دلع المفتي
في ندوة جماهيرية التقيت بناشطة حقوقية معروفة، سلمت عليها، وحييتها بما تستحق، وفجأة ظهر من خلفها رجل مدّ يده لي وعرّفني بنفسه قائلا: مرحبا.. أنا «زوج الست». لم أتمالك نفسي من الضحك، رغم تقديري للرجل ولتواضعه وثقته، ولسخريته من نفسه، والتي أحسبها حركة ذكية منه استبق بها من قد يسخر منه.
رجل استثنائي بالطبع، ففي الغالب، وفي بلادنا خاصة، يحب الرجل أن يكون في موقع المانح، المعطي، المتفوق، الحامي، المنقذ، القائد، الملهم.. باختصار: الأهم، ويعتمد كثيرا على إمكاناته المادية في تكريس موقعه في العائلة، ويسعى لأن يجعل زوجته تستمد أهميتها ووضعها الاجتماعي من مكانته ووضعه. فإن شعر أن زوجته أصبحت بمكانة أهم، اقتصادياً أو علمياً أو مهنياً أو اجتماعياً، داهمه الخوف على كينونته (الذكورية)، فيبدأ بمحاربتها والوقوف في وجه نجاحها والحد من تفوّقها، معللا مواقفه بتقصيرها في شؤون العائلة تارة، وفي شؤون أولادها وطبخها تارة، وفي شؤونه الخاصة معظم الأحيان.
مازال الكثير من الرجال يرفضون فكرة تفوّق الزوجة على الزوج، سواء في التعليم أو المنصب أو المركز، أو حتى في الشهرة، استنادا إلى موروثات اجتماعية وعادات وتقاليد أعطت الزوج صفات «فوقية»، تمنحه وحده حق الأفضلية. ففي مجتمعاتنا يرفض الكثير من الشباب التقدّم لخطبة فتاة تفوقهم علماً أو شهادة أو مركزا، وإن حصل التفوق بعد أن «وقعت الفاس في الراس» أي بعد الزواج، عادة ما يؤدي هذا الطموح الأنثوي إلى صراع خفي غير معلن بين الزوجين يحاول فيه الزوج الوقوف ضد تطلعات زوجته، وإعادتها إلى حيث يريدها.. في جيبه الخلفي مثلا.
ربما يوما ما، سنستطيع تقبّل مفهوم «زوج السيدة» كما تقبلنا ولقرون مفهوم «حرم السيد»، و«سنهضم» ما هضمه زوج الملكة إليزابيث، وزوج مارغريت ثاتشر وبناظير بوتو، وغيرهن ممن غطين بشهرة أسمائهن أسماء أزواجهن، وكانت لهن المكانة الأهم في العالم. المسألة ليست صراعا بين شخصين، ولا هو سباق للوصول لنقطة نهاية. هو إنجاز شخصي لأي منهما، وعلى الآخر تقبّله بصدر رحب.. مع قليل من فخر.. إن أمكن.
الرجل الضعيف، المهزوز هو من يرى في تفوّق زوجته، جرحاً لرجولته، متكئاً على مفاهيم وتقاليد بالية، مصغياً الى الهمز واللمز، معتمدا على تفاسير غير محققة لنصوص دينية ما أنزلت إلا لتقدير المرأة، وفسّرها البعض للإقلال من شأنها. أما الرجل المتزن الواثق من نفسه، (وهو استثنائي بالمناسبة)، فيسرّه نجاح زوجته وتفوقها لسببين: أولهما طموحها وإنجازها الشخصي مما يشكل فخرا لها وله شخصيا، وثانيهما لمعرفته الوثيقة أن دعمه ومناصرته، ومساحة الحرية التي وفرها لها، ساهمت، ولو قليلا، في مساعدتها لتحقيق طموحها.. ففي النهاية «بعض» الفضل يرجع إليه أيضا.
يقال «وراء كل رجل عظيم امرأة»، وأقول أيضاً «وراء كل امرأة عظيمة رجل استثنائي».
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع