ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
تاريخ هجرات العراقيين في العصر الحديث
وأنا اقرأ عن (هجرة الشوام ) سواء في سنوات 1830 و1860 وما بعدهما تذكرت هجرة العراقيين ، ولااعرف أحدا كتب دراسة أو اطروحة عن ( تاريخ هجرات العراقيين في العصر الحديث ) ...العراقيون المعروفون بتشبثهم بالارض وحبهم لبلدهم ولا أحسب ان العراقيين هاجروا وتركوا بلدهم قبل سنة 1958 ؛ ففي هذه السنة وفي يوم 14 تموز سنة 1958 حدثت ثورة 14 تموز - يوليو التي اطاحت بنظام الحكم الملكي وقد تأسست جمهورية العراق ، وكان من نتائج هذه الثورة أن ترك العراق الاف من الناس معظمهم من انصار ومؤيدي النظام الملكي أو قل المحسوبين على النظام .تركوا العراق هم وأسرهم وجل هؤلاء ممن تولى مناصب وزارية او من كانت لديه وظيفة رفيعة او ممن كان يعمل في القصور الملكية الهاشمية أو ممن كان يعمل في السلك الدبلوماسي او ممن كان يدرس على حساب الدولة من ابناء الطبقة السياسية التي حكمت العراق بين 1921-1958 .واستطيع ان اسمي تلك الهجرة ب( الهجرة الاولى ) وكانت وجهة هذه الهجرة إما لبنان أو بلدان اوربا الغربية وخاصة الى انكلترا .
و(الهجرة الثانية) كانت مع فشل حركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل في الموصل في 8 اذار -مارس سنة 1959 وجل الذين هاجروا من العراقيين ممن كانوا شيوعيين او من المسيحيين الذين تورط بعضهم بتبني الشيوعية . وكانت وجهة قسم من هؤلاء الى الاتحاد السوفيتي السابق او الى الدول الاشتراكية. كما ان كثيرين من هؤلاء ذهبوا الى الولايات المتحدة الاميركية وكان من هؤلاء مسيحيون من الموصل وخاصة من تلكيف وباطنايا وتلسقف .
ولم يكن الامر يقتصر على هجرة الشيوعيين بل ان القوميين والبعثيين وبعضا من ذوي الاتجاهات الاسلامية تركوا العراق بعد فشل حركة الشواف في الموصل الى الجمهورية العربية المتحدة اي مصر وسوريا بعد وحدة 22 شباط - فبراير سنة 1958 .
و( الهجرة الثالثة) كانت بعد سقوط نظام حكم الزعيم عبد الكريم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 وهذه الحركة التي عرفت بإنقلاب 8 شباط -فبراير سنة 1963 فقد غادرت مجاميع ممن كانوا يعملون في وزارات ومؤسسات ودوائر ونقابات وتنظيمات النظام القاسمي الى خارج العراق واتجهت الى بلدان الشرق والغرب ويقينا اننا لانمتلك احصاءات عن عدد من هاجروا من العراق سواء في الهجرة الاولى او الثانية أو الثالثة .
وبعد سنة 1968 اي بعد انقلاب 17 تموز –يوليو تصاعد تيار الهجرة من العراق لأسباب سياسية وفكرية تحدث عنها الدكتور هاشم نعمة في محاضرة له بعنوان ( هجرة العراقيين : إتجاهاتها وتأثيراتها ) في التجمع الثقافي العراقي في مدينة دلفت في هولندا يوم 15-5-2004 ووجدت ملخصا لها في موقع ( الحوار المتمدن ) ، وهذه هي ( الهجرة الرابعة ) وشملت الهجرة كوادر متخصصة وكفاءات متميزة واستشهد المحاضر بالعديد من المعطيات الإحصائية التي تؤكد ذلك . منها دراسة صادرة عن الأمم المتحدة سنة 1974 قدرت أن 50% من حملة الشهادات الجامعية ( البكالوريوس ) في العلوم الهندسية و 90 % من حملة شهادة الدكتوراه كانوا خارج العراق .
وجاءت ( الهجرة الخامسة ) بعد سنة 1979 واندلاع الحرب العراقية - الايرانية التي استمرت ثمان سنوات من سنة 1980 الى سنة 1988 وكانت هجرة كبيرة لكننا ايضا لانمتلك احصاءات لها .
و(الهجرة السادسة ) كانت في اوائل التسعينات من القرن الماضي وترافقت مع دخول العراق للكويت في 2 آب -اغسطس سنة 1990 والحرب التي عرفت ب(حرب الخليج الثانية ) وكانت ايضا هجرة واسعة ومعظم من هاجر وعن طريق تركيا او سوريا كانت نحو الولايات المتحدة الاميركية وبلدان الغرب الاخرى . وطبيعي ان من اسباب الهجرة هو البحث عن حياة وفرص افضل ورغم ذلك معدلات الهجرة طبيعية، وكان أكثر هؤلاء يسافرون من أجل العمل والإقامة المؤقتة، ثم يعودون بعد فترة لبناء بيوت لهم والاستقرار في مدنهم وبين عوائلهم.
وموجة النزوح الكبيرة التي أعقبت ذلك حيث نزوح مليونان من المواطنين الأكراد ومئات الآلاف من سكان الجنوب في 1991 وتوجه قسم كبير منهم إلى تركيا وإيران .حيث وصل عدد اللاجئين العراقيين إلى ذروته في إيران ( أكثر من مليون وربع ) في سنة 1992 . وأورد الدكتور هاشم نعمة مقارنات بين عقدي الثمانينات والتسعينات للاجئين العراقيين في أوروبا والدول الصناعية الأخرى التي بينت تصاعد وتيرة الهجرة في العقد الثاني . وتوجه إلى الدول الصناعية 51005 لاجئا عراقيا في سنة 2002 وهو أعلى رقم سنوي يسجل على الإطلاق في هذه الدول لكنه أنخفض إلى 24700 في سنة 2003 . ويبدو أن سقوط النظام هو العامل الأساسي في هذا الانخفاض الذي سيتصاعد مع التعقيدات التي واجهها العراق بعد الاحتلال الاميركي له سنة 2003 وما بعد ذلك . وعلى صعيد العالم احتل اللاجئون العراقيون من الناحية العددية المرتبة الأولى في سنة 2002 .
وجاءت ( الهجرة السابعة ) بعد الاحتلال الاميركي للعراق في التاسع من نيسان سنة 2003 وقد غادرت مجاميع كبيرة من الشباب ومن الاسروالعوائل العراق متجهة الى اصقاع الارض الواسعة وكان معظم من هاجر في كل الهجرات هم من ذوي الكفاءات الطبية والهندسية والعلمية سواء من الاطباء او المهندسين او اساتذة الجامعات . لقد دفع الإحتلال الأمريكي للعراق وما تبعه من حرب طائفية وفساد سياسي ومالي بمئات الآلاف لمغادرة العراق بشكل دائم، أو لعدة سنوات حتى استقرار الأوضاع وعودتها إلى شكل طبيعي على الأقل، وخاصة بالنسبة للذين أقاموا في سوريا والأردن ومصر ثم خرجوا عن طريق اللجوء الإنساني عبر منظمة الأمم المتحدة، ثم كانت أحدث موجات الهجرة الجماعية سنة 2015، حيث توجه عشرات آلاف الشباب نحو دول أوربية، كألمانيا وفنلندا وبلجيكا والسويد وغيرها.
اما ( الهجرة الثامنة ) فكانت بعد سيطرة عناصر داعش على عدد من المحافظات العراقية وهي محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار 2013-2017 ، وكانت وجهة هذه الهجرة التي ابتدأت سنة 2014 الى تركيا واليونان وبعض بلدان الغرب .
لقد بلغت اعداد العراقيين الذين يعيشون اليوم خارج العراق ممن هاجر عبر كل هذه الهجرات الثمان ارقاما كبيرة اخمنها بالملايين الاربعة .وقد قرأت ما اشارت اليه وكالة ( يقين ) للانباء حيث اوردت في تحقيق لها ان من ابرز المشكلات التي يواجهها من يتصدى لمشكلة الهجرة هي غياب الاحصاءات وحتى الحكومة العراقية من خلال وزارة الهجرة والمهجرين تفتقد الاحصائيات الدقيقة وقد قال الناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين ، ستار نوروز، الذي تحدث لـ( وكالة يقين) ، فإنه لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد هؤلاء المهاجرين، لكن توجد أرقام تشير إلى حجم تواجدهم في بعض الدول الإقليمية أو الأوربية، وقد نشرت بعض المنظمات المهتمة بتوثيق أعداد المهاجرين إحصائية حول تواجد العراقيين في الخارج، وبحسب هذه الإحصائية التي حصلت (وكالة يقين) على نسخة منها، فقد بلغ عددهم ما يقارب الأربعة ملايين شخص، وكانت الأرقام كالتالي:
في تركيا 800 الف، وفي الولايات المتحدة الاميركية 360 ألفا، وبريطانيا حوالي 450 ألفا، أما السويد فيبلغ عددهم 280 ألفا، وألمانيا حوالي 190 ألفا، وهولندا 150 ألفا، وفي بلجيكا: 90 ألفا، والدانمارك 150 ألفا، وسويسرا 40 ألفا، أما المتواجدين في أوربا الشرقية فعددهم نحو 20 ألفا، وفي أستراليا ونيوزلندا حوالي 100 ألف، وكندا حوالي 100 ألف، وفي فرنسا 10 آلاف، والنرويج 35 ألفا، وفنلندا 20 ألفا، ومصر 150 ألفا، والأردن 200 ألف، ودول الخليج واليمن 100 ألف، ولبنان 50 ألفا، وليبيا وشمال أفريقيا 30 ألفا، وإيران 300 ألفا، وبلدان أخرى متفرقة 100 ألف.
ومعظم من هاجر ، كان ممن يحملون شهادات جامعية ومن المختصين ومن اصحاب رؤوس الاموال من التجار والصناعيين والفنانين والطلبة ومن الشباب ومن الكفاءات ويقينا ان هذا أثر على الاسرة العراقية فقد اسهم في تفكيكها .كما أحدثت الهجرة اختلالا في البنية الاجتماعية .
لقد خسر العراق كثيرا من جراء تلك الهجرات وكان لتلك الهجرات أثر سلبي على واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية العراقية الأمر الذي افقد البلد دماءَ واموالا وطاقات كبيرة ومؤثرة لذلك قمين بنا ان نقدم دراسات علمية تتناول هذه الظاهرة ظاهرة هجرة العراق لنكشف عن اسبابها وتأثيراتها السلبية على المجتمع العراقي .
614 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع