من كان يستطيع ان يحميهم في وضعهم ذاك، حتى وان كان كل السياسيين الذين كانوا قد لجئوا اليهم او تقربوا منهم قد حاولوا ان يستفيدوا سياسيا من اولئك الرؤساء. فهل عرف المشككون الفيسبوكيون خاصة لماذا نعذر اليوم رؤسائنا على تمسكهم بالماضي الأسطوري، ولماذا نقف معهم في محنتهم هذه التي هي محنتنا ايضا.
هذا، من جانب، اما من جانب آخر، وهنا نعود الى اول ايام الاحتلال عندما كان كل شيء واضحا ومعلوما، سواء من حيث نية المحتلين انفسهم ام من حيث نية من جاءوا على او خلف دباباتهم. هذا، ومن يدري ربما كان الأمر قد اختلط على الكثيرين واختلط على رؤسائنا ايضا، بسبب التباسات كثيرة مثل حروب العراق الطويلة التي نسبت بشكل خبيث الى المرحوم صدام حسين، في حين اننا نعلم علم اليقين ان تلك الحروب ومنها حرب ايران وحرب الكويت وغيرها كانت قد حدثت بحسب تخطيط المحتلين انفسهم الطويل الأمد، علما بأن صدام حسين لم يستطع تفادي تلك الحروب، وهنا كان ضعفه الحقيقي وخطؤه السياسي. واذن وكعادة الشعوب الضعيفة غالبا ما تناصر القوي، لأن ما يهمها اولا في السلام حتى لو كان ذلك على حساب احتلال بلدهم. فهل هذه هي الظاهرة التي بررت ان تظهر غالبية ابناء الشعب العراقي ارتياحهم من احتلال العراق، وبررت تضبب الرؤية المبدئية امام عيون رؤسائنا وكثير من اكليروسنا بحيث قبلوا ورددوا شعارا وضعه المحتلون في السراديب المظلمة هو شعار العراق الديمقراطي والعراق الجديد وتبعه بعد ذلك العراق الفدرالي، وهكذا بقي العراق فريسة مستمرة من اول يوم من ايام الاحتلال الأسود الى يومنا هذا، وبقيت الأكاذيب تتولى حتى يومنا هذا، وبقي المخدوعون يلوكون ويعلكون عين العلكة التي كان المحتلون قد وضعوها في افواههم وهم يتغنون بهذه الجهة او تلك ويضعون املهم في هذه الجهة او تلك، وفي كل مرة كان المحتلون يخيبون امل الجميع.
وهكذا ايضا برهنت الأيام ان ظن رؤساءنا بالاحتلال والمحتلين لم يكن في محله فانقلبت الأمور رأسا على عقب على رؤوس المسيحيين الذين تشتتوا في اربعة جهات المعمورة، كل جماعة كيفما استطاعت. هذا مع العلم ان كل ما حدث الى حد التفاصيل كان بمعرفة المحتلين ومشيئتهم، وبعلم من وثق بهم من المسيحيين بسذاجة وقصر نظر. علما ان اثناء المد الجهنمي، وبعد ان عملت رشوة السيد سركيس اغاجان ظهر لنا ان بعض القسس الانتهازيين الذين كانوا موالين لوضع الاحتلال كانوا يتحكمون بأساقفتهم بشكل واضح ويجعلونهم يرضخون لما تريده الأقدار لهم، كما كانت تقتضي مصلحتهم. فبعد كل هذه المآسي التي لم يعمل احد من الحكام العراقيين الجدد ومن المنصبين من قبل المحتل نفسه، كما لم يعمل المحتلون انفسهم على تجنيبنا تلك المآسي، مما يثبت ان الأمر كان مدبرا برضى من ذكرناهم جميعا، فهل يا ترى لم يحن الوقت بعد لكي يغير رؤساؤنا الأجلاء من خارطة طريقهم السياسية غير المسيحية ومن سياستهم المسيحية الفارغة من المبادئ المسيحية الواضحة بشكل رهيب، عوضا عن ان يلقي بعضهم على بعض تبعة فشلهم وضعفهم المبدئي؟ اؤمل ان الوقت قد حان، ولي الثقة ان غبطة البطريرك وبعض الأساقفة الأخرين ربما يحاولون ان يجدوا الفرصة لهذا التغيير الذي يجب ان يتزامن مع تغيير شامل لكل مفردات ايماننا المسيحي، على المستوى النظري والعملي، او اقله على المستوى العملي، كما كان قد عمل المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ، قبل ان يقضي عليه النظام العالمي الجديد على يد البابا يوحنا بولس الثاني.
اما الآن فأقول لغبطته ولأساقفتنا الأجلاء ما قاله يسوع لتلاميذه: انتم في العالم لكنكم لستم من العالم. نعم سيدنا البطريرك وسادتنا الأساقفة انتم بإنسانكم الجسدي داخل هذا العالم السخيف الشرير القاتل، بقوتكم وضعفكم البشريين، كما كان يسوع يرى نفسه داخل عالم امته الثيوقراطية الدينية المدنية، بجسده الضعيف الهزيل، لكنه كان بروحه وبمبادئه وايمانه يرى نفسه خارج عالمه التقليدي السلفي الفاشل وكان يرى نفسه مسؤولا عن اخراج عالم امته من عالمها القديم الفاشل الى عالم جديد افضل. كما ان يسوع كان يعلم تلاميذه على هذا المبدأ الرائع الناجح بشكل حتمي. اما نحن المسيحيين فيا ترى الم يحن الوقت لكي نشعر اننا كنا نعيش في الوهم الذي عاش فيه الكتبة والفريسيون ومعهم من كان يتبعهم بشكل اعمى. اما حان الوقت لنعرف اننا كنا نعيش ضمن عقائد اسطورية حصرتنا في دائرتها الغيبية الأسطورية، كما كنا نعيش ضمن تقاليد شرقية نوهم انفسنا انها كانت عادات وطقوسا واخلاقيات وافكارا لاهوتية جميلة ورائعة ولا يوجد لها مثيل؟ وبعد هذا الضيم الذي وقع علينا الم يحن الوقت لنسحب ثقتنا من المحتلين ومن اذنابهم، ومن القوميات المندثرة وادعاءاتها الكاذبة بأنها وسيلة خلاصنا؟ الم يحن الوقت بأن نعرف ان مهمتنا البطريركية لم تعد مهمة طائفية كما كانت في الأزمنة الغابرة كلها، لأن تلك الايام الطائفية كانت قد انتهت من ان نال العراق استقلاله الفعلي. الم يحن الوقت لتقولوا للقومجية الطائفيين بأن العودة الى الحالة الطائفية ليست من اختصاصكم، لا بل ليست من اختصاص احد، لأن زمن الطائفيات قد انتهى في العالم كله، وان مشيئة الأمريكان ومشيئة المرحوم بريمر ليست اكثر من مشيئة مصطنعة سياسية مآلها الى الزوال. فالبطريرك في زماننا يجب ان يعود الى مهمة رئيس اساقفة والجامع لهم وليس رئيس طائفة ومؤمنيها. وهكذا الأساقفة هم رؤساء ابرشيات من حيث الرسالة المسيحية وليس من حيث التنظيم السياسي، حتى لو قام البطريرك والأساقفة بأدوار طائفية لضرورة وضعنا الراهن المنحل بكل مفاصله. على ان تبقى الكنيسة في كل الظروف العين الساهرة، ليس على الطقوس المسيحية، ولكن على الفكر المسيحي والايمان المسيحي الذي يجب ان يكون متحركا مع الزمن ويحتاج باستمرار انبياء وكفاءات لمعرفة توجه الايمان والفكر عندما يغادر اية مرحلة قديمة بكونها صارت فاشلة، على ان يستطيع الأنبياء الجدد والكفاءات من اكليروس وعلمانيين، كل من موقعه، ان يلقوا نظرة الى التغيير الكبير الجوهري الذي حدث مع يسوع، والذي قد تمثله كنيسة الدياميس فقط وليس كنيسة قسطنطين الملك وعقائده القاتلة للمسيحية. اما بالنسبة لنا فنرى ان ما يسمى اللاهوت المشرقي لم يكن سوى لاهوت بدائي جدا، كما كان لاهوتا معجونا بلاهوت العهد القديم الثيوقراطي. الأمر الذي يصح على طقوس كنيستنا المشرقية وعلى احاسيسها وعلى رموزها واخلاقياتها، لذلك يدعونا ذلك اللاهوت وتلك الطقوس والممارسات لتأويل وتأوين كبيرين، وليس الى الرجوع اليها كما كانت على علاتها. هذا، اذا احتجنا اصلا الى العودة العملية الى تراثنا وحضارتنا المشرقية في زمن العولمة الحضارية التي نعيش ضمنها، والتي تحاول ان تصهر كل الحضارات في حضارة واحدة وتقريبها من بعضها، الأمر الذي لا اقول انه سوف يحصل عندنا وانما هو حاصل فعلا شئنا ام ابينا، فنحن فعلا نعيش زمن زوال الحدود بين الحضارات واذن، وسواء كان عالمنا مرا ام لم يكن، آمل واتمنى لكم رؤسائي الأحباء ان تتحرروا من هذا العالم الشرير وتخرجوا خارجا عنه، ولا تجعلوه عبئا ثقيلا على صدوركم وصدور المؤمنين، فأنتم بالحقيقة ستنجحون فقط عندما تتمسكون بالإيمان المسيحي خارج اية عقائد اسطورية، غربية كانت ام مشرقية، فضلا عن استعداداتكم الذاتية الخاصة بكل منكم، على ان يكون هناك توافق بين استعداداتكم ونياتكم الحسنة وبين ايمانكم المسيحي غير المزور والمخطوف من قبل السلفيات الغربية والشرقية، كما هي عادتها. نعم ستنجحون اذا عرفتم ان تكونوا بانسانكم الجسدي المادي داخل عالمكم - عالمنا الشرير المزمع ان يزول يوما، كما تكونون خارج عالمكم – عالمنا، بروحكم وبتطلعاتكم وبسياستكم وبطقوسكم وبمشاعركم المسيحية الانسانية الحقيقية وغير المشوهة بالأمور السياسية. فهكذا تصيرون ملح الأرض، كما يقول الانجيل: انتم ملح الأرض فاذا فسد الملح وتشوه فبماذا يملح.
فما اتمناه منكم ولكم هو ان تكونوا ابناء المستقبل المشرق، مهما طال الزمن، ولا تكونوا ابناء الحاضر الكذاب. تطلعوا الى عالم الغد الذي يجب ان يكون مختلفا عن عالم ايامنا العجاف التي نمر بها. كونوا ابناء النور وابناء العالم المغاير للعالم المحتضر والذي يختلف جوهريا عن عالم الظلام. فعلى الأقل اصنعوا فيما بينكم وبين محبيكم ومحبي العهد الجديد الآتي حتما، ما نحب جميعا ان نكون عليه عندما تنجلي الغمة عن بلادنا وعن العالم، فنكون جميعا مهيئين ومستعدين للبدء برسالة العالم الجديد: مثل الرسل، ومثل العذارى العاقلات اللواتي كانت قد اخذت زيتا كافيا لمشاعلهن. فلما حضر موكب العريس في منتصف الليل دخلت العذارى العاقلات الى حفلة العرس ثم اغلقت الأبواب وحرمت العذارى الجاهلات غير المستعدات للدخول الى حفلة العرس.
القس لوسيان جميل
4 -12 - 2019
1061 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع